البنك الدولي يوافق على تمويل يفوق 125 مليون دولار لتعزيز النظام الصحي والتصدي للجوائح في تونس    غزة أكثر الأماكن جوعا على وجه الأرض.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    عزيز دوقاز يغادر بطولة ليتل روك الامريكية للتنس منذ الدور الاول    عاجل/ تحيين: الحالة الصحية للمصابين في حادث العاملات الفلاحيات    عاجل/ 3500 مهاجر غير نظامي غادروا تونس منذ بداية العام    تونس تستعد لموسم واعد: صابة الحبوب تصل إلى 18 مليون قنطار ومراقبة صارمة لتفادي الحرائق    عاجل/ أضاحي العيد: إرشاد المستهلك تدعو لحملة مقاطعة شعبية    رفض الإفراج عن وزير الفلاحة الأسبق سمير بالطيب في قضية "هنشير الشعال"    قبلي: تواصل عمليات رصد ومداواة الجراد الصحراوي    عاجل/ هذا ما تقرّر ضد بن علي ورضا قريرة في قضية فساد مالي وإداري    صيف أكثر حرارة؟ الأمم المتحدة تحذر وخبير مناخ يوضح المشهد في تونس    عاجل/ وقفة احتجاجية تضامنا مع أحمد صواب    مأساة في مصر: زوج يطعن زوجته حتى الموت والسبب هذا    فضيحة مدوية: مخدر يصنع من عظام الموتى يورّط مضيفة بريطانية في تهريب دولي    من هي الشابة العربية التي ظهرت برفقة كريم بنزيمة وخطفت الأضواء في مهرجان كان؟    الجلطات تقتل بصمت: التدخين وراء 60% من الحالات في تونس    لن تتوقعها.. ماذا يحدث لجسمك عند شرب الماء بعد فنجان القهوة؟    أطعمة يُفضّل تجنّبها في مكان العمل: احترام للآخرين وذوق عام    غدًا أول أيام فصل الصيف وفقًا للتقويم الفلاحي    عاجل/ البنك الدولي يوافق على تمويل لتونس.. وهذه قيمته    الأولمبي الليبي يضع زبير السايس في مأزق كبير    تعاون تونسي إيطالي في المجال الديواني    سيدي حسين: فتح بحث تحقيقي بعد العثور على جثة كهل مشنوق داخل منزل    الأهلي يتوج ببطولة مصر لكرة القدم للمرة الخامسة والاربعين في تاريخه    وزير النقل يلتقي وفد شركة EMBRAER البرازيلية لبحث سبل التعاون في مجال الطيران المدني    ارتفاع عدد الصحفيين الشهداء في غزة إلى 221 شهيدا..    بداية من اليوم.. انطلاق بيع الأضاحي بالميزان بنقاط البيع المنظمة..#خبر_عاجل    ميزة منسية في هاتفك قد تنقذ حياتك في حالات الطوارئ    البنتاغون يبدأ تجهيز "الهدية القطرية" لترامب    "ابتعد أيها الخاسر".. قراءة شفاه تكشف ما دار بين ماكرون وزوجته بعد صفعه    إيلون ماسك يؤكد خروجه من إدارة ترامب    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    أبرز ما جاء في لقاء رئيس الجمهورية برئيسة الحكومة..    