جامعة الثانوي تدعو الى وقفة احتجاجية    مقتل شخص وإصابة 3 آخرين في إطلاق نار بحفل في نيويورك الأمريكية    تونس تشارك في المعرض الدولي 55 بالجزائر (FIA)    سعيد يشدد على ضرورة وقوف العالم الإسلامي صفا واحدا نصرة لفلسطين    برنامج تعاون مع "الفاو"    استرجاع مركب شبابي بعد اقتحامه والتحوّز عليه    مع الشروق .. خدعة صفقة تحرير الرهائن    الاعتداء على عضو مجلس محلي    اليوم الدخول مجاني الى المتاحف    لتحقيق الاكتفاء الذاتي: متابعة تجربة نموذجية لإكثار صنف معيّن من الحبوب    بنزرت الجنوبية.. وفاة إمرأة وإصابة 3 آخرين في حادث مرور    تدشين أول مخبر تحاليل للأغذية و المنتجات الفلاحية بالشمال الغربي    هند صبري مع ابنتها على ''تيك توك''    شيرين تنهار بالبكاء في حفل ضخم    تونس العاصمة : الإحتفاظ بعنصر إجرامي وحجز آلات إلكترونية محل سرقة    انعقاد ندوة المديرين الجهويين للنقل    بداية من الثلاثاء المقبل: تقلبات جوية وانخفاض في درجات الحرارة    وفاة 14 شخصا جرّاء فيضانات في أندونيسيا    غدا الأحد.. الدخول إلى كل المتاحف والمعالم الأثرية مجانا    4 ماي اليوم العالمي لرجال الإطفاء.    عاجل/ أحدهم ينتحل صفة أمني: الاحتفاظ ب4 من أخطر العناصر الاجرامية    روسيا تُدرج الرئيس الأوكراني على لائحة المطلوبين لديها    صفاقس :ندوة عنوانها "اسرائيل في قفص الاتهام امام القضاء الدولي    عروضه العالمية تلقي نجاحا كبيرا: فيلم "Back to Black في قاعات السينما التونسية    إنتخابات الجامعة التونسية لكرة القدم: لجنة الاستئناف تسقط قائمتي التلمساني وبن تقية    قاضي يُحيل كل أعضاء مجلس التربية على التحقيق وجامعة الثانوي تحتج    الرابطة الأولى: برنامج النقل التلفزي لمواجهات نهاية الأسبوع    نابل: انتشار سوس النخيل.. عضو المجلس المحلي للتنمية يحذر    منع مخابز بهذه الجهة من التزوّد بالفارينة    بطولة الكرة الطائرة: الترجي الرياضي يواجه اليوم النجم الساحلي    عاجل/ تلميذة تعتدي على أستاذها بشفرة حلاقة    لهذا السبب.. كندا تشدد قيود استيراد الماشية الأميركية    الثنائية البرلمانية.. بين تنازع السلطات وغياب قانون    القصرين: حجز بضاعة محلّ سرقة من داخل مؤسسة صناعية    هام/ التعليم الأساسي: موعد صرف مستحقات آخر دفعة من حاملي الإجازة    القبض على امرأة محكومة بالسجن 295 عاما!!    "سينما تدور".. اول قاعة متجوّلة في تونس والانطلاق بهذه الولاية    التوقعات الجوية لليوم    فتحي عبدالوهاب يصف ياسمين عبدالعزيز ب"طفلة".. وهي ترد: "أخويا والله"    قتلى ومفقودون في البرازيل جراء الأمطار الغزيرة    بطولة القسم الوطني "أ" للكرة الطائرة(السوبر بلاي اوف - الجولة3) : اعادة مباراة الترجي الرياضي والنجم الساحلي غدا السبت    الرابطة 1- تعيينات حكام مقابلات الجولة السادسة لمرحلة التتويج    كأس تونس لكرة القدم- الدور ثمن النهائي- : قوافل قفصة - الملعب التونسي- تصريحات