تونس والبنك الدولي يوقّعان اتفاق تمويل بقيمة 430 مليون دولار لدعم برنامج التحول الطاقي    حالة الطقس هذه الليلة    وزارة الثقافة تنعى الأديب والمفكر الشاذلي الساكر    صفعة عمرو دياب لشاب مصري تعود للواجهة من جديد    عاجل/ غلق هذه الطريق بالعاصمة لمدّة 6 أشهر    مشروع كبير في مطار قرطاج: يتكلّف 3000 مليار وخط مترو يوصل العاصمة    عاجل/ وزير الدفاع يكشف عن الوضع الأمني لتونس    فريق من المعهد الوطني للتراث يستكشف مسار "الكابل البحري للاتصالات ميدوزا"    تطاوين : افتتاح مركز شنني لتثمين التراث بتعاون تونسي-بريطاني لتعزيز الحرف التقليدية والتنمية المستدامة    الفواكة الجافة : النيّة ولا المحمّصة ؟ شوف شنوّة اللي ينفع صحتك أكثر    عاجل: تونس وموريتانيا – 14 ألف تذكرة حاضرة ....كل ما تحب تعرفوا على الماتش!    عاجل: ليفربول تفتح ملف رحيل محمد صلاح!    عاجل/ وزير النقل يكشف عدد القضايا المرفوعة ضد "تونيسار" بسبب تأخر الرحلات    11 نوفمبر: العالم يحتفل ب''يوم السناجل''    عاجل-شارل نيكول: إجراء أول عملية جراحية روبوتية في تونس على مستوى الجهاز الهضمي    الأخطر منذ بدء الحرب/ شهادات مزلزلة ومروعة لاغتصاب وتعذيب جنسي لأسيرات وأسرى فلسطينيين على يد الاحتلال..    علماء يتوصلون لحل لغز قد يطيل عمر البشر لمئات السنين..    عاجل: اقتراح برلماني جديد..السجناء بين 20 و30 سنة قد يؤدون الخدمة العسكرية..شنيا الحكاية؟    من وسط سبيطار فرحات حشاد: امرأة تتعرض لعملية احتيال غريبة..التفاصيل    كريستيانو رونالدو: كأس العالم 2026 .. سيكون الأخير في مسيرتي    رسميا: إستبعاد لامين يامال من منتخب إسبانيا    سليانة: نشر مابين 2000 و3000 دعسوقة مكسيكية لمكافحة الحشرة القرمزية    المحكمة الابتدائية بتونس تحجز ملف المحامية سنية الدهماني لتحديد موعد الجلسة القادمة    عاجل: منخفض جوي ''ناضج'' في هذه البلاد العربية    عاجل-وزارة الدفاع الوطني: انتدابات وزيادة في الأجور    وزير الداخلية: الوحدات الأمنية تعمل على ضرب خطوط التهريب وأماكن إدخالها إلى البلاد    عشرات الضحايا في تفجير يضرب قرب مجمع المحاكم في إسلام آباد    عاجل/ سقوط سقف إحدى قاعات التدريس بمعهد: نائب بالمجلس المحلّي بفرنانة يفجرها ويكشف..    تصريحات صادمة لمؤثرة عربية حول زواجها بداعية مصري    عاجل : تحرك أمني بعد تلاوة آيات قرآنية عن فرعون بالمتحف الكبير بمصر    حجم التهرب الضريبي بلغ 1800 م د في صناعة وتجارة الخمور بتونس و1700 م د في التجارة الالكترونية    نابل: توافد حوالي 820 ألف سائح على جهة نابل - الحمامات منذ بداية السنة الحالية    QNB تونس يفتتح أول فرع أوائل QNB في صفاقس    عاجل: معهد صالح عزيز يعيد تشغيل جهاز الليزر بعد خمس سنوات    نائب رئيس النادي الإفريقي في ضيافة لجنة التحكيم    بعد أكثر من 12 عاما من إغلاقها.. السفارة السورية تعود إلى العمل بواشنطن    غدوة الأربعاء: شوف مباريات الجولة 13 من بطولة النخبة في كورة اليد!    المنتخب التونسي يفتتح الأربعاء سلسلة ودياته بمواجهة موريتانيا استعدادًا للاستحقاقين العربي والإفريقي    عاجل/ وزارة الصناعة والمناجم والطاقة تنتدب..    