رئيس الجمهورية: تونس تزخر بالوطنيين القادرين على خلق الثّروة والتّوزيع العادل لثمارها    وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستُحدد لاحقًا وفق العرض والطلب    بالفيديو: رئيس الجمهورية يزور مطحنة أبة قصور بالدهماني ويتعهد بإصلاحها    قيس سعيد يزور مطحنة أبة قصور بالدهماني ويتعهد بإصلاحها (صور + فيديو)    "نحن نغرق".. سفينة مساعدات متجهة إلى غزة تتعرض لهجوم جوي (فيديو)    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    كيف سيكون طقس الجمعة 2 ماي؟    طقس الجمعة: خلايا رعدية مصحوبة أمطار بهذه المناطق    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    الرابطة الأولى (الجولة 28): صافرتان أجنبيتان لمواجهتي باردو وقابس    توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي بالفوز 3-1 على بودو/جليمت    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وثيقة تمهيدية لإحداث : " التيار الثوري للواجبات والحقوق من اجل التقدم"
نشر في الحوار نت يوم 30 - 04 - 2011


ملاحظات أولية
اختيار تسمية" تيار" أولا فيه ابتعاد عن المفهوم المبتذل والمغلوط والتضخيم الفارغ لكلمة حزب التي تستعملها الكثير من الأحزاب التي لا تمتلك المقومات التنظيمية والوحدة الفكرية المتينة. وفيه كذلك نية الانفتاح المستقبلي على تكوين جبهة تقدمية جماهيرية فاعلة ولعل التفاؤل بالمستقبل سيتجاوز تلك المجموعات السياسية المتخلفة على عصرها شكلا أو محتوى أوحتى شبه أحزاب.
هذا الحكم يمكن أن يبدو قاسيا ولكنه موضوعيا فكثير من الأحزاب المتبقية بعد العهد السلطوي علنية كانت أو حتى سرية لا تبالي بقلة مصداقيتها وبنفور قطاعات عريضة من الجمهور. وما أدل على ذلك من تلك الانتفاضات الشعبية التي قامت في العشريات الأخيرة بدونها أو خارجها وأخرها وقائع الثورة العظمى الأخيرة.
وما نراه اليوم هو أن معظم "الأحزاب" عوضا عن مراجعتها الجذرية لأساليبها الزعاماتية البالية والقوالب الجامدة تعول على أنواع من الانتهازية والوصولية والتسلل إلى المنظمات المدنية أو التحالفات غير المبدئية للركوب والالتفاف على حركية الثورة الحالية علها ترجع فيها الروح الحزبية الضائعة وهو من قبيل" منامة العتارس "
- ثم أن انتقاء الواجبات والحقوق ليس من قبيل الشعارات الفضفاضة إنما هو تعبير لروح المسؤولية الوطنية بل هو قطع فكري وثوري مع العهد الماضي الذي سادت فيه الانفرادية والمصلحية والأنانية وعدم الاكتراث بالصالح الوطني العام على جميع المستويات في ظل دعايات مغلوطة ) دولة القانون والمؤسسات – عهد التغير – تونس المستقبل... أو حتى المستوحاة من القران الكريم: تونس البلد الأمين (...
ومع احترامنا للأفكار الطيبة المشاعة هنا وهناك والوعي الصادق بالواجبات الوطنية عند الكثير فإننا ننضم إلى غالب الناس في رفضهم الواضح للمشهد السياسي الحالي الذي يمكن تسميته ب "سوق عكاظ الجديد" والمتكون من أحزاب قديمة رممت واجهاتها القيادية أو الدعائية بشعارات شعبوية ومرتجلة لتمرير خليط من الإيديولوجيات المحنطة والمعتقدات الفوقية المتحجرة ) لبعض الفقهاء أو المثقفين ( والمؤسف كذلك أن العديد من المكونات السياسية الحديثة التأشيرة رمت بنفسها في هذا المستنقع السياسي الذي أكل عليه الدهر, هذا إذ لم تقتبس شعارات من المحيط الأوروبي .