المدربين حمادي الدو و اسكندر القصري    رئيس اللجنة العلمية للتلقيح: لا خطر البتة على الملقحين التونسيين بلقاح "أسترازينيكا"    القصرين: اضاحي العيد المتوفرة كافية لتغطية حاجيات الجهة رغم تراجعها (رئيس دائرة الإنتاج الحيواني)    المدير العام للديوانة يتفقّد سير عمل المصالح الديوانية ببنزرت    فيلا وزير هتلر لمن يريد تملكها مجانا    إنه زمن الإثارة والبُوزْ ليتحولّ النكرة إلى نجم …عدنان الشواشي    حجز 67 ألف بيضة معدّة للإحتكار بهذه الجهة    بطولة افريقيا للسباحة : التونسية حبيبة بلغيث تحرز البرونزية سباق 100 سباحة على الصدر    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    قرعة كأس تونس 2024.    التلقيح ضد الكوفيد يسبب النسيان ..دكتور دغفوس يوضح    دراسة صادمة.. تربية القطط لها آثار ضارة على الصحة العقلية    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يجوز لي أن أرشح نفسي لتحمل المسؤولية؟
نشر في الحوار نت يوم 02 - 06 - 2011


موعظة الحوار نت
قال تعالى في سياق قصة يوسف عليه السلام مع عزيز مصر : „و قال الملك إئتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين. قال إجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم”. ( يوسف : 54 و 55 ).
وأخرج الإمامان البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري عليهم الرحمة والرضوان جميعا قال: دخلت عليه صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من بني عمي فقال أحدهما : يا رسول الله أمرنا على بعض ما ولاك الله عز و جل وقال الآخر مثل ذلك. فقال صلى الله عليه وسلم : إنا والله لا نولي هذا العمل أحدا حرص عليه “.
حديث بمناسبة
موضوع هذه الموعظة المتواضعة يأتي بمناسبة بعض إستحقاقات الثورات العربية المنداحة في ربيع الأمة ومن ذلك تهيؤ بعض شعوب الأمة تونس ومصر لإستعادة حقها في أمرها سلطانا وثروة وتسييرا لدفة علاقاتها ومصالحها الداخلية والخارجية.
يثور الجدل في مثل هذه المناسبات ويطرح في ذلك الجدل الثائر سؤال : هل يجوز لي أن أرشح نفسي لتحمل مسؤولية في إنتخابات رئاسية أو برلمانية أو بلدية أو دستورية تأسيسية ؟أم أن ذلك محكوم بأحاديث صحيحة من سنة محمد صلى الله عليه وسلم بما يفيد حرمته أو كراهته؟ يطرح السؤال على الأفراد بمثل ما يطرح على الهيئات من أحزاب وحركات ومنظمات .
منطلق البحث الأول : جمع أجزاء الوحي الكريم في الموضوع.
أكثر أحكام الإسلام وليس كلها سيما ما تعلق منها بالعادات والدنيا والمعاملات وليس بالعبادات لا تستوفى حقها دون إستنباطها من القرآن والسنة إستنباطا وهو أمر مقصود من الشارع الحكيم تحريضا على الإجتهاد بل إن بعضها يحتاج إلى إجماع أو قياس أو غير ذلك من المصادر التشريعية المعروفة في مظانها. أما من يروم إستنباط بعض ذلك من موضع واحد أو أكثر من القرآن دون السنة أو من السنة دون القرآن الكريم فلم يشم بعد رائحة العلم.
من القرآن الكريم.
