تعتبر الحركات الإسلامية التي توصف بالاعتدال أهم رافد من روافد القوى السياسية في أغلب المجتمعات العربية. وهي متجذرة في المجتمع، وقد تعرض منخرطوها إلى التعذيب داخل السجون والنفي والتشريد والطرد من الوظائف وهو ما يضفي عليها نوعا من المشروعية التاريخية. غير أنّ ما يعيبه عليها خصومها هو عدم تجدد الخطاب السياسي لديها وسقوطها في الشعبوية في بعض الأحيان. رغم ذلك فان هذه الحركات مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى لعب دور أكبر في الحياة السياسية اعتبارا للزخم الشعبي الذي يتشوف لقيادة سياسية ذات مرجعية إسلامية ترى في السلطة أمانة ثقيلة وتنظر إليها على أنها تكليف وليست تشريفا وهو ما يجب أن تعيه هذه القيادات جيدا. كذلك فإن تنامي ظاهرة السلفية والإسلام المتشدد تجعل المنظومة الغربية تنظر إلى هذه الحركات على أنها المخلص من العنف والتي يمكن التعامل معها أو حتى "ترويضها". غير أنه إذا كانت كل هذه المعطيات تدفع بالحركات الإسلامية باتجاه المشاركة السياسية وتحمل هذا العبء فإن هذا الدور هو في الحقيقة محفوف بالمخاطر. فما هي دواعي بروز حركات إسلامية إلى الساحة السياسية وما الذي يمكن أن تضيفه أو تغيره ؟ وهل يمكن اعتبارها بديل المرحلة الحالية؟ الحركة الإسلامية هي ضرورة وهي بديل لا مفر منه بالنسبة للمنظومة الغربية: هناك قناعة لدى الجميع وخاصة لدى الغرب بأنه لا مفر من السماح لحركات الاعتدال السياسي حتى ولو كانت ذات مرجعية إسلامية بالدخول إلى معترك الحياة السياسية والتي لم يؤد إقصاؤها إلا إلى ظهور الحركات المتشددة. وهي خلاصة لم يكن بالإمكان التوصل إليها إلا بعد مرحلة دامية ابتداء بأفغانستان والجزائر مرورا بالعراق والصومال وغيرها. وهو ما دفع بالغرب إلى اتخاذ منحى يحاول فيه التفريق بين مختلف الحركات الإسلامية ويغير خطابه حتى من الإسلام نفسه. هذا فضلا عن تغير المعطيات، ففي القرن المنصرم كان يمكن للغرب من خلال الحكومات العربية الحليفة قمع هذه الحركات التي يرى فيها تناقضا مع مصالحه أما اليوم فان هذا لم يعد ممكنا بعد اشتعال الثورات العربية التي أطاحت بحكام الدول ومازالت تشتعل في بقية الدول وبالتالي سقوط الحليف الذي يمثل مصالحه في المنطقة. هذا إضافة إلى انتشار ثقافة القيم العالمية الإنسانية وقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. كل هذه المعطيات تجعل من الغرب مجبرا على التعامل مع هذه الحركات شريطة أن تحترم هذه الأخيرة ما يعبر عنه ب" القيم الإنسانية العالمية". وإذا كانت هناك ضرورات تدفع بالحركات الإسلامية التي توصف بالاعتدال نحو المساهمة في الحياة السياسية لتحمل مسؤوليتها التاريخية فإن ذلك لا يخلو من مخاطر وتحديات سواء على المستوى الداخلي أو كذلك الخارجي. التحديات الداخلية يجب أن نعترف في البداية أنّه إلى حد اليوم لم تتح الفرصة للتعرف إلى برامج حركة النهضة في تونس على سبيل المثال ولم تتمكن القاعدة العريضة من فهم ومعرفة برامجها الاقتصادية والاجتماعية وهو ما استغله البعض للتخويف من هذه الحركات. كما وقع اختزال المشروع الإسلامي لهذه الحركات في بعض الأحيان في مسائل جانبية مثل تعدد الزوجات ومسألة الميراث... ولئن أكدت قيادات النهضة تمسكها بمجلة الأحوال الشخصية وبمكاسب المرأة إلا أنّ البعض ينظر إلى ذلك وغيره على أنّه رسائل تطمينية. وإذا اعتبرنا أنّ هذا هو من قبيل الحكم المسبق على النوايا فإنه كذلك لا يمكن أن يتماشى مع برامج الحركات المعتدلة التي تطرح على نفسها النهوض بمجتمعاتها والارتقاء بها مستفيدة في كل ذلك من الإنجازات البشرية التي لا تتنافى مع المبادئ الإسلامية. وكلّ هذه المسائل يجب التعرض لها بعمق لتصبح قناعات لدى الأفراد ولدى القيادات كذلك وليقع التأسيس لعلاقة ثقة بين النخبة والقاعدة ويقع تجاوز ما يروج له من قبل القوى الرافضة في حقيقة الأمر للمشروع الإسلامي مهما كان مصدره ومهما كان اعتداله ووسطيته... التحديات الخارجية إنّ نجاح أي حركة إسلامية في الوصول إلى الحكم يفتح المجال لاختبار هذه الحركات في كيفية تعاملها مع الواقع الدولي المبني على انعدام التوازن وعلى هيمنة القوى العظمى التي لها مصالح في المنطقة. وتكمن مواقع التحدي في دول الجوار والتي تحاول عرقلة أي نموذج ناجح لإسلام سياسي. وفي هذا المجال فعلى أي حركة التعامل مع هذه الدول بسياسة صفر الخلافات. التحدي الخارجي كذلك هو إسرائيل والقوى ذات التوجه الراديكالي وهي قوى معادية تتصادم مع كل ما هو إسلامي. لذلك فإن هذه الحركات إذا قدر لها أن تخوض تجربة سياسية فإنها ستدخل مرحلة حاسمة وعليها أن تكون في مستوى ذلك لتتحمل أعباء نهضة بوطن أنهكه التخلف على كل المستويات (سياسي اجتماعي اقتصادي..). وهذه المهمة المطروحة هي مهمة شاقة وهي مرحلة بناء تتطلب التركيز على أولويات النهضة التي يمكن أن تكون كالتالي: بناء مؤسسات الدولة من برلمان حر وقضاء مستقل والدخول في مرحلة التأسيس لمرحلة الحكم الرشيد. تكثيف الجهود لإقامة تنمية شاملة في كافة الاتجاهات تساهم في بناء اقتصاد وطني وتحقق رفاهة وكرامة المواطن. إصلاح التعليم للمساهمة في نهضة علمية وتكنولوجية لمصدر جريدة الفجر العدد 7 الجمعة 20 ماي 2011 قريبا جريدة الفجر على الأنترنت !!!