لم اشعر بالغرابة وانا اقرا مقال السيد علي الهوشاني بجريدة الصحافة التونسية في اوائل شهر نوفمر من سنة 2011، حول ما اوردته مجلة لو نوفال ابسرفتور الفرنسية . وملخص المقال ان الرجل تعامل مع الصحفي الفرنسي بكثير من الطيبة ، ومده بالمعلومات التي طلبها حول شركة الفسفاط . وصحح ماجاء به الصحفي معه من معلومات خاطئة ... ولكن هذا الصحفي اصرٌ على الخطء فنشره ، بل وعمد الى قلب الحقائق التي وقعت بين يديه . هذا رغم انه لقي من السيد علي وهو ملحق اعلامي بالشركة ، كثيرا من التبجيل حتى انه استضافه في بيته ... اما المجلة ناشرة المقال الفرنسي والواقع انها ليست المجلة الوحيدة ، ولا الاعلام الفرنسي فقط من يعمد الى تشويه الحقيقة حول بلادنا وحول ما يحصل في العالم العربي والاسلامي عموما ، ولكني وبحكم اقامتي في ايطاليا رايت ان الاعلام الايطالي هو الاخر يعمد الى نفس الاسلوب ... وان كنت اشعر بانه ليس من حقي ان الوم هؤلاء فيما يفعلون ، او ان اطالبهم باحترام الحقيقة في حد ذاتها ، فاني افهم ، - ولا اقول اجد لهم العذر – ان الصحفيين اولا ورؤساء التحرير ثانيا يهمهم ان يصنعوا الاثارة لا من الموضوع المثير فحسب ولكن من الموضوع الغير مثير ايضا . بمعنى ان يتحول كل شيء يكتبون عنه الى مادة خاضعة للقبول من جهة وللرفض من جهة اخرى . سواء بقلب الحقيقة او بتشوه المعلومة او بعضها ، او بترك المجال للخطء المطبعي في اهون الاحوال ... والنتيجة هي ان يكون المقال بالنسبة لهم مقالا صحفيا وليس زاوية اشهارية كما ترد من صاحبها . بمعنى انها تجد مهتما بها من القراء ، وبالتالي تدر ربحا على المؤسسة... ثانيا الثبات في موقع العمل الى حين كتابة او اعداد مقال جديد ... وثالثا ان الصورة الذهنية المرسومة للشخص او للمجموعة او للمجتمع المتحدث عنه لا يمكن ان تنقلب الى عكسها الى حين كتابة الموضوع ، بل فقط يمكن ان تتضخم وهي دوما في المسار الذي هي فيه . هذا فيما يتعلق بالصحفي اما بالنسبة للمؤسسة كمؤسسة اقتصادية ، وللمجتمع المستهلك ، وللدولة الحاضنة للمؤسسة ، فالموضوع لا يتعلق بشرف المهنة ولا يتعلق ايضا بمطابقة المنتوج الاعلامي للواقع المعيش بقدر ما يتعلق بالمردود المادي وباستقرار المؤسسة ، او نموها ، وفي الاخير ان ما هو موجود في دولة الوسيلة الاعلامية ، افضل اشواطا مما يحصل خارج حدودها . وبمعنى آخر ان يشعر المواطن في فرنسا او في ايطاليا بالرضى على النفس لأنه ووضعه ومجتمعه ومؤسساته افضل من غيرها ، وليس من السهل الشك فيها ... بعد هذا هل يمكن ان نقارن اعلامنا باعلامهم ؟ ومجتمعنا بمجتمعهم ؟ في الحقيقة انا لا ادعو ولا استطيع التفكير ابدا في الانغلاق او في رفض الاخر حتى بعد اساءته . ولا يهمني من بعيد او قريب ان كان قد تعلم من الدرس او لا . بقدر ما يهمني ان ابلغ المستوى الذي يرجح انه وصل اليه ... فمن اخطائنا مثلا ان نفتح لهم بيوتنا تحت اطار الكرم والشهامة العربية لانهم لا يفهمون معناها ، وفي اقصى الحالات يرونها فولكلورا . ان لا نمدهم بالمعلومة التي يطلبون عن طيب خاطر وبالمجان فالأسهل ان ينقبوا عنها وان يبذلوا من الجهد والطاقة ما يبذلونه في بلدانهم فان شاءوا ذلك مرحبا ، وان رفضوا فلي سلامة الراس ... اما هم فيشكون فيما نقدم اليهم من مساعدة حتى وان كانت على حسابنا لانهم ببساطة وبسبب من ثقافتهم يعتقدون اننا نتملقهم و نحاول ان لا نفلٌت فرصة لمغالطتهم ، بل ويرون فينا الكائن الاضعف ، والمسكين المستحق للشفقة سواء خبزا او عملا او عدلا او امنا او شهرة بما اننا نلجأ اليهم اذا جعنا ، واذا غمرتنا البطالة ، واذا خسرنا حقوقنا ، واذا لاحقنا امن الدولة ، واذا طمحنا الى العالمية ،،، وللسائل منا ان يسال هل من سبب غير ما ذكرت دفع باي مهاجر من مهاجرينا للاستقرار خارج الوطن ..؟ اقول ان ما تنشره صحيفة او تبثه اذاعة او تلفزة هو عينه ما يعتمل في ذهن الفرنسي ، او الايطالي عنك ، حتى وان صرح امامك بضده وانت تشرب معه قهوة ، او تستوقفه في الطريق لتساله عن مقر في شارع ما ... يقول المثل التونسي ما حك جلدك غير ضفرك . اعتقد ان هذا المثل خلاصة لتجارب لا تحصى ، ويمكن في المقابل ان نستفيد منه في العمل الاعلامي . باعتبار ان القاعدة الاساسية التي يرتكز عليها الاعلام هي الثقافة الوطنية اي اخلاق المجتمع وعاداته . ولا شك ان ثقافتنا هي غير ثقافة الغرب وان زاوية نضرنا للحقيقة هي غير زاوية نضرهم . اذا فالانطلاق من اننا نحن المستهلك ، ونحن المنتج للخبر يجعلنا نراعي انفسنا بدرجة اولى في شكل الحصول عليه وفي شكل تقديمه وفي الصورة التي يخدمنا بها او يخدم بها مصالحنا لا لاننا نعرف ونفهم ما يحدث فينا وبيننا ولكن ايضا للعلاقة التي تربط بيننا وبن الخبر القادم او الذي لم يكتب بعد . ولمزيد من التوضيح يمكن مراجعة ثلاث وعشرين سنة من الاعلام في تونس وكيف كانت الجوقة الاعلامية في السنوات الاولى منها وكيف اضحت في السنوات الاخيرة ... ومن بقي ومن مضى في حال سبيله ... هل المسالة خبر ام تراها شكل تقديمه ، او تتعلق المسألة بالمستهلك ....؟ اقول ان لا احد يمكن ان يقدمنا الى العالم من وسائل الاعلام الاجنبية حتى وان كانت منزٌلة من السماء كما يمكن ان يقدمنا اعلامنا ، ولا احد يمكن ان يحترم حقيقتنا كما يمكن ان يحترمها اعلامنا . اذا فالثقة في الاجنبي لنشر الخبر ليست الا وهما ، والثقة في الاجنبي لاستهلاك الخبر لا يمكن هي الاخرى الا ان تكون وهما حتى وان كان ملاكا من السماء . اخيرا يمكن للمسطرة ان تجعلنا نتفق على طول الصفحة وعرضها ، ولكن صدق وجدية محتواها لا يقربنا منه غير الجهد المبذول فيه . محمد علي الشحيمي روائي وقاص تونسي