ياسين مامي: لا وجود لطرد جماعي منظم في قطاع السياحة والقانون الجديد لا يُطبق بأثر رجعي    لطفي الرياحي... العطلة الصيفية "حلماً صعب المنال" بالنسبة للطبقة المتوسطة وحتى للفئات الميسورة نسبيًا.    4 دول أوروبية تدعو إلى قبول فلسطين عضوا كاملا بالأمم المتحدة    وزير الفلاحة يعطي إشارة انطلاق موسم الحصاد من ولاية القيروان    قضية الشبان الموقوفين بقابس: أحكام تتراوح بين شهرين وأربعة أشهر سجنا    على ما يرام    اُلْكَاتِبُ وَاُلْمُلْهِمَةُ    عاجل/ بلاغ هام للجامعة التونسية لكرة القدم بخصوص هذه المباراة..    برمجة «ظالمة» للسيدات و«انحياز» مفضوح للرجال.. أنس جابر تفتح النار على منظمي «رولان غاروس»    اُلطَّاوُوسُ اُلْجَمِيلُ    أولا وأخيرا...جمال مغشوش    تدعيم مستشفيات نابل بتجهيزات    60% من الجلطات في تونس سببها التدخين    الدخول إلى المتاحف والمواقع الأثرية والتاريخية مجانا يوم الأحد 1 جوان 2025    انطلاق الدورة السادسة من مهرجان "سينما الجبل" بعين دراهم    المبادرة الوطنيّة التشاركيّة للوقاية من مخاطر المخدّرات تنظم فعاليّات توعويّة خلال عدد من التظاهرات الرياضيّة الوطنيّة    التونسية اللبنانية نادين نسيب نجيم تواجه فضيحة تحرش وتلوح بالقضاء    عيد الاضحى يوم السبت 7 جوان في هذه الدول    بعد ذبح الأضحية... ما الذي يُستحب للمُضحّي فعله؟    نعيم السليتي يمدد عقده مع نادي الشمال القطري    دعاء أول أيام ذي الحجة...أيام مباركة وفرصة للتقرب من الله    نعيم السليتي يمدد عقده مع نادي الشمال القطري الى غاية 2027    السفارة الأمريكية بتونس تحتفي بذكرى ميلاد ابن خلدون    طقس اليوم: رياح قوية نسبيا بهذه المناطق والبحر مضطرب    مسرحية "وراك" لأوس إبراهيم… لعبة الوجود بين الوهم والحقيقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا خوف ولا تخويف بعد اليوم :محمد العرضاوي
نشر في الحوار نت يوم 13 - 06 - 2011


بسم الله الرحمان الرحيم
مضت على تونس ما بعد الاستقلال خمس و خمسون سنة، لم يعرف فيها التونسي إلا القهر والحكم الفردي المطلق، ولئن ترك نظام المخلوع الأول كما يعتقد البعض القليل من الحسنات كان من أبرزها العناية بالتعليم ، فإن نظام المخلوع الثاني الابن غير الشرعي للنظام الأول لم يترك سوى الخراب في كل مجال وعلى كل مستوى ، وما الفرق بين النظامين بِكبير، فبورقيبة طمس الهوية وبدأ بتجفيف المنابع ، وليس لشرف فيه أنه لم يسرق كما فعل خلفه ، بل ببساطة لأنه كان يعتقد أنه من صَنَع بلدًا اسمها "تونس" وبما أنه صانعها فهيَ ومن عليها مُلك له ،فهل سيسرق بالتالي ما يملك،؟
أما المخلوع الثاني ، فإن خرابه تعدّى ما في الجيوب ليصيب ما في القلوب ،وكان هذا هو الأشد والأدهى ، فأّن تُحطّم اقتصاد بلد ،سرقةً ونهبًا ، فهذا أهون من أن تُحطم نفوس أهلها وتجعلهم أسرى للقلق النفسي والخوف الدائم الساكن في أعماق الأعماق، فما هي تجلّيات بعض أمراض القلوب التي أصابت التونسي ما قبل الثورة وهل تم الشفاء منها؟؟.
