بعد حصولها على التأشيرة ...على «النهضة» أن تكون حزبا يحترم "قواعد اللعبة السياسية الجديدة" مكّنت الثورة الشعبية من عودة حركة النهضة إلى الواجهة السياسية بعد حصولها على" تأشيرة العبور" منذ يومين بعد 30 عاما من الحظر، وهو حدث تاريخي يطرح العديد من التساؤلات أهمّها كيف يجب أن تكون النهضة اليوم في معترك الأحداث اليومية المتقلبة بتونس " للقطع" مع ماض حمل في طياته العديد من الإشكاليات ؟ وقد تناقل الشارع التونسي هذا الخبر "المتوقع"، فتباينت المواقف بين رافض ومتقبل وبين لا مبال وبين محايد على الأقلّ في هذه الفترة الحساسة والتي تبدو فيها الأوضاع متصدّرة على "سبورة سوداء" يصعب تفكيك رموزها على حد تعبير بعضهم فالمهم بالنسبة لهم ضمان "الأمن والأمان" و "الصندوق" سيفرض فيما بعد من يستحق التواجد. ردود الفعل هذه كانت مشحونة بالتوتر والقلق نتيجة الخوف من الانزلاق في مأزق سياسي وأمني واقتصادي لن يتمكن أي طرف أو حزب من فصله. إنها ردود فعل طبيعية على حد قول الحقوقي والإعلامي صلاح الدين الجورشي "فالشعوب في هذه المراحل من التأزم ترتّب الأمور حسب الأولويات أولها حماية الأمن الشخصي والجماعي ثم توفّر الحد الأدنى من الخدمات والمواد الأساسية الضرورية للحياة اليومية وفي الأخير تأتي المطالب السياسية والحريات"، وهذه الأمور يجب أن تنتبه إليها الأطراف السياسية حتى لا تحصل انتكاسة للمواطنين وللحياة العامة. احترام قواعد اللعبة السياسية يقول صلاح الدين الجورشي: " المطلوب،أولا، من حركة النهضة أن تصبح حزبا سياسيا بالمعنى الحديث للكلمة وهو ما يقتضي منها البحث عن صيغة تميّز فيها بين الفضاء الديني والفضاء السياسي، وثانيا، أن تشترك مع بقية المكونات السياسية الحزبية والمدنية في البلاد من أجل حماية الاستقرار والانتباه إلى كلّ ما من شأنه أن يُعطّل ويعرّض المرحلة الانتقالية إلى الاهتزاز والخطر، وثالثا، بلورة برنامج سياسي يكون بمثابة العقد بين الحزب والشعب وانطلاقا من هذا البرنامج المفصّل يمكن الحكم على الحركة سواء لصالحا أو عليها مع مواصلة تعميق خطابها المطمئن الذي بلورته في المرحلة الأخيرة والذي ساعد ولاشكّ في قبولها أو دخولها للساحة الوطنية بعد نجاح الثورة، كما يجب الانتباه إلى "العالم" الإقليمي والدولي وخاصة لبلد مثل تونس التي تتقاطع مصالحها الحيوية مع أطراف عديدة خارجية ولا يعني ذلك الخضوع إلى هذه الأطراف بل عدم تمكينها من التدخل بأشكال متعددة بحجة مواجهة خطاب ما تعتبره راديكاليا أو مهدّدا لمصالحها". لا احتكار للساحة السياسية يرى السيد سالم الأبيض مختص في علم الاجتماع السياسي "أنّ النهضة كحركة سياسية معنية بالترويج لنفسها لأن الساحة السياسية جديدة في تونس فلا يمكن احتكارها من أي طرف كان، فالمشهد السياسي تتوزع قواه على أربع كتل وهي الكتلة الإسلامية والكتلة اليسارية والكتلة القومية العربية والكتلة الليبرالية، وعلى هذا الأساس يجب التعريف بهذا المشهد السياسي الجديد للتونسيين الذي تُعتبر النهضة جزءا لا يتجزأ منه، والجدير بالملاحظة أن النهضة استفادت من الدروس والتجارب السابقة ولم تعد تُقدّم نفسها الطرف المعارض و البديل الوحيد لإنقاذ البلاد وأصبح خطابها يقترب للخطاب العروبي الإسلامي أكثر منه من الخطاب الديني الظّلامي كما كان يصفها البعض في الماضي، وبالتالي إذا احترمت النهضة قواعد اللعبة السياسية الجديدة التي سيتمّ تدوينها في الدستور الجديد فإنها مثل غيرها ستشكل جزءا من المشهد السياسي وقبول التعايش مع أكثر القوى تناقضا وصراعا معها في الماضي". إخراج الدين من دائرة الصراع السياسي ولقد اتفق الكثير ممن استجوبناهم على أنه ليس من حقّ أي طرف كان يرغب في التواجد على الساحة السياسية استعمال الدين كمطية لتحقيق أهدافه، فالدين يجب أن يبقى خارج دائرة الصراع السياسي، فيرى الإعلامي توفيق العياشي "أنّ تواجد حركة النهضة اليوم يجب أن يكون على أساس تقبل شروط الديمقراطية، فان تعهدت بالمحافظة على المكتسبات الحداثية للمجتمع التونسي، فان تواجدها سيكون تواجدا صحيا شريطة أن تترجم ما تعهدت به في كتاباتها وشعارات قادتها وتصريحاتهم إلى ممارسة فعلية تعكس قدرتها على التعايش مع جميع التيارات المختلفة عنها في التوجه" . فعليها أن تكون "حزب متديّن لا ديني يطمئن الجمهور السياسي ويكون حزب معتدل يهمّه العمل في المجتمع ويحتل موقع الرقيب لا موقع القيادة " كما قال الأستاذ أحمد الباطيني محامي لدى التعقيب