صرّح وزير الثقافة أول اليوم الثلاثاء لإحدى الصحف التونسية بأنه يرفض منح 4 مليارات لمهرجان قرطاج وحرمان الجهات الداخلية للبلاد ولا ادري لماذا استعمل مصطلح الحرمان، ولا ادري ما علاقة الميزانية التي سترصد لمهرجان قرطاج بتلك التي سترصد للمهرجانات الداخلية حيث أننا نعرف أن لا تأثير لهذه على تلك بتاتا. لقد أذهلني كلام الوزير ولو كان للسيد عز الدين باش شاوش حزب لقلت ان هذا الكلام يندرج في نطاق حملة انتخابية أو انه من قبيل المغالطات البريئة باعتبار ما نعرفه عن السيد الوزير من عفوية وحسن نية وثقة في من حوله. لان 4 مليارات لا تمثل رقما يذكر في ميزانية الدولة ولا حتى في ميزانية وزارة الثقافة وهي 1,5 بالمائة من كل ميزانية الدولة. خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار ان مهرجان قرطاج يتابع عروضه كل من في تونس ان لم يكن بالحضور المباشر فعن طريق النقل التلفزي أو الإذاعي كما انه مفتوح ويستقطب جمهور أربع ولايات ذات كثافة سكانية عالية وهي تونس العاصمة واريانة ومنوبة وبن عروس - وان كان لكل منها مهرجان- وهو مفتوح كذلك بتنوع عروضه لكل السياح العرب والأجانب وتستفيد منه بالخصوص الجالية المغاربية بالخارج لانفتاحه على كل الثقافات العربية والغربية والشرقية وما استضافة مهرجان قرطاج لبالي انانا او لنصرت على خان وابنه من بعده او لشارل ازنافور الذي بلغ ثمن تذكرة الدخول لعرضه 200 دينار -دفعها عدد كبير من السياح عربا وأجانب- إلا تأكيدا على أن لغة الأرقام قد لا تعني شيئا مقارنة مع قيمة المهرجان ودوره في خدمة هويتنا وتراثنا وتأكيد انفتاحنا على بقية الحضارات. ومهرجان قرطاج دولي نمارس فيه قناعاتنا ونؤكد من خلاله إذا أحسنا اختيار المسؤولين على تسيير شؤونه- على هويتنا العربية والإسلامية ومخزوننا التراثي التونسي ونعطي به الدليل على انخراطنا ضمن منظومة عالمية تشجع على التبادل الثقافي والتلاقح بين الحضارات. هذا بقطع النظر عن المردود المالي لهذا المهرجان اذا تناسينا عدد مواطن الشغل التي يوفرها وعائدات الإشهار وغيرها. والاهم من هذا هو ان الوزارة مطالبة بتمويل المهرجانات دولية كانت أو جهوية أو محلية لا من باب المن وإنما من باب الحق الإنساني في الثقافة والترفيه نزولا عند رغبة الناس الذين طالبوا بتنظيم المهرجانات وعبروا عن رغبتهم في الخروج من أزمتهم ومباشرة حياتهم اليومية بصفة عادية وهو ما يؤكد الحرص على التخلص من هاجس خوف أصبح مصدره معلوما. صحيح ان تنظيم المهرجانات اليوم هو قبل كل شيء تحد للصعوبات المالية وللمشاكل الأمنية وان كانت ثقة المواطن تعود تدريجيا ولكن التحدي الأكبر بعد إذن السيد الوزير هو ضغط الوقت والمدة القصيرة التي أصبحت تفصل مديري المهرجانات عن موعد انطلاقها خاصة وقد بدا الفنانون في تقديم ملفاتهم إلى مديري المهرجانات إذا لم يقع تغييرهم او إلى الإدارات المعنية ذلك أن الوقت لم يعد كافيا بالمرّة للاختيار وللاتصال أو للتفاوض على أسعار العروض او الإعداد. إن مهرجان قرطاج هو مهرجان كل التونسيين وعلى تونس ان توفر له ميزانيته والإشكال حسب رأينا ليس في التمويل وإنما في حسن التسيير كما سبق ان ذكرنا وهذا ينسحب على كل مهرجان في تونس حيث» انه بالإمكان تمويل قرطاح ومهرجانات كل الولايات والمعتمديات داخل تونس وخاصة في القيروان وسليانة وقبلي لأنه حق ولكن مهرجانات هذه الولايات مثلا مرتبطة بخصوصيات من بينها الطقس الذي يجعل تنظيمها في الربيع أحسن او في الشتاء والأموال يجب ان تكون على ذمتها في كل الأحوال بقطع النظر عمّا خصصتموه لمهرجان قرطاج أو الحمامات او بنزرت. والمهم ان يحسن المسؤولون التصرف وان تقوم لجان المتابعة - ولا أقول المراقبة لأننا نريد أن نقطع مع عقلية المراقبة التي تسفر بالضرورة على مجازاة هذا او منع ذاك وحرمانه من حقه- بدورها بكل شفافية لتعيد الثقة والحق لأصحابه سواء في العاصمة او في داخل الجمهورية وللحد من التجاوزات التي حصلت سابقا في اغلب المهرجانات وهذا يحتاج الى تفعيل دور الكفاءات.