كتب أحدهم يقول في مطلع مقالة له: ليس هناك أشخاص يجري في عروقهم دمٌ إلهي أزرق، فيدّعون الإلوهية ويُمارسون الاستبداد،إنما النّاس هم الذين يصنعون هذه الحالة لهم. وأنت تتدبّر هذه المقالة تجد نفسك شاهد عيان على ظاهرة محيّرة فعلا في هذا العصر وهي ظاهرة ميل الإنسان ونزوعه إلى الصّنمية فرغم تغيّر العصور فكثير من البشر ظلّت هذه سمتهم عموما لكنّني أرى الإنسان إزاء هذه الظّاهرة صنفين إثنين: غربي يزعم التّطور وشرقي وبالتّحديد عربي وهو الّذي سيتناول عنايتي في هذه السّطور يُنسب إليه التّباطؤ في فهم حركة الحياة فرغم ما يُقال ويُطبَّلُ عن تطوّر عقل الأوّل أي الإنسان الغربي وارتقاء تفكيره إلاّ أنّهُ هو أيضا له صنمه. و صنم الإنسان الغربي اليوم يتمثّل في عقْله و ما يُمليه عليه فنرى أنّ عقله انغمس في مستنقع شهوته، فعبَدَهُ وعبَدَها مستعملا كلّ ما لديْه من تقنيات لهذه العبادة منها تقنيات مادّية كالآلات والإلكترونيات و أخرى فكرية كالدّيمقراطية والمجتمع المدني وما جرّ جرّها ويكفيني تبيين هذا في ما يخص الإنسان الغربي، فليس هو مدار مقالتي هذه واهتمامي أمّا الإنسان العربي وهو الّذي اسْتَهدِفُه بتحليلي هذا فهو أكثر فظاعة في هذا الأمرفرغم أنّه تلقّى رسالة سماوية تُخلّصه من العبودية لأيّ صنمية أو وثنية إلاّ أنّه ظلّ ميّالا لأن يتّخذ له صنما يخلع عليه قدسيةً لا يقبلُ أن يُنازَعَ فيها ولو بهبّة نسيم معاكس ويضلّ في تألُّهه ذاك حتّى يُنزَعُ منه صنمُه بسخرية من سخريات الزّمن فإذا نُزع منه فعليك أن تتنحّى عنه جانبا بما يكفي من الزّمن اليسير ريثما يتلقّى صدمة تدهشه بل تُمرّغ أنفه في التّراب ثمّ يستفيق منها ثمّ ارقُبْه عن كثب فسترى أنّه يتحامل على نفسه وينفُض غبار سقْطته تلك حتّى إذا استوى قائما، بادر للبحث له عن صنم آخر ينْصُبه مكان الأوّل لا ينبغي أن يبقى بلا صنم مهما حدث من انقلابات.. ولو تغيّرت مدارات السّماوات والأرض فلا يهمّه حتّى من هو قيّوم عليها يغيّرها متى شاء المُهمّ صنم ينظر إليه كلّ يوم يُنصّبه على ركح حياته اليومية يُجلّه، يقدّسه، يفرش له سجّادا أحمر ويهتف بحمده والغريب في الأمر أنّ الصّنمية الّتي تهيمن على العربي اليوم تُكلّفه كلّ باهظ وثمين وتُبدّد إمكاناته وتُنهك قواه من كلّ جانب من ذلك مثلا أنّها تبدّد مشاعره واندفاعاته فيضعها في غير محلّها ردْها من الزّمن حتّى إذا اندثر الصّنم وظهر زيفه بقيت مشاعره بلا وجهة صحيحة ويحضرني مثال الّذين عبدوا الصّنم المصري عبد النّاصر في مصر وهتفوا باسمه حتّى انتهى ولم تنتهي محن مصر ونكباتها لا في زمنه ولا في ما بعده ثمّ إنّ تلك الصّنمية تبدِّدُ أيضا وقته والزّمن الّذي يستهلك عمره وتُبدّد أيضا ماله وهنا أتذكّر صنمية بورقيبة وما بُذل من أموال لتشْييد تمثاله المشهور في كلّ ولاية ممتطيا الحصان وهو يشير بيده مُلتفتا إلى الغرب لقدْ أُهدِرَت أموال طائلة في ذلك، كانت قادرة على إنشاء مصانع خياطة على الأقلّ لفتيات تونس الفقيرات