مجلس الشيوخ الأمريكي يصوت لصالح إنهاء الإغلاق الحكومي    الشرع أول رئيس سوري يزور البيت الأبيض    السينما التونسية حاضرة بفيلمين في الدورة التأسيسية للمهرجان الدولي للفيلم القصير بمدينة تيميمون الجزائرية    بطولة انقلترا: مانشستر سيتي يكتسح ليفربول بثلاثية نظيفة    الصندوق العالمي للطبيعة بشمال إفريقيا يفتح باب التسجيل للمشاركة في النسخة الثانية من برنامج "تبنّى شاطئاً"    هل نقترب من كسر حاجز الزمن؟ العلم يكتشف طريقاً لإبطاء الشيخوخة    صفاقس : نحو منع مرور الشاحنات الثقيلة بالمنطقة البلدية    "التكوين في ميكانيك السيارات الكهربائية والهجينة، التحديات والآفاق" موضوع ندوة إقليمية بمركز التكوين والتدريب المهني بالوردانين    نبض الصحافة العربية والدولية ... مخطّط خبيث لاستهداف الجزائر    حجز أكثر من 14 طنًا من المواد الغذائية الفاسدة خلال الأسبوع الأول من نوفمبر    توزر: العمل الفلاحي في الواحات.. مخاطر بالجملة في ظلّ غياب وسائل الحماية ومواصلة الاعتماد على العمل اليدوي    ساحة العملة بالعاصمة .. بؤرة للإهمال والتلوث ... وملاذ للمهمشين    بنزرت ...مؤثرون وناشطون وروّاد أعمال .. وفد سياحي متعدّد الجنسيات... في بنزرت    بساحة برشلونة بالعاصمة...يوم مفتوح للتقصّي عن مرض السكري    أندا تمويل توفر قروضا فلاحية بقيمة 40 مليون دينار لتمويل مشاريع فلاحية    العاب التضامن الاسلامي (الرياض 2025): التونسية اريج عقاب تحرز برونزية منافسات الجيدو    أيام قرطاج المسرحية 2025: تنظيم منتدى مسرحي دولي لمناقشة "الفنان المسرحي: زمنه وأعماله"    قابس: حريق بمنزل يودي بحياة امرأة    الليلة: أمطار متفرقة ورعود بأقصى الشمال الغربي والسواحل الشمالية    كاس العالم لاقل من 17 سنة:المنتخب المغربي يحقق أكبر انتصار في تاريخ المسابقة    الانتدابات فى قطاع الصحة لن تمكن من تجاوز اشكالية نقص مهنيي الصحة بتونس ويجب توفر استراتيجية واضحة للقطاع (امين عام التنسيقية الوطنية لاطارات واعوان الصحة)    رئيس الجمهورية: "ستكون تونس في كل شبر منها خضراء من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب"    الجولة 14 من الرابطة الأولى: الترجي يحافظ على الصدارة والهزيمة الأولى للبقلاوة    نهاية دربي العاصمة بالتعادل السلبي    شنيا يصير كان توقفت عن ''الترميش'' لدقيقة؟    عاجل: دولة أوروبية تعلن حظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال دون 15 عامًا    احباط تهريب مبلغ من العملة الاجنبية يعادل 3 ملايين دينار..#خبر_عاجل    عاجل : فرنسا تُعلّق منصة ''شي إن''    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    جندوبة: الحماية المدنية تصدر بلاغا تحذيريا بسبب التقلّبات المناخية    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    حريق بحافلة تقل مشجعي النادي الإفريقي قبل الدربي    تونس ستطلق مشروع''الحزام الأخضر..شنيا هو؟''    الديربي التونسي اليوم: البث المباشر على هذه القنوات    أعلاها 60 مم: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    المنتخب التونسي تحت 23 عاما يلاقي وديا السعودية وقطر والامارات من 12 الى 18 نوفمبر الجاري    عاجل: النادي الافريقي يصدر هذا البلاغ قبل الدربي بسويعات    ظافر العابدين في الشارقة للكتاب: يجب أن نحس بالآخرين وأن نكتب حكايات قادرة على تجاوز المحلية والظرفية لتحلق عاليا في أقصى بلدان العالم    أول تعليق من القاهرة بعد اختطاف 3 مصريين في مالي    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    هام: مرض خطير يصيب القطط...