1 لم يرد في القرآن الكريم شيء صريح سواء في إتجاه ترشيح المرء نفسه لتحمل مسؤولية أو في إتجاه المنع من ذلك والترهيب منه. تلك هي طبيعة القرآن الكريم المتمحض حيال التشريع الإسلامي الجامع بما ينصلح به أمر الناس في كل زمان ومكان إلى تسطير الأصول والقواعد والمعاقد والمقاصد والعزائم والكبائر في الحياة سواء تعلقت تلك الحياة بعلاقة المرء بنفسه أو بربه أو بالناس من حوله. سمى الأصوليون ذلك : الإتجاه الإجمالي للتشريع الإسلامي في القرآن الكريم إلا في حقول قليلة جدا تمحض فيها للتفصيل من مثل الأسرة وما سمي في عصرنا بالأحوال الشخصية بصفة عامة ( نكاح ورضاع وطلاق وإرث) أو من مثل الأحكام الجنائية . لا يقاس ذلك على التفصيل الوارد في العبادات وإن كان الحقلان يلتقيان في خاصية التفصيل وذلك بسبب أن العبادة ينتمي أغلبها وليس كلها إلى قيمة الطاعة بالغيب لمقاصد يضيق عنها المجال هنا في حين أن المعاملة ( الأسرة والعقوبات) تنتمي إلى المعقولات التي تنشد مصلحة الإنسان ومبناها المنفعة والمفسدة.لذلك كانت الحاجة إلى السنة لأنها غالبا ما تكون تعليماتها تفصيلية تأدية لدروها : البيان. ( لتبين للناس ).
2 ورد في القرآن بعض من ذلك في أثناء قصة يوسف عليه السلام الذي رشح نفسه في حضرة ملك مصر لتحمل مسؤولية وزارة المالية وهي أخطر مسؤولية في تلك الأيام بسبب مجاعات قاحطة متوالية تجتاح منطقة الشرق الأوسط كلها ( مصر وما جاورها ).رشح نفسه وزكاها بقوله : „ إني حفيظ عليم”. وكان ذلك بمناسبة مواتاة الظروف السياسية بالبلاد إذ كان الذي يقود البلاد هو الذي أوحى إليه بالحظوة والتمكين .
3 ولكن ورد أمر آخر يعده من لم يرسخ في العلم نقيضا لما ورد في شأن يوسف عليه السلام وهو قوله : „ فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن إتقى “. لا بد أن نذكر أنفسنا منذ البداية بأن الآفة مركبة : جزء منها ينصرف إلى الجهل المفضي إلى إستخدام الدليل في غير موضعه وهذا منتشر اليوم بيننا كثيرا ولو عني أولئك بمباحث المناط في علم أصول الفقه ( تخريجا للدليل وتهذيبا له وتحقيقا في محله المناسب) لتقدموا على درب الرسوخ في العلم خطوة أخرى.وجزء من تلك الآفة ينصرف إلى الجهل المفضي إلى تصور مشوش لطبيعة التشريع الإسلامي ولو طبقنا ذلك على موضوعنا لقلنا بيسر بأن التشريع الإسلامي متناقض : فهو ينهى عن تزكية النفس حينا ويقدم لنا سيرة نبي كريم قدوة في تزكية نفسه حينا آخر والغريب أن الموضعين مكيان( يوسف مكية و النجم مكية كذلك).
4 بقي أن الأكثر ورودا في القرآن الكريم في هذا الموضوع هو حفله بالأمر العام للإنسان والأمة بصفة عامة وبشأنها السياسي بصفة خاصة. إذا لم تحفل مصنفات الأمة المعتمدة اليوم بعشر معشار ذلك ( وهو ما سماه المعاصرون تورم الدين في التراث على حساب ضمور الدنيا) فإنه لا يلومن عاقل الإسلام ولكن نردد مع الشاعر : وما لزماننا عيب سوانا.من يقرآ القرآن الكريم يلفت إنتباهه إلى أن إرساء العدل والقسط والحكم بين الناس بالحق لتمتين عرى الوحدة بين الناس كلهم وتجفيف منابع الظلم والقهر والفرقة حتى مع إختلاف الدين والعرق واللغة .. كل تلك القيم مقدمة في القرآن الكريم تقديما عظيما جدا وملحوظا لا يحتاج إلى ما سماه علماء المقاصد : إستقراء. هما رسالتان للقرآن الكريم لا ثالث لهما : لزوم العدل حيال الله سبحانه وذلك بإفراده بالعبادة دون سواه وهو عدل مع النفس كذلك من وجه آخر. ولزوم العدل مع الناس كلهم وذلك بالعدل معهم في الحد الأدنى فإن كان مجال لإحسان فبها ونعمت.
