أما آن الأوان لقناتنا التلفزية الوطنية التي ننفق عليها من أموالنا، أن تَكُفَّ عن دقِّ طبول الفتنة، وتشنيف مسامعنا بزرع بوادرها في صفوف حزب المؤتمر بتهويل خلافات قياديه حول تحالفها مع حزب النهضة، وتضخيم الخلافات الحاصلة داخل حزب التكتل ونسبة سببها كذلك لحركة النهضة، في حين تحاول هذه الأحزاب الثلاث في إطار التوافق، النُّهوض بسياسات البلد اجتماعيا و اقتصاديا وسياسيا، لإخراجها من عنق الزجاجة، وممّا تردَّت فيه من أوضاع اقتصادية متعفنة وذات خطورة كبيرة، خلّفها لنا نظام عهد الفساد والاستبداد وتداعيات الثورة، وقد قطعت في سبيل البناء للعمل السياسي التَّوافقي أشْوَاطًا لابأس بها، فقد أسّست لمنظومة عمل ديمقراطي في إطار القانون المؤقت والمنظّم للسّلط الذي تمّت المصادقة عليه من طرف المجلس التأسيسي بعد مناقشات مستفيضة في إطار اللَّجنة المُكَلَّفة بصيَّاغة القانون، وفي إطار المجلس التَّأْسِيسِيُّ، وقد أَبْدَى نُوَّاب مَا يُسَمَّى "بالترويكا"(النهضة والمؤتمر والتّكتُّل) مرونة كبيرة، وتجاوبا منقطع النظير إزاء أراء الأقلية المعارضة، لم تعرف بلادنا من قبل له نظيرا، رغم ما طغى على الكثير من تدخُّلات نُوَّاب هذه الأقليَّة من استفْزازاتٍ غَلَبَ على جُلِّهَا التَشَنُّجِ، و تجريح الأشْخاص والهَيْئَاتِ،وأفرزت لنا في الأخير ثلاثةُ رئاساتٍ شَرْعِيَّةٍ، ولم تبدى هذه القناة أَيَّةُ مُرُونَةٍ في التجاوب مع المشاهد التي قدَّمَتْها للمشاهد من المجلس مباشرة، لِتُبَيِّنَ التَّغَيُّرَ الحاصل في المشهد السياسي الديمقراطي، بإبراز تلك الرُّوح الريَّاضية العاليَّة التي تحلّى بها نوّاب الأحزاب المتحالفة في كلِّ مراحل المناقشات، وإبراز أهميّة التوافق في هذه المرحلة الانتقالية الحساسة والمصيرية بين أحزابنا مهما اختلفوا، وإشاعة قيمة التَّعاون بين أفراد شعبنا التي بفضلها تحقق النَّصْرُ لَنَا ، بل ذهبت في الاتجاه المعاكس، تفسح المجال لأصحاب الآراء المتطرفة، للتَّهَكُّمِ على مَنْ أخْتَارَهُمْ شعبنا في انتخابات شهد القَاصِي والدَّاني بنزاهتها، والدَّعوة إلى الانقلاب على خياراتها، وراحت تُصَوِّرُ حركة النهضة على أنَّها غُولٌ، نزل علينا من كوكب آخر، لينغّص علينا حياتنا، ويبعث الهلع والخوف في نفوسنا،بل راحت تُصَوِّرُ شعبنا على أَنَّهُ مازال غير قادر على الخِيَّارِ الحُرِّ والمسئول، تُذَكِّرُنَا بما كان يصف المخلوع بالأمس القريب به شعبنا بقلَّة النُّضْجِ، وكَأَنَّ لسان حالها يقول مع الشابي مخاطبا شعب تونس: " أيها الشعب إِنَّكَ طفل صغير لاعب بالتُّرَابِ واللَّيْلُ مُغْشِ" ولكن نَرُدُّ عليها بما رَدَّ به الشاعر أحمد اللّغماني على الشاعر الكبير أبي القاسم الشابي إنّ شعبنا لم يعد ذلك الطفل الذي بالترب يلعب فهو بالنار يلعب : أَبَا القَاسِمِ الْحَبِيبِ الْمُعَنَّى إِلَيَّ فَإنَّ الشَّعْبَ قَدْ صَحَا وَتَأَهَّبْ لَمْ يَعُدْ ذَلِكَ الصَبِيُّ الّذِى بِالتُّرْبِ يَلْعَبْ فَهْوَ بِالنَّارِ يَلْعَبْ