هام/ بشرى سارة للراغبين في السفر..    أخيرا: الطفل ''أحمد'' يعود إلى منزل والديه    التونسيون يتساءلون ...هل تصل أَضحية العيد ل'' زوز ملايين'' هذه السنة ؟    زلزال بقوة 4.6 درجات يضرب هذه المنطقة..    دورة مدريد: أنس جابر تواجه اليوم المصنفة العاشرة عالميا    كأس الكاف: حمزة المثلوثي يقود الزمالك المصري للدور النهائي    الرابطة الأولى: برنامج مباريات الجولة السادسة لمرحلة التتويج    عاجل/ ستشمل هذه المناطق: تقلبات جوية منتظرة..وهذا موعدها..    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    بعد مظلمة فرنكفورت العنصرية: سمّامة يحتفي بالروائية الفسطينية عدنية شبلي    انتشار ''الإسهال'' في تونس: مديرة اليقظة الصحّية تُوضح    تقلبات جوية في الساعات القادمة ..التفاصيل    مفزع: 17 حالة وفاة خلال 24 ساعة في حوادث مختلفة..    يوميا : التونسيون يهدرون 100 مليار سنويا    الكشف عن توقيت نهائي رابطة الأبطال الإفريقية بين الترجي و الأهلي و برنامج النقل التلفزي    زيارة ماسك تُعزز آمال طرح سيارات تسلا ذاتية القيادة في الصين    دكتور مختصّ: ربع التونسيين يُعانون من ''السمنة''    معز السوسي: "تونس ضمن القائمة السوداء لصندوق النقد الدولي.."    تونس / السعودية: توقيع اتفاقية اطارية جديدة مع المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة    خط جديد يربط تونس البحرية بمطار تونس قرطاج    عاجل/ تفكيك شبكة مُختصة في الإتجار بالبشر واصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن في حق أعضائها    قرار جديد من العاهل السعودي يخص زي الموظفين الحكوميين    بطولة ايطاليا : رأسية أبراهام تمنح روما التعادل 2-2 مع نابولي    غوارديولا : سيتي لا يزال أمامه الكثير في سباق اللقب    سان جيرمان يحرز لقب البطولة للمرة 12 بعد هزيمة موناكو في ليون    حزب الله يرد على القصف الإسرائيلي ويطلق 35 صاروخا تجاه المستوطنات..#خبر_عاجل    طقس الاثنين: تقلبات جوية خلال الساعات القادمة    دولة الاحتلال تلوح بإمكانية الانسحاب من الأمم المتحدة    السعودية: انحراف طائرة عن المدرج الرئيسي ولا وجود لإصابات    سينعقد بالرياض: وزيرة الأسرة تشارك في أشغال الدورة 24 لمجلس أمناء مركز'كوثر'    عملية تجميل تنتهي بكارثة.. وتتسبب بإصابة 3 سيدات بالإيدز    أسير الفلسطيني يفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية    غار الدماء: قتيلان في انقلاب دراجة نارية في المنحدرات الجبلية    افتتاح الدورة السابعة للأيام الرومانية بالجم تيسدروس    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    50 % نسبة مساهمة زيت الزيتون بالصادرات الغذائية وهذه مرتبة تونس عالميا    وزير السياحة: عودة للسياحة البحرية وبرمجة 80 رحلة نحو تونس    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الوهاب الهاني ل «الشروق»: شعبنا أعطى دروسا للجميع بما في ذلك النخبة
نشر في الشروق يوم 13 - 02 - 2011

«على جيلنا تُلقى مسؤوليات عديدة... وأوّلها اقتلاع الدكتاتورية من جذورها....». هكذا ختم المناضل عبد الوهاب الباهي، حديثه الذي خصّ به الشروق»...
رأيناه يعود الى الوطن بعد منفى طال منذ 25 سنة... أبكى تونس كلّها وهو يرتمي في حضن أمّه... بعد أن أعادته الثورة الى أحضانها...
مناضل في الحركة الطلابية، إسلامي التوجه، لكنه لا ينضوي اليوم تحت لواء أي حزب... ويعمل على تأسيس حزب وسطيّ، ذي توجّه عربي اسلامي...
يقرأ سيرورة الثورة في تونس، فيربط «ثورة 14 جانفي» بثورة علي بن غذاهم... في منتصف القرن التاسع عشر، ليعلن ترابطا آخر في الزمن والتوجه والمضمون بين ثورة 14 جانفي 2011 وحوادث «الترامواي» لسنة 1911...
