البوسنة في الذكرى 14 لتوقيع اتفاقية دايتون .. محاضر الراهن ومرايا المستقبل الرئيس الكرواتي ميسيتش : لا يمكن أبدا قطع جزء من البوسنة تحت أي ذريعة كانت ، وفي أي ظروف سراييفو : عبدالباقي خليفة في هذا اليوم 21 نوفمبر يكون قد مر على توقيع اتفاقية دايتون التي أوقفت الحرب في البوسنة 14 سنة . ورغم مرورهذا الوقت الطويل وانتهاء القتال ، لا يزال الجدل محتدما حول هذه الاتفاقية وسبل تطويرها منذ عقد ونصف تقريبا . فلا يزال الصرب يرفضون أي تغيير على اتفاقية دايتون ، وفي نفس الوقت يعملون على تقويضها من خلال محاولة وضع أيديهم على ممتلكات الدولة . وخلال الاجتماعات التي تمت في 9 و10 و20 و21 أكتوبر الماضي وبداية نوفمبر الجاري ، رفض الصرب جملة وتفصيلا ، أي تغييرات على اتفاقية دايتون ، كانتخاب رئيس واحد للبلاد عن طريق البرلمان . وإعطاء صلاحيات واسعة لرئيس الوزراء . في حين طالب الكروات بتطبيق النموذج اللبناني ، أي أن يكون الرئيس من طائفة ، ورئيس الوزراء من طائفة ثانية ، ورئيس البرلمان من طائفة ثالثة . وهو ما يرفضه عضو مجلس الرئاسة البوسني ، ورئيس حزب " من أجل البوسنة " الدكتور حارث سيلاجيتش ، الذي يدعو لإقامة دولة مواطنين وليس دولة طوائف .وعلى الجانب البوشناقي أيضا أعلن رئيس "حزب العمل الديمقراطي " سليمان تيهيتش أن حزبه " يقبل جميع المقترحات الأوروأميركية " وأنها "لا تمثل أي خسارة لكل من البوشناق والصرب والكروات " كما إنها " تمثل نقلة مهمة على صعيد الاصلاحات المطلوبة في البوسنة من أجل الانضمام للشراكة الأوروأطلسية " . بينما يرى مؤسس حزب "من أجل البوسنة " وعضو مجلس الرئاسة البوسني ، الدكتور حارث سيلاجيتش ، أن "المقترحات الأورو أميركية ، لا تحقق الحد الأدنى لبناء دولة طبيعية " وبالتالي فهو يرفض هذه المقترحات . ووفقا للخطة المعروضة ، تقام في البوسنة دولة يتمتع فيها رئيس الوزراء بصلاحيات واسعة ، كما يتم انتخاب رئيس واحد من قبل البرلمان ، يتمتع بحرية استخدام صلاحياته ، مع نائبين له من الطائفتين الأخريتين . وكان كروات البوسنة قد عرضوا اعتماد النموذج اللبناني ، أي يكون الرئيس من طائفة ، ورئيس الوزراء من طائفة ثانية ، ورئيس البرلمان من الطائفة الثالثة . وهو ما يرفضه ، الدكتور حارث سيلاجيتش ، الذي يدعو لدولة ديمقراطية تعتمد على المواطنة وليس المحاصصة الطائفية . سياسة غير واضحة : " عبدالباقي خليفة " استطلع آراء عدد من المثقفين والكتاب والمحللين والسياسيين البوسنيين ، وغيرهم ، حول الحراك السياسي القائم في البوسنة في الذكرى 14 لتوقيع اتفاقية ودايتون . وقال الكاتب الصحفي أنس دجونوزوفيتش " أن " السياسة الدولية حيال البوسنة غير واضحة ، ومن لهم تأثير لا يعرفون بالتحديد ما الذي يجب أن تكون عليه البوسنة ". ويقارن وضع السياسة الدولية بما كانت عليه أثناء الحرب " يبحثون عن مصالحهم دون اعتبار للدماء التي كانت تسيل ، واليوم لا يزالون يبحثون عن مصالحهم بقطع النظرعن التهديدات التي تتعرض لها البوسنة ، وعكس ما يروج له، هناك خلافات بين الولاياتالمتحدة ، والاتحاد الاوروبي فيما يتعلق بالبوسنة ، ففي حوار بث على التلفزيون هاجم نائب سكرتير البيت الأبيض جيمس شتاينبيرغ ، الاتحاد الاوروبي ، وليس وزير خارجية السويد ، كارل بيلت ، فحسب ، فمعروف أن موقف بيلت كان يصب في صالح الصرب " ووصف