إن الجدال والحوار حول المقترحات والمشاريع استيضاحا أو نقدا أو حتى استنكارا ليس فيه غضاضة وهو علامة صحة ويقضة ولن يزيد المقترحين وأصحاب المشاريع إلا انتباها لما يمكن أن تكون تلك المشاريع تحمله من نقص وسيزيدهم حزما في دراسة المشاريع وتعمقا في سبر أغوارها وابتعادا عن الإستسهال أو تعويلا على توافق التوازنات لتمرير بعض الرؤى دون دراسة كافية ومتأنية تستوعب كافة المعطيات الظاهرة والمستخفية ولكن المشكل يكمن في هذه الفئة المتحفزة للجدل والتشهير والتي انطلقت تشحذ أسنة حرابها وتحين أنوفها وآذانها وعيونها لتنقض على كل شاردة وواردة يمكن أن تصلح لاثراء ملف القرائن والحجج المثبتة للتهم المعدة سلفا لنوايا حركة النهضة وما تحيكه في الظلام من مؤامرات ضد الديمقراطية والحداثة والمجتمع المدني والمرأة وحرية التعبير... وهي ظاهرة تعبر عن نفسية يئست من اقناع الجماهير و استسلمت لعجزها الذاتي عن ابتكار أفكار أو مشاريع أو حتى لغة يمكن أن تتواصل بها مع الشارع الوطني بعد أن أفلست مقولاتها حول المدنية والحداثة ولم يعد لها وزن يعتبر ولا بريق يلفت النظر. فلم يبق في جعبتها غير محاولة اظهار أمرين أمام الجماهير: الأول أن هذه الجماهير لما اختارت النهضة كانت مخدوعة بمظاهر خطابها وأنها لم تكن متسلحة بالأدوات اللازمة التي تمكن من معرفة خبايا هذا الخطاب ودوافعه ومراميه بل الغالب أنها كانت ضحية لحسن نيتها الزائدة في نوايا قادة هذه الحركة ولعواطفها الفياضة تجاه ما عانته من اضطهاد. وهي أمور وإن مثلت عاملا قويا يمكن أن نعذر به الجماهير على اختيارها لمرشحي تلك الحركة ولكن ها أن كل فكرة أو مشروع أو حركة على أرض الواقع تقوم بها تلك الحركة تمثل قرينة تكشف زيف خطابها وازدواجيته، وفي نفس الوقت سذاجة الجماهير لما وثقت في خطابها الشعبوي العاطفي. الثاني أن هذه الفئة(الواعية والحداثية) التي نبذ المجتمع رؤاها وخطابها، لا غنى للمجتمع عنها حيث أنها أحب هذا المجتمع أم كره هي عقله العلمي ووعيه الحقيقي الذي لا يمكن أن تخدره الخطابات العاطفية وهي القادرة وحدها على لكشف زيف خطاب هذه الحركة وازدواجية مواقفها وهذان الأمران يتطلبان من هذه الفئة تحفزا دائما واستعدادا لا يفتر للإنقضاض على كل حركة أو تصريح يصدر من هنا أو هناك أو اقتراح مشروع وغمس الأنف والعين والأذن بين السطور والكلمات والحروف ومن ثم اخضاعه لميزان «العلم والحداثة» لكشف النوايا الحقيقية المبيتة والمتوارية وراءه، وهو ما يكشف عن ميزتين أخريين «تتمتع» بهما هذه الفئة بالإضافة إلى اليأس من الجماهير والعجز عن ابتكار الأفكار أو حتى تجديدها، هاتان الميزتان الأخريان هما ميزة الإستعلاء عن الشعب وأساليب تفكيره ورؤيته للأمور والأخرى عدم استعدادها للتزحزح عما استقر لديها من قناعات تجاوزها الواقع نظرا وعملا. ومن هنا فإذا كنا نحث على الإستماع إلى كل رأي وعدم التهوين من أي فكرة أو نقد لأنه لن يزيد أصحاب المشاريع الحقيقية المستندة للواقع والمتفاعلة مع تفاصيله إلا انتباها لكل معطى أو عامل يمكن أن يغيب عن أذهان أصحاب المشاريع فإننا في نفس الوقت يجب حيال تلك الفئة بالذات ألا ننزعج من عويلها وألا نطمع أو نجري وراء سراب إقناعها أو نضيع كثير وقت في مجادلتها حول أمور الأغلب أنها قتلت جدلا معهم دون جدوى