من مواليد يوم الثورة، 18 جانفي من منتصف الستينات وكانت أول القرارات التي اتخذها بن علي أن حذف يوم 18 جانفي من أجندة أعيادنا الوطنية، فكانت للقدر سخريته، بأن يُخلع «بن علي» أربعة أيام من تاريخ الثامن عشر من جانفي، بفعل ثورة شعبية...
يضع شبابه في خدمة الوطن، دأبه دأب والده وعائلته التي لم تدّخر جهدا ولا نفسا لكي تدافع عن القيم... والحضارة... التي يتلحّف بها الوطن... تونس...
الغارة الصهيونية على حمام الشط (قرب مقر سكناه) غرّة أكتوبر 1985، تصادفت مع يومه الاول بالجامعة انخرط في النضال الطلابي ذي مشرب مغاير للمؤتمر الثامن عشر للاتحاد العام لطلبة تونس.
عرف كل أنواع الانشطة الحقوقية... ويعترف «أننا ارتكبنا أخطاء...» عندما سعى الاتجاه الاسلامي الى السيطرة على الاتحاد التونسي للطلبة... غادر تونس نحو الجزائر ثم المغرب فاسبانيا، ومنها الى فرنسا...
كان شارل باسكوا يقسم بأغلظ الأيمان أن لا يحصل أي تونسي على اللجوء السياسي، لأن ابنه كان فارا في تونس من العدالة الفرنسية بتهم الفساد...
وبرحيل باسكوا حصل عبد الوهاب الهاني على اللجوء السياسي سنة 1997، فقد كان بن علي يلاحقنا في الخارج...
كوّن اذاعة عبر الهاتف دامت سنتين وهو الممثل الدائم للجنة العربية لحقوق الانسان والناطق الرسمي للشبكة الدولية للحقوق والتنمية، وهو من يمثلها لدى الأمم المتحدة... هو واحد ممّن بدأوا بعد بملاحقة الجلادين عبر العواصم الدولية ومنها سويسرا...
في هذا الحوار الخاص بالشروق... يتكلّم عبد الوهاب عن الحكم... والثورة... والحكومة المؤقتة...
مرّت الآن أربعة أسابيع على اندلاع ثورة تونس... ثورة أعادت المناضل عبد الوهاب الهاني الى وطنه بعد منفى طال 25 سنة، كيف ترى المشهد... والثورة... وشعب تونس؟
بعد أربعة أسابيع من انطلاق الثورة، أرى المشهد من ثلاثة عناصر:
الأول: هناك حركية كبرى داخل المجتمع التونسي، وهناك تعطّش كبير للمشاركة السياسية من التونسيين عامة، ومن الشباب خاصة... وفي هذا أمل كبير في اعادة المشهد السياسي على قاعدة المشاركة الايجابية.
ثانيا: هناك حالة من الفوضى التي يتميّز بها أداء الحكومة.
ثالثا: أن الثورة في تونس، قادها الشعب بنفسه ولكنّها كانت ثورة منظمة، وايجابية هذا المعطى، أن ثورة تونس، يصعب الركوب عليها... هي ثورة عفوية ولكنها عقلانية في شعاراتها التي طرحتها شعارات طالبت بالحق والحقوق...
ثورة تونس ليست ثورة عدمية، رغم أن ليس هناك جهة أطّرتها... الشعب نظّم نفسه بنفسه...
كيف ترى هذه العفوية والعقلانية في الآن نفسه، وهل تقصد ما ذهب اليه عديد الملاحظين، أن ثورة 14 جانفي لها خصوصية... جعلت منها نقاط قوّة؟
كانت ثورة مبهرة بالفعل... كل العالم تعامل معها على أساس أنها تحمل أبعادا ذات معنى...
ففي مثل هذا اليوم من سنة 1911 تفجّرت ثورة ذات أبعاد ومضامين اجتماعية وحقوقية...
كيف ذلك؟
قرّر الشعب التونسي بنفسه أن لا يمتطي القطار (الترامواي) مجدّدا... ومنها صدرت شعارات: الحق في الشغل... وطالب المضربون، من أبناء الشعب ومستعملي «الترامواي» في تنقلّاتهم أن يكون السائق (سائق القطار) ومراقب التذاكر تونسيا، وليس أجنبيا (ايطالي او فرنسي او مالطي كما كان الأمر وقتها)...