عاجل: اضطراب وانقطاع المياه في هذه الجهة ..ال sonede توّضح    عاجل/ وزير الداخلية يفجرها ويكشف عن عملية أمنية هامة..    المنتخب التونسي لكرة السلة يتحول الى تركيا لاجراء تربص باسبوعين منقوصا من زياد الشنوفي وواصف المثناني بداعي الاصابة    عاجل: حبس الفنان المصري سعد الصغير وآخرين..وهذه التفاصيل    حاجة تستعملها ديما...سبب كبير في ارتفاع فاتورة الضوء    من فصول الجامعات إلى مجال الاستثمار والتصدير : كيف تستفيد تونس من تعاونها مع الصين؟    النقابة التونسية لأطباء القطاع الخاص تنظم يومي 13 و14 ديسمبر القادم فعاليات الدورة 19 لأيام الطب الخاص بالمهدية    ياخي الشتاء بدا يقرّب؟ شوف شنوّة يقول المعهد الوطني للرصد الجوي!    مجلس الشيوخ الأمريكي يقرّ مشروع قانون لإنهاء الإغلاق الحكومي    الكنيست الإسرائيلي يصادق على مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين في القراءة الأولى    الدكتور صالح باجية (نفطة) .. باحث ومفكر حمل مشعل الفكر والمعرفة    المهرجان العالمي للخبز ..فتح باب الترشّح لمسابقة «أفضل خباز في تونس 2025»    جندوبة: تتويج المدرسة الابتدائية ريغة بالجائزة الوطنية للعمل المتميّز في المقاربة التربوية    صدور العدد الجديد لنشرية "فتاوي تونسية" عن ديوان الإفتاء    بنزرت: إنتشال 5 جثث لفضتها الأمواج في عدد من شواطئ بنزرت الجنوبية    شنيا الحاجات الي لازمك تعملهم بعد ال 40    طقس اليوم؛ سحب أحيانا كثيفة مع أمطار مُتفرقة بهذه المناطق    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تونسيو أوروبا يعيشون نشوة الديمقراطية
نشر في الحوار نت يوم 08 - 11 - 2011

يتطلع التونسيون بشوق نحو نوابهم الذين انتخبوهم، والذين تفصلهم ساعات للجلوس تحت قبة البرلمان ليفتحوا صفحة جديدة في تاريخ بلدهم، استهلوها بثورة على الظلم الفساد وطعموها بانتخابات ديموقراطية شهد العالم أجمع على نزاهتها، ويترقبون الآن أولى ثمار هذه الثورة وهو المجلس الذي من المفترض أن يمهد لمرحلة جديدة، يدشنها بدفن دستور 1959 في مقبرة التاريخ وكتابة دستور جديد، يضمن في المقام الأول سيادة الشعب، وفصل السلطات، وضمان الحريات وتحديد الواجبات .
المواطن التونسي الذي عاش الظلم عقوداً، وسجنته الأنظمة السابقة في حظيرة صغيرة وكأنه كائن لا يعقل ولا يسمح له بأن يعيش حراً، استطاع اليوم أن يظهر للعالم أنه مواطن لشعب قادر، متمدن، ذكي وواع، إذ استطاع تحطيم قيد العبودية وكان متمدناً في ثورته وذكياً في منح صوته في الانتخابات الأخيرة، وواعياً لأي محاولة لسرقة ثمار ثورته .
يعيش الشعب التونسي حالة من الفرح الغامر، تختلط الزغاريد بالدموع، ويصعب معها أن يضحك على ما يسره من حال الآن، من دون أن يغضب بحرقة على ما عاشه من ويلات في الماضي . فأصبح شبه مستحيل أن يتكلم التونسي عن شعوره ما بعد الثورة من دون المرور على مشاعر ما قبل الثورة، وصعب على هؤلاء الذين كانوا أول المتحررين من الأنظمة الاستبدادية أن ينظروا إلى المستقبل المشرق من دون أن يعرجوا على ماضيهم القاتم .
“الخليج” حاورت عدداً من تونسيي أوروبا، فنقلت عنهم تجربتهم مع الانتخابات ورؤيتهم لتونس المستقبل .