ما يجب معرفته للحفاظ على صحة صغار القطط    تحذير من تسونامي في اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجة    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    الطقس اليوم..أمطار مؤقتا رعدية بهذه المناطق..#خبر_عاجل    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستقبل الإسلام في الغرب وقطع رقاب المساجد السويسرية
نشر في الحوار نت يوم 09 - 12 - 2009

لقد مثّلت موافقة أغلب السويسريين في استفتاء عام، على حظر إقامة المآذن، صدمة كبرى لمسلمي أوروبا ولعامة المسلمين وللقوى التحررية، لما عرف به هذا البلد من تسامح وحياد، وخلو ّتاريخه من ميراث استعماري، حتى تم اختياره مأوى للمركز الأممي لحقوق الإنسان فكيف حدث ذلك؟ وما آفاق تطوره؟ وما الرد المناسب؟
أولا: خطوات الشيطان
1- جاء الاستفتاء الذي نظمته السلطات السويسرية حول مسألة تشييد المآذن بالنتيجة المنتظرة، الحظر، تعبيرا عن تصاعد المد اليميني الفاشي، وجزءا من حالة أوروبية عامة، عبر عنها حظر الحجاب في فرنسا والرسوم الدانماركية المسيئة, واغتيال الشربيني في قاعة محكمة.. حالة من الكراهية والتوجس تضافرت على تشكيلها عوامل عدة: تنامي مشاعر الخوف من الإسلام وغلبة النظرة السلبية إليه باعتبار أنه ليس رحمة وعدلا وأخوة إنسانية بل هو تهديد ماحق للهوية الغربية ومكاسبها الحداثية وأنماط حياة تعتز بها، هو الخطر على الأبواب، بل "العدو بين أظهرنا".
ذلك ما يدندن حوله القسم الأعظم من المراكز الإعلامية والأكاديمية ودوائر إنتاج الفنون والمعرفة حول الإسلام، وبالخصوص بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول العاصفة. فقد خرجت صبيحتها جريدة لومند أهم صحف فرنسا حاملة هذا العنوان على امتداد غلافها: "كلنا أميركان"، فالذي يجرؤ على النيل من زعيم القوم فقد اعتدى على القوم كلهم، لا سيما والولايات المتحدة قد ملكت من أدوات القوة الناعمة ناهيك عن الصلبة ما مكّنها من تحويل ما أصابها مأساة إنسانية وتهديدا لجملة التمدن الغربي، يقوده الإسلام!!
6- وفي خضم المنافسات الانتخابية غدت الحرب على المهاجرين ومعظمهم مسلمون تجارة رابحة في كسب أصوات الناخبين من طريق تحميل المهاجرين كل المصائب والإخلال في البلد من بطالة وتراجع للخدمات وفوضى، وهو ما يفتح باب المزايدات تباريا في الحملة على الإسلام والأقلية المسلمة والمهاجرين.
7- لم يقتصر التوظيف السياسي للمهاجرين -ومعظمهم مسلمون- على جماعات أقصى اليمين، فعندما يفتح سوق المزايدة والربح السريع يقل التعفف، فانساقت أحزاب اليمين المعتدل، وانجرفت في إثرها جماعات اليسار، وقطاع واسع من النخبة السياسية والإعلامية والفكرية والدينية، وبعضها اليوم يعبر عن صدمته إزاء نتيجة الاستفتاء السويسري، بينما هو بالأمس القريب مثل بابا روما يحذر النخبة الأوروبية من الافتتان بالإسلام مدعيا سفاهة على خاتم الأنبياء أنه لم يأت البشرية بخير. ألم ينعت الرئيس الفرنسي السابق الاتحاد الأوروبي بأنه ناد مسيحي، وحقّر برلسكوني الحضارة الإسلامية ومنعت فرنسا الحجاب بينما يتأسف وزير خارجيتها اليوم على ما صدر في سويسرا!!
8- إن هذا الحظر يعبر عن فشل الأقلية المسلمة في سويسرا وفي عموم الغرب في تحويل وزنها العددي إلى قوة سياسية للدفاع عن نفسها وكسب أنصار داخل القوى التحررية، رغم الجهود المبذولة، بسبب عزلتها وتشرذمها وتدني مستوى وعيها العام وانشغالها بخلافات مستوردة من العالم الإسلامي، وانكماشها وتأثر بعض أوساطها بفقه التشدد في النظرة إلى غير المسلم وإلى العلاقة معه وفي الموقف من المرأة ومن الفنون.. وقد يبلغ التشدد حد الإجرام كالإقدام على القتل بذريعة حماية الشرف والسرقة بذريعة استباحة مال غير المسلم!! وهي جرائم يحدث مثلها كثيرا في الغرب بدوافع أخرى ولكن الإعلام المعادي المتربص يخص هذه بأكبر كمية من الأضواء لتركيز وإشاعة فكرة الخطر الإسلامي وتهديد النمط المجتمعي السائد.
9- إن نتيجة هذا الاستفتاء ثمرة لتفاعل موروثات تاريخية غربية، مع جملة من المستجدات، ذلك أن فكرة التعدد الديني والعرقي والثقافي فكرة حديثة النشأة في الغرب، بما في ذلك التعدد داخل المسيحية ذاتها، فلقد سالت أنهار من الدماء لمئات السنين بين طوائف المسيحية، حتى تم التوصل إلى تسويات، عزل بمقتضاها الدين في المجال الخاص، ولذلك ما أمكن للإسلام أن يحضر في الساحة الأوروبية خلال العصور الوسيطة إلا حاملا سيفه، فإذا فلّ حده وانسحب تعرّض للإبادة ما خلّف وراءه من مسلمين مسالمين، فلم يكد يسلخ مسجد في أوروبا الغربية من عمره أزيد من قرن، بينما الكنائس والبيع في حواضر الإسلام ظلت أبدا جزءا من بنيته على امتداد تاريخه.
فما حصل من حظر سويسري لبناء المآذن هو نكوص إلى عهود الحروب الدينية وتبشير متجدد بها وتعبير عن أزمة تعيشها الحداثة الغربية، وفشل حقيقي في امتحان التمدن الإنساني القائم على احترام الإنسان وحقوقه وحرياته ومنها حرية الدين والاعتقاد. إنه كشف لما تحت طلاء الحضارة من توحش وبداوة. وتمركز حول الذات يبلغ حد وحدة وجود علماني.
10- كما أن هذا العدوان على الأقلية المسلمة السويسرية (حوالي نصف مليون) يعبر عن أزمة العالم الإسلامي (مليار ونصف) وتشرذمه وتخاذله عن تقديم الدعم الكافي لأقلياته المنتشرة في العالم، تباشير فجره وأنواره المتقدمة، كما تفعل الدول المحترمة في حماية أقلياتها. ولكم أن تتصوروا ماذا كان يحدث لو كان المستهدف بالمنع جزءا من شريعة يهودية كالتذكية (الكاشير)، التي حصلت في سنوات سابقة في سويسرا ذاتها محاولة لإجراء استفتاء حولها بذريعة حماية الحيوان فانتفضت الجماعات اليهودية وأجهضت المحاولة.
إن الأقليات المسلمة تعاني حالة يتم، بسبب تفرّقها وهامشيتها وما تلقاه من خذلان الإخوة. نحن هنا لا نتحدث عن معتصم يحرك جيوشه لحماية امرأة مسلمة.. نتحدث عن ستين دولة منتظمة في منظمة المؤتمر الإسلامي لو أن وزاراتها الخارجية تحركت على الأقل كما فعلت إيران وتركيا وإندونيسيا وليبيا فدعت سفراء الدولة المعنية للاستفسار وتقديم مذكرات احتجاج أو دعت سفراءها للتشاور، أو هددت بسحبهم أو أعادت النظر في المبادلات الاقتصادية أو هددت بالمقاطعة الاقتصادية أو أقدمت على سحب استثماراتها وقطع البترول بمثل ما فعلت ليبيا احتجاجا على اعتقال نجل رئيس الدولة.
واضح أن الخلاف حول مسابقة رياضية يمكن أن يفعل من أجله كل ذلك، أما الإسلام ونبيه ومساجده وأقلياته فليست شيئا في حساب هذه الدول، بل الحيطة الواطئة، بل بعض مسالكها المستهترة بالإسلام شجعت هؤلاء، ألم تكن تونس الأسبق لحظر الحجاب ومنع رفع الآذان وشنائع أخرى لم تنفرد بها. العالم الإسلامي يتحمل مسؤولية فيما وقع من عدوان على الإسلام وأهله في سويسرا وتكرر مثله وأشد في بلاد أوروبية أخرى ومرشح للتفاقم أمام تصاعد تيارات اليمين المتصهينة. إن ترك تلك الأقليات لنفسها، مع أهميتها المستقبلية البالغة في الدفاع عن المصالح الإسلامية والعربية، جريمة قومية ووطنية وإثم عظيم الله سائلكم عنه أيها الحكام والعلماء والإعلاميون والنقابيون.. في الحديث الصحيح "ما من امرئ مسلم ينصر مسلما في موضع ينتهك فيه عرضه وتستحل فيه حرمته إلا نصره الله تعالى في موطن يحب فيه نصره وما من امرئ خذل مسلما في موطن تنتهك فيه حرمته إلا خذله الله في موضع يحب فيه نصره".
ثانيا: إلى أين يتجه التحريض؟
يتجه في حده الأدنى إلى فرض العزلة والانكماش على الإسلام وأهله لمنع تحول كمّهم المتصاعد إلى كيف، إلى قوة انتخابية مؤثرة، كل المؤشرات تدل على أنه إذا استمرت الأوضاع تتطور بشكل طبيعي فإن الإسلام قابل للتحول خلال العقود القادمة إلى مكون رئيسي من مكونات المجتمعات الغربية، بما لا يمكن معه لصانع القرار الغربي إلا أن يأخذه بعين الاعتبار، وبالخصوص في كل ما يتعلق بالإسلام وأمته، وهو أمر غير مسبوق، وبالغ الأهمية لأنه كفيل بوضع حد للتحارب السجال بين الأمتين العظيمتين أمة الإسلام وأمة الغرب ولكنه يقض مضاجع جماعات التعصب من كل صنف، فتواصل الليل بالنهار في جهد منظم ناصب لقطع الطريق.
وفي حده الأقصى: تأليب كل القوى ضدهم بما يبرر ويشجع العدوان عليهم، ويولّد ردود أفعال عنيفة داخلهم، تعطي مزيدا من المشروعية للدفع نحو الحسم، بما لا يستبعد معه الوصول إلى تجدد قصص الطرد الجماعي والاعتداء بالجملة (الأندلس، البوسنة..). الثابت أن اللوبي الصهيوني الشديد النفوذ، يرى بوضوح أن الوجود الإسلامي في الغرب يمثل أعظم تهديد لمصالحه التي اشتغل لتحصيلها مئات السنين حتى اتخذ الغرب أداة لنفوذه العالمي وعدوانه على المسلمين، ويرى في نمو الوجود الإسلامي في الغرب تهديدا جادا لمكاسبه وأطماعه، مع أن ما يهدد الإسلام وأهله ومؤسساته في الغرب لن تقف ناره إذا اندلعت على الأقلية المسلمة بل ستطال الأقليات الأخرى ومنها الأقليات اليهودية النافذة، وهو ما أخذ ينبه إليه بعض اليهود. ورد في بيان الاتحاد السويسري للمنظمات اليهودية استنكاره للاستفتاء وتحذيره من تصاعد مد التعصب (القدس 29/11/2009).
