إلى كل من كان يَلفُ عُنُقَه بالوِشَاح البنفسجي مرة و الأحمر مرة أخرى ويركض من شُعبة لأخرى ومن مؤتمر مناشدة لأخر ، ويتقدم الصورة فرحًا ليُعلن الحب و الولاء ويُعرب عن تدثره بجلباب صانع التغير وليُ النعمة0 أقول لكل هؤلاء نحن نحترم كُلَ فِكر إلا أننا نحتقر الإنتهازية 0 كم كنت أتمنى أن يكون لهؤلاء نصيبا من الشجاعة الأدبية ويذكرو ولي نعمتهم بكلمة خير أو يعترفو بما إرتكبت أيديهم 0 وها هم اليوم يُغيرون ألوانهم كالحرباء ويتدثرون جلود الثعابين ويتشدقون بالديمقرطية والدولة المَدنية 0 هم يعرفون أنفسهم كما يعرفهم الشعب جيدا 0 أقول لهم كفاكم ركوباً على الثورة أقول لهم إخْرسو وإرحلو 0 فعلا الإنتهازية لا تخْجَل 0 بعد الثورة المجيدة وتحرر البلاد و العباد أُزِيلتْ كل الكممات من على الأفواه 0 فخرجت منابرٌ وأصوا ت مأجورة، أغلبها من بقايا النظام السابق والمروجين لأجندات أجنبية هدفها ضرب الهوية العربية الإسلامية لتونس0 وأكثر الأصوات أبواقا هم من بقايا النظام السابق 0 وأكثر هذه الأبواق صياحا قنوات عديدة على رأسها قناتي حنبعل و نسمة0 في تونس كل وسائل الإعلام، السمعية و البصرية، تحت سيطرة مجموعات إنتهازية متمكنة من السلطة ومُمولة من أطراف أجنبية وبقايا النظام السابق فقناة نَسمة مملوكة لمتفرنس تونسي بشراكة رئيس الوزراء الإيطالي برلوسكوني ، و قناة حنبعل تتبع أزلام النظام البائد، و التلفزة الوطنية مازالت كماهي تونس 7 في المضمون والوطنية في الشكل0 أما الإذاعات، فإن موزاييك آف آم و شمش آف آم مملوكتان لعائلة بن علي و ذات توجه فرنكفوني0 و ما يسمى بالإذاعات الوطنية والجهوية التابعة لمؤسسة الإذاعة و التلفزة التونسية كلها آحادية التوجه0 المتابع لهذه المحطات يجد نفسه أمام سيل جارف من البرامج الرديئة ، هدفهاالتميع والتهميش والإنغماس في المادية لتبليد الفكر وقتله ليصبح مجرد وعاء يستوعب كل السموم0 ولينصرف المواطن عن قضيته الآساسية وهي المشاركة الفعالة في بناء النظم السياسي للدولة0 و الحقيقة المُؤلِمة لنا جميعًا هو أن غالبية الشعب العربي في تونس لا يَقراء0وأن الكتاب عموما لا يجد مكانا في أغلب البيوت، بينما تَغزو الصورة أي التلفاز كل البيوت0 ويَسود جو من الكسلِ و الخُمول حتى في الأوساط المتعلمة؛ ولا نتصفح كتابا غير الكتاب الأكاديمي المقرر في المنهج الدراسي0وهكذا تنتهي القراءة بإنتهاء سنوات الدراسة0وبما أن القراءة تتطلب التَدبُرَ و التركيز فيسهل الفهم ويَحسُن التحليل ، فيُنتجُ موقفاً0 بحيث يكون القارء مُشاركاً و ليس مجرد متلقى0 وهكذا ما ينفع الناس يمكث فعلا في الأرض0 أما المشاهدة لاتتطلب جُهدا فكري، وبما للصورة من إثارة و تأثيرًا مباشرا على المتلقي دون أي مشاركة منه، يكون هذا المتلقي فَريسة سهلة لمن يدير هذه الأدوات الإعلامية0 فيفقد المتلقي مناعته ويصبح مفعولا به، مرددا ما يُنْفَثُ له من أفكار مسمومة دون أدنى شعور منه 0 وكما قُلنا سابقاً فغالبية الشعب من عَامته و خاصته لا يريدُ عناء القراءة ويكتفي بالصورة و الإستماع0 من هنا وجَدت وسائل الإعلام، الإذاعية و التلفزية خصوصا، نفسها اللاعب الوحيد في ايصال المعلومة والتأثير المباشر على المتلقي0 والمتابع للإعلام المرئي و المسموع في تونس يلاحظ جليا الهجمة المسعورة على الهوية العربية الإسلامية0 و محاولة تشويه الإسلام بشتى الطرق وذلك بترويج مفاهيم مغْلوطة عمدًا 0 مستعملين في ذالك كلمات رنانة مثل الدولة المدَنية و التخضر الى غير ذالك من مصطلحات جميلة،ملوحين مُرعبين الناس بفزاعة الإسلاميين مغالطين الناس