لابد قبل الإجابة عن أي سؤال ،أن نختار عيّنة من المجتمع التونسي والبحث من خلالها عن مظاهر القلق الكامن في الأعماق والخوف الحي في اللاوعي ، ولن أجد أقرب كمثال لذلك من الطبقة السياسية أو المتسيّسون على وجه الدقة ،لأن الحديث في السياسة كان إلى وقت قريب مَجلبَةً لكل متاعب الدنيا ،
وأن تُمارس السياسة أو تُعبر عن رأيك ما قبل الثورة ،فذلك يعني إما أن تكون مساندا أو لا تكون أصلًا ،فلا مجال لأي معارضة جدية ،وإذا ما صادف أن فتحت فاك يوما، حتى سهوا أو تصديقا لمزاعم الديمقراطية الزائفة، فانك ستواجه سلاح الخوف وعصا التخويف ، حتى بلغ بالتونسي أن يستمرِئَ الاقتراب من كل جُرم في الحق العام،سواء كفاعل أو كطرف فيه دون أن يجرؤ على الاقتراب بأي شكل من الأشكال من" مُجرمي " الرأي ، فجريمة الحق العام تُقبل وتُستساغ و لا تخصّ إلا فاعلها، وربّما يسقط عقابها وتُمحى آثارها بعد فترة وجيزة، إلا أن جريمة الرأي لا تسقط بالتقادم ولا تُمحي آثارها ،و مفعولها متعدٍّ بالقرابة الدموية وحتى الجيرة، وكأنها الوباء الذي لا شفاء منه ،
وجريمة الرأي بقسوة عقوبتها تتفاوت من "رأي" إلى آخر. فأهون عقوبتها تلك التي تُسلّط على ما كان يُسمى بأحزاب المعارضة المعترف بها ، فرغم قانونيتها ودورها الايجابي في تجميل صورة النظام ، إلا أنها لا تكون بمنأى عن بعض العقوبات الغير مباشرة ، كالترهيب بالمراقبة البوليسية التي تُسلّط عادة على صغار المنتمين وهنا أقصد صِغَر الشأن وليس صِغَر السّنّ وبعض المضايقات في العمل ،لأنها تعتبر في النهاية خروجا عن "الإجماع" .
ثم يشتدّ الجُرم بانتمائك إلى بعض الأحزاب أو الأفكار غير المعترف بها ، كاليسار"المتطرف" أو القومي "المتشدد ،وتصل العقوبة إلى أوْجها بالجرم الذي لا توبة منه ولا عفو عنه وهو الانتماء إلى التيار الإسلامي المتمثل في حركة النهضة خاصة.
والدّارس لتاريخ الحركة وصداماتها مع سلطة المخلوعَيْن ،ليقف مندهشا لبقاء ألقها وتجدد روحها كأن لم يصبها شيء ، ووجه الغرابة في ذلك، أن ما سُلّط على أبنائها من قمع وقهر واستئصال، وشراسة المعركة التي أُعلنت ضدها ، لو وُجّه كل ذلك إلى تيار سياسي آخر لما قامت له قائمة ولقُضي عليه نهائيا ، ولكنها بذرةٌ لِدعوة لم تغادر القلوب ولم تَبرح العقول ,
لقد أُشهر في وجه هذه الحركة سلاح الخوف والتخويف بأساليبه المتعددة من سجن وتعذيب ومراقبة وانتقام مباشر وغير مباشر . لقد كان الخوف مسلطا على مناضلي الحركة ، وكان التخويف موجها للمجتمع بأسره،ورسمت يد القهر صورة نمطية ، بعبارات خشبية تُكرر في كل مناسبة ،جعلت من الإسلامي إرهابيا ، بشع النفس والصورة ، ظلاميَ السبيل ،رجعيَ الفكر ، حتى أصبح ألانتماء إلى الحركة الإسلامية مرادفا للموت في السبب والنتيجة.
ولم تكن ممارسة الخوف والتخويف إلا جزءا من سياق عالمي أكبر ،عُرف بالحرب على الإرهاب وهذا ما أعطى نظامَ مخلوعِ ما قبل الثورة "شرعية " متجددة للبقاء ، وخاصة بعد أن حرص على البروز في صورة عدو الإرهاب وحامي حمى الغرب من التطرف الإسلامي في السنوات الأخيرة بعد أن أصبح هذا النظام في حاجة أكبر لمبررات الوجود اثر انكشاف زيف "المعجزة الاقتصادية التونسية " فبعد أن قيل أن تونس بلدُ اللّقمة بلا كرامة صارت بلا لقمة ولا كرامة .
