لا للاعتراض عن السير ولا وجهته ولا سرعته. ثم لا للنقد أو تقييم النتائج قبل نهاية التجربة بمراحلها، وأخيرا لا للمحاسبة لأن "اللوم بعد القضاء بدعة" كما يقال. إن لطافة سريان هذه اللاءات عمليا تجعلك تساير الأحباب اللطفين بابتسامة، لأنك تؤمن بأن هم طيبين ذوي نوايا حسنة. عندما قيل للقوم تأنوا وأعطوا لأنفسكم فسحة من الوقت لرصد ودراسة الواقع الجديد بعد الثورة، رأيتهم ينصرفون عنك مسرعين للإبحار في عالم جديد غير معروف الأسرار والخفايا، عالم الحكم. قيل لهم: ثمة ملك يعتبر أن البحر مِلكا خاصا له، وقدرته عجيبة في أخذ كل سفينة غصبا، فلا كثرة المستضعفين العاملين في البحر تخيفه، ولا سعة البحر وامتداده يحولان دون وصوله لأي سفينة مبحرة. فهل مات الملك أيها الأحباب حتى تبحروا مطمئنين غير مبالين. قالوا: إن الملك قد ولى عن بحرنا وأدبر هاربا. قيل لهم: عجبا لكم لقد كنتم أعلم الناس بالملك المستبد، وتقرؤون له حسابا في دراساتكم للواقع الموضوعي في مخططاتكم، وتميزون ببديهة العارف بين الملك المحتل، وبين قادة حرسه. فما خطبكم الآن قد غُيّبت عنكم الفروق واشتبه عليكم الأمر!، فبنَيتم على الوهم مصير الجميع. ثم هل للملك قائدا واحدا يخدمه؟ وهل أن جنوده ضعفاء، متكدسين في مكان واحد، مختصين بمجال واحد؟ وهل أن 130 سنة (منهم 75 سنة استعمار) من التخطيط النظري والعملي للنفوذ وتجنيد قائمين عليه، سينتهي في لحظة واحدة؟ ثم قيل لهم: إذا كانت عقولنا تفترض أن الملك المستحوذ على البحر زمن موسى عليه السلام، يملك أسطولا كبيرا حقق به نفوذه. فهل نستبعد أن يكون لأصحاب النفوذ في إقليمنا أسطولا فوق الماء وآخر تحته، وألغاما، وصواريخ ذكية، وأقمارا صناعية، وغواصين، وقنابل تحدث ضبابا، وأجهزة تشويش....أفلا يَدْعونا كل ذلك إلى قراءة الواقع أكثر من مرة لنحسن الاستعداد لمواجهة الملك المستبد؟ قالوا: يا هذا، لقد نسيت أننا نؤمن بقدرة الله تعالى، وعظيم صنعه، ومتوكلون عليه سبحانه، فهو قاصم الطواغيت والمتجبرين. قيل: آمنا بالله بالواحد الأحد، العظيم، المنتقم، فهو القاهر فوق عباده. وآمنا أن الذي أغرق فرعون وجنوده في البحر لينقذ موسى عليه السلام ومن معه، هو الذي أمر الخضر بخرق السفينة التي عليها نبي الله موسى عليه السلام، حماية للمساكين من الملك الظالم المستبد، فالأول أبيد والثاني بقي إلى حين. لنتعلم من الله سبحانه أن له س ننا جازمة قاصمة لا قدرة للإنسان عليها، وسننا على التراخي، تمتزج فيها إرادة الله تعالى مع إرادة الانسان وفعله، فلا يسأل الإنسان إلا عما هو مأمور به وفي دائرة قدراته. ولو علم موسى عليه السلام بحيثيات الواقع المحيط به لكان مساهما للخضر عليه السلام في خرق السفينة، ولكنه منع من السؤال الذي هو مدخل المعرفة. ألا وإنكم أيها الأحباب قد أبحرتم بسفينتنا لأول مرة في بحر ممارسة السياسة في مجال الحكم، بعد لاءاتكم الصامتة فأصبحت تجري بنا في موج كالجبال، وضباب يخفي عدوا أو لغما، ألا فتذكروا أن مسؤوليتكم التاريخية هذه المرة أعظم من سابقاتها، وأنكم مطالبون بالمحافظة على رأس المال. فكل من أعطى ثقته في المشروع الاسلامي وقدمه على غير ه، وارتاح لمواقفنا وآمن بمبادئنا وقيمنا ووضع يده في يدنا، هو رأس مالنا، نريده أن يكون معنا ونكون معه، نجتهد في المحافظة عليه، كما علمتنا قصة الخضر عليه السلام ضرورة حفظ السفينة ومن عليها. تحية طيبة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته