إذا دانت مصر لأحد بثورة 25 يناير المجيدة، فهي مدينة للشباب الحر أولاً والشعب الذي التحم به بكل فئاته بعد ذلك.. وقناة الجزيرة ثانيًا.. لا أشك في ذلك ولا أتردد! وإعلاميًّا هي لا شك صاحبة الفضل الأول على هذه الثورة المباركة: خدمة، وإبرازًا، وتلميعًا، ومدافعة! وهي - ولا شك - التي حمت بتقاريرها ومتابعاتها وحواراتها وتحليلاتها دماء الألوف من هؤلاء الشباب الميمون، قبل أن تسحقتهم مصفحات وعربات وأسلحة حماها إرهابيو النظام الدكتاتوري البغيض؛ دون أن يحس أحد أو يرى أو يعترض.. كما رأينا في السيارتين اللتين دهستا المصريين في الشوارع، وفضحتهما الجزيرة، وكما فعل نظام حافظ أسد في الثمانينيات.. والظلم كلة ملة واحدة! هي إضافة مميزة فذة للرأي الحر، الذي لا ينخدع ب(التشويح) والتشويه، ولا يخضع للضغوط، ولا ينحني للتهديد! هي التي أقلقت راحة ساكني البيت الأبيض، و10 داوننج ستريت، وساكني الإليزيه والكرملين، وإرهابيي تل أبيب، وقصر القبة.. وحرمتهم النوم! وأجبرتهم أن يعلنوا رفضهم لنظام مبارك السفاح، بعد أن كانوا يدعمونه، ويمولونه، ويغدقون عليه، حتى خربها (وقعد على تلها) ثلاثين حولاً لا أبا له! احتقرها الرئيس الوطني الديمقراطي بتاعنا، الحريص على البلد الذي خدمها حتى (انهد حيله من الخدمة) حين زارها، ووصفها بأنها علبة كبريت (هي علبة الكبريت دي هي اللي مولعة الدنيا؟!) لكنه لم يدرك آنئذ أنها ستخلعه عن كرسيه بجدارة، وستدق المسامير في نعشه باقتدار، وتحرمه التمتع بثروته المنهوبة، وتصيبه بجلطة دماغية لن يفيق منها! فضحت بلطجية الأمن، والشرطة التي تضرب في المليان، والقناصين في الأدوار العليا، وكشفت كيف كان الهارب عبيب الحادلي يدير عصابات البلطجية، ويدمر أمن البلد، ويلفق التهم، ويدير حفلات التعذيب، وينتزع الاعترافات، ويجهز التفجيرات! وهي التي عرّت بجدارة العورة المغلظة للمذيعين اللزجين السخفاء والجهلة، من تافهي القنوات الرسمية المصرية، الذين لم يستحوا أن يتحدثوا عن أمجاد النظام، وإنجازات الزعيم الملهم، ونزاهته، وطهارة يده؛ رغم أن المجلات والقنوات الأجنبية تتحدث عن الروائح العفنة الفائحة، والمليارات السبعين المنهوبة، والموجودة في بنوك بريطانيا وسويسرا كما ذكرت الجارديان! ذلك الإعلام الغبي القذر الذي لم يستح أن يسلط الكاميرا على عشرات الألوف ممن يرفعون الأعلام، ويهتفون ضد النظام، ثم يسأل واحدًا من رويبضات الحزب الواطي الديمقراطي، ليسأله ببلاهة عن هذا التجمع (هو فيه إيه؟).. فيقول الشاب (الروش) بغباء يحسد عليه: دا فرح واحد صاحبنا، بس هوّ بتاع سياسة يعني، علشان كدا جايبين الأعلام دي.. وبمنتهى الاستخفاف بعقول المشاهدين، وإهانة لذكائهم، قال المذيع المبدع: (شفتم؟ علشان بس الناس اللي بتقول في مصر ثورة وحاجات من دي. أهو طلع فرح)! ويا فرحة أمك بك أيها المذيع الخفيف، ويا فرحة أنس الفئي بغبائك.. ويالمهانة الإعلام حين يكون فيه أمثالك من الغشاشين التافهين! صار الكبار يتهافتون على الظهور على شاشة (علبة الكبريت) الهائلة هذه، ويسعون لأن تستضيفهم، لأن ذلك تشريف وتلميع وبروزة! وأبرزت أسماء تستحق نياشين شرف لوطنيتهم واقتدارهم: سيف الدين عبد الفتاح، وعزمي بشارة، وجورج إسحاق، وصفوت الزيات، وعبد الحليم قنديل، والقرضاوي، وحافظ سلامة، واللواء زاهر، وحمدي قنديل، وهيكل، وهويدي، وحلمي