من جهة أخرى، طالب المضربون برفع العلم الوطني (الراية الوطنية وتونس كانت ترزح تحت الاستعمار الفرنسي...) كما طالبوا بالعطل في الأعياد الدينية والوطنية التونسية، حيث كان المستعمر الفرنسي لا يعترف بها... فيما امتدّت المطالب الى الصحف التونسية وضرورة بيعها كما يتمّ الأمر بالنسبة الى الصحف الفرنسية والأجنبية في تونس.
يعني أن التونسيين ومن حادث دهس، تعرّض له مواطن تونسي، من الترامواي، انتفضوا وصاغوا المطالب التي ذكرناها.
قرن من بعد، سنة 2011 عربة «البوعزيزي» تفجّر ثورة أبهرت الجميع... أحرق الشهيد نفسه، فتفجّرت ثورة ملفوفة بمطالب اجتماعية ومدنية...
الشعب التونسي شعب مسالم لكنه ليس خنوعا... الشعب التونسي، يقف له العالم، اجلالا عندما يتكلّم وهذه سمة من سمات الشعب التونسي...
قد تكون النخبة لا تعرف هذه السّمات عند الشعب ولكن شعبنا التونسي أعطى دروسا للجميع...
لو نظرنا الى ثورة أخرى في الماضي، وأقصد ثورة علي بن غذاهم سنة 1864، فهي كذلك انطلقت من حادثة تبدو بسيطة انطلقت من عملية إهانة تعرّض لها مواطن تونسي، فتحوّل الأمر الى ثورة رفعت مطالب اجتماعية وسياسية...
لو نعود بالتاريخ الى ثورة 18 جانفي 1952، عهد الاستعمار الفرنسي، فقد انطلقت بعد أن اعتقلت سلطات الاستعمار الفرنسي عددا من الزعماء الوطنيين فإذا بشرارة الثورة تنطلق بمطالب اجتماعية وسياسية أيضا.
إنها مطالب الكرامة والسياسة والحرية تلك التي صدرت عن ثورات تونس عبر التاريخ... سماتها المشتركة، أنها ثورات سلمية، ومتجذّرة في مطالبها... كل نصف قرن تقريبا تعرف تونس الرجّة الكبرى التي يفجّرها الشعب بنفسه... سماتها أنها ثورات مدنية... ففي تونس وحدها يحدث مثل هذا الأمر... ثورة مدنية وليست مسلّحة.
الشعب التونسي يعبّر عن الموقف بالرفض والتشديد على الكرامة، فثورة علي بن غذاهم لم تحرق أملاك الغير (المتغطرسين الحاكمين) بل امتنع الشعب عن تقديم الجباية... وفي سنة 1911، لم يحرق التونسيون الترامواي بل أضربوا عن امتطائه... نفس الشيء حدث في 1952، حين انطلقت الثورة مدنية، أسّست لمطالب وطنية استراتيجية...
ما يجب أن يعلمه الناس، والملاحظون، أن تونس أصبحت مخبرا للعالم العربي...
في خضمّ ثورة تونس، رأينا كيف كانت CBS News تنقل صور الثورة... بل أكثر من ذلك، كانت إذاعة المكسيك هنا في تونس، تنقل أنباء الثورة... مثلها مثل بقية إعلام العالم...
ففي حين تلقّف الزعيم «غاندي» في الهند أبجديات ثورة 1911 التي انطلقت من حادثة الترامواي، فقد أحدثت حادثة «الترامواي» في 1911 ضجّة كبرى في العالم، رغم أن وسائل الاعلام لم تكن متطوّرة، والمعلومة تصل في وقت ممتدّ...
كذلك الشأن بالنسبة الى ثورة 18 جانفي 1952، التي أعطت نفسا محقّقا، لمصر الثورة في جويلية 1952...
إذن لا غرابة أن تؤثّر ثورة 14 جانفي في هذا المحيط العربي انطلاقا من مصر...
