عبدالباقي خليفة ليس الزعيم من يقود على هواه، وإنما الرائد الذي لا يخون أهله، والإمام الذي يقدمه شعبه. وليس الزعيم من تطلق عليه الألقاب جزافا، أو من لقب نفسه بذلك، أومن يغتصب الرتبة، سواء كانت الإمامة في الصلاة ، أوالولاية على مراتبها. لذلك جاء الحديث واضحا" لعن الله رجلا أم قوما وهم له كارهون". والإمامة أوالزعامة مسؤولية، وتعني إعانة الناس على تدبير شؤون دينهم ودنياهم بتفان واخلاص، بتفويض حقيقي منهم. الزعامة المزيفة والفساد : وإذا تحدثنا عن الولاية السياسية ، والإمامة في الدولة نجدها تجمع المساعدة وحسن التدبير، مع التربية الحسنة، والعناية الفائقة. وغالبا ما تبع الزعماء المزيفون، والساسة الفاسدون، فرعون مصر" قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد" كما تبعوه في تعقب الصالحين الموحدين، بعد أن أعلن "أنا ربكم الأعلى" وقال عن أحد أئمة الموحدين، موسى عليه وعلى نبينا السلام" أخشى أن يبدل دينكم أوأن يظهر في الأرض الفساد" فالجبابرة والمستبدون، يعطون قراراتهم صفة الأمرالإلهي، ولكن بدل أن يسموها" آيات " يسمونها "مراسيم ". ورغم أن الكثير منهم لا يعلن أنه إله، بيد أنه يتصرف كذلك، فله السمع كاملا، وله الطاعة كاملة، ولا أحد من أبناء الشعب يجرئ على معارضته، ومن يفعل ذلك يرمى في السجن، كالكثير من الأحرار، الذين لا يذكرهم أحد، ولا يتحدث عنهم أحد، خوفا من الفراعين المتألهين، وهؤلاء الأحرارلا يزالون في زنزانات الظلمة في الدول العربية، بما فيها دول الخليج. فشهوة الحكم، وأفيون السلطة، تبرران جميع الوسائل القذرة للاحتفاظ بالحكم، ولو كان بالظلم والقهر وسجن الأحرار، دون التفات لأوضاع أسرهم، بل تجويع أهاليهم مطلوب لذاته ليكونوا عبرة لمن يعتبر، ومع ذلك، لا يرون الناس إلا مايرون وما يهدونهم إلا إلى سبيل الرشاد الفرعوني. وقد رأينا في كثير من الأقطار" الاسلامية " كيف مثل الدعاة، والاسلام أحيانا، العدو الأول، للطواغيت المستبدين. وإن لم يصنف الاسلام كذلك في بعض الأقطار، فقد تمت الاستعانة بكل عدو للاسلام فضلا عن الدعاة ، في الجامعات ووسائل الإعلام لدرء عودة التوحيد صافيا نقيا من كل شرك سواء تعلق بالقبورأو بالقصور. سواء كان شرك الربوبية أو شرك الالوهية، أو شرك الذات والصفات، أوشرك التشريع والتقنين،أو اغتصاب ولاية الأمة، وتحريفها وتمييعها، وتعليبها . كل ذلك ينطبق على ما يوصف تجاوزا ب" الزعماء العرب" في القرن العشرين، والعشرية الأولى، وبداية العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين. زعماء فاسدون، ومفسدون،لا يصلحون،( بنصب الياء وكسر اللام) ولا يصلحون( بضم الياء ونصب اللام ). فقد كان جلاوزة بن علي، في تونس، وأزلام حسني مبارك، في مصر، يتحدثون عما يصفونه بالمكاسب، والانجازات، وكانت تلك الإطلاقات غير مفهومة للكثير من أبناء الشعب، وبعد سقوطهما تبين أن المكاسب والانجازات