الحل الذي قدمه الجانب الأوروأميركي ، بأنه "حل أغضب الجميع بدل أن يرضيهم ، فالبوشناق يطالبون بإلغاء كياني البوسنة لصالح دولة مركزية طبيعية مثل بقية الدول الاقليمية والاوروبية ، والصرب يريدون الاحتفاظ بمكاسب دايتون ولا يريدون رئيسا للوزراء يتمتع بصلاحيات واسعة ، والكروات يريدون كيانا ثالثا ". ووفقا للكاتب الصحفي أنس دجونوزوفيتش فإن صرب البوسنة لا يخفون مطامحهم الانفصالية بناء على الاختلاف الحاصل في الموقف الدولي " رئيس وزراء صرب البوسنة ، قالها في وجه المجتمع الدولي ، بأنه يرفض الحلول المطروحة ، وهناك داخل الدوائر الغربية من يريد انهيار البوسنة " وأشار إلى أن الصرب كانوا ضد اتفاقية دايتون قبل أن يصل دوديك للسلطة " كان الصرب لا يقبلون باتفاقية دايتون ولا يعترفون بها ، ولا يعتبرون البوسنة دولتهم ، وعندما أصبح هناك رغبة لدى الغرب بتطوير اتفاقية دايتون أو ما يسمى دايتون 2 ، تظاهروا بحرصهم على اتفاقية دايتون وعدم موافقتهم على تغييرها ، وقد أجريت استطلاعا حول قدرة المجتمع الدولي في حل المشاكل العالقة على الصعيدين السياسي والاقتصادي وكانت الأغلبية مع أن دايتون لم يحل مشاكل البوسنة " ويعتقد دجونوزوفيتش بأن " جميع الأطراف ستقبل أو يفرض عليها في نهاية المطاف حلا يجعل البوسنة غير معرضة للانهيار ". وعن رؤيته للحل أجاب " كان على البوشناق التوقيع على ما تم عرضه في بوتمير ، لأن الصرب لن يوقعوا ، مما يجعلهم في صدام مع المجتمع الدولي ، ولكن يجب أخذ الضمانات الكافية من المجتمع الدولي على أن الأمر لن يقف عند السقف الذي تم تحديده " وعما إذا كان ذلك سيمثل حلا مؤقتا قال " يمكن المقايضة فلا يمكن الحصول على كل شئ مرة واحدة ، مثلا يمكن القبول بتصويت الكيانين مع تأكيد على أن ممتلكات الدولة غير قابلة للتقسيم بين الكيانين ، وترك التصويت لمرحلة قادمة " . سياسة خذ وطالب : ويؤكد المحلل السياسي أنيس بينيون على أن" السياسة الدولية حيال البوسنة غير واضحة ، فالغربيين لا يعرفون أو لم يقرروا بعد ما الذي يجب أن تكون عليه البوسنة ، وكان الأمر كذلك إبان العدوان على البوسنة " وتابع " هم يبحثون عن مصالحهم ، ولا يوجد موقف واحد تجاه البوسنة في كل من أوربا والولاياتالمتحدة " وحول ما يقال من وجود خلاف بين بروكسلوواشنطن بخصوص الاصلاحات في البوسنة ، أجاب " هذا تبادل للأدوار من وجهة نظري " وأعرب عن تفاؤله رغم تأكيده على أنه سيكون هناك حل في نهاية المطاف . رغم أن الكثير من الأطراف في البوسنة غير راضية على ما طرح من حلول في اجتماعات بوتمير " هناك دوائر تريد تدمير البوسنة ، ليس في بنيالوكا ( البوسنة ) أو بلغراد ( صربيا ) وإنما في الاتحاد الاوروبي ، لا تريد أي تغيير في البوسنة ، أو تريد تغييرات شكلية " وعن الخلافات الدائرة بين الطوائف في البوسنة ، ذكر بينيون أن " البوشناق يريدون إلغاء الكيانين الفيدرالي والصربي لصالح دولة موحدة يكمها رئيس ورئيس وحكومة مركزية . ودولة غير معرضة للانهيار أو التهديد ، والصرب يرفضون أي تغيير ، والكروات يريدون كيانا ثالثا ، أو تقسيم السلطة على الطوائف " . وانتقد الموقف الصربي الذي يلعب على المتناقضات الدولية " الصرب كانوا ضد اتفاقية دايتون ، ولا يعتبرون البوسنة دولتهم ، والآن يرفضون الاصلاحات باسم التمسك باتفاقية دايتون " وأشار إلى إنه عمل استطلاعا