تقول درصاف بن ذياب، ناشطة تونسية مقيمة في فرنسا “مازلت أشعر حتى هذه اللحظة بأحاسيس متداخلة ومتشابكة يصعب علي وصفها جراء حجم المتناقضات بين ما كان يحدث قبل الثورة وما يحصل حالياً، يدفع الإنسان لا شعورياً إلى المقارنة بين الواقع المرير الذي عشناه كتونسيين في الأزمنة الغابرة وبين العرس الذي نحتفل به اليوم، وهذه المقارنة تجعلني أشعر بصدمة نتيجة النشوة العارمة التي أعيشها واقعاً، بعد أن كانت حلماً نخاف حتى أن نتمتم به” .
وتروي درصاف تجربتها الشخصية مع النظام المخلوع، حيث تعود بذاكرتها إلى مطلع عام ،1991 وهي السنة التي حصلت فيها على دبلوم عال في الأدب والحضارة الفرنسية وقررت الهروب من نظام بن علي الذي أصبح ينتهج سياسة التضييق على المحجبات في الجامعات “كان نظام بن علي ينتهك عقيدة الإنسان المسلم، كان أقل ملامح هذا الانتهاك لنا نحن الطالبات المحجبات يتمثل في إجبارنا على الخضوع للتفتيش عندما ندخل الجامعة، وكانوا يتهموننا بأننا نستخدم الحجاب من أجل دس أوراق الإجابة عن الأسئلة في أوقات الامتحانات، وأحياناً لا يسمحون لنا بالدخول إلى قاعات الامتحان إلا بعد أن ننزع الحجاب”، موضحة “كان النظام يسن قوانين يعمل بها أو يتركها حسب المناسبات، أي أنه يسن مواد معينة من أجل أن تكون حجة وذريعة له، يخرجها النظام كورقة رابحة ويستخدمها لإيذاء الناس وقتما شاء وكيفما شاء” .
أضافت “لهذا وبعد أن حصلت على دبلوم، كانت أمامي خيارات مرة، فإما الجلوس في المنزل وعدم مواصلة التعليم وإما أن أنزع الحجاب، والخيار الثالث هو أن يسهل الله عليّ وأحصل على فرصة الدراسة في الخارج، والحمد لله نجحت في اجتياز كل الامتحانات التي تطلبها السفارة الفرنسية لقبول الطلاب في جامعتها، فكتب الله لي السفر إلى فرنسا حيث استطعت أن أكمل تعليمي وأحصل على إجازة في الدراسات العليا من دون أن يؤذيني أحد في الجامعة ومحطيها بسبب الحجاب الذي أرتديه” .
أنياب خارج الوطن
وتقول درصاف وهي أم لأربعة أطفال إن “نظام زين العابدين قد أبدع وتفنن في الإجرام بحق شعبه، وكان يعاني هذا الإجرام كل تونسي في الداخل أو الخارج على السواء، فالمعارض في الخارج والذي لم تستطع يد ابن علي الوصول إليه ومعاقبته من خلال بوليسه ومخابراته، عوضها بمعاقبة عائلته وذويه من المقيمين في تونس، فكان الخوف على الأهل في الوطن هاجساً يؤرق مضجع التونسي المغترب، وعائقاً أمامه في إعلاء صوته مندداً بجرائم النظام” .
كما تلفت درصاف الانتباه إلى أن بطش النظام السابق كان له بالغ الأثر على علاقة الأسرة الواحدة وعلى العلاقات بين الشعب الواحد وقالت “وصلنا لمرحلة نخاف أن نتحدث باللهجة التونسية في المهجر، وكان ارتباطنا بأشقائنا وأبناء بلدنا في الغربة يقتصر على أعدادا قلية جداً يجمع بينها مناهضة حكم بن علي . كانت السرية تحف كل تحركاتنا ولقاءاتنا سواء في أنشطة العمل الإسلامي والعروبي أو في دائرة تناقل أخبار تونس والنظام فيها، كانت أقصى درجات الحذر مطلوبة وضرورية لئلا يكشف هويتنا بوليس بن علي السياسي والمنتشر في بقاع الأرض وحيثما وجدت الجالية التونسية، كان نظام بن علي قاسياً وجائراً لدرجة أنه منع حتى التونسيين من التعرف إلى بعضهم بعضاً في الغربة وحرمهم من العمل الجماعي، فقد كان كل تونسي يشك في الآخر .