وجاءت الثورة في لحظة اللامنطق وغير المتوقَع ،وفاجأت الجميع، ودوّى نجاحها وتردد صداها ولا يزال، وكان أبناء حركة النهضة من بين الذين فوجئوا ، وبدا واضحا أن عودة بعض الأخوة إلى النشاط السياسي العلني كانت مرتبكة، خصوصا أولئك الذين تلظّوا بنار القمع وطالتهم يد الخوف بشكل مباشر وقاسٍ ، وظهر ذلك في التردد الذي اعترى النفوس ، فقلما تجد من هو مندفع في العمل بكل حماسة، والأدهى من ذلك التردد والقلق الساكن في الأعماق ، تلك الغشاوة من الشك والريبة والحيطة التي كانت تلُف حضورهم المحتشم ، حتى أن بعضهم لم يصدق إلى اليوم أن الحركة تحصلت على التأشيرة القانونية ، وأن العمل يجب أن يكون علنيا تحت ضوء الشمس .
وأمّا المجتمع فكانت آثار عصا التخويف بادية في نفوس أولئك البسطاء ،الذين رغم ما يُكنّون من تعاطف للحركة، إلا أن أغلبهم لا يزال يتحاشى الاختلاط بأبنائها أو الجهر بمساندتهم ،ورغم أنهم في العهد البائد كانوا كأهل الكوفة من الحسين رضي الله عنه ، قلوبهم معه وسيوفهم عليه ، إلا أنهم ظلوا بعد الثورة كذلك الأعرابي الأحمق - بعد نهاية حروب الرّدة – الذي وجدوا عنده صنما يحتفظ به ، فلما سألوه قال: لا أدري ما يكون!!
لقد بادر شباب الثورة في تونس، وفي أغلب بلاد القهر والقمع، بنزع ثوب الخوف، فهم أول من شقّه عندما شقّوا عصا الطاعة والولاء للحاكم المطلق ، وبدأت تنحسر تدريجيا آثاره من النفوس ، ومن اليسير اليوم أن نلاحظ بداية التغيّرات على الفرد والجماعة ، لكن بعض التخويف باقٍ،لأن أبواقه مازالت الى اليوم ناشطة، بعد أن استطاعت ركوب أمواج الثورة ،والغريب أنها نفس الأبواق التي ما فتئ النظام السابق يستعملها لمحاربة ألدّ خصومه .والفرق بين ماضيها وحاضرها ،أنها ولحسن الحظ أصبحت اليوم مكشوفة لكل تونسي،بعد أن كانت تعمل في الخفاء .
ولأن التونسي بات يدرك ما يحيط به ويفهم ما حوله،فهو حتما لن يُخطئَ أعداء ثورته وهو لهم بالمرصاد، ولن تعوزه القدرة على التمييز بين من ينوي له خيرًا،ومن يُبيّت له شرًا، بل لم تعد تؤثر فيه ممارسة التخويف ،ولم تعد تُخشى عليه محاولات التزييف .
وشعبٌ في غالبيته ناضج بالقدر الذي أنتج ثورة كثورتنا ، لن يسمح بإذن الله ، أن تعود عقارب الساعة إلى ما وراء الرابع عشر من جانفي ، وأما أبناء النهضة ومِن ورائهم كلُّ سياسيٍ صاحب فكر فعليهم أن يوقنوا بهذه الحقيقة وأن ينزع مَن بقي منهم في قلبه "حرج" ،كلَّ أثر لكل خوف كامن في الأعماق ، وأن يتذكروا دائما أن لا متصرف في الخلق إلا الله وأن لا غالب إلا هو ،كي تكون نهضتهم في ثباتٍ لا يشوبه تردد ،فلا خوف ولا تخويف بعد اليوم إلا من الخالق عزّ وجلّ .
محمد أبو عدنان العرضاوي
أستاذ علوم التربية تطاوين في : 2011/06/12


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.