فالمشهد المليء بالغرائب :هذا ليبرالي كأن البلاد في حاجة إلى المزيد من الرأسمالية المتوحشة أو لم يتأثر بتداعيات العولمة آو هذا يساري أو وسطي قبل أن تتضح أو تكتمل الجغرافيا السياسية وهذا مغاربي يعلم انه تجاوز الأزمات والتعقيدات والحال أن أكثر من 40 اتفاقية ممضاة بين الأقطار الخمس لم تفض إلى خطوة واحدة في اتجاه المغرب الكبير . والأدهى والأمر انه مع تكوين تلك الحزمة المهولة من الأحزاب بقيت دار لقمان على حالها . حيث نرى الآن كما في الماضي أن جل التحركات السياسية إما عفوية أو تقوم بها المنظمات المدنية والمهنية تاركة الأحزاب مع كثرتها في مكانة أتباع التابعين.
لذا لا بد من الخروج من هذه الحلقة المفرغة وهو ما ارتأيناه من خلال تكوين" التيار الثوري للواجبات والحقوق من أجل التقدم" لكن لا مناص من طرح جملة من الأسئلة المفصلية
لماذا ؟ كيف ؟و متى ؟
1/ لقد سبق أن اشرنا إلى اختيارنا عبارة "تيار" عوضا عن الحزب إذ نضيف أن اعتقادنا أن الحزب هو أداة أو وسيلة أو جهاز أو مؤسسة للتعبير المنظم وللتجسيم الجماعي للأحلام أو الطموحات التي تعلقها جل شرائح الشعب في ظروف )كالثورة الحالية ( وليس هدفا في حد ذاته. بل الهدف من ورائه هو بلوغ الأهداف المرسومة مسبقا.
1
ويتطلب الظرف الراهن وعيا وحسا سياسيا دقيقا لنوعية هذه الوثبة التاريخية التي انطلقت من تونس الأعماق وتصدرها الشباب لتشمل الحشود من النساء والرجال من الأرياف والمدن متحدين بصدور عارية منظومة رهيبة قد تفنن الطاغية وأزلامه في تركيبها وصقلها عشرات السنين.
وكأن الشهيد محمد البوعزيزي ارتأى تضحيته ستفجر برميل البارود الشعبي الذي كان قد استرخى فوقه النظام البائد وبهذا التمثيل يشعر من يستحضر تاريخ البلاد نفس الدوافع والعواطف الثورية) من ثورة علي بن غذاهم ضد تعسفات الياي 1864 – المقاومة ضد دخول المستعمر وعلى رأسها علي بن خليفة 1881-1884 – وبعدها واقعة الجلاز ثم الحركة الوطنية في منتصف القرن الماضي( واليوم أمام دماء الشهداء الزكية – دون أن نغفل عن ضحايا الصمود الآخرين- نرتئي التسلسل التاريخي المتوارث لنفس الحركة الثورية بحيث تأتي الثورة بمثابة اكتمال تكوين امة تريد لنفسها – عبر المدد التاريخية – العزة والكرامة واخذ مصيرها بحرية تامة بالقضاء على الطغيان وهو في ذات الوقت إشارة إلى عامل أساسي في الثورة وهو المخزون الحضاري والثقافي والسياسي الذي نلتمس تطوره سواء في المدد الطويلة أو القصيرة كما في العشريات الفارطة والذي حاول الطغيان الظالم طمسه وتعتيمه دون جدوى.
وفي نفس السياق نؤكد انه ليس عجيبا أو من غرائب الصدف أن تتبوأ تونس اليوم الريادة في المحيط العربي الإسلامي أو حتى العالمي والتاريخ المعاصر يشهد انه سبق لها أن لعبت هذا الدور الريادي ) محاولات التطلع إلى الحداثة – حضر العبودية في القرن19 ثم الحركة الوطنية والنقابية وتحرير المرأة في القرن الماضي( وليس مجرد صدفة أن تتغنى اليوم الشعوب المنتفضة بأبيات نشيد الحياة لأبي القاسم الشابي ولا ننسى استقطاب الرأي العام الكوني لإخبار وطننا.
