ولادة الثورة السورية ربما نستطيع القول بأنها اصعب من قيام أي ثورة أخرى في العالم العربي. أسبابها عديدة منها تعود الى شكل النظام القائم في سوريا بعد الاستقلال، حيث لم تكن مؤسسات الدولة مرتكزة على قواعد ثابتة والتنظيم لشكل الدولة وادارة الدولة كانت ناشئة فتية لم يسمح لها بالنمو والتطور متساوية مع النمو والتطور المقارن مع الدول التي كانت على أفضل شروط مما كانت عليه سوريا في مرحلة الاستقلال. ولكن الضربة القاضية أتت مع سيطرة حزب البعث الحاكم بانقلاب عسكري في العام 1963 والتي أخضعت سوريا دولة وشعبا الى كتلة جامدة لا تستطيع التطور مع مرور هذه الفترة الماضية وخاصة السيطرة الديكتاتورية على الحكم وادارة الدولة لم يكن مستندا الى القاعدة الوطنية التي تمثل طموحات الشعب السوري وانما كانت وما زالت نابعة من السيطرة الشخصية الفردية ومستندة الى تكتلات عسكرية، ما يشبه عصابات ضمن التركيبة السياسية ومؤسسات الدولة على كافة مستوياتها. وهناك نقطة مهمة أثرت كثيرا على قبول هذه الوضعية من أغلبية الشعب السوري ألا وهو الصراع العربي الاسرائيلي والنكسة الاليمة للشعوب العربية بعد هزيمة حرب حزيران عام 1967. وهنا يجدر القول بأن حكام العرب المسمون بالثوريين وطلائع الامة العربية والاشتراكية هم من كانوا من الاوائل من اللذين تعاملوا مع العنصر الخارجي وحتى مع اسرائيل والتواصل معها قبل وبعد الانقلابات العسكرية والتغييرات في ادارة الحكم في سوريا وغيرها من الدول العربية، ولكن أغلبية الشعب السوري والشعوب في العالم العربي كانت فاقدة النظرة واعمى عند الحديث عن أسباب النكبات والتأخر واللوم كان وما زال يوضع على عاتق العنصر الخارجي واسرائيل، وهذا ما يروج له النظام الحاكم حتى اليوم وينادي بشعارات الصمود والقومية لتلفيف الصيغة الشعبية والجماهيرية حوله لتقوية أركان حكمه بالاعتماد على الاجهزة الامنية المتعددة. ان ولادة الثورة السورية القائمة والتي كانت بداية مخزية في 15 آذار ولكنها تطورت وأصبحت ثورة شعبية يحق لكل سوري حر أن يفخر بها. لكن هذا كله لا يكفي لأن انبثاق الثورة وتعميم العمل الثوري من أجل التغيير نجح بشكل جيد في معظم المناطق ولكن ليس في كافة المدن الكبرى مثل دمشق وحلب، وأيضا عدم الانضمام الكامل بنفس الوتيرة لكافة المكونات السورية المختلفة والوقوف بشكل متفرج لا فقط يوحينا وانما يثبت بأن الثورة السورية في مسارها الحالي تشبه ولادة طفل ما زال في بيت رحم الام، والاضطرابات مستمرة والنزيف ما زال جاريا. هذا ما يؤدي ربما في أسوأ الاحوال الى فقدان هذه الولادة وربما فقدان الام معها، ولكن نحن من أبناء الشعب السوري كلنا سنكون من الخاسرين. ان الانتظار والوقوف بوضع المتفرج على ما يجري كفا. الحالة تحتاج الى عملية قيصرية ثورية أكثرتلاحمآ بمشاركة كافة مكونات الشعب السوري من أجل انقاذ الوليد المرتقب والام التي تتعذب وتنادي صراخا وبكاءآ تريد الراحة والعودة الى وضع الاستقرار المرتكز على قواعد دولة مدنية تعددية تحترم حقوق أبنائها وتعطيهم بارق الامل من أجل مستقبل افضل لكافة السوريين. شاركنا في عدة مؤتمرات سورية من موقف