بخلطٍ مقصود للمفاهيم0 يحاول هؤلاء الإنتهازيين إقناع الناس بأن الإعتراف بهُوية تونس العربية الإسلامية يخالف بناء الدولة المَدنية 0 وأن تخلف البلاد يكمن في هويتها العربية، وأن الخطر يكمن في الإسلام 0 يتحدثون عن التسامح الديني و التعايش المشترك وكأن في تونس طوائف وديانات متعددة0 ويرددون بأن تونس للمسلم و اليهودي و المسيحي ، بينما لا تتعدى الجالية اليهودية والمسيحية مجتمعة الآلف شخص0ويصورون لنا أقلية ً تدعي العلمانية على أنهم الأغلبية و يُهمِشون الأغلبية الحقيقية فيطرحون المثال الغربي كطوق نجاة متزوقين بشتى أنواع المساحِيق من حقوق الإنسان وحرية المرأة و الديمقرطية و المُواطَنة 0 مُرَدِدين، نريد دولة مدنية،لاإسلامية لا عربية ،،، وبما لهذه المُغالطات من ضّبابية وعدم الدقة، أردت التدخل بالسطور التالية لتوضيح المسألة ورفع الغشاوة عن الأبصار 0 إن فكرة المدَنية هي مقولة سياسية بالأساس،لا تتعارض أبدا مع فكرة الهُوية التي تعتبر فكرة إجتماعية 0 فالدولة يمكن أن تكون مدَنية محافظة على هُويتها معتزة بإنتمائها الحضاري والتاريخي0و الهُوية هي فكرة مرتبطة أساسا بمفهوم الأمة0 أما المدَنية فهي فكرة مرتبطة أساسا بمقولة الدولة0 و المُواطَنة فكرة مرتبطة أساسا بنظام الحكم في الدولة ونقصد بنظام الحكم المنظومة السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية0 إذا الخلط بين الهُوية و المَدنية أو الإدعاء بتنافُرهما كلام مغلوط0 وبالتالي القول بدولة عربية إسلامية مدنية،مقولة سليمة0 وهنا أدعو كل مهتم بمَدنية الدولة الرجوع الى نفائس علماء الإجتماع العرب وخصوصا كتابات العلامة إبن خلدون0 وليعلم الجميع أن العرب المسلمين هم من آقامو دولا مدنية حقيقية عبر التاريخ أنارت الطريق للإنسانية جميعا0 أما إن كان المقصود بالمَدنية لدى هذه الأصوات هو المثال الغربي المعروف بمقولة اللائكية فإن الأمر فيه لغط و خلط كبير0 المثال الغربي المُسوق إلينا بمساحيق المَدنية و المُواطنة و حقوق الإنسان إلي غير ذالك من حقوق أُريد بها باطِل، مثالٌ مغشوش0 فمَدنية الغرب هي في الواقع إستهلاكية0 ومُواطن الغرب هو في الحقيقة مستهلك أو رقم0 و مبادئ الإنسانية وعالمية حقوق الإنسان هي في الواقع نظام العولمة و فرض هيمنة القطب الواحد سعياً لفرض أُطروحات ما يعرف بعَبدت المال0 هنا أقول وبكل وضوح لايوجد بدول الغرب مجتمعات مُواطنيين وإنما يوجد قُطعان من المستهلكيين يحملون أرقاما لا أسماءً0 فعلى أي دولة مَدنية تتحدثون ؟ أقول لهم شعبنا العربي في تونس يريد دولة تعتز بالإنتماء للعروبة والإسلام تحترم الإنسان مهما كان لونه ولا تتعامل معه كمستهلك0 دولة يكون فيها آلمواطن إنسان لا مجرد رقم يَستهلك أوصوت ينحصر في صندوق الإنتخابات0 دولة تحترم الإنسان المبدع ، دولة العمل والحرية، دولة العدالة الإجتماعية0 دولة لا تتعامل مع الإنسان وخصوصا الآخر على أساس المصلحة والمنفعة وإنما على أساس مبادئ إحترام آدمية الإنسان0 أي تجعل من المواطن إنسان ومن الإنسان مواطن0 هذه هي قيمنا العربية الإسلامية الحقيقية وليس النهج المادي ذا التوجه الصهيوني0 إذًا علينا جَميعًا أبناء الحركة القومية و الحركة الإسلامية و الوطنيين الأحرار العمل الميداني الفاعل الملتحم بالناس وعدم الإكتفاء بالمؤتمرات النُخبوية0كما أدعو لبعث وسائل إعلام مرئية و مسموعة تدخل بيوت كل الناس لفضح مجموعات المرتزقة الإنتهازيين أعداء الوطن وطرح البديل الحقيقي للنهوض بالوطن وصيانة هويتنا العربية الإسلامية0 سعيد لهيذب / محامي و حقوقي تونسي مقيم بكندا