ونترك لعلماء تاريخ الحضارات التبسط في عمق الحدث الجسيم في حين أننا نركز على وجوب إرساء كل تحليل سياسي قويم على قاعدة فهم دقيق ونافذ للثورة.
لذا نريد تيارا سياسيا يجمع ويوحد كل العزائم الأبية ويقود ديمقراطيتنا الفتية إلى تحمل التحديات والمهمات الكبرى والمسؤوليات التاريخية حتى ترتقي إلى مستوى راقي تقدمي يتجنب الانزلاقات نحو المسالك المسدودة و يبتعد عن "بازار" الوصفات المسلمة والسياسة المبتذلة وسلع الحوانيت الضيقة وخصوصا منها الخطابات الجوفاء من قبل الزعماء الذين يتناسون فوات إقلاع القطار كما اولائك الذين يخفون نية جر عجلة التاريخ القهقرى ويزعمون أننا في حقبة تاريخية عادية.
فالمطلوب إذا فهم عمق الأحداث والتعويل على مقاربة استشرافية صحيحة متروية ومتيقنة أن خيوط الحاضر هي الحبال التي تشد توجهات المستقبل.
2/ الإجابة على سؤال كيف ؟
أن الإجابة على هذا السؤال المفصلي لا تتطلب تخمينات صعبة ولا طرق ملتوية بل هي في الواقع الراهن واضحة وسهلة : كسب المصداقية.
كسب ثقة الناس واحترامهم لا تكمن فقط في نوعية البرامج وتجاوبها مع تطلعاتهم والنجاح في التطبيق والممارسة بل هناك شروط مبدئية وأولية خصوصا بعد سقوط النظام البائد ومرور عقود من النفاق والمغالطات والنصب على جماهير شعبنا وكما قال شاعرنا منور صمادح:" شيئان ببلادي خيبا أملي الصدق في القول والإخلاص في العمل".
فقد فتحت الثورة بابا كبيرا على مصراعيه: احترام القيم الأخلاقية والمثل الاجتماعية العليا) الديمقراطية أولا ثم الحرية والكرامة والملكية والرزق المشروع والعدالة والصدق والتضامن ...( وكل ما يجلب احترام الناس.
وما تسميتنا الواجبات أولا ثم الحقوق إلا تذكير لإعادة الاعتبار إلى القيم الأخلاقية لمعناها الشامل فتثبيتها في العلاقات الإنسانية هي لحمة المجتمع والوطن والحق يقال أننا لا ندعي الابتكار والتجديد في هذا المجال فيكفي ملاحظة تلك الثورة الأخلاقية التي جاءت بعد سقوط النظام والتي تكلف بها المحامون والقضاة والجمعيات ورجالات الصحافة وحتى البعض
2
من عناصر الحكومة المؤقتة إذ شمل التحقيق العديد من الوقائع التي تلبس بها مسؤولو العهد البائد من إجرام في حق الوطن والمواطنين والاستيلاء على الأملاك العمومية والخاصة وغيرها من أنواع الاستبداد والظلم والخيانة واستباحة حق البلاد والعباد
و في الميدان السياسي فان مصداقية التيار الثوري للواجبات والحقوق تكمن في قدرته على جعل تلك الحملة غير وقتية بل وقفة دائمة وكفاح متواصل حتى يزول الخراب الأخلاقي وترجع الثقة بين المواطنين وترتقي المعاملات إلى مستواها الحضاري.
وقد يضيق المجال هنا لذكر العوارض التي تفشت وعمت لا الحزب الحاكم السابق فقط بل أحزاب الموالاة للقصر وبلغ هذا التلوث الأخلاقي حتى أحزاب المعارضة التي لاحظ الرأي العام عدم شفافية تصرفاتها وسلوكياتها و انفضحت عندما تعرضت لهزات أوانشقاقات جراء انعدام الديمقراطية فيها وسلطوية الزعماء في التسيير والانفرادية في اخذ القرار وازدواجية الخطاب وخيانات شتى كالعمالة مع البوليس السياسي والعلاقات مع الأجهزة الموازية للدكتاتور والوشاية والمكائد والتنكر لقوانينها الداخلية أي جملة من المشاكل وأحداث يمكن أن تغرق العدالة عشرات السنين إذ لم نسرع في تجاوزها.