أو إصلاح طرقات وأهدرت أيضا أفكار وشعارات وأشعار وأغاني وطبول ومزامير في سبيل ترسيخ صنمية بورقيبة وفي يوم ما وفي لمح البصر غابت تلك الأصنام وانكفأ النّاس على أنفسهم ولعلّي أذكر أنّ في مدينة القيروان موطني، وُضع مكان الحصان وصاحبِه لمّا سقطا لغير رجعة كلمة سبحان الله منحوتة من البرنز وهي قائمة إلى اليوم وليسأل من يُريد استقصاء المزيد، عن صور الرّؤساء والطواغيت في إطارات مذهّبة كم يصرف عنها من أموال لتوضع في أماكن مرتفعة في المكاتب والأماكن العامّة في وثنية صمّاء عمياء ما لم نعد نراه في دول الغرب وفي اجتماع لمجلس النوّاب في تونس يوم 7 فيفرى 2011 وبعد سقوط بن علي أعطيت الكلمة لأحد النوّاب فتحدّث بحماس غير معهود ولا سيما هذه المرّة لم يُمْلي عليه أحد ما قال مثل ما كان يحدث في السّابق. لم يدْع هذا النائب إلى بناء مصانع و لا مُنشآت و لا حظائر تشغيل وإنّما دعا بحماس وهو يضرب على طاولة المنبر بأن يُقام في كلّ ولاية تمثال للبوعزيزي. عندها فهمتُ أنّ نائب الشّعب المنصّب على رقاب الشّعب قد تربّى على الصّورة المقدّسة والصّنم المحترم وأشرب في قلبه الوثنية المعاصرة لحد الإدمان لذلك فلابدّ له من نحْتٍ جديد يُعوّض النّحت الّذي كان يسجد له وإلاّ فالتّنمية في البلاد لن يقوم لها قائم والثّورة لا وجود لها قالوا يا موسى اجعل لنا إلاها كما لهُم آلهة لن يكون للعرب تحرّر و لا نموّ يواكب تطوّر ونسق الحياة الحالي حتّى تخلو مكاتبُهم و محالُّهم العمومية من صور وتماثيل رؤسائهم وملوكهم وحتّى يَنْزعُوا عنهم القداسة الّتي قد خلعوها عليهم ويمتنعوا عن تقبيل أيديهم وينظروا إليهم كبشر عاديين لكنّهم مُكلّفين يمكن مُحاسبتهم في كلّ آن وحين. فلتسقط الأصنام والصّور إلى الأبد لكي لا نضطرّ في كلّ مرّة لتكسيرها وحرقها ونُقيم أخرى مكانها ولتبْق لا إلاه إلاّ الله وقبل نهاية مقالتي أزف لكم البشرى التّالية فرنسا المنافقة وتكريسا للصّنمية أقامت احتفالا وأطلقت اسم البوعزيزي على أحد انهجها وسمّتْه شهيدا واستقبلت أمّه رسائل فرنسا للمسلمين كثيرة لا تنتهي وأنا بحمد الله أفهمها وهذه المرّة كالعادة فهمتُ ما تريد قوله لنا هي تُعلّمنا درسا في الأحْكام قالت لنا من فضلكم صحّحوا لدى أجيالكم القادمة مفهوم الشّهادة علّموهم أن يرقدوا ما شاء لهم أن يرقدوا والكون يتحرّك ويتفاعل ويتطوّر بسرعة حتّى إذا ما استفاقوا على الأوضاع المزرية والبؤس فليسكبوا نفطا على أنفسهم وليحترقوا فهُم شهداء وقد سبق أن بيّنَتْ لنا باريس حكم الّذي ينفجر بحزام ناسف في وجه عدوّه المحتلّ لأرضه ومقدّساته والمتفوّق عليه عدّة وعتادا بأنّه إرهابي عدوٌّ للحياة وإلاّ فَلِمَ لم تُسمّي نهجا باسم فرحات حشّاد الّذي اغتالتْه بأبْشع صورة ولم تعتذر لأهله أو تُعوّضهم و لا للشّعب التونسي بأكمله كلامي صعب لا يفهمه الّذين أطلقوا إسم البوعزيزي على جمعيتهم ولا الّذين صفّقوا للتّكريم المزيّف في النهج المحدث لكنّني قلتُ ما عنْدي وإلى لقاء قادم