وما إن سقط حتى انتبهنا إلى هذا الحجم الكبير من الكفاءات التونسية والمتميزة في مجالات مختلفة وتعمل بالخارج، واكتشفنا أن هناك قاعدة عريضة من التونسيين الذين لديهم خلفية ثقافية وسياسية ورؤية ثاقبة للمجريات” .
مضيفة “كذلك عانينا الكثير في تربية الأولاد، فمن جهة نربيهم على حرية الرأي وقول الحقيقة، ومن جهة أخرى كنا نقمعهم حين تخرج من أفواههم كلمات ببراءة الطفل منددة بابن علي في الأماكن العامة، كانت هذه الازدواجية في تربية الطفل تؤثر بشكل سلبي في نفسيتنا، وتزيد من حيرة الأطفال” .
عرس الحرية
وتصف درصاف تجربتها في الاقتراع خارج تونس بحفلة الحناء التي سبقت العرس “كان شعوراً جميلاً، عندما دخلت مكتب الاقتراع، كنت لا أريد الخروج منه، فكل ثانية تمر داخل المكتب تزيدني فرحاً، وتمتعت بمشاهدة كل مواطن تونسي يدخل المكتب لينجز العملية، من تقديم بطاقة تعريفه إلى الإدلاء بصوته، كان لهذا الحفل رونق خاص، وأنت ترى هذه الأعداد من التونسيين الأحرار يدلون بأصواتهم في أول عملية انتخابات حرة في التاريخ التونسي، واضعين بذلك بصماتهم على أولى خطوات مسيرة الحرية والمواطنة الحقيقية” .
أضافت “حينما عدت للمنزل بدأت في الزغاريد ثم أجهشت في البكاء، تداخلت لدي بشكل متسارع جملة من مشاعر الفرح والنصر إلى حد ذرف الدموع” .
وترى بن ذياب أن نتائج الانتخابات كانت إلى حد بعيد متوقعة جراء سياسة بن علي التي عملت على خدش الإسلام في يوميات المواطن التونسي، وتضييق الخناق على حرية العبادة حتى في أبسط الأمور مثل الذهاب إلى المساجد والصلاة في الجماعة، أيضاً تم إغلاق أماكن تحفيظ القرآن وتدريسه، كما لجأ النظام المخلوع إلى إهانة التونسي في إسلاميته، وفي أبسط مساعي الأب لتربية أبنائه على الهوية والمبادئ العربية الإسلامية، كل هذا دفع بالمواطن التونسي إلى تعويض حرمانه من دينه طوال العقود الماضية، من خلال منح صوته للأحزاب التي تتبنى مبادئ مغايرة لما كان عليه الوضع سابقاً .
وقالت “لهذا السبب حصلت النهضة على أصوات كثيرة، وسبب آخر في رأيي هو أن الشعب أراد تكريمها وتكريم مناضليها، الذين وقفوا ضد الطاغية منذ اليوم الأول، إلى جانب الأحزاب الأخرى مثل “المؤتمر من أجل الجمهورية”، والتي تقاسمت هذا النضال مع النهضة، وكافأها الشعب هي الأخرى من خلال صناديق الاقتراع” .
وعمّا تنتظره درصاف من المجلس النيابي الجديد تقول: “أنا أقدر أن المجلس التأسيسي مهمته وقتية ومحددة، في الوقت الذي يظن فيه الكثيرون أن الوضع سوف يتغير بمجرد تأسيس المجلس، وهذا غير صحيح حقيقة، فالمجلس يعبر عن مرحلة انتقالية، ننتظر منه فيها بناء الأرضية التي تضمن دولة مدنية تكفل الحقوق وتحدد الواجبات لكل فئات الشعب” .