التضامن وجلسنا على هامشها بشكل ضيوف ومستمعين. لم يسمع كلامنا ولم يعطى لكل قادر الحق ليعبر عن موقفه وعن الامكانيات التي يمكن أن يقدمها والصمت ما زال قائما بحجة عدم اثارة التفرقة الموجودة بشكل اكثر حدة بين أطراف المعارضة السورية. النظام القائم في سوريا المرتكز على قاعدة حزبية وعسكرية بحتة منذ اكثر من اربعة عقود وله الملايين من الانتهازيين المناصرين ان لم يكن الموالي له عقائديا وانما شخصيا على خلفية المصلحة الذاتية من أفراد ورجال أعمال وتجار كبار وصغار من حلب ودمشق ومن خارج سوريا أيضا. هذا النظام لن يترك الحكم بهذه السهولة الا اذا كانت القوى المعارضة أقوى بكثير من قوته، والتضامن الشعبي السوري أكثر تلاحما والتضامن والدعم العالمي الانساني أكثر وضوحا ينادي بتنحي النظام عن الحكم. وربما هذا أيضا لا يكفي للخلاص من هذا الوباء ويبدأ بمجازر أفظع مما هي عليه الآن وما وقع في مدينة حماه عام 1982 وحاليا أيضا. على الشعب السوري بكافة مكوناته وعلى أطراف المعارضة السورية أن تحضر نفسها لاوضاع ربما ستكون أسوأ بكثير مما نحن عليه الآن، وعلينا القفز فوق الحاجز الوهمي ما يسمى بالاستعانة الخارجية، انها دعاية النظام ضد الشعب السوري الثائر لكي يمدد عمره ويستمر في الحكم. ألم يستقوي الشريف حسين في مكة بالانكليز للخلاص من الحكم العثماني القرقوشي، وتحرر العالم العربي من العبودية وسفك الدماء من قبل الحكام العثمانيين مثل جمال الدين السفاح وغيره من السفاحين في العالم العربي. لماذا عدم الاستفادة من مؤسسات الاممالمتحدة وبقرار عالمي يفرض حظر الطيران وعدم سير الآليات العسكرية ودبابات النظام التي تحرق الاخضر واليابس. ولماذا عدم الكفاح اذا وصلت الحالة الى هذه الدرجة من القتل الجماعي. ان الكفاح جهاد وهو مدعوم انسانيا ودينيا ولا يوجد ما يعارضه. هل تريدون التغيير التدريجي الغير حقيقي لكي يحكم أزلام النظام من الصف الثاني أو الثالث ويديرون مجرى الثورة من جديد حسبما يتطابق ورغبتهم الذاتية. الحياة كفاح والعزة والكرامة تتطلب جهادا مكثفا والشعب السوري يريد أن يشاهد قيادة مدنية سورية تقوم بالاعمال في الفترة الانتقالية سوريا ليست قرية صغيرة مهملة وانما دولة قامت بحروب ولها علاقات مع الدول الكبرى منها الصين وروسيا والهند ودول أخرى. هذه الدول وغيرها لا تفكر فقط بالحقوق الانسانية للمواطن السوري في المقام الاول وانما كيف ستحصل على الالتزامات الموقعة من قبل النظام مع هذه الدول سابقا وتجني مكاسبها الأقتصادية. نحن بحاجة الى قيادة تمثل طموحات الثورة والشعب السوري. هذه القيادة تختار بلقاءات صغيرة ثنائية ثلاثية رباعية واكثر وبعدها يعد المؤتمر، وليس كما جرى حتى الآن في أنطاليا واسطنبول. يجب أن لا يكون الذهاب الى أي مؤتمر وكأنه الذهاب الى عرس كبير وكافة الحضور ينظرون الى قول ورحمة الجهة الممولة والداعية للحضور. الحراك السياسي يجب أن يتغير والا الفشل بعد الفشل لن يتركنا الى الابد. أملنا أن نجد آذانا صاغية تسمع هذا الخطاب وتأخذ هذه النقاط بعين الاعتبار وتفكر بشكل جدي من أجل الوصول بالثورة السورية الى شاطىء الامان. د. توفيق حمدوش