وخلاصة القول أن ما كشفته الثورة من تلوث أخلاقي ومدني وصل إلى حد أن ما يمكن اعتباره أحداثا و وقائعا استثنائية في زمن بورقيبة صار القاعدة اليومية في نظام خليفته.
فمسؤوليتنا في هذا الباب ليست بالهينة إذ نعلم صعوبة المثابرة الدائمة في كفاحنا ضد الرداءة .
أما الشرط الثاني لكسب الثقة فيتعلق بالبرامج السياسية العامة واعتبار للفهم المعمق للثورة فانه يتسم أولا بالشمولية وثانيا منهجية التشاور والمشاركة الفعلية والإصلاحات السلسة للانتقال من الواقع الحالي إلى المنشود الجماهيري.
فالشمولية تعني أولا الجانب النوعي من ناحية ما هو ديمقراطي أخلاقي وحضاري ثم الجانب القطاعي من اقتصادي وثقافي وأخيرا بجميع المستويات العمودية ) المركزي الجهوي والمحلي( وفي جميع المؤسسات الإنتاجية والخدمات العامة الاجتماعية والإعلامية والثقافية
والمنهجية نركز فيها على التشاور مع أهل الاختصاص والخبراء قصد الإلمام بواقع الميدان وأيضا بالملفات ثم المشاركة عن اقتناع في إدخال الإصلاحات بطرق سلسة ومرحلية تقطع مع السلطوية والقفز نحو المجهول أو المغامرات الفاشلة وتبرز المشاركة الواعية في التطبيق.
ونعلم حق العلم صعوبة هذا النمشي التقدمي الديمقراطي إمام تدهور الأوضاع في كثير من القطاعات المؤسساتية خصوصا على المستوى الجهوي والمحلي والاقتصادية إذا أخذنا في الاعتبار الانفصام بين قطاع التصدير والمعاملات والخدمات مع الخارج من جهة والسوق الداخلية المتسمة بفوضى ممنهجة تهيمن عليها الشبكات الموازية و"الفريب" من جميع السلع المستعملة والقديمة حتى أصبحنا نعرف ب"مقبرة الديناصورات".
وكذلك التأثيرات السلبية للانصهار في الشراكة مع أوروبا ومرادفاتها توجهات المنظمة العالمية للتجارة والتي أدت إلى إغلاق الآلاف من الشركات الصناعية خاصة في الساحل والشمال الغربي وهو ما كون الأرضية لتراكم الغضب الشعبي وكان عاملا معجلا لقيام الثورة .
فإذ انفتحت البلاد على التوازن بين القطاعات الإنتاجية الثلاث )الدولي التعاضدي والخاص( في الإنتاج والخدمات كما في السبعينات وتبديل أفاق التنمية الشاملة المستديمة وكذلك استيعاب خبرة اقتصاد السوق الاجتماعي في حل مشكل السوق الداخلية وضيقها المستعصيين منذ ما يزيد عن خمسة عقود.
