نزار مقني قد لا تحمل الإتجاهات السياسية لتل أبيب في حربها الديبلوماسية مع الولاياتالمتحدة لإعداد خطة سلام مع الفلسطينيين، في طياتها إلا محاولة لتلافي سيناريوهات دراماتيكية على الإسرائيليين في وقت أصبح الجدل السياسي على خطوط التماس بين فلسطينالمحتلة وجيرانها -حيث توجد حالات فوران سياسي مربك لتل أبيب من حيث طبيعة تغييراته الإستراتيجية عليها- ميالا إلى اعتبار أن... اتفاقيات السلام الموقعة مع إسرائيل ساقطة وهذا الإنطباع سائد خاصة في الأوساط الديبلوماسية المصرية وهو في طريقه إلى أن يتحول إلى أحد المبادئ الأساسية للديبلوماسية الأردنية، فيما تعتبر سوريا ولبنان جبهة الحرب الأساسية في نظر اللإستراتيجيين الصهاينة. في هذا المضمار كشفت الأركان الحربية الإسرائيلية عن تفاصيل خطة الجيش الإسرائيلي للسنوات الخمس المقبلة «حلميش»، والتي ستحل مكان خطّة «تفن» التي شارفت على الانتهاء» وكانت تحدد استراتيجية «تساهال» العسكرية في الفترة الماضية التي شهدت خلالها عدوانين على جبهتين مختلفتين (حرب تموز 2006 على لبنان والرصاص المصبوب 2009/2008 على غزة). «حلميش» تحدد الحرب وتمثل الخطة النهج الذي تحدد به إسرائيل الخطوط العريضة للتهديدات الإستراتيجية التي تحيطها. من هذه الوجهة ترى قيادة الأركان الإسرائيلية أن تغيير النظام في مصر وفقدان «الكنز الإستراتيجي لإسرائيل» مع إجماع عام من المستويات السياسية والديبلوماسية المصرية على اعتبار «سلام كامب ديفيد» لاغ في ظل الظروف الجديدة التي تمر بها المنطقة، يشكل تهديدا سيؤثر مباشرة على بنية الجيش الإسرائيلي وخاصة الجبهة الجنوبية مع قطاع غزة، في ظل انعدام الثقة مع مصر خاصة وأن الهدوء النسبي الذي كانت سيناء تعيشه في ظل الرئيس السابق حسني مبارك، اصبح منعدما في وقت تقدر فيه المخابرات العسكرية الإسرائيلية أن قدرات الفصائل الفلسطينية تطورت واكتشف الموساد أن طرق إدخال الأسلحة للقطاع تنوعت، إذ أدرك جهاز التنسيق الإستخباري أن الطريق الشمالية المكتشفة حديثا -بعد الكشف عن سفينة فيكتوريا- (طريق إيران تركيا سوريا سيناءغزة) باتت أكبر الطرق للتموين اللوجستي لفصائل المقاومة الفلسطينية، بل ويفوق الطريق الجنوبي (إيران السودان مصر غزة). ورغم هذه التغييرات الكبيرة التي يسردها تقرير الخطة إلا أن الجيش الإسرائيلي يقول أن ذلك لن تنجم عنه أية إحداثات جديدة من حيث اعتبار الجبهة الجنوبية جبهة حرب جديدة خاصة وأن الإتجاه السياسي في مصر يطالب في هذا المستوى بالسعي لإقرار السلام مع الفلسطينيين بدءا برفع الحصار عن غزة، في وقت تسعى إسرائيل إلى ربح الوقت بالضغط ديبلوماسيا من أجل العودة إلى المفاوضات مع الفلسطينيين ولجم طموحاتهم للإعلان عن دولة فلسطينية على حدود 67. وتشكل هذه النتيجة - أي إعلان الدولة الفلسطينية - أحد الأهداف بعيدة المدى بالنسبة للمصريين فيما قد تمثل خطة سلام أخرى قد تطرح دوليا إحدى أبرز الأهداف قصيرة المدى بالنسبة للقيادة المصرية بمجلسها العسكري وجناحها المدني (حكومة عصام شرف)، التي تطمح لاستعادة الإشعاع الإستراتيجي لمصر على مستوى العالم العربي، والذي من شأنه أن يخول لها لعب دور محوري أساسي ويمنحها موقعا مميز افقدته منذ 30 سنة من سنوات سلام الأوهام مع إسرائيل.
