محمد أبو عدنان العرضاوي بسم الله الرحمان الرحيم تعقيبا على زيارة الشيخ راشد الغنوشي إلى تطاوين (جنوبتونس) يوم الأحد 2011/05/22 لم تتشرف تطاوين بزيارة أحد كبار المفكرين أو الشخصيات السياسية الجليلة منذ أن أصبحتُ أدرك ، أو لنقل هذا ما أذكره، رغم ما بقي عالقا في الذاكرة من صور زيارة قام بها المخلوع الأول بورقيبة ، ومن قبلها زيارة وزيره الأول محمد مزالي ، لكن يوم الأحد الثاني والعشرين من ماي كان مختلفا، وأكاد أجزم أنه كان كذلك بالنسبة لتطاوين كلها ، من البعيد أو القريب،من الحاسد أو المساند...فزيارة الغنوشي كانت حدثا بكل ما في الكلمة من معنى. وأن تكون الزيارة حدثاً فلأسباب كثيرة،أهمها ما تركته في نفوس أناس بسطاء ، لم يكونوا مُجبَرين على الحضور ، بل على العكس من ذلك ،كان البعض لا يزال يحمل في نفسه حرجًا من الحضور - فظُلَم العهد البائد مازالت آثارها في النفوس- ولم تُقدَّم لهم وعود وإغراءات حتى يصفقوا بحرارة ، ولم يُهدَّدوا كي يقفوا إجلالا لقدوم الزائر ، كل شيء كان عفويًا عفوية الضيف . أمّا المتسيسون أو ما يمكن تسميتهم بالنخبة، والمنتمون الجدد إلى بعض الأحزاب التي فتحت لمناضليها مقرات في تطاوين ، والذين أحسَبُ-ولكلٍ رأيه- أنهم في غالبهم منتمون من أجل الإحساس بالانتماء و انتشاءً بطعم الحرية كل أولئك أكبروا ما رأوا وهالهم ما سمعوا ، وبالتالي أظنهم قد استرخصوا بضاعتهم، ووهنت منهم العزائم قبل السباق ، وما بقي من طموحاتهم إلا القليل . ولأصحاب رؤوس الأموال ، كان الحدث مطَمئنًا يبعث على الارتياح ، خاصة بعد ما عاشوا سنوات من التضييق والابتزاز مارسته عصابة من أحطّ فئات اللصوص ، دفع بالكثير منهم إمّا إلى المهادنة ودفع الأتاوات أو إلى كبح جماح نشاطهم والرضا بما قلّ كي لا يكونوا فريسة لقُطعان الذئاب والذباب ، وأصبح هدفهم بعد الثورة ، البحث عن أناسٍ أطهار اليد واللسان أهل ثقة،وليس أطهر –وهذا ما يعتقدونه- من رجالات النهضة. و أما الشباب، والذين لا يعرفون الضيف و لا تاريخه إلا بما سمحت به وصنعته أبواق التزييف والتشويه ،بعد أن غُيِّب قسرًا وقهرا في سنوات الظلام ، فهم يعرفون برغم كل ذلك أنّ الرجل تسبقه سمعته ، التي اكتشفوها من خلال الفضائيات الوافدة والتي استحال على صنّاع الأبواق إيقافها أو الحد من تأثيرها، و أن الثورة أزاحت الغبار عن سنوات من القمع والظلم عاشها أتباعه ، وأن المشروعية الثورية ، كما انسحبت على شهداء ومقموعي ثورة 14 جانفي ، تنسحب على شهداء ومناضلي حركة النهضة،فالمجرم واحد ويد القهر واحدة. وأما النساء ، فالمسنّات منهن واللاتي يعرفن الشيخ وقصة حركته مع نظام المخلوعَيْن ، فأكبرن فيه إصراره على الثوابت ، وخطوط الزمن البيضاء التي بدت جلية على مُحيّاه ، وأما اللاتي لا يعرفنه من الشابات فقد رأين الرجل الذي طالما صوّره نعيق الظالمين خطرًا محدقا بحقوقهن ، زعيم قوم يريدون اعادتهن الى عصور الرّق والجواري ..ولكنهن كنّ مطمئنات إذْ رأينه ، واثقات إذْ سمعنه ،أن هذا الشيخ لن يَلِت من حقوقهن شيئا ,بل أن البعض منهن رأين أن حركة النّهضة ستُعيد للمرأة كثيرا من حقوقٍ سُلبت منهن بدعوى المساواة . وأما مناضلي الحركة بالجهة ، فالأقدمون منهم، تذكروا برؤيته أياما نضالية قاسية، وتذكروا تجربة السجن والتشريد، وتضحيات لم تذهب والحمد لله هباءً ورأوا ذلك الأستقبال العفوي العظيم الذي حُضي به،من ذلك الحشد الغفير جزاءً لسنوات "مرّ وصبر" ، حتى كاد أثناءها البعض منهم يجزم أن لن يقوم للحركة مقام ، ولكنّ الله غالب على أمره، وأما الشباب من مناضليها فقد انتشوا بالانتماء الى حركة عظيمة لها تلك الحضوة في قلوب الالاف ،وهو انتماء ، أصبح لزاما على الحركة أن تنمّيه في نفوس شبابها بالقليل من الإحاطة -الإعلامية خاصة-لمختلف جهات البلاد ولا أن ينتظر شبابها في تطاوين مثلا زيارة لشيخنا ليحسوه بكل هاته القوة . ونشوة الانتماء تلك كانت ممزوجة باحساس بالمسؤولية ، فلقد أحس الواحد منهم أنه - شخصيا – محطّ أنظار الآلاف وآمالهم وتطلعاتهم ، وأنه أمام تحدٍ لابد من رفعه،ممّا أنشأ في نفوس بعضهم خوفا من أي تقصير أو خذلان لهذه الجموع ... لقد كانت الزيارة بالفعل حدثا في النفوس قبل أن تكون حدثا في الأمكنة – وما أيسر وقوع الأحداث في أيامنا هذه – بعد أن كانت قبل شهور قلائل عسيرة حدّ المستحيل . والثابت بعد كل ذلك أن التيار الأسلامي، أصيل في الجهة رغم الداء والأعداء ، وأن محبّي حركة النهضة كثر ، وأن الحرية كسب لابد من الحفاظ عليه ، ومتى زالت سحب الخوف و انقشعت غيوم الاستبداد ، سطع الحق وإضاء بنوره القلوب وهنا أتمثل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "خلّوا بيني وبين النّاس" فالحمد لله أولا وآخرا . - محمد أبو عدنان العرضاوي - أستاذ علوم التربية تطاوين في 2011/05/25