قراءة في نتائج الانتخابات
يتفق إلى حد ما مع السيدة درصاف مواطنها حاتم كافي في قراءة نتيجة الانتخابات، إذ يرى أن حصول حزب النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية على النسبة الأعلى من الأصوات كان نتيجة طبيعية عن عملها الدؤوب “عملت النهضة والمؤتمر طوال السنين الماضية على مناهضة نظام بن علي، ثم توجت هذا النضال بأن دشنت حملتها الانتخابية في الداخل والخارج على أسس متينة” . أضاف “هناك عاملان لعبا دوراً في هذا الفوز هما: تبني بعض الأحزاب برنامجها الانتخابي على أساس معاداة هذه الأحزاب وحسب، إضافة إلى تبني مستقلين خطاباً يشبه إلى حد بعيد كلاً من خطابي النهضة والمؤتمر ولكنهم يفتقرون إلى تاريخ كتاريخ هذه الحركات والشخصيات القيادية فيها” .
وعن تجربته الشخصية في الانتخابات يقول صراحة إنه لم يصوت، مبرراً ذلك بالقول: هناك مئات الأحزاب، التي بثت فيّ نوعاً من البلبلة داخلي من خلال متابعتها بشكل يومي، أضف إلى هذا أنني خارج البلد افتقرت إلى رؤية صحيحة وبرنامج يقنعني بسبب ضعف الحملات الانتخابية خارج تونس . الشعب التونسي خرج لتوه من نفق مظلم استمر عقوداً من الزمان، ففوجئ بكم هائل من المرشحين، كل يدعي أنه الأفضل، ولم أستطع في النهاية تمييز برامجهم الانتخابية، أثق بأشخاص معينين لكني لم أصل إلى درجة الثقة بالحزب كاملاً” .
ويشير كافي إلى أن الفترة الانتقالية سوف تكون تجربة كافية له في اختيار مرشحه في الانتخابات المقبلة، على ضوء ما سوف يحدث داخل قبة المجلس مضيفاً إذا ما تم عرض الدستور للاستفتاء على الشعب فسوف أقرأه وأدلي بصوتي فيه” .
محاربة الفساد
ويعتقد حاتم كافي أن أياً كان من سيحكم تونس عليه أن يلتزم المبادئ التي رفعها الشعب خلال الثورة وإلا سوف يعاقبه الشعب ويدفع به خارج الدائرة السياسية . وقال “تبدو بلادنا من الخارج وللسائحين بلداً متطوراً ويتمتع بكافة وسائل الترفيه والراحة للمواطن، لكن ما إن تبعد عن الساحل وتدخل إلى قلب التراب التونسي، تكتشف حجم الفقر والعوز، أشعر معه بغصة في خاطري، وأوضح: تونس في عهد بن علي كانت أشبه بشقة جديدة، يبدو فيها كل شيء على ما يرام، الجدران ذات ألوان زاهية والأثاث فاخر، لكن إن دققت في هذه الشقة وجدت أن صنابير المياه لا تعمل وشبكة الصرف الصحي لا تصل إليها، والمطلوب الآن هو إصلاح أساسات هذه الشقة وتوفير الضرورات الأولية لجعلها قابلة للسكن، هكذا هي تونس وهذا ما يريده الشعب الآن” .
ويتمنى كافي بوصفه مواطناً تونسياً أن يؤسس المجلس المنتخب لنهج واضح في معالجة الفساد “الفساد قصم ظهر البلاد، الفساد يتستر على مليارات المليارات من أموال الشعب المسروقة، الفساد أضاع ثروات البلاد، الفساد هو السبب الرئيسي في قيام أطفال المدارس بالمشي يومياً ثمانية أو عشرة كيلومترات للوصول إلى المدرسة تحت المطر، وهو الذي دفع آلاف من خيرة الشباب إلى الهجرة خارج الوطن، وإلى افتقار البلاد إلى بنية تحتية في المناطق غير السياحية، ناهيك عن تدني مستوى التعليم والعلاج وارتفاع معدلات الجريمة والبطالة” .