من الحديث والسنة
1 أخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد عبد الرحمان بن سمرة قال : قال لي صلى الله عليه وسلم : يا عبد الرحمان لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك”.
2 كما أخرجا عليهما الرضوان عن أبي موسى الأشعري قال : دخلت عليه صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من بني عمي فقال أحدهما : يا رسول الله أمرنا على بعض ما ولاك الله عز و جل وقال الآخر مثل ذلك. فقال عليه الصلاة والسلام : إنا والله لا نولي هذا العمل أحدا حرص عليه “.
3 كما أخرج البخاري عن أبي هريرة عليه الرضوان أنه عليه الصلاة والسلام قال : إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة”.
4 وأخرج مسلم عن أبي ذر عليه الرضوان قال : قال عليه الصلاة والسلام : يا أباذر إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تأمرن على إثنين ولا تولين مال يتيم”.
من الخلافة الراشدة
1 أورد إبن هشام في سيرته عن إبن إسحاق مما جرى في سقيفة بني ساعدة لما إلتحق المهاجرون بالأنصار والنبي الأكرم صلى الله عليه وسلم مازال مسجى في بيته لم يجهز بعد للدفن.. أورد خطبة أبي بكر ومما فيها : „ أما ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم “. قال عمر : وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة إبن الجراح وهم جالس بيننا ولم أكره شيئا مما قال غيرها..“وبعد فراغه من خطبته قال قائل من الأنصار : منا امير ومنكم أمير يا معشر قريش ..“.
هل يجوز لي أن أرشح نفسي أو غيري لتحمل المسؤولية؟
1 إحالة ما ورد في قصة يوسف عليه السلام في هذه المسألة إلى ما أسماه الأصوليون شرع من قبلنا .. تلك إحالة غير ذات موضوع. لم؟ لأن شرع من قبلنا كما قالوا هم أنفسهم هو شرع لنا ما لم يرد في الإسلام ما ينقضه. ولم يرد كما رأينا نصا وسنرى تحليلا من ذلك شيء ولا يتأخر البيان عن وقت الحاجة كما قال الأصوليون.فضلا عن ذلك فإن شرع من قبلنا لا يؤخذ به في العبادات وما يتصل بالغيب لإحتمال تبدل ذلك من زمن لآخر.أما ما يرد في شرع من قبلنا من خلق عظيم ومعاملة كريمة وفضائل جميلة فهو شرع لنا لأن الشرع كله من مشكاة واحدة. هل يمكن أن يجازف أحمق بالقول أن ترشيح يوسف عليه السلام نفسه لتولي أخطر وأعظم مسؤولية سياسية ومالية في تلك الظروف الإقتصادية الحالكة التي تتطلب عدلا كبيرا بل قسطا وتخطيطا .. هل يجازف أحمق بالقول أنه ما كان ينبغي له ذلك وأن ذلك شرع أي خلق زال بمجيء الإسلام؟ يمكن للأحمق قول ذلك ولكننا من الحماقة نفر إن شاء الله تعالى.