هي تلك السرقات الضخمة التي لم نكن نتخيل أنها بلغت أرقاما فلكية . وكما قال أحدهم، فإن تلك الثروات لم يجمعوها، ليكونوا أغنياء ، وإنما جمعوها وهربوها للخارج لتدمير البلدان وتفقيرالشعوب. فأي أناس نصبهم الغرب فوق رؤوسنا، وأي بشر يحكموننا ، ولا نعرف عن وساخة أيديهم وقبل ذلك ذممهم ،إلا القليل، وهل من الحكمة في شئ، السكوت عن ذلك، أو الرضا باستمراره ، ونحن نشاهد ارتفاع أسعار كل شئ ودون تراجع، ما عدا النفط . وما هي مداخيل النفط، وأين تذهب، وهل من حق الشعوب معرفة ذلك عن طريق لجان تتمتع بالنزاهة وثقة الجمهور. زعماء ورعناء : ماذا قدم بن علي لتونس، وماذا قدم حسني مبارك، إلى مصر، وماذا قدم القذافي إلى ليبيا، وماذا قدم كل عتل زنيم، يدعي الزعامة، لشعبه وبلاده غير السرقات، والظلم والقهروالإذلال عن طريق قوات القمع التي تجاوز عددها في بلد مثل مصر المليون ونصف المليون . فالمكتسبات التي يتحدث عنها المستبدون هي مكاسبهم من السرقات، والثراء الفاحش غير المشروع، الذي يحرسونه بحرصهم على البقاء في السلطة، بكل خسة ودناءة، إلى جانب دورهم في منع انتشار الخير، واصلاح الامة، فقد وصفت صحيفة، يديعوت أحرنوت الصهيونية ، حسني مبارك، بأنه " كان الحاجز الأخير أمام الصحوة الإسلامية" وهذا ما يفسر تهافت الكثير من الرعناء العرب على البيت الأبيض، وأعتاب أوربا، لضمان تأييد مبارك، وفي الأخير أعلنوا وقوفهم إلى جانب الطاغية دون أن يفيدهم أو يفيده ذلك في شئ. وهم متشابهون في كل شئ تقريبا، كراهية بلدانهم وشعوبهم وسرقتها بشكل فاحش، وكراهيتهم لتعاليم دينهم، وتمسحهم بأعتاب الغرب.وبعضهم كحسني مبارك يتحدث عن دوره في حرب 1973 م ، ورغم الجدل الدائرحول دوره ، وما فعله ، وما يزعم الزعماء المزيفون القيام به، نذكرهم بأن هناك زعماء غربيون وشرقيون قدموا ما لم يقدموه وتركوا السلطة ، مثل الجنرال ديغول،1870 / 1970م، الذي حارب النازيين وانتصرلكنه استقال في حياته ليخلفه بومبيدو، وقد دعي لرئاسة فرنسا مرتين من قبل من تهمهم مصلحة الشعب لا مصالحهم اللصوصية. ومن أقواله المشهورة " لست مسؤولا أمام أحد سوى فرنسا" بينما الزعماء المزيفون يراعون مواقف أمريكا وفرنسا وبريطانيا وكل أعداء الامة حتى الصهاينة. وونستون ليونارد سينسر تشرشل 1874/ 1965، الذي انتصر في الحرب العالمية الثانية، واستقال في سنة 1955 م . وقال قولته المشهورة " من الأفضل أن تخسر بريطانيا الحرب من أن يقال إنها لا تنفذ حكم القضاء" ولم يكن زعيما سياسيا فحسب، بل كاتبا لامعا ومثقفا كبيرا حصل على جائزة نوبل للادب سنة 1953 م. وكذلك الزعيم البوسني علي عزت بيغوفيتش،1925/ 2003 والذي استقال سنة 1997 م. بعد أن أعاد استقلال البوسنة بعد نحو 700 سنة ظلت فيها تابعة لدول أخرى. ومن مقولاته ردا على الرئيس اليوغسلافي الاسبق الذي سجنه عدة مرات جوزيف بروز تيتو" ليس الملك من يطعم الشعب ولكن الشعب من يطعم