لم تشعر المملكة السعودية بخطر يهددها منذ 1962 تاريخ الاشتباك مع الجيش اليمني بسبب ترسيم حدود منطقة الحديدة التي اعتبرها ملك اليمن آنذاك الإمام يحي جزء من التراب اليمني، وحتى حركة الإصلاح التي قادها سعد الفقيه سنة 2002_2003 لم تُفزع التاج السعودي الذي حسم المعركة على طريقته مستعملا خطة مال المُعِزّ وسيفه. غير أن ارتباك المملكة لم يعد خافيا على المشهد العربي بعد الهبّة الشعبية التي انطلقت من تونس وحملتها رياح الثورة إلى الشرق قبل الغرب وحطت في أكثر من دولة وقوّضت أعمدة الفرعون المصري الذي كانت المملكة تتخذ منه حليفا وتأسفت كثيرا لما آل إليه من سوء المصير بين إيقاف وتحقيق يرهبان أعداء الشعوب وحرياتهم. قطع الملك عبد الله علاجه بأمريكا وعاد بعد سقوط بن علي بعد أن أعطى أمر استقباله، عاد ليكون قريبا من دائرة حكمه وسارع إلى إغداق الأموال على شريحة من شعب المملكة الذي بدأت الفضائيات تطالعنا منذ سنوات بمشاهد فقره وحاجته لأبسط مقومات العيش الكريم. لم تذهب الست والثمانون عاما من عمر الملك عبد الله بدهائه السياسي وحبه للعرش وإقدامه على الدنيا، ورغم متاعبه الصحية وحركته الواهنة فهو لا يهدأ له بال منذ 14 جانفي ولا سيما بعدما سقطت شرارة الثورة في أطراف ردائه في البحرين، ولو لم يقع وأد الاحتجاج في أوله لكانت النتائج مكوكية وفي كل الاتجاهات. قرر الملك عبد الله إرسال درع الجزيرة وهو جيش مجلس التعاون الخليجي إلى ملك دولة البحرين حمد بن عيسى ليتم إنهاء الأمور على طريقة لم تسمع عنها حرفية قناة الجزيرة ولم تتسرب منها لقطات للمواقع الاجتماعية الشريك الرسمي في إنتاج الربيع العربي . لم تكن الحالة البحرينية مجرّد احتجاج شعبي، ولكنها واقعة لها أكثر من دلالة، فهي أولا ثورة وهذا المفهوم يفزع الملوك والرؤساء العرب بداية من الربيع العربي، وثانيا لأن هذه الثورة مدعومة من النظام الإيراني، مع ما يعنيه ذلك من مد شيعي تدرك السعودية خطورته على عرش بني عبد العزيز ، والمعالجة التي تمت بها تسوية الأمور في البحرين تظل خيارا استراتيجيا لا تنازل عنه. فكر الملك عبد الله وقدّر تقديرا تكميليا لسد الفراغ الذي تركه حليفا مثل مبارك في عدائه لإيران وللمد الشيعي وكذلك بن علي الذي يكره بطبيعته كلَّ فعلِ تديّن مهما كان توجهه ولو كان التوجه للأولياء في زواياهم، واقترح على المملكتين الأردنية والمغربية الانضمام لمجلس التعاون الخليجي، رغم عدم توفر أية شروط للعضوية في المجلس في حقهما. ولا يتعسّر على قرّاء السياسة فَهْم مرامي هذا التنازل عن الشروط التي تؤشر لعضوية مجلس التعاون الخليجي المتكون سنة 1981، فكلا المملكتين سنِّيتَان وتخلوان من الحضور الشيعي، واستعمالهما في صد هذا الخطر المنذر بخراب الممالك يبقى من مقادير السياسة. فرح الشعب الأردني بهذا العرض وتخيّل المال الذي قد يهطل من وراء ذلك ونسي الملك الأردني أن السعوديين هم ورثة عرش الشريف حسين الذي دفع بجيشه في الثورة العربية سنة 1916 بقيادة ابنه فيصل وعندما لحق به أخوه عبد الله وفي لحظة فراغ ساحة الحجاز دخل الملك عبد العزيز بن عبد الرحمان ليستولي عليه ويطرد الشريف حسين الذي لحق بابنه عبد الله بعدما تمت ترضيته من طرف الحلفاء وأعطوه إمارة شرق الأردن. لم تكن للمغرب ردة الفعل ذاتها ولم يندفع لقبول العرض، فللمغرب حالة ملكية تتغير منذ تولي محمد السادس الحكم، ذلك أنه يحاول أن يقترب إلى الملكية الدستورية وقد تولت المعارضة إدارة أكثر من حكومة وخاض الإسلاميون الانتخابات التشريعية مرتين وحصلوا على مقاعد مهمة، والمعتقد أن قبول العرض هو خطوة إلى الوراء لأنه يأتي من مكان ما زالت فيه الملكية بخاتم ربّها ولم تخالجها أية معالجة ديمقراطية، مع ما يعني أن الاقتراب من هذه الدائرة قد يعيد المغرب إلى المربع الأول الذي تركه الحسن الثاني الذي تُذكر له مقالة في كتاب ذاكرة ملك في جواب عن سؤال حول عدائه مع القذافي ومآلاته فقال إن هذا الرجل عندما يتكلم ينسى الجغرافيا فكيف يمكن أن تقوم حرب بيننا وبين ليبيا والمغرب دولتان، منطق وعاه الحسن الثاني في الفقه السياسي، لكنّ عرض الانضمام لمجلس التعاون الخليجي له هالته برغم أن أربعة دول تفصل المغرب عن السعودية.