ويؤكد حاتم أن هناك أولويات للمجلس التأسيسي، منتقداً سلوك بعض أبناء جلدته في التعامل مع الحكومة الجديدة وكأنها تحمل عصا سحرية قادرة على إصلاح عقود من الخراب بين ليلة وضحاها . ويضرب كافي مثالاً على ذلك يتمثل في الذين يصعدون الوضع من خلال الإضرابات اليومية والتي ترفع شعارات مثل زيادة الأجور وما شابه “ما زلنا في مرحلة لم تنضج بعد معها الثورة، هناك مئات الآلاف من العاطلين عن العمل، هناك مسنون وعجزة ليس لديهم خبز، هناك مرضى يموتون بسبب نقص العلاج، ومع ذلك نرى من هو أفضل حالاً ولديه عمل، لا يفكر إلا في نفسه ويطلب زيادة راتبه الآن وفوراً” .
وانتخبت بعد حرمان
رحمة الغربي، شابة تبلغ من العمر 19 عاماً، ولدت وترعرعت في سويسرا ولم تتمكن من رؤية بلادها إلا بعد سقوط زين العابدين، إذ تنتمي الفتاة إلى أسرة عرفت مناهضتها للنظام السابق ودفعت ثمن ذلك بين سجن وتعذيب ثم اضطرت إلى مغادرة البلاد قبل عقدين .
تحكي رحمة قصة حياتها، التي تشبه قصص مئات من الأطفال والشباب التونسي الذين ولدوا خارج التراب التونسي وحرموا رؤية بلادهم بسبب مواقف أولياء أمورهم المناهضة لنظام بن علي “عندما وطئت قدما أرض بلادي لأول مرة في فبراير/شباط الماضي، بعد حرمان منذ ولادتي، تسمرت في مكاني وأضعت الأحرف والكلمات التي يمكن لي أن أعبر بها عن إحساسي وأنا أرى بلادي لأول مرة، ومازلت حتى اللحظة غير قادرة على الاستيعاب والتعبير . حرمت طوال 19 عاماً أن أشم رائحة وطني وأتعرف إلى أقاربي ومن أي وثيقة تثبت أنني تونسية الأصل، ثم فجأة وفي أشهر معدودة أجد نفسي في بلدي الأم وبين أهلي، وبعدها في مكتب الاقتراع حيث أدليت بصوتي . أحداث سريعة وأفراح متتالية بعد حياة انتزع مني فيها أقل حقوقي الإنسانية وهو حق الإقامة في وطني وبين أهلي” .
وعن تجربتها في الاقتراع تقول “شعرت بأني أسهم في بناء دولة ديموقراطية تحترم حقوق الإنسان والحريات” وأضافت: “منحت صوتي لمن شعرت بأنه الأفضل حسب قناعاتي” .
وعن الصورة التي تطمح رحمة إلى رؤيتها في بلادها “أريد لبلدي أن يكفل حرية الرأي والتعبير، أريد للتونسي أن يحصل على حقوقه الكاملة كمواطن، وأن يكفل النظام للناس حق الاعتراض، الاحتجاج والتظاهر” .
وتعتبر رحمة أن حصول النهضة على هذا العدد من الأصوات لا يشكل أية مفاجأة، موضحة “عندما ذهبت إلى تونس، وجدت كثيراً من النساء بعد الثورة بدأن يلبسن الحجاب بعد طول منع، وسمعت أن الناس شرعوا بالصلاة في المساجد من دون خوف . الشعب التونسي مسلم عربي في الأصل، وقد تعرض لانتهاكات في هذه الأساسات، وعندما حصل على حريته مارس ما كان محظوراً من حرية في العقيدة والعبادة، وانتخب كثير منهم من قاسمهم المعاناة، ألا وهي حركة النهضة” . موضحة “أنظر بعين أمل إلى النتائج، وأتمنى من الأحزاب التي حصلت على معقد في المجلس التأسيسي ألا تنسى لماذا الشعب التونسي انتخبها، وأن تلتزم برامجها التي طرحتها أثناء الحملة” .
“وافق أو نافق أو غادر”
وليد فرجاني، يبلغ من العمر 29 عاماً، لم يصدق حتى اللحظة كل ما يحدث، لم يصدق أن الثورة قامت والنظام سقط، حيث إنه عاش تجربة الاعتقال وذاق مرارة التعذيب، يقول راوياً “اعتقلت إثر تظاهرة تندد بالحصار على غزة، وكانت هذه هي تهمتي، قالو لي حينما اعتقلوني إنني سأدخل السجن ولن أخرج منه أبداً، وأضافوا لي تهماً أخرى مثل علاقتي بشخصية إسلامية، قُتلت برصاص الأمن بداية التسعينات، وكنت آنذاك لم أبلغ الثامنة من العمر، ولا يجمعني بهذا الشهيد سوى أنني أقطن الحي نفسي الذي كان يقطنه” .