الملك ". الزعماء الحقيقيون : نسوق هذا الكلام على وقع جمعة "الإيمان والنصر" في مصر، حيث أم الإمام القرضاوي، ملايين المصلين، مبرزا بذلك الإمامة الحقيقية، المتوفرة على جميع شروط الزعامة في أداء الشعائروممارسة السياسة. وهي إعانة الناس على تدبير شؤون دينهم ودنياهم، بتفويض حقيقي منهم. والجمع بين المساعدة وحسن التدبير، مع التربية الحسنة، والعناية الفائقة. فبعد قرابة ثلاثة عقود منع فيها الشيخ القرضاوي من الخطابة، كغيره من الدعاة في الكثيرمن الدول العربية، ولا سيما الخليجية، يعود معززا مكرما بين الملايين من شعبه، في لحظة تاريخية فارقة، وفي مشهد يتمنى كل مستبد لو كان هو ذلك المكرم، وأنى له ذلك. فالناس تكرم العادل السمح المتواضع المحب لأمته، والمتقشف والورع والذي لا يستفيد من الأموال العامة إلا بما يكفيه ويكفي أسرته كسائر المواطنين .وقد أشارالشيخ القرضاوي إلى ذلك "هذه الثورة لم تنتصر فقط على النظام السابق، بل على الظلم والباطل والسرقة والنهب والأنانية " وهي صفات جامعة لمن يسمون أنفسهم " زعماء" تجاوزا كما أسلفنا. الزعماء الحقيقيون،هم الذين يحبون أمتهم وتحبهم أمتهم، وليس أولئك الذين طردوا من ميادين تونس ومصر، وهم يحملون ألقاب المفكر والزعيم ، بل هناك من لقب ب" الزعيم" وصور في الفن السابع كما لو كان زعيما سياسيا حقيقيا، لم يجرئ على الاقتراب من ميدان التحرير في القاهرة، وذهبت زعامته هباءا منثورا، كما ذهبت زعامة حسني مبارك. ليس ذلك فحسب، بل وضع اسمه ضمن القائمة السوداء للثورة . لقد أعاد مشهد الشيخ القرضاوي، وهو يؤم المصلين في ميدان التحرير( وليس المفتي ولا شيخ الأزهر مع احترامنا لهما ) مشاهد العز في التاريخ الاسلامي، عندما كان للعالم دوره في بنية الدولة الاسلامية القوية، التي تهابها الدول الأخرى، وتدفع لها الجزية مقابل الحماية، فأصبحنا في ظل المستبدين المعاصرين ندفع الجزية مقابل حماية أساطيل الغرب لأنظمة مكروهة من شعوبها بسبب ظلمها واحتكارها للثروة والسلطة . فهذا العز بن عبد السلام، المغربي مولدا، والمصري دارا ووفاة الملقب بسلطان العلماء، والمعروف ببائع الملوك، قد حظي بهذه الزعامة لتمتعه بأكمل الصفات، وأجمل الخصال، وأنبل المزايا فمن صفاته الورع ، فقد رفض توظيف أي من ابنائه في المناصب التي تحتاج صفات معينة، رافضا طلب الظاهر بيبرس، قائلا" ما فيهم من يصلح" وطلب تسمية أحد تلامذته للمنصب وهوالقاضي تاج الدين بن بنت الأعز. كما عرف بالزهد، فلم يقبل أي درهم من الملك الظاهر بيبرس.