عندما تُمنح الحرية إلى الناس في الاختيار والتعبير عن الرأي، فإنهم من دون ترغيب أو ترهيب يختارون الفطرة, هذا ما حدث في انتخابات الربيع العربي في تونس والمغرب ومصر، حيث اختار الناس التحاكم للدين بعد عقود من الفساد والظلم، واستطاعت هذه الانتخابات أن تقلب الخريطة السياسية ليس فقط في هذه الدول السابق ذكرها، بل أيضًا في الشرق الأوسط والعالم, وبات في حكم المؤكد وصول الإسلاميين إلى تصدر المشهد السياسي بنسبة كبيرة في الفترة القادمة، خاصة بعد تزايد شعبيتهم في هذه الدول. فمنذ انطلاق قطار انتخابات الربيع العربي من تونس وفوز حزب النهضة الإسلامي ب 90 مقعدًا، وهو ما يساوي نسبة41 % في انتخابات المجلس التأسيسي , ووصول الإسلاميين أيضا لصدارة الحكم في ليبيا بعد إسقاط القذافي, انطلق القطار سريعًا إلى المغرب، واستطاع حزب العدالة والتنمية الفوز ب 80 مقعدًا في الانتخابات التشريعية المغربية، إلى أن جاءت انتخابات مجلس الشعب المصري، واستطاعت الأحزاب الإسلامية تصدر المشهد بشكل قوي، رغم المخاوف التى كانت تسبق هذه الانتخابات، بسبب أحداث ميدان التحرير وشارع محمد محمود الأخيرة, حيث فاز في المرحلة الأولى من هذه الانتخابات حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، بنسبة لا تقل عن 40 % وأيضًا حزب النور، صاحب المرجعية السلفية، الذي أبهر جميع المراقبين، حيث استطاع في فترة وجيزة الوصول إلى نسبة 20%، وأيضا أحزاب أخرى مثل حزب الوسط، وهو أيضا صاحب مرجعية إسلامية, حيث تجتمع هذه الأحزاب بنسبة65%، وهي نسبة تدل على قوة التيار الإسلامي وتزايد شعبيته, فمع تصدر الإسلاميين لهذا المشهد البديع استطاع قطار التيار الإسلامي دهس "دكتاتورية الأقلية"، وهم العلمانيون والليبرالون، الذين كانوا يسيرون على نفس الفكر القديم للرجال الحزب الوطني المنحل، من محاولات لوضع مبادئ أو تصورات خاصة بهم، ومحاولة الالتفاف على إرادة الشعب التي كانت تميل إلى الفطرة، وهو شيء واضح كالشمس. لا عزاء للعلمانيين أصبح في حكم اليقين اكتساح الإسلاميين في أي انتخابات يدخلونها , نظرًا للذكاء السياسي والاجتماعي النابع من الفطرة السليمة , ووجود قدر كبير من المصداقية لدى المواطن البسيط، فكلما تقدم الإسلام نزل بهؤلاء العلمانيين والليبراليين -أصحاب فصل الدين عن الدولة- الكآبة والحزن، فيزداد القلق والتخبط. فبعد أن تأكد أصحاب هذه الأفكار الهدامة من وصول الإسلاميين إلى الحكم بدء سريعًا استخدام سلاح جديد، وهو سلاح التفريق أو ما يسمى بمبدأ "فرق تسد"، وهو يعتمد على تفريق الخصم صاحب النفوذ الكبير، إلى أقسام متفرقة، لتصبح أقل قوة، لتكون غير متحدة، ويسهل التعامل معها والسيطرة عليها فيما بعد, فمن المنتظر أن يخوض هؤلاء حربًا باسم الدفاع عن الحريات والأقليات، ومحاولة تفريق الإسلاميين إلى إسلامي معتدل وآخر متطرف، وهذا سلفي وهذا صوفي....الخ. فمثلًا في تونس وبعد فوز حزب النهضة الإسلامي بدء العلمانيون والليبراليون في الخروج سريعًا للاعتراض على الدور القوي للقوى الإسلامية بعد الثورة , في محاولة للضغط عليهم باسم الحريات , مما دفع شباب التيار الإسلامي للتظاهر والتأكيد على أهمية الدور الإسلامي، ورفع لافتات تؤيد شرعية الغالبية، وأن تونس إسلامية ليست علمانية، والمطالبة بتطبيق فصل الطلاب والطالبات في الجامعات، والحق في ارتداء النقاب. وأيضًا في مصر أصبح هؤلاء العلمانيون والليبراليون يشكلون شوكة في ظهر استقرار الوطن , وظهر هذا في المطالبة بدستور أولًا، أو قيام مظاهرات، أو حتى ظهور في الفضائيات المشبوهة صاحبة التمويل الخارجي أو حتى الداخلي، ومحالة التأثير على الرأي العام قبل إجراء الانتخابات، في محاولة فاشلة لإيجاد حل لتفادي ظهور الإسلاميين، والحقيقة أن الشعوب العربية عبرت عن إرادتها في الاختيار عندما اختارت التيار الإسلامي بحرية، بعيدًا عن تدخل الطغاة وأصحاب الأفكار "المعوجة"، واستطاعت أن تلقن هؤلاء العلمانيين، أو ما يطلق عليهم "النخبة"، درسًا لن يمحى من ذاكرة هؤلاء، وعن حجمهم الحقيقي داخل المجتمع.