وزارة الأسرة: معاينة ممارسات مخالفة للقانون في بعض التظاهرات الاحتفالية ببعض مؤسسات الطفولة    رياح قوية الليلة وغدا بهذه المناطق..    وفاة المخرج محمد أمين الزيادي..#خبر_عاجل    المخرج التونسي الشاب محمد أمين الزيادي في ذمة الله    إحالة اللاعب أصيل النملي على لجنة التأديب والانضباط    في منتدى السي 0س 0س الغد …النادي وضع القدم الأولى على خارطة الطريق.    ولاية تونس في المرتبة الأولى من حيث عدد حوادث المرور    للحد من ظاهرة الغش في الامتحانات: وزارة التربية تمنع ارتداء الكوفية الفلسطينية    وزيرة التربية: لايمكن الحديث عن لوحات رقمية والمدارس تفتقر لمياه الشرب    انجاز مآوي ذات طوابق بتونس العاصمة: مشروع مكبل منذ عشر سنوات    شركة اللحوم تشرع في بيع أضاحي العيد بداية من 8 جوان الجاري    كوريا الشمالية تُهدي جارتها الجنوبية 600 بالون نفايات    بنزرت: وفاة اب غرقا في شاطئ سيدي سالم وإنقاذ طفليه الصغيرين    حسان غنّاي رئيسا للمجلس الجهوي بصفاقس    قربة: وفاة تلميذ ال13 سنة غرقا    متى تبدأ ليلة وقفة عرفة؟...وموعد صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    هذه الدولة تعتمد أول لقاح للسرطان في العالم    بعد زيارة الصين: رئيس الدولة يعود الى تونس..    خلال زيارته المكتبة الكبرى لشركة "هواوي": رئيس الجمهورية يهدي المكتبة مؤلفات تونسية (صور)    أخبار الأولمبي الباجي: مباراة بلا رهان وبن يونس يلعب ورقة الشبان    في الصّميم :خوفا على ناجي الجويني    أفضل الخطوط الجوية لسنة 2024    هزّة أرضية في المغرب    أحمدي نجاد يعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية في إيران    طقس مغيم مع امطار صباح الاحد    النادي الصفاقسي يطلق منتدى للتشاور مع احبائه ومسؤوليه السابقين    ايقاف 22 محتجا خلال تظاهرة داعمة للفلسطينيين في متحف بنيويورك    مدير عام منظمة الصحة العالمية.. الجائحة التالية ليست سوى مسألة وقت    أخبار المال والأعمال    انقسامات داخلية حادة تهز الاحتلال حول خطة بايدن لإنهاء الحرب    برنامج الغذاء من أجل التقدم 110 مليون دينار لدعم إنتاج التمور في تونس    العجز المسجل في الاموال الذاتية لشركة الفولاذ بلغ قرابة 339 مليون دينار خلال 2022..    علوش العيد .. أسواق الشمال الغربي «رحمة» للتونسيين    عادل خضر نائب لأمين اتحاد الأدباء العرب    أمطار الليلة بهذه المناطق..    تحذير طبي: الوشم يعزز فرص الإصابة ب''سرطان خطير''    وزارة الداخلية :بلاغ مروري بمناسبة دربي العاصمة بين النادي الافريقي والترجي الرياضي    إستقرار نسبة الفائدة عند 7.97% للشهر الثاني على التوالي    محرزية الطويل تكشف أسباب إعتزالها الفنّ    قرعة التناوب على عضوية المجالس الجهوية والتداول على رئاسة المجالس المحلية و الجهوية بولاية صفاقس    عاجل/ الهلال الأحمر يكشف حجم المساعدات المالية لغزة وتفاصيل صرفها    بداية من اليوم: اعتماد تسعيرة موحّدة لبيع لحوم الضأن المحلية    عاجل/ الإحتفاظ بشخص يهرّب المهاجرين الأفارقة من الكاف الى العاصمة    غدا : التونسيون في إنتظار دربي العاصمة فلمن سيكون التتويج ؟    