وقد أفتى ببيع الأمراء، وعندما رفض الملك ذلك، خرج من القاهرة، بينما يظل المفتون في عصرنا في مناصبهم ولا يخرجون منها إلا بقرار من الحاكم. وبينما يقوم الزعماء المزيفون بسرقة الثروات وإفقارالشعوب، يضحي الزعماء الحقيقيون من أجل أمتهم بكل ما لديهم، كما فعل سلطان العلماء، فلما ارتفعت الاسعار واضطر الناس في الشام لبيع ممتلكاتهم بأسعار زهيدة طلبت زوجة العز بن عبد السلام أن يبيع ما لديها من حلي يشتري به بستانا، فباعه وتصدق به وعندما سألته هل اشتريت لنا بستانا قال نعم ولكن في الجنة . لذلك كان السلاطين يخشونه، فلم يكن لديه ما يخسره، وعندما حال ابنه دون قتله نهره قائلا يا بني أبوك أقل من أن يقتل في سبيل الله. لذلك كان زعيما حقا، يهابه المستكبرون والمتجبرون. وعندما غادر مصر غاضبا من الملك لحقه أغلب المسلمين، فركب السلطان ولحقه واسترضاه. نرى الزعامة الحقيقية، في سليل بيت النبوة ، زبن العابدين بن علي رضي الله عنه، فالناس بالافعال لا بالاسماء والألقاب. كما تذكرنا قصة زين العابدين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، بأن الزعيم هو الذي تتوجه الأمة بالزعامة، وليس ذلك الذي يصطنعها اصطناعا.والزعيم الحقيقي هوالذي يتوجه حب الناس، وليس الاغتصاب والغلبة بقوة القمع. فلما حج هشام بن عبد الملك، فطاف وجهد أن يصل إلى الحجر ليستلمه فلم يقدر عليه من كثرة الزحام، فنصب له منبر وجلس عليه، وفيما هو كذلك إذ أقبل زين العابدين ، علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فطاف بالبيت ، ولما انتهى إلى الحجر تنحى له الناس وانشقت له الصفوف ومكنته مكانته من استلام الحجر فقال رجل من أهل الشام ، من هذا الذي هابه الناس هذه الهيمبة فقال هشام لا أعرفه ، مخافة أن يرغب فيه أهل الشام، وكان الفرزدق حاضرا فقال أنا أعرفه وأطلق قصيدته الشهيرة العصماء." هذا الذي تعرف البطحاء وطأته .. والبيت يعرفه والحل والحرم "" هذا ابن خير عباد الله كلهم .. هذا التقي النقي الطاهر العلم " والقصيدة طويلة ومشهورة . كما حصل ابن تيمية رحمه الله على الزعامة في الدين، وفي الدفاع عن أرض الاسلام وجهاده للتتارفي القرن السابع الهجري. فعندما كان الناس يفرون من التتار، والحاكم عاجز عن ردهم، قام الشيخ فيهم واعظا ومحمسا ومثيرا لغيرتهم على دينهم وبلادهم. بل ذهب للقاء ملك التتارالذي كانت ترتعد الفرئس لذكره. وقال بن تيمية رضي الله عنه للمترجم " قل لقازان أنت تزعم أنك مسلم ومعك قاض وإمام وشيخ ومؤذنون على ما بلغنا، وأبو وجدك كانا كافرين وما عملا الذي عملت عاهدا فوفيا وأنت عاهدت فغدرت وقلت فما وفيت وجرت. وبعد فترة هدوء عاد بعض التتار للظلم فحث بن تيمية على قتالهم، وسافر من الشام إلى مصر، ودعا للنصرة،وبعد رحيل التتار قام مع تلاميذه بتكسير الخمارات واغلاق أماكن الفاحشة في دمشق. وعندما عاد التتار في 702 هجرية وأحاطوا بدمشق، أقسم بن تيمية على النصر، وقال للناس إذا رأيتموني في صف التتار وعلى رأسي المصحف فاقتلوني، لتأكيد فتواه بوجوب قتال الصائل . وقاتل رحمه الله حتى هرب التتار..هؤلاء هم الزعماء الحقيقيون الخالدون في الذاكرة ، والخالدون في جنات النعيم بإذن الله تعالى. أما الزعماء المزيفون فهم مثل الهشيم سرعان ما تطويهم نار التاريخ كصور من ورق.