هنا، تحدّث الناشط الحقوقي والمناضل عبد الوهاب الهاني، عن تأثيرات حادثة الترامواي في 1911، حيث صاغ التونسيون المضربون مطالب اجتماعية وسياسية، في تاريخ لم تكن فيه نقابات... فقال:
«بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد أن حطّت الحرب أوزارها، استشارت الحكومة الفرنسية وقتها، وقد عزمت على إسناد الجنسية الفرنسية لمغاربيين حاربوا الى جانبها ضد النازية، استشارت المقيم العام الفرنسي «ڤالا» الذي كان بصفته المذكورة، في تونس إبان حوادث الترامواي في 1911... فرد «المقيم العام السابق» وقتها على حكومة بلاده بالقول: هؤلاء التونسيون لا تعرفونهم... هؤلاء هم الذين ركّعوا فرنسا سنة 1911... وقد طالبتني باريس وقتها بضرب المحتجين التونسيين فقلت لهم: يا سادة باريس (يقصد السلطات الفرنسية) ماذا تريدونني أن أفعل أمام شعب أعزل يرفض امتطاء الترامواي»... وأضاف ممثل السلطات الاستعمارية في بلادنا المستعمرة وقتها: هذا شعب يعتز بتاريخه وبكرامته وبشخصيته»... مبيّنا أن التونسي لا يقبل منحه تلك الجنسية لأنه سعيد بتونسيته...
كنت في المنفى... وقد عرفنا أهداف ومضامين نشاطك في الخارج، وقد راكمتم أنتم مجموعات من التونسيين اللاجئين ثقافة حقوقية جديدة... ما الذي حدث بالضبط، وكيف كانت نتائج هذه المراكمة؟
بدأت مرحلة التشدد في تونس، ابتداء من 1991 و1992، أي إبان وإثر حرب الخليج... نعلم جميعا، أن طلبة استشهدوا في صفاقس... وعُزل عبد الحميد الشيخ وعوّضه القلال... وبدأت مرحلة التشدد... أخذت الدولة منحى فاشي ابتداء من 1991، بعد أن «لاح» أن هناك انفتاحا مقارنة بعهد بورڤيبة، لم يدم أكثر من سنتين تقريبا..
حالة الرعب مست الجميع... عشر سنوات بعد ذاك التاريخ، وتحديدا يوم 14 جانفي 2001 أصبح الضحايا، ضحايا نظام بن علي يلاحقون الجلادين... وهنا أذكّر بصدور بطاقة الجلب ضده لما كان بالمستشفى بسويسرا... من هناك صُنع مسار جديد... وما هي إلا عشر سنوات باليوم والشهر، حتى رحل بن علي... وضمن مراكمة هذه النضالات والثقافة الحقوقية الجديدة، كانت ملاحقة الحبيب عمار في 2001، عندما كان على رأس الالعاب الاولمبية التي تمت بتونس، وكذلك بمناسبة قمة المعلومات سنة 2005 بتونس، لقد كان مكلفا بإعدادها... هذا إضافة الى محاكمة أحدهم (يعمل بالشرطة) وقد كان مبعوثا الى سترازبورغ... أصبح الخوف في صف النظام منذ ذاك التاريخ...
الضحية التي تلاحق الجلاد... هذه ثقافة حقوقية جديدة... بعد عشر سنوات من بداية هذه الثقافة، يطيح الشعب ببن علي... كان جيلا سياسيا للقمع فتعرض الى الملاحقة من جيل آخر... ثم جاء جيل ثالث أطاح بالنظام...
وهنا أوجه دعوة الى علماء التاريخ حتى يتفحصوا كما يرتضيه علم التاريخ في ثورات تونس... ثورات الشعب التونسي... هذا دكتاتور يهرب في ظرف أربعة أسابيع تقريبا، من بداية الثورة... ليكون الخيط الرابط طوال قرن من الزمن مع جيل «حادث الترامواي» الذي ركّع الاستعمار الفرنسي...
ما حدث في تونس، هو رقم قياسي (زمني) عالمي لهروب دكتاتور... هذه سمة من سمات الشعب التونسي، عقلية التونسي: أحرق نفسي لأشعل شمعة...
في قمة المعلومات رأينا كيف أن إضراب جوع اختاره مناضلون ليعبّروا عن احتجاجهم... فالتفت العالم الى إضراب الجوع (مجموعة 18 أكتوبر) وأدار ظهره الى القمة...