تجربة أول لقاح للسرطان في العالم    أنس جابر معربة عن حزنها: الحرب في غزة غير عادلة.. والعالم صامت    حريق ضخم جنوب الجزائر    وزير الصحة : ضرورة دعم العمل المشترك لمكافحة آفة التدخين    اتحاد الفلاحة: هذه اسعار الأضاحي.. وما يتم تداوله مبالغ فيه    قتلى في موجة حر شديدة تضرب الهند    من الواقع .. حكاية زوجة عذراء !    غمزة فنية ..الفنان التونسي مغلوب على أمره !    أول تعليق من نيللي كريم بعد الانفصال عن هشام عاشور    البرلمان : جلسة إستماع حول مقترح قانون الفنان و المهن الفنية    الشايبي يُشرف على افتتاح موسم الأنشطة الدّينية بمقام سيدي بالحسن الشّاذلي    الدخول إلى المتاحف والمواقع الأثرية والتاريخية مجانا يوم الأحد 2 جوان    من أبرز سمات المجتمع المسلم .. التكافل الاجتماعي في الأعياد والمناسبات    مواطن التيسير في أداء مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العِلمَانيُّون و دَورُ النّائِحَة المُستَأجَرَةِ
نشر في الحوار نت يوم 21 - 12 - 2011

عُرف في الأزمنة الغابرة أنَّ بعض القبائلِ العربيةِ كانت عندما تفتقدُ أحدَ ذَوِيهَا و ليس لهذا الأخير من بَوَاكِي، أو كان ذا سَطوةٍ وجاهٍ وَجبَ إبْرَازُهُما عِندَ فَقْدِهِ، استأجرتْ امرأةً تبكِيهِ وتُعَدِّدُ مَناقِبَهُ، و لا تدّخرُ هذه النائحةُ جهدًا في زيادةِ النَّكَدِ و الغَمِّ على مُسْتأْجِريها، خاصةً إذا كان الأجرُ المُتَوَقعُ مُجْزِيًا0
و كان همُّ كل نائحةٍ أنْ تستيقظ كلَّ صباحٍ فتجدَ القومَ قد نُكِبُوا في أحدهم، لمَ لا، وهي تقتاتُ على مصائِبِ الآخرين و هُمُومِهِم0
فَعلَ الزمنُ فعلَهُ في النَّاسِ، فتلاشَتْ تلك العاداتُ الشَّنِيعَةُ، و لم يعدْ لها أثرٌ إلاَّ في بعضِ البوَادي التي غَلبَ على أهلِها الجهلُ و الأميّةُ اللّذان إن حَلاَّ بِأمّةٍ، فَتَكَا بها و سَلَبَاها كلَّ دِفاعَاتِها0
و لئن اندثرت مثلُ تلك الجهالات أو تكاد، إلا أن ما يُشبِهُها برزَ من جديد و أخذ يتَمظْهَرُ في ثوبٍ آخرَ، و يُلبسُ أهلها لَبوسَ المدنيّةِ و التحضّرِ، ادِّعاءًا0
و كان المستعمرُ الذي وطئ أرضنا و استَباحَ كلَّ شيءٍ فِيها و عَلَيها، لا يفتأُ يَبكِي على ما حلَّ بنا نتيجةً لثقافتنا المتخلفةِ بزَعْمِه، فسخَّر لأجلِ ذلك دَهَاقِنَةَ الفِكْرِ و كَهَنُوتَهُ يَبْكُونَ مَا أَهَمّنا0
و لمّا لم يكُن لَهُم ما أرَادُوا، و بدَأت بَوادِرُ التَّخَلُّصِ منهم تأخذ طريقها إلى النفوس الأبِيَّةِ التِي اسْتَفَاقَتْ مِن غَفوتها و اسْتَرجَعَتْ بعضًا من عناصر شخصيتها(1) قَيّضوا لهذه الأمة نُوّابا عنهم، يتكلمون لغتَها و يَنْتحِلُون بعضًا من صِفاتِها، و استأجروهم ليقوموا مقامهم فيواصلوا ما بدؤوه من نحيبٍ بل و تخْرِيبٍ0
بدأ عُواءُ هؤلاءِ مع فجرِ ما اصْطُلِحَ على تَسْمِيَتِه بِالإستقلال عن الغُزَاةِ، و كان أوّلُ مُصَابِهِم الجَلَلُ فقدان وليُّ نِعمتهم، فوجب البكاءُ عليه و على ما حَمَلَ معه من ثقافةٍ هيَ البديلُ لما نكتنزُه و نعتنقُه و الذي يعتقدونه، زُورًا و بُهتانًا، سببًا في ما نُعانِيه من تَخَلُّفٍ و انحِطاطٍ0
