رغم أن انتخابات المجلس التأسيسي لم تتم بعد و نتائجها لا تزال بعد في علم الغيب فإن البعض استبقها بالكشف عن نواياه و خططه وتحالفاته. البداية كانت مع القطب الديمقراطي الحداثي الذي أعلن منسقه المدعو رياض بن فضل أن القطب لن يدخل في أي حكومة تضم "ظلاميين" و المقصود الإسلاميين، علما و أن أهم مكوناته حركة التجديد كانت قبلت الإنضمام إلى حكومة الغنوشي التجمعية و لم يغادرها إلا عندما أطرده موظفو وزارة التعليم العالي ، و هو ما يبين من هو العدو الحقيقي للقطب الذي يعلم الجميع أن بعض أطرافه كانت متواطئة مع نظام بن علي و حل نقابة الصحافيين آنذاك شاهد على ذلك. ثم نطق نجيب الشابي فأعلن، خلال إنطلاق حملة حزبه بتونس الكبرى أن حزبه سوف يحصل على عدد أصوات يتراوح بين مليونين و مليونين و نصف (تبارك الله!) أي عدد مقاعد يتراوح بين 48 % و 55 % و لتجنب انتظار ما إذا كان سوف يحصل على الأغلبية المطلقة أم لا أعلن عن تحالفه مع غير "الراديكاليين" أي القطب + التكتل + آفاق تونس (لم يعلن عن موقفه من الأحزاب الدستورية/التجمعية التي تشير التكهنات إلى حصولها على نسبة تتراوح بين 10 و 15 % من الأصوات و لكن موقفه منها معروف ، ثم أن الغاية تبرر الوسيلة).ثم أن التحالف يقيه عواقب انسحاب البعض من نوابه لسبب أو لآخر. الموقف الثالث صدر أيضا من القطب في بيان أشار فيه إلى تعمد البعض تشكيل حكومة منذ الآن، مما يؤكد ما يشاع عن إجتماعات ستوديو38 ، حيث يعد الفريق المضيق لنجيب الشابي خطط و إستراتيجيات الوصول إلى الحكم. و حسب رأينا فإن الخلاف مع القطب يتعلق بعدد المقاعد و بعدم التأكد من تقدم الحزب الديمقراطي التقدمي على حزب التكتل. فهو يريد انتظار النتائج لتحديد الوزن الحقيقي لكل طرف، حيث اقترح أن يشكل الطرف الفائز بالأغلبية حكومة متكونة من تكنوقراطيين. الموقف الرابع صدر عن رئيس التكتل الذي أعلن أنه لن يتحالف مع حركة النهضة لا قبل الإنتخابات و لا بعدها. و هكذا يبدو واضحا أن الأحزاب المتحالفة متفقة على إقصاء الأحزاب التي تسميها بالراديكالية ، أي النهضة و حزب العمال الشيوعي و حزب المؤتمر من أجل الجمهورية ، و أنها اختارت المواجهة على الوفاق. و حتى لو فرضنا أن الراديكاليين حصلوا على أغلبية إحصائية فسوف يسعون لبث الفوضى و الشقاق وعدم التحاور معهم و إفتعال المشاكل . و يخشى أيضا أن يفرضوا بفضل أغلبيتم المحتملة دستورا على المقاس بداية بالفصل الأول الذي قد ينهي العلاقة بين الدولة و الهوية العربية الإسلامية . فقد أعلن الناطق الرسمي للقطب محمد الكيلاني أن التنصيص على العروبة و الإسلام تزييف للتاريخ و الحضارة و ما هما إلا مرحلة معينة من مسار طويل. أما حزب التكتل فقد حذف التنصيص على الهوية منذ انضمام مجموعة من اللائكيين إلى صفوفه ، و يكرر التقدمي "كلنا مسلمون" و لكن إسلامه يعني الدفاع على إلحاد نادية الفاني و تجسيد الذات الإلاهية و السكوت عن المس بالمقدسات. و لا ننسى موقف حزب النضال التقدمي التروتسكي المتطرف الذي يقترح التنصيص على أن تونس دولة مدنية فقط، و موقف شبكة دستورنا التي كونتها جمعية النساء الديمقراطيات بالتعاون مع بعض الحقوقيين. و قد وجد البعض فكرة تقوم على إعتبار الدولة مدنية واعتبار الشعب ذي هوية عربية مسلمة إن أراد ، و الفصل بين الدولة و الدين ، و هو موقف حزب آفاق تونس و شبكة "الشعب أراد الحياة". يبدو أن دعاة اللائكية و الإقصاء قد اختاروا الحسم النهائي دون إعتبار للعواقب و ما قد تجره مواقفهم من مصائب و تبعات وخيمة للبلاد و يبدو أنهم اختاروا التصعيد حتى لو أدى لا قدر الله إلى حرب أهلية . فهل يفسد الشعب مسعاهم و يجبرهم على التحاور و الوفاق مع غيرهم