هذا الكلام الجميل الذي تقوله عن تاريخ الثورات في تونس، هل تعتقد أن النخبة أدركت حقيقة ما قام به الشعب، وما قام من أجله؟
النخبة سواء كانت في السلطة أو في المعارضة ليست مستوى هذه الثورة... على الاقل الى حد الآن لم تبرهن هذه النخبة أنها في مستوى هذه الثورة.
أولا: على مستوى الحكومة فهي أخذت قرارات جيدة وجريئة، لكنها قليلة... أو محدودة... مثل استقالة (محمد) الغنوشي من الحزب (التجمع).
ثانيا: إعلان مبدإ العفو التشريعي العام... لكن هذه الحكومة ارتكبت عديد الاخطاء فهي لم تسمح بإرساء الثقة بينها وبين الشعب الذي أنجز الثورة. الحكومة (حكومة الغنوشي) ظلت تتعامل بخوف من الاجراءات الجريئة...
من جهة أخرى، أعتقد أن إقالة وزير الداخلية لقرابة 40 مسؤولا عن القمع، يعدّ، إجراء صادما بإيجابية...
لكن هذه الحكومة ظلت قرابة الشهر حتى تغيّر الولاة، والى الآن رموز الفساد العدلي متواصلة (...).
ماذا كان يجب أن تفعل هذه الحكومة في موضوع الولاة مثلا؟ كان يجب أن يكون القرار مبكرا عن الموعد الذي رأيناه؟
لو أزاحت الحكومة سبعة (7) ولاة فقط، ممن ثبت أنهم متورطون مع «العائلة» مثلا، وقادتهم الى القضاء، لهدأ الشعب ولكانت صلة الثقة قد أرسيت...
أعتقد أنها لم تتصرف بما هو مطلوب منها أو على الاقل ما يمكن نعته بأنه مسار الثورة وأهدافها... وهنا أؤكد أنني لا أطالب الحكومة بأن تجاري الثورة بل عندما تأخذ وقتك (الحكومة) يجب أن تكون القرارات في مستوى الانتظارات لا مثيرة للاستفزازات... الحكومة بدت في حالة «بهتة» كاملة أمام تطور الاوضاع وتشعبها... وزراء (في الحكومة) يتحدثون عن كل شيء إلا عن ملفاتهم... أي التي تهم وزارة كل وزير... فمثلا يتجه «سي الشابي» (وزير التنمية الجهوية) الى قناة حنبعل لكي يعيدها الى سالف نشاطها ويقدم الاعتذار، كان علمنا أن للحكومة ناطقا رسميا...
السيد أحمد ابراهيم (وزير التعليم العالي) يتحدث في ملف العفو التشريعي العام ونحن نقول ما علاقته بهذا الملف وهو وزير التعليم العالي؟...
أداء الحكومة لم يكن في مستوى النسق السياسي للثورة... وتأخرت هذه الحكومة كثيرا في اتخاذ الاجراءات الجريئة التي تقطع فعليا، مع رموز الماضي... ومع ممارسات الماضي...
هذه الحكومة واصلت التلهية كسياسة، لتنسي الموضوع الاصلي... هي فشلت في أن تكون لها رسالة واضحة... وهنا أقول إننا لم نفهم: هل هي حكومة إصلاحية أم حكومة تصريف أعمال. هل هي حكومة مؤقتة، وبالتالي نسأل الى متى؟ وما هي هويتها... إذا كانت فعلا مؤقتة، فما علاقة وزير التربية الحالي بإصلاح التعليم؟
هذا جزء من الفوضى الحكومية... مثلا الناطق الرسمي (الطيب البكوش) يتحدّث عن إلغاء عقوبة الاعدام! فهل هذه من مشمولات حكومة مؤقتة لتصريف الأعمال؟
هذا القرار يتّخذ باسم الشعب من هيئة منتخبة، فهذه قضايا خلافية واستراتيجية ليست من مشمولات حكومة مؤقتة...
هناك اتجاه من الحكومة نحو فرض سياسة الأمر الواقع في حين أن الشعب، وعبر الثورة، ألغى هذه الثقافة...
لسنا على نفس النسق، الحكومة تعتبر أن «الشعب قاصر» وهي المكلّفة به... وهذه أخطاء قاتلة...
هل تعتقد أن هناك أزمة ثقة، قد اتسعت رقعتها؟
نعم هناك أزمة ثقة كبرت... الوزير الأول يعلن أنه ليس على علم بمنع اجتماع منظمات حقوق الانسان، في حين يقول الناطق الرسمي أمرا غير هذا... هناك حالة فوضى وحالة عدم مسؤولية داخل الحكومة... وهذا يتعارض مع مبدإ التضامن بين أعضائه...