«الكهنوت» يريدون عسكرة السياسة
إلا أن وثيقة «حلميش» الإسرائيلية تحدد، ضمن نقاط التحرك الفعلي الذي ستعمل عليه أجهزة الجيش الإسرائيلي، أن التهديدات الأساسية لتل أبيب تبقى للفترة القادمة متمثلة أساسا في إيران يليها حزب الله وسوريا و»حماس» في قطاع غزة، واعتبار الجبهة الشمالية (سوريا وحزب الله) جبهة الحرب الأساسية وهو ما تم إعداد الخطة بناء عليه. هذا المؤشر يوحي بأن القرار الإستراتيجي الإسرائيلي يتجه في تشكيله من الجانب السياسي المدني نحو الجانب العسكري حيث بدأنا نشهد دلالاته منذ نجاح الثورة المصرية في الإيقاع بمبارك، وبداية الهزات الزلزالية التي أخذت تهز عرش بشار الأسد في دمشق، وتلك تعتبر، من منظور الأمن القومي، ضمن الأخطار التي تمس مباشرة بالعمق الداخلي الإسرائيلي، وكذلك ضمن الموجة الدينية المتطرفة التي تحكم المستوى السياسي لحكومة بنيامين نتنياهو والتي تحاول منح الجانب العسكري تفوقا نوعيا على حساب السياسة المدنية، عملا بمقولة أن القوة ستفرض السياسة، لذلك يحرص «الكهنوت» على ضمان أن تكون مراكز القرار العسكري ضمن نطاق السلطة الدينية الحاخامية وليس ضمن اتجاهات الدولة العلمانية التي حكمت إسرائيل منذ 1948 مع قيام حزب العمل اليساري بتأسيس ما يعرف بدولة إسرائيل مع ديفيد بن غوريون، حيث حاول إبعاد الكهنوت من الحياة العسكرية والسياسة. ولعل مثل هذا الإمتداد قد بدأ يلوح جليا في تعيينين اثنين مارست فيهما الحركات الدينية اليهودية المتطرفة والإستيطانية ضغطا كبيرا على نتنياهو، ويتعلق الأمر بكل من يورام كوهين رئيس جهاز المخابرات الداخلية «الشاباك» ويعقوب عميدرور رئيس مجلس الأمن القومي. هذان التعييان يأتيان في وقت قالت صحيفة «معاريف» العبرية أن «القبعات السوداء»-في إشارة إلى المتدينين اليهود- بدأت تلوح على رؤوس قادة الوحدات الميدانية للجيش، وأن عددهم آخذ في الازدياد. ولعل هذا المؤشر يقودنا إلى استنتاجين أساسيين أولهما أن «الكهنوت» الآن بدؤوا في «بلع الكتف» بعد أن أدركوا من أين «تؤكل» أي الضغط على الساسة في اتجاه تنفيذ نبوءات تلمودية تقول بأحقية اليهود في أراضي فلسطين التاريخية والتي يرون أن السلطات السياسية بدأت تحيد عنها ومنها خاصة التفريط بأراضي الضفة الغربيةالمحتلة والجولان وجنوب لبنان في إطار عملية إحلال السلام. أما ثانيهما فيتمثل في الإتجاه إلى عسكرة الحكم في إسرائيل في إشارة إلى أن الحسم في أية تهديدات قادمة قد يكون ضمن طموحات «الكهنوت» الذين يرون في تصاعد موجة التغيير السياسي بالشرق الأوسط خطرا أمام المشروع الصهيوني، وجب مجابهته بالقوة، وهو ما تطرحه الخطة الحربية الجديدة التي قد تمتد على أكثر من خمس سنوات. فهل أن الرد الإسرائيلي على الثورات العربية سيكون في لبنان وسوريا، باعتبار أن إسرائيل تسعى للبحث عن عمق استراتيجي في الشمال بعد أن فقدته في الجنوب؟