من المؤلم أن تلحظ بعض الذين كنت تعتقد أنهم مناضلون قبل اندلاع ثورة الحرية والكرامة وتراهم قد تحولوا وبمحض إرادتهم يتعرون أمامك وينفضح أمرهم وتتكشف حقيقتهم التي تظهر معدنهم الأصيل في رفضهم للآخر وأنهم يتهيأون لخلافة الدكتاتور .وإن من كانوا يزايدون بالنضال وينادون بالحرية للشعب ،كل الشعب ،ويرفعون شعارات الحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية قد أصبحوا يتاجرون بها واستمرؤوا التحالفات الفئويّة المصلحية . كانوا قبل الثورة يرفعون شعار "الحرية للجميع مهما كانت انتماءاتهم" حتى إذا كشفت العملية الإنتخابية على حقيقة الأمور وقال الشعب كلمته وتعرّفوا على حجمهم الحقيقي،تنكروا للمبادئ التي كانوا يؤمنون بها وطفقوا يشنون الحملات تلو الحملات على من اعتبروه عدوا وكان بالأمس شريكا لهم في النضال الذي أثمر مبادئ 18 اكتوبر كمحطّة جامعة ،وقاموا بشيطنة الخصوم القريبين والبعيدين منهم و نسوا ما كانوا ينادون به من شعارات وأذهبوها ادراج الرياح وتخلوا عن المبادئ والقيم. أسسوا "جبهة إنقاذ " تونسية جمعت لفيفا من متذررات الحسم الثوري ومقاومي "الكمبرادورية والبرجوازية والظلاميّة " وكل اليافطات التي لا تصلح حتى مجرّد النظر إليها أو الإعتناء بها لسبب وحيد أنها أصبحت بضاعة مزجاة في أي مكان في العالم . لتلك الأسباب كلّها تحولت كل هذه الشعارات إلى هباء ومُدّت الأيدي إلى البرجوازية والرأسمالية الشجعة التي كانت تضع يدها في يد المخلوع وإذا كنت أيها القارئ لبيبا ستفهم من وراء السطور. إن هؤلاء "المناضلين" الذين صدّعوا رؤوسنا بالحديث عن القيم الديمقراطية ومجتمع الحداثة يسقطون سقطة ما بعدها سقطة إذ بمجرد عملية الإنقلاب في أرض الكنانة مصر ألفينا دعاة التقدمية وقبل غيرهم يؤيدونه بدءا من صاحب السبق في النضال "حمة الهمامي" مرورا بمدعي الدفاع عن حقوق الإنسان "خميس قسيلة" الذي ابان عن معدنه الحقيقي بمزيد سقوطه في "نداء تونس" الذي جمع شتاتا من اليقايا التجمعيّة واليسار الإنتهازي بعد أن حاول شقّ صفوف التكتل الذي يرأسه بن جعفر.،ووصولا إلى الطيّب البكوش الألسني النحرير الأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل سابقا الذي أتحفنا عديد المرّات بعد الثورة عن" ثورة 30 يونيو" المليونية . وطمعا في أن الذي حصل في مصر سيحصل في تونس استجمع التقدميون الذين سقطوا في أحضان النظام القديم بكل فئاته وجندوا كل من طمع من بعض شبابنا المستضعف في فتات الدنانير في تجمع أسموه زورا "اجتماع الرحيل" فالمهم عند اليسار "التقدمي "منه أو "الإستئصالي " أن ينقلبوا على الشرعية حتى ولو تحالفوا مع الشيطان وأجلبوا خيلهم ورجلهم من الشمال والجنوب والشرق والغرب مستعملين كل الوسائل والأساليب . أليس شعارهم " الغاية تبرر الوسيلة ،وعلى المناضل الشيوعي أن يتمرّس بشتى ضروب الغش والخداع ليصل إلى غايته" كما يقول كبيرهم الذي علّمهم السحر لينين؟؟ ولكن ذلك لم يفدهم في شيء وأتت الريح العاصفة المتزجة بالأمطار في عز الصيف على خيامهم وانكفأت على الأرض كما سقطت محاولات التخوين والشيطنة. لقد أسقطهم العمى الإيديولوجي وعقدتهم القديمة تجاه الإسلام والإسلاميين واستدعاء التاريخ واستجلاب الشعارات التي بليت " سحقا ، سحقا للرجعية، دساترة واخوانجية" وهم لازالوا يرفعون هذا الشعار وهم مرتمون في أحضان الدساترة والتجمعيين. إما أن يتصالح اليسار بتذرراته مع الشعب ويقوم بعمليّة مراجعة جديّة يتجاوز بها العمى الإيديولوجي ويتخلص من عقدة" الصفر فاصل" ويعيد قراءة التاريخ والواقع ويعمل من أجل الوطن وليس الحزب والمصالح الذاتية وإلا فسيبقى "محلك سر" بالتعبير العسكري. عبدالله النوري