ثالثا: العلاج
- أن تخرج تلك الأقليات من عزلتها وتغادر خلافاتها الصغيرة وتنخرط في الحياة السياسية في الأحزاب القائمة، وتبحث لها عن حلفاء وأصدقاء وتخرج لها متحدثين باسمها أكفاء مثل طارق رمضان وعزام التميمي، من أجل أن تحول كثرتها العددية إلى قوة سياسية، فتكون لها القدرة على الدفاع عن نفسها. الغرب متعدد، فليس كله يمينا فاشستيا وجماعات صهيونية، رغم ما تتمتع به هذه من نفوذ واسع.
في الغرب ومنه سويسرا قوى تحررية تناضل ضد التعصب والفاشية والإمبريالية والصهيونية مرشحة للتعاون مع الأقلية الإسلامية، كما حصل في بريطانيا خلال الحرب على العراق سنة 2003 حيث ظهر تحالف بين التيار الإسلامي وبين طيف واسع من الجماعات البريطانية النقابية واليسارية المضادة للعولمة الإمبريالية وللصهيونية، وأمكن لذلك التحالف أن يقود مظاهرات مليونية، ضد الحرب. ورغم أن بلير مضى إلى الحرب لا يبالي إلا أن أثر تلك المسيرات لا يزال يلاحقه.
للأسف لا تزال نزوعات المحافظة هي الغالبة على الوجود الإسلامي في الغرب، مما يدفعه إلى العزلة وبالخصوص أمام ما يشن عليه من حملات عاتية منظمة من قبل خصومه، فينكمش ولا يبحث عن حلفاء له على أساس قضايا إنسانية ووطنية مشتركة، بما تتمكن به هذه الأقليات من الدفاع عن نفسها في إطار حقوق الإنسان.
- هناك عقبات قانونية أمام تحول نتيجة الاستفتاء إلى جزء من الدستور، وينتظر تفعيل كل الأدوات القانونية داخل سويسرا وعلى الصعيد الأوروبي لإبطال قانون يتناقض مع أصل حقوق الإنسان: حرية المعتقد، وما كان للحكومة السويسرية أن تسمح بالاستفتاء على الحقوق الأساسية للإنسان. أي مسوغ يمكن لصاحب دين أن يتحكم في هيئة العبادة لأهل دين آخر؟ هو التحكم المحض.
- البحث عن حلفاء وسط كل التيارات المستهدفة بعودة النازيين الجدد, وبكلمة: هذه محنة يراد لها أن تفضي إلى محارق، ويمكن أن تتحول إلى منحة تؤصّل الوجود الإسلامي إذا تمت معالجة الأسباب بجدّ "وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم" (215/2) لاسيما ونحن في زمن ثورة الإعلام وقوة الصورة وتنامي سلطة الرأي العالمي، بما لم يعد ميسورا معه الإقدام على مذابح جماعية تأتي على الملايين (في أوروبا 30 مليونا مسلما) إلا أنه إذا استمرت نفس الأسباب فكل شيء يغدو ممكنا "لله الأمر من قبل ومن بعد، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله" (3/30).
