الخبر: انتخب المجلس التأسيسي التونسي المنصف المرزوقي كأول رئيس لتونس بعد الثورة بأغلبية 153 مقابل 49 صوتا بين معترض ورافض للتصويت التعليق : كتبه للمفكرة / شريف عبد العزيز مازالت نفحات الربيع العربي تهب على شعوب المنطقة ومن حولهم من دول العالم حاملة الكثير من العبر والعظات لأولي النهى والأبصار ، عبر تهز العقول والقلوب من روعتها وهولها ، فهذه الثورات في مجموعها عبارة عن سلسلة من السنن الربانية الماضية ، ما هي إلا معجزة ربانية ، خارج نطاق الحسابات المنطقية والنظريات والفرضيات و المعقولية ، ومن أبرز هذه السنن العاملة في الثورات العربية و التي ما زالت تعمل كل يوم في بلادنا ، ولا تخطئها العين البصيرة والقلوب المؤمنة ، سنة الإيتاء والسلب ، والمأخوذة من قوله عز وجل " قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء ....." ( آل عمران 26) فمن يصدق أن نظام طاغوتي عريق مثل نظام زين العابدين في تونس قام على الحديد والنار وتكميم الأفواه وقمع الحريات إلا حرية الفجور يسقط في أقل من شهر ، ومن كان يتصور أن نظام مبارك الفرعوني الذي طبقت شهرته الأفاق في الظلم والفساد والعتو والجبروت والذي كان جهاز أمنه بل قل بطشه يبلغ 1,7مليون شرطي أي أكثر من تعداد سكان عدة دول في المنطقة يسقط في 18 يوما ، ومن كان يحلم بأن يرى مجنون العصر القذافي المعروف بكبريائه وزهوه وصلفه الشديد يقتل مثل هذه القتلة المهينة . أيضا من كان يتصور أن جماعة مضطهدة عانت الويلات والمآسي في سبيل ما تؤمن به وتعتقده مثل جماعة الإخوان المسلمين والتي ظلت لعهود موسومة بالمحظورة ، يعتقل أفرادها بالآلاف وينكل بهم في السجون بين قتيل وفقيد ومشرد ، تصبح الآن متصدرة المشهد السياسي في المنطقة بأسرها وتمسك بزمام الانتخابات في مصر وتونس والمغرب والبقية تأتي ، وتصبح كلمتها نافذة وودها مطلوب ، فأمريكا والاتحاد الأوروبي توفد مسئوليها الواحد تلو الآخر لفتح قنوات مع هذه الجماعة التي طالما ما كان الطغاة مثل مبارك وبن علي يخوفون العالم من وصولهم للمجالس النيابية والتشريعية . ومن كان يصدق أن التيار السلفي المضطهد أشد الاضطهاد لعهود طوال ، تملأ أخباره الأسماع والأبصار و أحزابهم السياسية الوليدة مثل النور وغيره تحقق هذه النتائج المبهرة في الانتخابات المصرية ، ورموز السلفية يدخلون الجامعات وتفتح لهم القاعات لإلقاء الدروس والمحاضرات على الطلبة ، وتستضيفهم الفضائيات و تتهافت عليهم البرامج والقنوات ، بعد أن كانت أخبار مطموسة ولا يذكرون في وسائل الإعلام إلا في صفحات الحوادث والجرائم وبكل نقيصة ومثلبة وسخرية ، ويتندر عليهم في وسائل الإعلام من لحاهم ولباسهم ونقاب نسائهم . ومن كان يتصور شخص مثل عبود الزمر الذي ظل في السجن لأكثر من ثلاثين سنة ويوصف بأنه أخطر معتقل سياسي في مصر وارتبط اسمه في أذهان الجميع بالإرهاب واغتيال السادات يخرج إلى النور والحرية ويصبح عنصرا فاعلا في المشهد السياسي المصري الآن ، ومن كان يظن أن كمال الجنزوري رئيس الوزراء المصري الأشهر والذي تعرض لتحديد إقامته في شقته المتواضعة ( 70 متر ) لأكثر من عشر سنوات عانى خلالها الإهمال وضيق الرزق حتى اضطر لبيع بيته لتزويج أولاده ، ومنع من لقاء الناس والتحدث إليهم وحتى منع من شهود الجنازات ، إذا به يعود للأضواء والشهرة والمجد والرئاسة مرة أخرى . ومن كان يظن أن راشد الغنوشي الزعيم التونسي الذي أجبر على الخروج من تونس منذ أواخر الثمانينيات لاجئا إلى فرنسا ويتنقل بين الدول ويغير مكانه كل عدة شهور خوفا من الاغتيال والملاحقة ، من كان يظن أنه يعود إلى تونس مرة أخرى ليقود حزبه لانتصار كبير في الانتخابات يبرهن به على أن الأفكار الخلاقة والرائدة باقية وإن ذهب أصحابها وطوردوا في كل مكان واليوم ضربت هذه السنة بسهم جديد في فؤاد المكذبين والمعاندين لشرع الله والمكذبين بآياته وسننه في خلقه وكونه سبحانه وتعالى ، وها هو منصف المرزوقي المعارض التونسي الشهير والذي لا ينتمي لأي تيار إسلامي ، بل بالعكس فهو يساري قومي ولكنه شريف ومناضل وصاحب قضية ، نفاه زين العابدين عن تونس منذ سنوات طويلة واضطر المنصف لئن يقيم في فرنسا لاجئا ولكنه غير ساكت ولا هياب ، مواصلا لمعارضته ، ثابتا على مبدأه ، فجرت عليه وعلى من نفاه السنن وتبدلت الأدوار ، فأصبح المنفي رئيسا ، وأصبح الرئيس منفيا ، أصبح المنصف في قصر الرئاسة في قرطاج ، وأصبح زين العابدين في قصر النفي في جدة ، حيث النسيان وإلى مزبلة التاريخ ، وكما سبقت تونس دول المنطقة بثورتها المجيدة ، سبقت دول العالم العربي كله بأن أصبحت أول دولة عربية معاصرة تختار رئيسها بنفسها وبإرادة شعبها الحر الأبي دون إملاءات أو ضغوط خارجية أو داخلية ، والعجيب أن المنصف قد استهل خطبته الرئاسية الأولي بدموع ذرفها من هول المشهد ومن رائع ما أدت إليه الثورة التونسية المجيدة ، ونحن نقول له : يا منصف لا تبك إنها بكل بساطة السنن .