حول موقف المجتمع الدولي ، وكانت النتيجة شبه اجماع على أن اتفاقية دايتون لم تحل مشاكل البوسنة " وعن الموقف الذي يجب أن يتبعه السياسيون البوشناق قال " كان علينا التوقيع على ما تم طرحه وترك المجتمع الدولي وجها لوجه مع الصرب " وأضاف " يمكن قبول بعض الأشياء ورفض الأشياء الأخرى مثل قبول حق التصويت والتمسك بالحفاظ على ممتلكات الدولة مع السعي للحصول على تعهد باستمرار الاصلاحات لتحقيق جميع المطالب الضرورية لدولة طبيعية .. كان عليهم التوقيع إلى حين ايجاد حل " . حرب الروس في البوسنة : وأكد الباحث في العلوم السياسية ، أدهم دزدار على أن " هناك 3 سياسات تؤثر على البوسنة ، هي السياسة الأميركية ، والسياسة الاوروبية ، والسياسة الروسية " وأن "الوقت حان لحل مشكلة البلقان حلا جذريا " ويربط دزدار بين البوسنة وكوسوفا ، " لم تكن هناك امكانية لحل المشكلتين في آن واحد ، وهذا يعني أن التحرك الاوروبي الأميركي لحل المشاكل العالقة في البوسنة بشكل نهائي في الذكرى 14 لتوقيع اتفاقية دايتون يخدم المصالح الاميركية والاوروبية " وتابع " من مصلحة الولاياتالمتحدة وأوربا أن تكون كوسوفا مستقلة ، من مصلحتهما أيضا أن تكون البوسنة مستقرة وموحدة وغير معرضة للهزات كما هو حاصل الآن ، لأنه أفضل لأميركا وأوربا التعامل مع بوسنة موحدة من دولة مقسمة بين كيانين ، يسعى أحدهما للانفصال " وعن أسباب البرود الاوروبي حيال البوسنة ، وسعيها للابقاء على الأوضاع كما هي ، وعدم فعاليتها قال " أوربا لديها مشاكلها الخاصة ، وخاصة دول الاتحاد الاوروبي ، فهي لا تستطيع التدخل بشكل ايجابي ، لأنها 27 دولة أي 27 رأيا ، ولكن من الأفضل لها التعامل مع حكومة واحدة " . الدور الروسي كما يقيمه دزدار سلبيا فهي " لديها مصالح في البوسنة وتحديدا المناطق التي يسيطر عليها صرب البوسنة ، والتي تعد بعضها منابع للنفط وتريد أن تمد من خلالها خطين للغاز باتجاه أوربا .. وهناك تدخل سافر في الشؤون البوسنية من خلال صربيا ، فالرئيس الروسي ميدفيد ووزير خارجيته لافروف يجرون مفاوضات مع بلغراد وليس سراييفو حول الاستثمارات في مجال النفط والغاز في البوسنة وتقوم الحكومة الصربية بابلاغ صرب البوسنة بما تم الاتفاق عليه بخصوص البوسنة ، فالصرب لديهم السيطرة على نصف الدولة تقريبا ( 49 في المائة ) فالروس يخوضون حربا في البوسنة من أجل النفط والغاز ". إعادة النظر في الاستراتيجيات : ويقول منسق " مؤسسة نشر الديمقراطية " الأميركية ، كورت باسيونير " حان الوقت لتطبيق الخطة ب في البوسنة ، وإعادة النظر في الاستراتيجية المتبعة منذ عدة سنوات " وأضاف " الأوضاع السياسية متدهورة ، وازدادت مخاوف إنهاء الدولة بالعنف " ويرى باسيونير أن " المجتمع الدولي بدون موقف حازم ، ويتعامل مع المشاكل باستحياء " وعن المحاولات الأخيرة التي بذلت في 9 و10 و20 و21 أكتوبر من قبل مفوض شئون توسيع الاتحاد الاوروبي أولي رين ، ونائب سكرتير البيت الأبيض جيمس شتاينبرغ ، ووزير خارجية السويد ، الرئيسة الحالية للاتحاد الاوروبي ، كارل بيلت ، قال " كان هناك مشروع للاصلاح من أجل تحقيق الاندماج الاوروأطلسي ، ولكن المحاولة فشلت ، بعد رفضها الكثير من الأحزاب ، فرئيس وزراء صرب البوسنة ميلوراد دوديك طالب بحق الانفصال عن البوسنة ، وكروات البوسنة ضد تقسيم البوسنة بين كيانين ، أي يريدون