و كانت أولى تعبيراتُ هذا البديلِ المُسْتأجَرِ الذي عانَى و لا يزالُ من عُقدةِ الدُّونيَّةِ، الاسْتِبْقَاءُ على أكثر من ذِكْرَى لِمسْتَأجِرِه، من ذلك إطلاقُ أسماءَ لها صِلةٌ بالمفقودِ على أهمِّ دُروبِ المُدنِ الكُبرى (2)، و ذلك لترويض الناس على قبولِ العدوِّ، فالعادةُ سبيلٌ إلى الإستِئاسِ و التَّسليمِ0
و كأن غَرْناطةَ أو المِرْيَةَ أو الحَمْراءَ أو بغْدادَ أو دِمَشْق أو غيرها من حواضِر الإسلام المتألِّقةِ في شتَّى فُنونِ المعْرفةِ، و التي لها الفضلُ على العَالَمين على مرِّ الدُّهُورِ، لا يمكنُها أن تَتبوَّأَ منْزِلَةَ مُدِنِ أَسْيَادهم منَ الفِرنْجَة 0
لم يتوقّف الأمرُ عندَ هذا فَحَسْبُ، بل تعدَّاهُ إلى ما هو أَنْكَى، فاسْتُدْعِيَتْ رموزُ الاستعمار إلى بيوت بعضهم و مكاتب عملهم، فبلغ الخطبُ أَعْلَى قيادات الدولة (3) 0
تواصل الاتكاءُ على الرمزيَّةِ التي لا تخلُو من أبْعادٍ، الهدَفُ الأساسُ منها الاستبقاءُ على التَّبعيِّةِ و الروحِ الانهزامية، فحملَتِ اللِّواءَ نائحاتٌ أُخْرَياتٌ، و لكن هذه المرَّةُ على شاكلةٍ أشدُّ ضراوةً، فكانَ البكاءُ حينئذٍ على الأنثى التي لا تُجاري شقيقاتها الإفرنجيات في التحرًّر التامِّ مِن رِبْقةِ القِيَمِ الأخلاقيَّةِ و الأسريَّةِ، فحُورِبتْ الأُبوَةُ (4) و القَوَامَةُ بدعْوَى ارتهانُ المرأةِ في كلِّ شؤونها للرجل، و لا يَعدُو أن يكون هذا الأخيرُ، الزوجُ أو الأبُ أو الأخ، فكان الكتابُ المدرسيُّ الوِعاءُ الأمثل لكُلّ تِلكَ السمُومِ و غيرها كثيرٌ0 وفي ذلك حربٌ بأتمّ معنى الكلمةِ و نيابةً عن المستأجرِ على اللَّبِنةِ و الركيزة الأولى للمجتمع0
و من هنا يأتي التهدِيدُ الاجتماعيُّ و الخرابُ القيَمِي، و قدْ حصلَ الشَّيءٌ الكثيرُ من هذا و ذاك، بِكُلِّ أسَفٍ و حزن شديدَين (5)0
و لما استفَاقَ الناسُ من غَفوَتِهم و تحرّرُوا، و بَدَأُوا يصْطَلِحُون معَ هويَّتِهم و تاريخِهِم و طفِقُوا يَنزَعُونَ عنهم رُكامَ الاستِبْدادِ، اشتدّ نحيبُ النَّائحَةِ خَوفًا من أن تُصادَرَ حُريَّةُ الحَرَائرِ الجِنْسيةِ و المَبيتُ خارج الأسوار العائليَّةِ، و تعودَ سطوةُ الثقافةِ الظَّلامِيَّة (6) فتَطْمسَ على وُجُوهِهِم و على وجُوهِ مُسْتأجِريهِم 0
لكن النُّوَاحَ هذه المرة سَيُودِي بِالنَّائِحَةِ، و لن تَجدَ من يبْكي فقْدَها هيَ الأُخرى0
فَلَبِئْسَ الأَجيرُ و لَبِئْسَ ما يَمْتَهِنُ0
(1): من أهمها العودة إلى منابع الإسلام الأولى و استعادة مآثره0
(2): مثال ذلك، أهمُّ شَارِعَينِ بقلب العاصمة التونسية تَسَمَّيَا بفرنسا و عاصِمَتها0
(3): كانت صور مُنْدَاسْ فرَانْسْ ، أحدُ رُموزِ الاستعمار الفرنسي، لا تغادِرُ مكتبَ بورقيبة، الرئيس التونسي الأسبق0
(4): سلطةُ الأبِ كقيِّمٍ على الأسرة و ما تعلّقَ بالولاية كركن من أركان عقدِ الزواج0
(5): من ذلك، عقُوقٌ و زواجٌ خارجَ الأُطُرِ الشَّرْعيَّةِ و الاجتماعية0
(6): صِفَةٌ يَصِفُ بها العلمانيون كل ما له صلة من قريب أو بعيدٍ بالإسلام و أهله، و هي صفةٌ مستعارَةٌ من تاريخ الثقافة الغربيةِ التي و صفت حقبة القرون الوسطى بعصور الظلام نظرا لما كانت تعانيه من تخلف مطبق مقارنة بالحضارة العربية الإسلامية التي كانت تعيش أزهى أيامها0
بقلم لطفي صالح الهمامي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.