المشهد كما نراه، وكأن كل واحد (وزير) تحصل على «مقاطعة» أو «جزيرة» وكل واحد منهم يسحب نحوه (باتجاه نفسه) البساط... بصراحة كأننا في حملة انتخابية... على الأقل هذا ما يظهر أو يصدر من بعض أعضاء الحكومة... في حين أن تصريف الأعمال هو التمهيد لمرحلة تكون فيها السلطات منتخبة من الشعب... حتى في مستوى توصيف الحكومة، لا نلمس اتفاقا بين أعضاء الحكومة. السيد نجيب الشابي يقول: نحن نراها حكومة وحدة وطنية وللبقية أن ترى ما ترى...! هذه العناصر هي التي تعمق أزمة الثقة لدى المواطن... وتعمق بالتالي أزمة الثقة لدى الفاعل الاقتصادي...
هذه حالة فوضى عارمة، وتونس لها مبادلات تجارية بنسبة 85% مع أوروبا
كيف ترى عمل ومهام اللجان الثلاث التي عينتها الحكومة... هل تعتقد أن مجرد مباشرتها لمهامها سوف يسهم في احداث التغيير المنشود في الثورة؟
أولا هي لجان أحدثت بقرار تم اتخاذه تحت حكم الرئيس المخلوع، أي بثقافة المسكنات والتعويم والتخويف من الرئيس المخلوع...
ثانيا تم تكليف رؤساء كل منها بطريقة فوقية واعتباطية.
ثالثا: لم يصدر أي نص قانوني يؤسس لهذه اللجان يوضح تركيبتها ومهامها... فهل من المعقول أن لا يكون ضمن التركيبة من يمثل دائرة المحاسبات والمحكمة الادارية؟... لذلك نجد أن (الأستاذ) عياض بن عاشور كون لجنة من زملائه في الجامعة وتلاميذه ولم تصدر لائحة تنظيمية في الشأن، وهنا نتساءل: لماذا لم يمثل ضمنها (اللجان) هيئة عدول الاشهاد وجمعية القضاة وعمادة المحامين ونقابة الصحفيين والاتحاد العام التونسي للشغل والهيئة الوطنية للمحاسبين وهيئة المهندسين المعماريين والفلاحة... وتكون بذلك التمثيلية داخل اللجان مضمونة.
هذه اللجان، أصبحت لجان بارونات وبعقلية العهد المخلوع... هذا اضافة الى غموض حول هوية دور هذه اللجان... فمثلا «يطلع» علينا أحد أعضاء احدى اللجان متحدثا عن مراجعة الدستور، وهذا غريب، لأن الدستور يراجعه الشعب اما عبر استفتاء أو من خلال انتخابات حرة وشفافة...!
وقد عمل هؤلاء، بطريقة: هذا يفهم في القانون اذن هو من يقرر... طبعا، هذا إضافة الى أن الاداء الاعلامي لهذه اللجان يعد منقوصا...
نحن بلد ابن أبي الضياف الذي قال وكتب منذ قرن ونصف: «الحكم نوعان: حكم مطلق وحكم مقيد بقانون»...
ثم بعد قرن ونصف تأتي حكومة لتقرر وتحكم ب«المطلق»... هذه هي الكارثة... وهو قرار شفوي... الى حد الآن لم يصدر في الرائد الرسمي...
أنا شخصيا أستغرب من حالة الذهول واللطف التي رافقت الاعلان عن هذه اللجان... لم أر حزبا واحدا ينتقد طريقة تشكيل هذه اللجان...
من جهة أخرى لا نعلم كيف ستعمل هذه اللجان، ومن سيمولها... هي لجان خارج اطار القانون... بل عندنا وزارات في هذه الحكومة خارج اطار القانون... مثل وزارة التنمية الجهوية، التي تستمد «شرعيتها» من تصريح شفوي... لدينا عمل حكومي الآن وهذا يقودنا الى أمر مهم: الميزانية. تعمل هذه الحكومة، وفق ميزانية مصادق عليها أياما قبل الثورة...
