ليس من الصائب بالمرة الإعتقاد أن الدفاع عن التقاليد و الهوية التونسية كخصوصية لمجموعة بشرية مكفول إحترامها في كافة الشرائع السماوية والوضعية حكرا على حزب أو طرف معين. إن الدفع بهذا الإتجاه إنما ينم فضلا عن تبسيط معيب وغير جدي للمشهد، عن إرادة الفرار إلى الأمام وعدم مواجهة الفضيحة كما هي. نعم إن مثل هذا المهرجان غير المسبوق الذي لم ينظم بهذه الجرأة والوقاحة حتى في أيام المخلوع والذي غامرت بهندسته الوزيرة المؤقتة للسياحة ومن يشير عليها من مجموعة الحكماء، إنما هو جريرة واضحة في حق الجنوب التونسي وعموم البلاد وفضيحة بكل المعايير. إن هذه البدعة السياحية في بلادنا والتي أرادت، دون تصور حقيقي ناجع، تزاوجا مقدودا على عجل، بين الثقافة والسياحة، لم ينجح إلا في ضرب البلاد في ثقافتها وخلف وراءه غضبا عارما من مختلف الفئات والأعمار. والحديث مجددا وفي هذا الإطارعن معارك بين ما يسميه البعض علمانيين و إسلاميين، إنما هو تبسيط خطير للواقع وعدم إحترام شق هائل من التونسيين الذين لا تستوعبهم حاليا أحزاب ولا هم بعد قد حسموا إختياراتهم الإنتخابية. فهم بالأحرى في وضعية رصد ومراقبة تصريف الشأن العام وإدارة مصالح البلد، و ليس قط من الذكاء و ؛؛الكفاءة؛؛ إستفزازهم بهذا الشكل الفاضح. من اليسير لكل متتبع أن يلاحظ أن موجات الغضب التي هزت صفحات التواصل الإجتماعي في ظرف قياسي قوامها ومعاييرها وقواسمها المشتركة... الأسرة التونسية العادية التي يعلم الخبراء أنها لبنة المجتمع، والتي ترفض بالجملة السلوكيات المتدنية التي وجدت لها في هذا المهرجان وبرعاية رسمية، كل مرتع. إن الحديث الباهت وغير الصادق عن الحريات في هذا الصدد ...مضحك بكل بساطة وكم هو يسير رده. إذ يعلم خبراء السياحة أنفسهم أن البلدان التي طورت منظومات السياحة التي تجعل السائح لا فقط يأتي بل وكذلك يعود ، هي البلدان المتصالحة مع هويتها و خصوصياتها التاريخية والجغرافية وهي التي نجحت في أن تكشفها لسياحها كقيمة مضافة بكل رصانة وفخر وإعتداد ليس من شأنه إلا أن يجلب الإحترام للبلد والوفاء للوجهة. فهل نعتقد أننا في صحرائنا مثلا سنقدم للأوروبيين وغيرهم موسيقى وخمورا وأجواء علب ليلية أفضل مما لديهم و هم صانعوها ؟؟!! هل نتصور أننا بهذه الأجواء سنخرج سياحنا من روتينهم الغربي و تلك برامج غالبيتهم لنهايات الأسبوع ؟؟؟!! إن الأسباب التي تبارت بعض القنوات وبعض الوجوه على إبرازها على أنها وجيهة لمثل هذه التظاهرات وتمنياتهم لأن تكون دورية وتعم كافة تراب الجمهورية، وهي أساسا ضرورة الإسراع بجلب العملة الصعبة لبلادنا، هي بذاتها أسباب مثيرة للجدل. فهل كانت عائداتنا من هذا المهرجان المعجزة حقيقة في مستوى ودون مبالغة الدمار القيمي والأخلاقي والإنساني الذي تؤسس له مثل هذه المناسبات محكمة الحماية؟؟!! ختاما أقول ...إن كان لهذا المهرجان من معجزة ...فمعجزته أنه صالح التونسي المتوسط العادي، أساس كل إستطلاع علمي و جدي للآراء، مع ثقافته وهويته ... فإن كان بعد لا يعلم بالضبط ماذا يريد ... ، وصورة تطلعاته بعد هلامية أو ضبابية ... فقد إتضح له بما لا يدع مجالا للشك ، أن ما حدث في مهرجان الفضائح من إستفزاز لمشاعره و إستهتار بهويته ...هو قطعا ...من قبيل ما لا يريد!