كيانا ثالثا ، والبوشناق يريدون إلغاء تصويت برلمان صرب البوسنة على قرارات الحكومة المركزية ، والتي لها وحدها الحق في التصرف في ممتلكات الدولة ، وبالتالي أضعفت اجتماعات بوتمير الجهود الدولية " وحول الموقف الاوروبي ، أوضح بأن " الاتحاد الاوروبي يعتقد أن البوسنة محمية ما دام مكتب المبعوث الدولي موجودا ، وفق اتفاقية دايتون ، وكان واضحا أن أحد أهداف اجتماعات بوتمير اغلاق مكتب البعثة الدولية ، ولكن دوديك لم يعط شيئا ، مما جعل المشكلة أكبر من اغلاق مكتب البعثة الدولية ، والسؤال هو هل يمكن للبوسنة أن تكون دولة فعالة بدون مكتب البعثة الدولية " . وبخصوص صعوبة المحادثات والمطالب الغربية للاندماج قال " التمويل وحده لم يحقق أي شئ ، سوى السراب ، ولذلك يجب على المجتمع الدولي إعادة النظر في القضية البوسنية ، ومن ذلك أن القوات العسكرية الاوروبية يوفور ومكتب المبعوث الدولي يجب أن يبقيا حتى تحقيق الاصلاحات ، ويجب كذلك إبقاء القضاة والمدعين العامين الدوليين في البوسنة حتى تحقيق الغرض المذكور ، وعلى الحلف الاوروأطلسي أن يبحث الطرق الناجعة للاصلاحات في البوسنة ، أي لا بد من وضع استراتيجية متكاملة طويلة المدى ، ولا يمكن ذلك إلا بدعم حلفاء واشنطن في الاتحاد الاوروبي ، بريطانيا ، والمانيا ، وهولندا وغيرها " . رسالة واضحة : الرئيس الكرواتي ستيبان ميسيتش والذي يعد من عقلاء شرق أوربا والعالم ، طالب في نوفمبر الجاري بوقف التدخل الصربي في الشؤون البوسنية . وأن على حكومة صربيا ، بعث رسالة واضحة لا لبس فيها إلى صرب البوسنة بأن البلاد التي يعيشون فيها ( البوسنة ) هي بيتهم ، وأن سراييفو ، هي عاصمتهم . وقال ميسيتش في حوار مع صحيفة " داناس " الصربية اليومية الصادرة في بلغراد ، يوم 5 نوفمبر 2009 م " البوسنة يجب أن تبقى موحدة ، وذلك في صالح المنطقة ، وفي صالح أوربا أيضا ، وبناء على ذلك لا يمكن أبدا أن يقوم أحد بقطع جزء من البوسنة تحت أي ذريعة كانت ، وفي أي ظروف " وتابع " محاولة قطع أي جزء من البوسنة تحت أي مسمى يهدد الأمن والاستقرار ، ويؤثر بشكل أساسي على مسيرة الاندماج في الشراكة الأوروأطلسية ". وحول ما إذا كان متأكدا بأن بلغراد لها علاقة بما يحدث في البوسنة أجاب " الرئيس الصربي بوريس طاديتش ، وكذلك كبار المسؤولين قالوا إنهم يدعمون أي اتفاق بين الطوائف الثلاث ، كما يدعمون وحدة البوسنة ، ولكن رئيس وزراء صرب البوسنة ميلوراد دوديك ، ليس مستعدا لعقد أي اتفاق ، وهو يسعى للانفصال عن البوسنة " وتابع " في الوقت الذي نشهد فيه محاكمة لمجرمي الحرب ، يواصل ميلوراد دوديك ، مشروعهم تنفيذ مشروعهم في البوسنة " وطالب المجتمع الدولي بالتدخل وبشكل حاسم لوقف التدهور الحاصل في البوسنة " المجتمع الدولي مطالب ومن خلال ممثليه في سراييفو بوقف مشروع تدمير البوسنة " . وحول مطالبة بعض كروات البوسنة بكيان ثالث قال ميسيتش " رئيس وزراء صرب البوسنة ، أحد الذين يسعون لذلك لتسهيل تقسيم البوسنة ، وكنت منذ سنة 1990 أدعو لدولة بوسنية موحدة ، يتمتع فيها جميع المواطنين بحقوق متساوية " وأضاف " أريد القول أن إقامة كيان ثالث للكروات ليس حلا ، ويمكن أن يضاعف الأزمة ، أو يسبب أزمة جديدة "لا يمكن اتهام الدكتور حارث سيلاجيتش بأنه مسؤول عن الأزمة في البوسنة ، لأنه يدعو لتوحيد البوسنة ومركزية السلطة فيها " .