ببساطة "إسرائيل" تستنفر من أجل تثبيت دعائم حكم الانقلابيين في مصر، وتقطع الليل بالنهار لضمان عدم عودة الإسلاميين للحكم عبر صناديق الاقتراع. هذا ما تدلل عليه الجهود المحمومة التي يبذلها رئيس وزراء "إسرائيل" بنيامين نتنياهو لصالح الانقلابيين، والتي وصلت إلى حد توظيفه علاقات "إسرائيل" الدولية ومصادر نفوذها ووضعها تحت خدمة قادة العسكر. فقد تَجنَّد نتنياهو شخصيًّا للضغط على الإدارة الأمريكية لمنع الرئيس أوباما من اعتبار ما جرى في مصر انقلابًا عسكريًّا على رئيس منتخَب، وذلك حتى لا يتم تبرير قطع المساعدات عن العسكر. وفي الوقت ذاته، تمكن نتنياهو من إقناع إدارة أوباما ليس فقط بمواصلة مستويات الدعم الذي كانت تقدمه لقادة العسكر، بل زيادة هذا الدعم لتثبيت حكمهم. وقد تبين أن التحرك الرسمي الإسرائيلي يأتي نتاج توصيات قدَّمها "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي -الذي يعد أحد أهم مؤسسات التقدير الإستراتيجي الذي تستمع له الحكومات الإسرائيلية- لدوائر صنع القرار في "تل أبيب". وقد نشر "مركز أبحاث الأمن القومي" جملة من التوصيات التي تقدم بها عدد من كبار باحثيه لصناع القرار، ونظرًا لأهمية وخطورة ما جاء في هذه التوصيات التي نشرت على النسخة العبرية لموقع المركز، فإننا نعرض هنا لأهم ما جاء فيها : إن الهدف الرئيس ل"إسرائيل" ليس فقط الحفاظ على علاقات السلام مع مصر في المرحلة المقبلة، بل تعميق هذه العلاقات. ومما لا شك فيه أن المصلحة الإسرائيلية تتطلب تشكيل نظام علماني ليبرالي ذي فاعلية ومسئول، لا تمنعه قيود أيديولوجية من مواجهة الجهات المتطرفة، سواء في مصر كلها أو في سيناء على وجه الخصوص، لكن تحقيق هذا الهدف يوجب على "إسرائيل" القيام بعدة خطوات، منها: 1- تعزيز التعاون مع الجيش المصري، ومواصلة السماح لهذا الجيش بدفع المزيد من القوات في سيناء، حتى لو كان الأمر يتطلب تجاوز عدد القوات المصرية التي نصت عليها اتفاقية "كامب ديفيد"، وذلك لكي يتمكن الجيش المصري من العمل ضد البؤر الجهادية، ولكي يتصدى لعمليات تهريب السلاح عبر سيناء إلى قطاع غزة. ويتوجب على "إسرائيل" مواصلة تعزيز علاقتها وتنسيقها مع قيادة الجيش المصري، وفي الوقت ذاته تحرص على بناء مركبات القوة العسكرية بحيث لا تكون عرضة لمفاجآت في المستقبل. 2- يتوجب على "إسرائيل" أن تبذل جهودًا كبيرة من أجل ضمان تواصل الدعم الأمريكي والغربي والمساعدات التي تقدمها المؤسسات المصرفية العالمية لمصر، وذلك من أجل منع انهيار حكم العسكر اقتصاديًّا، وتقليص البطالة، على اعتبار أن هذه المشاكل يمكن أن تؤدي إلى تدهور الأوضاع الأمنية وبروز جماعات مسلحة في كل حي في كل مدينة مصرية. وعلى دوائر صنع القرار في "تل أبيب" أن تعمل على تشجيع المستثمرين الأجانب على تدشين مشاريع البنى التحتية في مصر من أجل توفير فرص العمل. 3- يجب تشجيع القوى الإقليمية العربية -لاسيما دول الخليج والأردن التي عملت على المس بحكم الإخوان المسلمين لأنها خشيت أن يؤدي نجاح هذا الحكم إلى القضاء على أنظمة الحكم فيها- على مواصلة تقديم المساعدات لحكم العسكر من أجل ضمان نجاح حكمهم. ويتوجب على هذه الدول مواصلة تقديم كل أشكال المساعدة للحكم الجديد في القاهرة، لتمكينه من مواجهة التحديات الكبرى التي يواجهها. يجب على "إسرائيل" عدم استبعاد إمكانية التنسيق بين صناع القرار في "تل أبيب" والدول الخليجية للتشاور حول كيفية مساعدة حكم العسكر، علاوة على أن هذا التنسيق يمكن أن يتطور بشكل يسمح بإيجاد قاعدة للتعاون ضد إيران والمحور الذي تقوده. 4- ليس بإمكان "إسرائيل" تجاهل التأثير الكبير للقوى العلمانية والليبرالية المدنية التي أسهمت في إسقاط مبارك ومرسي. وعلى الرغم من أن هامش المناورة المتاح ل"إسرائيل" في التأثير على الخارطة الحزبية المصرية المدنية محدود، إلا أنه يتوجب على صناع القرار في "تل أبيب" البحث عن قنوات اتصال مع الجهات المسئولة عن تفجير الثورة المصرية، عبر طرح إمكانية الاستعانة بالخبرة الإسرائيلية في حل القضايا الاقتصادية وإدارة حكم سليم، ويمكن لهذه الجهات أن تجد في "إسرائيل" الطرف الذي بإمكانه أن يوظف إمكانياته وعلاقاته في خدمة أهداف هذه الجهات. 5- لقد خدمت التحولات في مصر "إسرائيل" بشكل كبير لأنها مثلت ضربة قوية وإستراتيجية لحركة "حماس"، التي فقدت مرتكزها الأيديولوجي والسياسي الأبرز، وذلك بعد أن فقدت مرتكزها في دمشق وعلاقتها بكل من "حزب الله" وإيران، وفقدت الدعم المالي الإيراني. لقد تحققت فرصة غير مسبوقة تمثلت في حالة العداء غير المسبوقة التي ينظر بها الإعلام المصري للحركة. إن تعاظم هذه التحديات ستدفع الحركة إلى عدم التركيز على تهريب السلاح المتطور لقطاع غزة، لاسيما صواريخ أرض-أرض المتطورة. يتضح مما تقدم أن "إسرائيل" تجد في الانقلاب على مرسي فرصة تاريخية يتوجب اهتبالها حتى النهاية من أجل تحسين بيئتها الإستراتيجية.