تتزايد المخاوف لدى الصحفيين التونسيين من هاجس عودة عقارب الساعة إلى الوراء، بعد تكرر الاعتداءات الأمنية واستمرار بعض القيود التي كانت تكبلهم بالماضي، في وقت كانوا يأملون فيه تقلد مركز السلطة الرابعة بعد الثورة. وتغذت هذه المخاوف خاصة بعد تعرض العديد من الصحفيين الجمعة الماضية للشتم والضرب من قبل الشرطة التي استخدمت قنابل الغاز لقمع اعتصام القصبة بساحة الحكومة (وسط العاصمة).
ونظم عشرات الصحفيين مطلع الأسبوع وقفة احتجاجية رافعين لافتات مثل "وزارة الداخلية.. وزارة إرهابية" و"الحرية للصحافة التونسية"، وهي شعارات رفعت قبل سقوط نظام بن علي الذي عرفت معه الصحافة أحلك أيامها.
ويرى البعض أن بروز نفس الشعارات بعد مضي أكثر من ستة أشهر على سقوط النظام السابق دليل على وجود مؤشرات غير مطمئنة تتعلق بحرية التعبير في بلد كان يصنف ضمن البلدان الأشد قمعا للإنترنت وحرية التعبير.
المحمدوي: تعرضت للاعتداء والإهانة من قبل ستة رجال أمن عنجهية الشرطة فرغم تعرض الصحفيين لاعتداءات أمنية منذ شهرين واعتراف الداخلية آنذاك بوقوع تجاوزات، فإن الشرطة "لم تكف" عن الاعتداء على الصحفيين أثناء قيامهم بواجبهم، وفق قول الصحفيين.
ويقول الصحفي الأسعد المحمدوي إنه تعرض للاعتداء والإهانة من قبل ستة رجال أمن بسبب تغطيته الاشتباكات بين المتظاهرين ورجال الأمن في اعتصام القصبة الأسبوع الماضي.
وترى نقيبة الصحفيين نجيبة الحمروني المنتخبة حديثا، أن مثل هذه "الاعتداءات الصارخة" من قبل رجال الأمن "تهدد سلامة الصحفيين وتعيد للأذهان ممارسات النظام السابق القمعية".
وتقول أيضا "الاعتداء على الصحفيين أصبح يتكرر بصفة ملحوظة هذه الآونة خاصة في الاحتجاجات، وهذا ينتهك حرية التعبير ويهدد وصول المعلومة للرأي العام".
إهانة الصحفيين إلى ذلك بدأ الصحفيون يضيقون ذرعا ب"الإهانات المتكررة" للوزير الأول الباجي قايد السبسي الذي توترت علاقته مؤخرا بممثلي وسائل الإعلام خاصّة الرسمية.
وتعرض الوزير الأول لانتقادات حادة الأسبوع الماضي بعد تهكمه على صحفية تعمل بالتلفزة التونسية، رافضا الإدلاء لها بتصريحات.
ويقول الكاتب العام لنقابة الصحفيين منجي الخضراوي "أظن أن تلك الإهانة كانت بمثابة إطلاق العنان لرجال الأمن لمواصلة اعتداءاتهم على الصحفيين".
ويضيف "رجال الأمن تعودوا على عقلية القمع وبالتالي من الصعب أن يتغير تفكيرهم بسرعة" وتساءل "إذا كان الوزير الأول نفسه يقدم على إهانة الصحفيين، فما بالك بالشرطة؟".
ويرى نقيب الصحفيين السابق ناجي البغوري أن الانتهاكات المسجلة ضد الصحفيين تعكس بدورها تدهور بقية الحريات العامة، معتبرا أن "الصحافة بوابة لجميع الحريات".
نجيبة الحمروني: الاعتداء على الصحفيين أصبح يتكرر بصفة ملحوظة ويقول أيضا "توجد مؤشرات أن هناك إيذانا لقمع حرية التعبير، لقد ناضل العديد من الصحفيين ضد النظام المخلوع من أجل حرية التعبير فما بالك بعد الثورة".
قيود قديمة ورغم أن الثورة أهدت الصحفيين حرية التعبير فيما كان الإعلام يخضع سابقا لرقابة مشددة ولا تسند تراخيص الصحف والإذاعات والتلفزات إلا للمقربين من النظام، فإن قيود الماضي لا تزال جاثمة إلى الآن.
فرغم منح أكثر من مائة ترخيص لصحف ومجلات وقبول 12 ملفا لإحداث إذاعات خاصة بعد الثورة، فإن البعض يرى أن الطريق لا تزال طويلة لبلوغ مرحلة حرية تعبير حقيقية.
ويقول الصحفي الفاهم بوكدوس آخر سجين للرأي بعهد بن علي "رغم أن الثورة أهدت حرية التعبير للصحفيين، فإنّهم لا يمسكون قرار الإعلام بأيديهم بعد".
ويوضح أن أغلب وسائل الإعلام لا تزال تحت قبضة موالين للنظام السابق، وأن مئات الصحفيين الذين كانوا يدافعون عنه أصبحوا يدافعون عن الثورة.
ويقول كذلك إنه لا يمكن تطوير الصحافة إلا بإنتاج بديل إعلامي يتمثل في منح التراخيص للإذاعات والتلفزات بهيئات تحريرية مستقلة، إضافة إلى وضع قائمة سوداء بأسماء الصحفيين الذين لمّعوا صورة النظام السابق.