لماذا لم تفكر هذه الحكومة في ميزانية تصحيحية؟
هي حكومة، فكرت في المحاصصة (توزيع الوزارات حسب اللون السياسي) ولم تفكر في الميزانية... وهذه أيضا كارثة.
هناك قرارات استعجالية، فرئيس الوزراء له من الصلاحيات ما يجعله يعيد تبويب بعض فقرات الميزانية، أي اجراء تصحيحي تعديلي، بطريقة وخيارات تستجيب للمتغيرات التي فرضتها الثورة.
في الرائد الرسمي رقم 153 للسنة 102، بتاريخ 21 ديسمبر 2010 الذي صدر فيه قانون المالية، ينص على أن ميزانية رئاسة الجمهورية سنة 2011 تفوق ميزانية الوزارة الأولى، ولا تزال الى يوم الناس هذا صناديق مثل 26/26 و21/21، تتبع الرئاسة! ورغم ذلك لم تفكر هذه الحكومة في تغيير الأمر كأن تلحق صندوق 26/26 الى وزارة الشؤون الاجتماعية أو التنمية الجهوية، وصندوق 21/21 تلحقه بوزارة التشغيل!
ميزانية رئاسة الجمهورية لسنة 2011 حسب نفس المصدر، تصل الى 78 مليون دينار، يضاف اليها 48 مليون دينار لصندوق 26/26 وكذلك صندوق 21/21 الذي يحظى بميزانية تقدر ب200 مليون دينار!... وبالتالي فإن ميزانية الرئاسة هي قرابة 332 مليون دينار... وهو ما يوازي ميزانية الوزارة الأولى والخارجية (بكل مصاريفها البعثات الديبلوماسية) ووزارة الشؤون الاجتماعية ومجلسي النواب والمستشارين مجتمعين...! فما الذي يمنع الحكومة الآن من:
إلحاق هذه الصناديق فورا، الى الوزارات المعنية.
هل هذا القرار لا يعد من الأولويات؟
في ميزانية 2011، نجد أنه من جملة ال78 مليون دينار ميزانية الرئاسة نجد ثلاثة مليارات ونصفا لصيانة قصر قرطاج وكذلك الأمن الرئاسي.
الناس يضحكون... عندما تطالعهم قرارات مثل أن عندنا (كحكومة) خمسة مليارات (5 ملايين دينار) نعطي لكل عائلة (معوزة) 30 دينارا في حين 330 مليون دينار، موجودة ومرصودة للرئاسة لا أحد يتحدث عنها... وهو رقم قادر لو وزع حالا، على حل قضايا التشغيل والبطالة...
هل يعقل أن لا تقوم الحكومة بما يجب عليها القيام به، والحال أن في البلاد ثورة؟
مثل هذه الاجراءات الجريئة، تطمئن الشعب... كان يمكن أن يتخذها مباشرة بعد تنصيبهما كل من المبزع (الرئيس المؤقت) والغنوشي (رئيس الحكومة المؤقت).
عرفناك ناشطا ومناضلا حقوقيا محسوبا على اتجاه معين، ولكنك الآن لا تعلن انتماءك الى أي حزب، هل عندك نية تأسيس حزب؟
في السابق لم يكن لنا فضاء عام وحتى الأحزاب الموجودة هي بمثابة البارونات... أو الشخصيات... الآن بسقوط ورحيل المخلوع وجد هذا الفضاء... أوجدته الثورة... وسوف يعاد تشكيل الحياة السياسية من جديد... باعتقادي سيكون الأمر مع مجموعة أخرى... ممن كانوا يلوذون بالعمل الحقوقي والنقابي... أنا حريص على المساهمة في عملية البناء...
قد يكون الأمر يهم تأسيس حزب وسطي ديمقراطي يدافع عن الهوية العربية الاسلامية دون السقوط في ايديولوجيا الدولة الدينية التيوقراطية.
يحمل قضايا التنمية والعدالة الاجتماعية في اطار الانفتاح على اقتصاد السوق عديدون هم من يعبرون عن قوة وسطية.... عائلة متعددة الروافد مثلا...
ما المطلوب الآن لتونس الثورة...؟
مطلوب منا البناء للمراكمة... جيلي الذي أنتمي اليه أربعيني... وعندما جاء بن علي الى السلطة كنا في عمر العشرين... وقد سرق منا شبابنا... لذلك نسعى الى المراكمة.
حوار: فاطمة بن عبد الله الكرّاي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.