الحديث عن القوامة في الإسلام يقودنا بالضرورة قبل الخوض في التفاصيل الى الحديث عن أهمية القيادة، أهمية أن يكون للسفينة ربان حتى لا تغرق.... القيادة تعني المسئولية عن مسار فعل ما، عادة ما يكون فعل جماعي مهما قل أو كثر من حيث العدد، ومهما كانت نوعية أنشطته: بسيطة أو ضخمة...من أهم مهمات القائد أنه صاحب رسالة، نجاحه يكمن في قدرته على تحقيق الأهداف المرسومة، الأهداف التي رسمها ليس لوحده بل مع فريق العمل... قائد وفريق عمل، أب وفريق عمل داخل الأسرة، أب وزوجة وأبناء: فريق عمل ليس لأحد فيه الأفضلية على الآخر حتى بالنسبة للقائد إلا بما يقدمه من مجهود من أجل تحقيق الأهداف العامة...من مهام الأب الناجح هو تحويل أفراد أسرته إلى شركاء له في أخذ القرارات الكبرى منها على وجه الخصوص ومستشارين أكفاء، يعول عليهم حينما يجد نفسه أمام مفترق طرق، يعجز فيه عن أخذ القرار الصائب...يفتح بابه للجميع، لا يهمه أين يكون وفي أي موقع، مشارك، متعاون، يتكلم بلغة النحن: نحن فعلنا، نحن قمنا بكذا وكذا، نحن أنجزنا، ما رأيكم؟ بماذا تشيرون علي؟ ما الأنسب حسب رأيكم ؟.... الأب الناجح لا يكتفي بالوعظ والإرشاد، ليجلب إلى نفسه التقدير والاحترام عليه أن يكون المبادر بالتغيير وتنفيذ ما يدعوا إليه" بما فضل بعضكم على بعض". نشاطه نحو تحقيق الأهداف وإبداعه في أخذ القرارات الصائبة يقوي أفراد الأسرة ويجعل الزوجة جناحه الثاني الذي لا يمكن الاستغناء عنه للطيران نحو هدفه. لا يمكن لرب أسرة أن ينجح في قيادته أو قوامته على الأسرة بدون بقية مكوناتها: الأم والأبناء، لان المسئول عن تحقيق الأهداف بدرجة أولى هي المجموعة وليس الفرد القائد.... في هذا الإطار العام تتنزل مسألة القوامة في الإسلام، وتناولها خارج هذا السياق يجعل مقاصدها ومعانيها وأهدافها مشوهة. القوامة رعاية ومسئولية وليست عنوانا لأفضلية ذاتية، بل هي كفاءة وليست استبدادا. المرأة في الإسلام من الرجل والرجل من المرأة "هن لباس لكم وأنتم لباس لهن"(آل عمران 195)" وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا" (النساء 21) الرجل بعض من المرأة والمرأة بعض من الرجل: "بعضكم أولياء بعض"(التوبة 71). آيات كريمة دالة بصورة قطعية على أن "النساء هم شقائق الرجال" وأن القوامة التي منحت للرجل ليست من باب الأفضلية وليست ميزة للرجل، بل تدخل ضمن ما ذكرته أعلاه، أنه لا بد للسفينة من ربان وفريق عمل، ليس للربان بأية حال أن يستغني عنه، فغير ذلك يعني الغرق... القوامة درجة للرجل بأن وضع على كاهله مهمة الإنفاق وهذا فيه تخفيف من الأعباء والالتزامات على المرأة، فهل في ذلك شبهة؟ القوامة هنا مسئولية عبء وليست استبدادا، خاصة أن القوامة هنا في البيت وليست قوامة على الفعل والمساهمة في البناء داخل المجتمع، فالمرأة سيدة نفسها في المساهمة في البناء الحضاري العام. إذا هي قوامة داخل الأسرة وفي حدود البيت: الحقوق والواجبات متساوية " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة" هذه الدرجة هي القيادة والمسئولية، قيادة في إطار الشورى. الشورى وردت في ديننا في ثلاث مواضع رئيسية: في الأمة، في الدولة، ثم في الأسرة: حيث وقع التأكيد في عدة آيات وأحاديث عن أهمية التشاور والرضا كركائز لا يمكن الاستغناء عنها داخل الأسرة، وبدون ذلك يسود الاستبداد بالرأي المسئول الأول عن خراب النسيج الأسري ومن ورائه بطبيعة الحال النسيج الاجتماعي ككل... لا أحد ينكر أن هناك قانونا عاما متفق عليه من قبل كل الملل وهو أن تعدد القادة يعد مجلبة للفوضى والخراب ومؤذن بسقوط أي تخطيط مهما كان محكما، فكل قائد سيحاول أن يذهب بما كسب، والضحية طبعا هو المرؤوس. من هنا يعد تشريع القوامة تشريعا واقعيا بنظرة عقلانية، بعيدا عن التحليق في الأوهام التي يحاول المرضى والمعقدين عبثا ترويجها... من المتعارف عليه في تشريعاتنا الإسلامية أن كل الأحكام متصلة ببعضها البعض، أي أن نصوص الشريعة الجزئية يجب ردها دائما إلى المقاصد الكلية والقواعد العامة: نرد الجزئيات إلى كلياتها والفروع إلى أصولها. فان كانت القوامة درجة للرجل في أسرته، فأن القاعدة العامة هي أننا كلنا قادة ومسئولون، نساء ورجالا: " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" وهنا المرأة رعية في بيتها ولها نصيب من هذه القيادة... لقائل أن يقول إن الواقع المعاش داخل الأسر الإسلامية يختلف تماما عن هذه الصورة الوردية التي أقدمها بين أيديكم، صحيح هذا الانطباع، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو التالي: هل الخطأ في تطبيق القانون يلغي القانون؟ أكيد الإجابة العقلانية هي بلا، لان أخطاء التطبيق هي شأن بشري، فخرق الدستور في بلد ما لا يلغي القانون أو هذا التشريع أو ذاك...بالتذكير المستمر بذاك المثال أو القانون وعملية التوعية المستمرة هي الكفيلة بمعالجة الخطايا والحياد عن تطبيق القانون... القوامة تشريع عادل، لكنه قد يتحول بسهولة من طرف ضعاف النفوس إلى وسيلة للتسلط والاستبداد. الانحراف عن الفهم الإسلامي وعن حقيقة هذه الدرجة وماهيتها هو السبب الرئيسي لشيوع ظاهرة انفراد رب البيت بأخذ القرارات واعتبار بقية مكونات الأسرة هم من معشر العبيد ما عليهم إلا السمع والطاعة...مشكلتنا اليوم أننا نحاسب من طرف الغير انطلاقا من التطبيقات المنحرفة لتعاليم الإسلام من طرف شريحة لا بأس بها داخل مجتمعاتنا المسلمة، تطبيقات مغلوطة ومنحرفة تسلط عليها الأضواء أكثر من النماذج النيرة في أوطاننا رغم كثرتها وانتشارها الذي لا تخطئه العين... في أمان الله مفيدة حمدي عبدولي