ثانيا: إلى أين يتجه التحريض؟
يتجه في حده الأدنى إلى فرض العزلة والانكماش على الإسلام وأهله لمنع تحول كمّهم المتصاعد إلى كيف، إلى قوة انتخابية مؤثرة، كل المؤشرات تدل على أنه إذا استمرت الأوضاع تتطور بشكل طبيعي فإن الإسلام قابل للتحول خلال العقود القادمة إلى مكون رئيسي من مكونات المجتمعات الغربية، بما لا يمكن معه لصانع القرار الغربي إلا أن يأخذه بعين الاعتبار، وبالخصوص في كل ما يتعلق بالإسلام وأمته، وهو أمر غير مسبوق، وبالغ الأهمية لأنه كفيل بوضع حد للتحارب السجال بين الأمتين العظيمتين أمة الإسلام وأمة الغرب ولكنه يقض مضاجع جماعات التعصب من كل صنف، فتواصل الليل بالنهار في جهد منظم ناصب لقطع الطريق.
وفي حده الأقصى: تأليب كل القوى ضدهم بما يبرر ويشجع العدوان عليهم، ويولّد ردود أفعال عنيفة داخلهم، تعطي مزيدا من المشروعية للدفع نحو الحسم، بما لا يستبعد معه الوصول إلى تجدد قصص الطرد الجماعي والاعتداء بالجملة (الأندلس، البوسنة..). الثابت أن اللوبي الصهيوني الشديد النفوذ، يرى بوضوح أن الوجود الإسلامي في الغرب يمثل أعظم تهديد لمصالحه التي اشتغل لتحصيلها مئات السنين حتى اتخذ الغرب أداة لنفوذه العالمي وعدوانه على المسلمين، ويرى في نمو الوجود الإسلامي في الغرب تهديدا جادا لمكاسبه وأطماعه، مع أن ما يهدد الإسلام وأهله ومؤسساته في الغرب لن تقف ناره إذا اندلعت على الأقلية المسلمة بل ستطال الأقليات الأخرى ومنها الأقليات اليهودية النافذة، وهو ما أخذ ينبه إليه بعض اليهود. ورد في بيان الاتحاد السويسري للمنظمات اليهودية استنكاره للاستفتاء وتحذيره من تصاعد مد التعصب (القدس 29/11/2009).
ثالثا: العلاج
- أن تخرج تلك الأقليات من عزلتها وتغادر خلافاتها الصغيرة وتنخرط في الحياة السياسية في الأحزاب القائمة، وتبحث لها عن حلفاء وأصدقاء وتخرج لها متحدثين باسمها أكفاء مثل طارق رمضان وعزام التميمي، من أجل أن تحول كثرتها العددية إلى قوة سياسية، فتكون لها القدرة على الدفاع عن نفسها. الغرب متعدد، فليس كله يمينا فاشستيا وجماعات صهيونية، رغم ما تتمتع به هذه من نفوذ واسع.
في الغرب ومنه سويسرا قوى تحررية تناضل ضد التعصب والفاشية والإمبريالية والصهيونية مرشحة للتعاون مع الأقلية الإسلامية، كما حصل في بريطانيا خلال الحرب على العراق سنة 2003 حيث ظهر تحالف بين التيار الإسلامي وبين طيف واسع من الجماعات البريطانية النقابية واليسارية المضادة للعولمة الإمبريالية وللصهيونية، وأمكن لذلك التحالف أن يقود مظاهرات مليونية، ضد الحرب. ورغم أن بلير مضى إلى الحرب لا يبالي إلا أن أثر تلك المسيرات لا يزال يلاحقه.
للأسف لا تزال نزوعات المحافظة هي الغالبة على الوجود الإسلامي في الغرب، مما يدفعه إلى العزلة وبالخصوص أمام ما يشن عليه من حملات عاتية منظمة من قبل خصومه، فينكمش ولا يبحث عن حلفاء له على أساس قضايا إنسانية ووطنية مشتركة، بما تتمكن به هذه الأقليات من الدفاع عن نفسها في إطار حقوق الإنسان.