“وافق أو نافق أو غادر”، هذه هي الكلمات الثلاث التي كانت على لسان كل تونسي في عهد بن علي، وقال “إن لم تطبق هذه المقولة فالسجن هو مصيرك، متى أرادوا اعتقالك كان لهم ما أرادوا” . ويتذكر فرجاني حادثة عندما كان طالباً في الجامعة واشتد النقاش بين الطلاب في جلسة مغلقة حول سياسة بن علي، ولم يكد يسدل الليل ستاره على حلقة النقاش تلك، حتى داهم البوليس بيوت الطلاب واعتقلهم . ويروي حادثة أخرى “لدي ابن عم يبلغ من العمر 16 عاماً، ملتزم ويحافظ على الصلوات في المسجد، اعتقله النظام قبل قيام الثورة بأشهر معدودة، ووجه له تهمة تكوين خلية إرهابية” . يسكت وليد برهة ثم يضيف ضاحكاً “مراهق في السادسة عشرة أصبح زعيم خلية إرهابية لمجرد أنه يصلي، الحمد لله لم يطل سجنه، فما إن قامت الثورة حتى تحرر من الحبس” .
هذه الأمثلة وغيرها جعلت وليد يعيش حالة من عدم الثقة في كل ما يحدث وكل ما يقال، منوهاً بأن نظام بن علي جعل الناس مرضى نفسيين كنا نعيش نوعاً من انفصام الشخصية، نمارس العبادة في المنزل وفي الخارج نتظاهر بعدم الاهتمام بأمور الدين، نتعلم في المدرسة تاريخ الشعوب والثورات وخارج المنهج الدراسي ممنوعون من التعبير والكلام في السياسة” . مستطرداً “صحيح أن المجلس التأسيسي سوف يضع الخطوط العريضة للدولة الحديثة، لكننا نحتاج كشعب أعواماً كي نتخلص من الأسلوب الذي فرض علينا ونصبح أناساً طبيعيين” .
ويعتقد فرجاني أن أفضل ما حققته الثورة بعد إسقاط النظام هو إزالة العنصرية بين فئات الشعب التونسي “أشعر في بلدي بالعنصرية، عنصرية لم اشعر بها حتى في الغربة، كان الناس قبل الثورة يتفاخرون بأصلهم ومن أي مدينة هم، لكن ما أن جاءت الثورة حتى التحم الشعب، وذابت هذه الفروق، وأصبح الجميع في الخندق نفسه” .
ومن وجهة نظر وليد حول أولويات المرحلة المقبلة فإن الأهم هو تنظيف وزارة الداخلية “ممن عملوا تحت إمرة بن علي، فقتلوا أناساً وعذبوا آخرين لا يمكن لهم أن يستمروا في احتلال المناصب نفسها بعد الثورة، فهؤلاء هم بقايا نظام أذاق شعبه ويلات العذاب، ويجب أن يتم تنظيف وزارة الداخلية من مافيا الظلم تلك، نريد أن تنظف البلد وأن تبدأ حملة النظافة من الشرطة والبوليس السياسي” .
ينوه وليد كذلك إلى ضرورة تغيير المنهاج الدراسي، يقول “منهج التعليم بعيد عن هويتنا العربية والإسلامية، وقد بدلوه بخبث خلال العقود الماضية” ضارباً مثالاً على ذلك “إذا كانت مادة في الشعر العربي، درسونا أبو نواس وابن ربيعة، ولا يتطرقوا إلى تابعين أو صحابة شعراء، كما أن مادة التربية الإسلامية أصبحت مادة الفكر الإسلامي، أي أن المحتوى ليس ملزماً، وحولوه من تربية وعقيدة إلى فكر، وكأنهم أرادوا أن يزرعوا فينا أن الإسلام مجرد فكر، مجرد رأي، فأصبح الدين كالفلسفة، قابلاً للتأويل والتفسير وبعيداً عن أي قدسية”
نقلا عن صحيفة الخليج


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.