القاعود، ونوارة نجم وأعدادًا لا أستطيع إحصاءها.. شوهها أقزام الإعلام والدعاية الصفراء، وقالوا إنها مأجورة، وإنها عميلة، وإنها خوافة، وإنها وإنها! لكنهم لم يدركوا قوة تصميم من فيها على فضح الزيف، وتسليط الأضواء على البؤر العفنة، والسلوكيات العفنة، والولاءات العفنة، والنفوس العفنة! فيها مذيعون تراهم لأول مرة فتنزلق عنهم عينك، فإذا خبرتهم وجدتهم نماذج رفيعة للحرفية والاقتدار والتصميم والاعتزاز بالنفس، والصبر وطول النفس، والقدرة على المحاورة، واستخراج دفائن من يحاورون! تتبعهم المخبرون والبلطجية والصهاينة، والخائفون من الفضائح، وكسروا كاميراتهم، وصادروا معداتهم، وحبسوا حرياتهم، وسجنوهم، ودمروا مكاتبهم - بل وقتلوا منها أكثر من بطل وبطلة في تغطيات خارج مصر - فلم يثنهم ذلك عن المضي فيما يفعلون، غير آبهين بما يعانون، فالحقيقة عندهم أعلى، والحرية في فهمهم أغلى! طردوهم من الفندق الذي نزلوا به، بضغط من الأمن، وأفلس بعض واحتاج المال، فكان الموقف المدهش للشباب الثوار الذي هتفوا لهم، وجمعوا لهم الأموال ليستمروا في التغطية حتى وصلهم الكاش! وأبرزت شبابًا كالنجوم الزهر في تغطياتهم الصحفية الدقيقة: داود حسن، وأيمن جمعة، وعبد الفتاح فايد، وأسماء مراسلين إقليميين كثيرين أسقطتهم الذاكرة، وإن لم يسقط أجرهم من ربهم الكريم، وتقديرهم في قلوب المحبين! ورابط فيها عدد من المقاتلين من أبطال الإعلام الهادف الرشيد: خديجة بن قنة، وربى خليل، ومنى سلمان، وليلى الشايب، وأحمد منصور، وجمال ريان، ومحمد كريشان، وعلي الظفيري، وعبد الصمد ناصر، ومحمود، وآخرين تسقطهم الذاكرة التي غدت غربالية مثقوبة! انحناءة إعزاز وشكر مني للجزيرة العظيمة، ونجومها الأبطال.. أبطال حرية الرأي، والحقيقة! وأقترح على رئيس مصر القادم قريبًا أن يكرم كل المذيعين والمراسلين فيها، أولئك الذين وصلوا الليل بالنهار لفضح البلطجية والإرهابيين الرسمييين، ولزقات النظام العفن.. وأقترح على سمو أمير قطر أن يكرم نجومها الساطعة تكريمًا يليق بسموه وبهم.. وأرشحها - إن كان ترشيحي مقبولاً - لتنال جائزة نوبل للسلام؛ لدورها الرائد والرائع في حرب غزة وثورة البوعزيزي، وفي ثورة 25 يناير 2011 وثورات كثيرة قادمة إن شاء الله تعالى! فهل توافقني قارئي العزيز؟ ___________________ قال مطر: هو من يبتدئ الخلق.. وهم من يخلقون الخاتمات! هو يعفو عن خطايانا.. وهم لا يغفرون الحسنات! هو يعطينا الحياة دون إذلال وهم، إن فاتنا القتل، يمنون علينا بالوفاة! شرط أن يكتب عزرائيل إقراراً بقبض الروحِ بالشكل الذي يشفي غليل السلطات! ** هم يجيئون بتفويض إلهي وإن نحن ذهبنا لنصلي للذي فوضهم فاضت علينا الطلقات واستفاضت قوة الأمن بتفتيش الرئات عن دعاء خائن مختبئ في السكرات و بر فع البصمات عن أمانينا وطارت عشرات الطائرات لاعتقال الصلوات! ** ربنا قال بأن الأرض ميراث ا لتقا ة فاتقينا وعملنا الصالحات والذين انغمسوا في الموبقات سرقوا ميراثنا منا ولم يبقوا لنا منه سوى المعتقلات! ** طفح الليل وماذا غير نور الفجر بعد الظلمات؟ حين يأتي فجرنا عما قريب يا طغاة يتمنى منكم خيركم لو أنه كان حصاة أو غبارا في الفلاة أو بقايا بعرة في إست شاة هيئوا كشف أمانيكم من الآن فإن الفجر آت أظننتم، ساعة السطو على الميراث أن الحق مات؟! لم يمت.. بل هو آت! بل هو آت!