قرأت بشئ من البهتة ما نشر على صفحات الحوار نات ما جاء على لسان الأستاذ نور الدين البحيري حول إمكانية العودة للهيئة العليا إذا ما توفرت ضمانات. ما أزعجني بداية أنّ السيد البحيري نفسه هو أول من يعلم أن لا وجود لضمانات, وكاذب من خول نفسه إعطاء هذه الضمانات, حتى لو كان القايد السبسي. إن الهيئة العليا فقدت مصداقيتها بتركيبتها المخلة وأهدافها الخفية والاستباقية ولم يعد لها من مبرر بعد أن بدأت هيئة الانتخابات عملها الذي يعتبر جوهر عملية الانتقال الديمقراطي. إن الضمانة الحقيقية هي الرهان على الشعب ومطالبه, لا على هيئات صمّمت على مقاس وأجندة حزبية متعفنة لم تعد خافية على المواطن البسيط فضلا عن السياسي والمهتم بالشأن العام. لقد شكل الانسحاب الأخير للنّهضة من هيئة بن عاشور علامة ارتياح كبيرة لدى قطاعات واسعة من الشعب, شباب وأكاديميين وسياسيين حتى من الذين لا يقاسموننا نفس التوجهات داخل التيار الإسلامي العريض وخارجه. إن مجرد لقاء القيادة برئيس الحكومة لا يسوّغ التنازل عن موقف الانسحاب الذي جاء في وقته وباركه الكثير من أبناء الشعب, لاسيما وأن موعد الانتخابات إن تمّت لم يعد يفصلنا عنه الكثير. يبقى التساؤل المشروع والذي تفرضه اللحظة الراهنة هو لماذا أسرع الباجي إلى لقاء قيادة الحركة وإثنائها عن الانسحاب ؟ وأي مصلحة شعبية للنهضة في العودة لهيئة باتت في حكم المحتضر ؟ . يحق للسيد السّبسي استدراج الحركة لاستكمال مخطط التمرير: تمرير المراسيم وإحلال قيادات التجمع الوسطى والغير معروفة مكان الوجوه القديمة للسيطرة على الإدارة التي لم تخرج حتى الآن عن سيطرتهم. يحق للسيد الباجي استدراج النهضة بعودتها لوفاق هش يبدو في الظاهر الحد الأدنى الممكن للتمثيل الشعبي, لاسيما مع ما تمثله النهضة من حجم داخل التيار الإسلامي العام. يحق للسيد السبسي الحرص على عودة النهضة لبيت عاشور للطاعة حتى تحيّد عن التفاف الجماهير حولها بما يضمن عدم تجييشها للشارع عند اقتضاء أمر الثورة المهددة. ذلك أنّ الحركة من النّاحية الأخلاقية ستكون مغلولة اليد داخل هيئة مغرقة بأغلبية يسارية متطرفة تخشى من أي استحقاق شعبي مباشر, وتعمل جاهدة على تسخير المؤسسات لصياغة واقع قانوني لا يترك للمجلس التأسيسي إلا الهوامش.أضف إلى ذلك أنّ هامش المناورة السياسية في إطار الهيئة أصبح محدودا جدا, لأنّ ما يطبخ خارجها أضعاف ما يتناول داخلها. إذن لا مصلحة حقيقية وشعبية للحركة في إعادة قرع أبواب هذه الهيئة المنتهية الصلاحية, وان حدث ذلك فسيكون من المفاسد التي يصعب درؤها. إننا نهيب بالحركة وقيادتها بأن لا ينساقوا وراء دعوات العودة المشبوهة. إن الانسحاب دعّم رصيد الحركة في قلوب الكثيرين وكشف سوءات المتنفذين في هيئة بن عاشور, وبالتالي وجب البحث عن بدائل أكثر تمثيلية وأكثر قربا من أهداف الشعب, هذا إذا تعذر تحقيق اختراقات لأنجازا ت ثورية في الفترة الفاصلة عن انتخابات المجلس التأسيسي. أخيرا أدعوك يا أستاذ البحيري إلى الكف عن طرح الضمانات الموهومة فمالمسؤول عنها بأقدر من السائل .إن الضمانة الوحيدة هي التقاط مشاغل الشعب و فهم اتجاه بوصتله والإسراع في تحقيق أهداف ثورته .