2 أما الإستناد إلى قوله “ فلا تزكوا أنفسهم “ فلا يحتاج إلى بيان بطلان لأن التزكية المقصودة هنا هي تزكية المرء نفسه لنفسه وبينه وبين ربه أساسا فضلا عن كون ذلك موجه إلى المشركين الذين يزكون أنفسهم بحضرة المؤمنين. ولو كانت تزكية النفس تعني ترشيح المرء نفسه لتحمل مسؤولية يقدر أنه لها أهل لما زكى الصديق وهو من هو في السقيفة الفاروق وإبن الجراح ولما زكى الأنصار أنفسهم ولما زكى المهاجرون أنفسهم بقولهم : منا الأمراء ومنكم الوزراء. كل ذلك يندرج ضمن البحث عن أحكم السبل وأعدلها لخدمة الأمة والإسلام وقيم الحق والعدل والكرامة بين الناس. أي أن الذي يزكي نفسه لخدمة غيره لا يدخل تحت طائلة النهي المذكورة في الآية المكية “ فلا تزكوا أنفسكم”.
3 لا بد من الجمع بين الموضعين القرآنيين : موضع تزكية يوسف عليه السلام نفسه وموضع النهي عن تزكية النفس. عملية الجمع نتيجتها ترجيح هذا : لا يزكي المؤمن نفسه للتزكية ذاتها أي لكسب حظوة وأبهة وإعتبار بين الناس ولكن يزكي نفسه بمثل ما فعل يوسف عليه السلام كلما دعت الحاجة إلى ذلك لخدمة الناس. إذا لم نجمع بين الموضعين وكلاهما قرآني المصدر إضطررنا إذا كنا صادقين مع أنفسنا ولنا من الشجاعة الأدبية ما لنا ولنا من بعد ذلك عقول نفهم بها إلى القول بأن الخطاب القرآني متناقض.
4 كل ما ورد في الحديث الصحيح نهيا عن سؤال الإمارة مقيد بما يلي :
أ سؤال الإمارة بحرص يفهم منه كل أحد أن السائل لا يريد خدمة الناس ولكن يريد إصابة مغنم. سيما أن أمر الإمارة في تلك الأيام وفي كل يوم يكون فيه الأمير مطلق السلطات غير مقيد بمؤسسات دستورية وأخرى شورية تحاسبه وتعزله وتراقبه مجلبة للغنم.
ب لذلك ورد لفظ الحرص في الحديث. أي أن الحرص هو مظنة سوء الخلق وليس مجرد السؤال. ثم إن السؤال نفسه يفهم بأنه أقرب إلى المسألة بمثل من يسأل الناس أموالهم. صورة الحال اليوم ليس فيها سؤال للمسؤولية ولكن فيها ترشيح وعرض على الناس. لم يكن متاحا في تلك الأيام أن يجتمع كل الناس ولا حتى أغلبهم أحيانا لتقرير صلاحية هذا (السائل) للمسؤولية أم لا.
ج يمكن أن يعطى المرء المسؤولية دون مسألة منه. لذلك قال عليه الصلاة والسلام : „ أعنت عليها “ أي في هذه الحال الجائزة. ولا يعطى المرء في أيامنا مسؤولية دون أن يتقدم إليها هو أو يقدمه الناس إليها. أما نهيه القاطع عن تولية هذا الأمر من حرص عليه فهو جلي واضح بسبب سؤال صاحبي أبي موسى الإمارة صراحا بواحا ودون موجب. إنما هو طلب للغنم دون ريب.
د ولعل أبهر شيء في الموضوع هو تعليله عليه الصلاة والسلام النهي عن تحمل المسؤولية بالضعف الذي أشار به إلى أبي ذر. ورد في الحديث أنه سأله ذلك. العلة هي إذن : الضعف. المقصود به الضعف في القوة وليس الضعف في الأمانة. الضعف في الأمانة عبر عنه بالسؤال والحرص وهي موجهات أخلاقية لا يعرفها الناس عادة إلا من أنفسهم ولا يمكن الجزم بها لغيرهم لأن محلها القلب. أما الضعف الإداري القيادي فللناس أن يحكموا به لمن شاؤوا ويمضي حكمهم سيما في زماننا حيث يسير عليهم أن يعرفوا ( سائلي الإمارة) من خلال الحملات الإنتخابية وبرامجها و ماضيهم وغير ذلك بسبب أنهم في العادة أشخاص ليسوا نكرات.