أما الفلاحة التي نعول عليها في بلوغ الاكتفاء الذاتي فإنها بحاجة إلى مقاربة شاملة كقطاع إنتاج ومحط سياسة بيئية )جفاف تصحر انجراف وملوحة ( ونمط العيش الريفي الذي يعاني من التردي والمعاناة الاجتماعية وأخيرا في ما يخص مكافحة البطالة فإنها تستلزم أن نتجاوز خطة الآليات العشرين المحسوبة على الدولة وان نتعمق في مفهوم التشغيل كي يصبح بالفعل أولوية الأولويات الوطنية باتخاذ سياسية إرادية يشارك فيها خاصة مؤسسات التعليم والتكوين وقطاع الإنتاج والأعمال الخاص وتعتمد على توجهات أفقية عامة كاختيار أنماط تكنولوجية متوسطة تجمع بين القدرة على المنافسة المطلوبة وتراعي ضرورة التشغيل وهي إمكانات عريضة في قطاعات كبرى كالفلاحة والمناجم والصناعات المعملية والبناء والتجهيزات العمومية والصناعات التقليدية والخدمات بجميع أنواعها وحسب رأينا فان التطور الاقتصادي مقياسه الأساسي هو التشغيل أي لا بد من خلق فرص العمل والنزوع إلى التضامن يقتضي النظر في منحة البطالة كي لا تثقل عوارض العطالة عن العمل على كاهل الأسر المحدودة الدخل
يتضح من قراءتنا النقدية المبينة أعلاه للمشهد السياسي ومقاربتنا المركزة على عمق أبعاد الثورة ومنهجية البرنامج العام أن هناك حلقة معدمة أو تكاد تكون تتمثل في معالم الفضاء التقدمي غير الواضحة والدليل على ذلك أن القوى التقدمية مكبلة الحركة بين مجموعات صغرى مقسمة بشعارات إيديولوجية من شتى الأصقاع و متشرذمة بحكم حدة التنافس هذا من جهة ومن جهة ثانية قوى توسعية تكتسح الفضاء التقدمي من غير مذهب مستفيدة من ضعف ميزان القوى فيه و هذه الملاحظة نسوقها للحفاظ على الثورة و ضرورة الإسراع في إحداث الجبهة التقدمية.
و يتنزل "التيار الثوري للواجبات و الحقوق من أجل التقدم" في هذا الشبه فراغ متسلحاً بأخلاقياته السياسية و بمواقفه الموضوعية لإعادة الاعتبار و توحيد القوى التقدمية في جبهة تقدمية حقيقية خطاباً و ممارسة و لا يغيب عنا التاريخ المفعم بالخيبات و النكسات التي تولدت في العهد البائد بخصوص وحدة القوى التقدمية. و كانت الوحدة ضيقة المفهوم بين قيادات فوقية لا تتعدى مستوى الدعاية الفارغة و التصريحات في وسائل الإعلام بحيث لا تمكث أكثر من استحقاق انتخابي أو فصل من فصول السنة و مرد ذلك هو خوف الزعيم على دكانه الضيق من الإفلات و الاندماج في مجموعة أخرى وهو ما يبين فقدان الروح الوحدوية و قلة الاقتناع بالشعارات الخلابة المنشودة .و لذا ينبغي في البداية انطلاق نواة صلبة سياسياً و أخلاقيا تعتمد كسب الثقة و المصداقية و تنتهج تدريجياً ممارسة و نشاط الثوريين الحقيقيين الذين لا يبالون بالتضحية بالنواة الأولى المكونة من أجل الوحدة في كل مراحل التطور نحو جبهة تقدمية ترجع الثقة إلى كل من عاش التجارب السلبية السابقة و كانوا ضحية عزائمهم الصادقة . فالثورة مناسبة للتدارك ،فإما التوجه التقدمي إلى الأمام معتمدين على جبهة مكونة ترص الصفوف و إما الانزلاق نحو ما لا ترضاه الثورة من روتينيات لا تحل أي مشكل أساسي و لا تستجيب لتحديات المحيط مع العلم و اليقين أن تونس في سلم البلدان الصغيرة أو المتوسطة إن شئنا مما يستوجب الاحتياط كي لا تكون عرضة لتأثيرات المحيط الخارجي.
و أخيراً فإن التيار يعول على حماس الشباب و تعلقه بالمثل العليا كما يعول على خبرة و تجربة الكهول كما نفسح المجال و الأفاق أمام المرأة للتحرك ، تجسيم و دعم مكتسباتها لترتقي بظروفها الحياتية .
عاشت تونس حرة ديمقراطية أبدا الدهر .
عاش الشعب التونسي الحر الأبي .
عاش التيار الثوري للواجبات و الحقوق من أجل التقدم .
معا إلى الأمام من أجل البناء و التقدم
عن الهيئة التأسيسية
فاروق الحرزي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.