منذ الأشهر الأولى للحمل وأحيانا عند التفكير في الحمل أو الانجاب تبدأ المرأة في التردد على أطباء النساء وأجنحة طب النساء والتوليد في المستشفيات وتبدأ المتابعة الطبية للأم والجنين سويا انطلاقا من الكشف العادي إلى التحاليل والأشعة وفي الكثير من الأحيان يطلب من الأم وكذلك الزوج بعض التحاليل الجينية المعقدة والباهظة الثمن وذلك إذا اقتضت الضرورة إرسال العينات للدرس والتحليل في المخابر الأروبية وعلى ضوء تلك المتابعة يتم توجيه الأم نحو نظام غذائي معين أو وضعية استلقاء والامتناع عن أي حركة عنيفة أو إجهاد وغيرها من الجزئيات التي تصب كلها أولا في المحافظة على سلامة الأم الحامل وثانيا سلامة الجنين من كل مرض غير مرغوب فيه كفقر الدم أو البوصفير عافانا وعافاكم الله أو أي نوع من أنواع الإعاقة فيكون المولود عند قدومه على الأقل من الناحية البدنية والجسمية سالما معافى وهو الأصل وما دونه فهو استثناء، العبرة في هذا المثل تتمثل في تضافر الجهود بين المرأة الحامل والإطار الصحي والمخابر والعائلة من أجل أن يتأثث المجتمع بمشروع مواطن سليم جسما وعقلا هذه الصورة أو هذا المشهد جال بخاطري وأنا أتأمل حال البلاد والعباد أثناء فترات الثورة وما قبل الثورة وما يمكن أن يكون عليه الحال في المستقبل، نعلم جميعا بأن الثورات ولادة فقد أنتجت وأنجبت المجتمع المدني والحداثي ومجتمع حقوق الانسان والحريات العامة والفردية وآلية الحسم الديمقراطي انتخابا أو توافقا ولكن لسائل أن يسأل هنا هل كانت كل الثورات خالية من السلبيات وهل كانت نتائجها كلها حسنة وسليمة؟ وهل يمكن للثورة أن تلد كائنا عليلا سقيما ؟؟ وهل يمكن لوليد الثورة أن يحيا وتموت أمه على النفاس حتى وإن كان مشوها وعليلا؟؟ وغيرها من الأسئلة المحيرة والتي يمكن أن نجد لها بعض الإجابات من خلال عملية مقاربة صغيرة بين المرأة الحامل والثورة..فمثلما تتضافر كل الجهود حول المرأة الحامل من أجل سلامتها وسلامة الجنين والتي قد تدفع الجميع إلى اللجوء للعملية القيصرية قصد إنقاذ الجنين وأمه فيجب أن تتضافر وتتكاتف كل الجهود في المجتمع التونسي الذي أعاد للثورات بريقها وللشعوب دورها في التغيير، هذا الشعب التونسي بكل مكوناته والذي بثورته الفريدة من نوعها والمباغتة قلب كل الموازين في العالم بأسره المتقدم والنامي وبصفة خاصة العالم العربي نجده اليوم بعد أن أزاح أعتا الدكتاتوريات وأشرس عصابات المافيا عاجزا على الحفاظ على ما تحقق ومشدوها أمام التكالب الفئوي نحو سرقة الثورة أو الركوب عليها. هناك قاعدة تقول "إذا أردت افشال عمل ما أو تعطيله فكون له لجنة" فما بالك وثورة الشعب التونسي قد تكونت لها لجان ولجان عليا وهيئات ومجالس البعض منها احتكاري فئوي والبعض الآخر توافقي لا حول كيفية معالجة مآسي الشعب بل حول النسبة الممثلة داخل المجلس وداخل الهيئة والأغرب من ذلك كله اشتمال تركيبة تلك الهيئات على العديد ممن يخشون الصندوق ويخشون الاحتكام للشعب على الأقل في الفترة الراهنة مسوقين مصلحة الشعب والحرص على انتخابات شفافة ونزيهة كتبرير للهروب من الحسم الجماهيري وهم في نفس الوقت يدعون تمثيل الشعب ، هذا الصراع الحزبي الضيق والذي لا يخفى على أحد وهذه التجاذبات التي أصبح فيها دعاة الديمقراطية يلعنون اليوم الذي اعتمدت فيه كآلية للحسم مادامت نتائجها لن تخدم توجههم وطموحهم ، هذا الكم الكبير من النخبة المتواجدة في العديد من القطاعات التي نسيت أهداف الثورة وانشغلت بسب وشتم وشيطنة طرف سياسي لكي يتفرق الناس من حوله، هذه النعرات القبلية والعروشية التي يحاول البعض إيقاضها - لعن الله من أيقضها – كل هذا وأكثر لا يخدم الثورة ولا قيم الحرية والديمقراطية والكرامة التي قامت من أجلها وضحى في سبيلها العديد من المواطنين بأنفسهم وأموالهم وقوتهم وأمنهم ، لا ننكر أن الثورة التونسية أنجبت بذرة الحرية ورحيق الديمقراطية وعبير الكرامة ولكن أنجبتهم في واقع تعصف به رياح الغدر والخيانة والأنانية المفرطة والمطلوب اليوم تكاتف كل الجهود ضد تلك الرياح والحيلولة دونها ودون العبث بإفرازات الثورة والوقوف بكل مسؤولية دون كل محاولات وئدها وحتى لا تتحول اللجان والمجالس أو بعضها مقابر للثورة وكل تجلياتها. الحبيب ستهم