ما هو الجواب إذن؟
1 الإمامة العادلة هي أول صنف من الأصناف الثمانية الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. الإمامة العادلة مطلوبة لأمرين : توحيد الناس من جهة وإشاعة العدل من جهة أخرى. الإمامة العادلة يسعى إليها سيما في زماننا ولكن عن طريق رضى الناس والتقدم في خدمة مصالحهم من لدن ذلك الإنسان أو ذاك الحزب يوما من بعد يوم.
2 الترشح للمسؤولية سواء من رشح نفسه أو رشحه الناس واجب لا يتم واجب أكبر منه إلا به. الواجب الأكبر هو : الحيلولة دون قيام ساعة الأمة ( شعب أو مجتمع أو هيئة) وللجماعات ساعة تقوم بإنتفاء العدل فيها لقوله : „ إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة” ولما سئل عن إضاعتها قال : إذا وسد الأمر لغير أهله”. الحيلولة دون ذلك هو واجب أكبر ولا يتم ذلك الواجب الأكبر إلا بأن يترشح من يأنس في نفسه ( القوة والأمانة معا) أو يرشح غيره. أما الوقوف على الربوة فهو تحت طائلة هذا التهديد : „ من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم”.
3 الترشح للمسؤولية أو ترشيح غيره لها يحول كذلك دون نكبة أخرى قال فيها عليه الصلاة والسلام : „3 لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا : .. ورجل أم قوما وهم له كارهون”. هو لا تقبل منه صلاته إن كان يصلي أصلا أو يؤمن بها ولكن الناس الذين يؤمهم في الدنيا سيلاقون من صنوف التعذيب والقهر ما يحول دنياهم إلى جحيم عاجل يصلونه قبل جحيم الآخرة إذا رضوا بهذه القيم الفاسدة في الحكم والسياسة.“ قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها”.
4 الترشح للمسؤولية أو ترشيح غيره لها يحول كذلك دون إشاعة أكثر شيء يغضبه سبحانه بل عد أكبر الذنب كما جاء في الحديث عنه. „ ألا وشهادة الزور” وظل يكررها مرات ومرات حتى قال الصحابة : ليتنا ما سألناه. أنكرها نكرانا لم ينكره على غيرها بتلك الطريقة إذ كان متكئا لما ذكر : الشرك والزنى بحليلة الجار. فلما ذكر الزور فعل الذي فعل وقال الذي قال. منا من يرشح نفسه زورا ويرشح غيره زورا ولا مجال لمقاومة الزور في المجتمع إلا بمقاومة مضادة وبضدها تتميز الأشياء كما قال الشاعر الحكيم. ولقد أفتى الإمام القرضاوي وغيره بأن صوت الناخب في أي إنتخابات مهما كانت صغيرة محدودة هو شهادة. إما شهادة لصاحبها يوم القيامة إذا نصح فيها لله ولرسوله ( أي للأمة ولأهل موضوع الإنتخاب) أو شهادة عليه إذا كان العكس. ولقد قال سبحانه عن الشهادة أمرا لم يقله في غيرها البتة:“ ومن يكتمها فإنه آثم قلبه”. إثم القلب شيء غير بعيد عن الشرك حتى لو لم يكن شركا.
5 والحاصل أننا في سفينة واحدة ولم نختر ذلك ولكنه إختير لنا. سفينة تقلنا ولا مجال فيها للحياد أو ما يسميه الكذبة إستقلالا أو وقوفا على الربوة. لا مجال فيها سوى لجمع قوى الخير لمقاومة قوى الشر فإن كان ذلك أمنت السفينة وأمن من فيها حتى مع وجود الشر وإن لم يكن ذلك غرقت السفينة وغرق من فيها حتى لو كان فيها صالحون. سئل عليه الصلاة والسلام : أنهلك وفينا الصالحون؟ قال : نعم. إذا كثر الخبث. كثرة الخبث إنما تزول أو تنحسر ولكن لا تزول لئلا يزول معها قانون التدافع بالإصلاح وليس بالصلاح وحده.