الإسلام الذي لم يعد كما كان في التاريخ مجرد عدو يلاقونه في ميادين القتال -ومنذ مائتي سنة وحروب الغرب عليه تدور في أرضه- بل حوّله وجود أقليات مسلمة متنامية ترفض الذوبان وتحرص على هويتها وتميزها في أنماط حياتها في زمن تراجع غربي قيمي وديمغرافي، خطرا حقيقيا داخليا يهدد في نظر جماعات التعصب والكيد المشهد العام لهذه المجتمعات وحضارتها.
2- تهيّأت الأجواء لتيارات أقصى اليمين ذات الأصول المسيحية الوثيقة الصلة بالتراث النازي والفاشي أن تتحالف لأول مرة في التاريخ مع الجماعات اليهودية ذات النفوذ الواسع، وقد كان العداء بينهما مستحكما، إلا أن المخططات الإمبريالية والتقارب البابوي مع اليهود وتبرئتهم من دم المسيح إلى جانب ما قام ويقوم به الإعلام والفكر اليهودي من غسل للأدمغة، نجح في تجسير الهوة بين الطرفين على خلفية حضارة مشتركة يطلقون عليها الحضارة المسيحية اليهودية في مواجهة عدو مشترك للجميع هو الإسلام، مع أن الحقيقة الموضوعية أن المسيحية أقرب للإسلام المعترف بها، من اليهودية الكافرة بها.
3- إثر سقوط الاتحاد السوفيتي كانت حاجة البنتاغون والفكر الإستراتيجي الخادم له إلى عدو تحشد في مواجهته القوى وراء القيادة الأميركية، ماسّة، فتم ترشيح الإسلام. وكان للعناصر اليسارية الصهيونية المنقلبة إلى معسكر اليمين المحافظ دور كبير في ذلك.
لقد كان خطاب إسحاق رابين رأس الكيان الصهيوني في البرلمان الأوروبي (أحسبه 1993) صريحا في لفت نظر الدوائر الغربية إلى هذا الخطر بشكل صريح وقوي، لتعميد الإسلام موقع العدو والخطر الداهم. ومصداق ذلك جاء في صحيفة هآرتس 18/2/2009 "الإعلام الإسرائيلي يحاول منذ سنوات عديدة تسويق إسرائيل باعتبارها فيلا في غابة، ونوعا من واجهات العرض المتقدمة للغرب في مواجهة الإسلام المتطرف. نحن نتلقى الصواريخ في سديروت ونقصف غزة، حتى ننقذ باريس ولندن. قادة إسرائيل يشتكون من عدم إحساس الغرب بخطر الإسلام".
4- وجاءت كارثة 11 سبتمبر/أيلول مصدّقة لهذه الأطروحة، تقدّم لكل عدو متربص بالإسلام والمسلمين سلاحا فتاكا وحجة دامغة لترسيخ وتوسيع دائرة الإسلاموفوبيا تخويفا من الإسلام وتحريكا لمخزون العداء التاريخي للإسلام. وسرعان ما تلاحق مسلسل المصائب بتفجير القطارات في لندن ومدريد من قبل عناصر تقيم بين ظهراني المجتمعات الغربية، وبعضها من مواليد الغرب ويحمل جنسياته وتعلم في مدارسه بما يجعله مستحقا لصفة "العدو الذي يعيش بيننا" وهو الوصف الذي أطلقه حزب أقصى اليمين في بريطانيا على الأقلية المسلمة.
5- يزيد ولا شك من تأجيج هذه العداوة وإذكاء نيرانها فشو البطالة بأثر الأزمات الاقتصادية، مما يتيح الفرصة للدعاية المضادة للأقلية المسلمة في الغرب أن تقدم كبش فداء، على أنها المتسببة في هذه البطالة والمعتاشة من أموال الضمان الاجتماعي، دون وقوف على التناقض بين التهمتين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.