6 ليس منا واحد مسؤول عن أمن السفينة في حين يستمتع الآخرون بالفرجة. „ الناس سواسية كأسنان المشط”. هم كذلك في فريضة رعاية السفينة إنخراطا في الشأن العام وهم كذلك في الإستمتاع بالحقوق. سواسية في الغرم وفي الغنم. سواسية في ترشيح النفس وترشيح الغير. يستوي أن يكونوا رجالا أو نساء إذ لا مجال لدعوة مفهوم القوامة إلى خارج محله ومحله البيت بمعنى المسؤولية التي هم غرم وتكليف وليست غنم وتشريف.
أعيد القول : إذا أخطأ الناس حتى لو كانوا فقهاء مبرزين لأسباب تاريخية معروفة فما ذنب الإسلام وتلك بياناته الساطعة وتعليماته القاطعة؟
الجواب هو:
1 أرشح نفسي لأي مسؤولية في المجتمع والدولة فضلا عما سواهما بضابطين لا ثالث لهما : ضابط الأمانة أي نخل صدري نخلا كبيرا لمعرفة البواعث على ترشيح نفسي هل هي بواعث سيئة أريد منها الذكر وحسن القالة والأبهة والخيلاء والمال والدنيا وقهر الناس ولو قهرا خفيا أجد حلاوته في صدري. وضابط القوة أي أني آنس من نفسي كفاءة لتلك المسؤولية أولا ثم أعرض نفسي على الناس ثانيا. فإن زكوني فأنا في العادة : قوي. وإن لم يزكوني فلست في العادة كذلك. أما الأمانة فليس سواك مسؤول عنها. أنت من تعرف نفسك. ولا سبيل للناس على خلجات صدرك. تلك تحاسب عنها يوم القيامة. ( نعمة المرضعة وبئست الفاطمة).
2 كما أرشح غيري شهادة لله سبحانه وفرارا من الوقوع تحت طائلة : „ ومن يكتمها فإنه آثم قلبه”.إذا تخلفت عن ترشيح من آنس فيه أمانة وقوة لتحمل المسؤولية فقد كتمت شهادة لله تعالى ولم أكن بعيدا عن خيانة أهلي ( في المؤسسة أو الحزب أو المجتمع أو الدولة أو الأمة) وبمثل ذلك بل أشنع منه وأقسى إذا رشحت نفسي أو غيري ولا آنس من نفسي أو من غيري أمانة وقوة لتلك المسؤولية. أما أكبر الذنب فهو أن أزكي ( بمجرد صوت يوم الإنتخابات) من يغلب علي الظن أنه لا أمين ولا قوي. تلك خيانة موصوفة دون ريب ولا شك. هي ثلاث كربات لا منجأ منها إلا بواحدة هي : أخلص لربي في نفسي حيال نفسي وحيال غيري فأرشح أو أزكي الأدنى إلى الأمانة والقوة دون حياد مزعوم بل دون كذبات الحياد والإستقلال والبعد عن الفتنة.
3 أيهما أولى للتزكية : الأمانة أم القوة. أما في نفسي فإن الأمانة أولى لأني أعرف بنفسي والقوة يقول فيها المجتمع كلمته. أما في غيري فإن القوة أولى سيما في الوظائف السياسية وما في حكمها لقالة قديمة صحيحة : شره على نفسه وخيره للناس. الحكم على الناس في موضوع الأمانة من أعسر الأمور بل هو أعسر أمر مطلقا. ومثله في العسر : أن يزكي الناس عديم الأمانة كلما كانوا أحرارا مختارين غير مكرهين.
والله أعلم.
الهادي بريك ألمانيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.