في أيام الدكتاتورية الغاشمة كنا نتابع التحركات الاجتماعية في بلدان اوروبا عبر التلفازات ونتحسر مثل ما يفعل رجل مخصي يراقب زوجه جاره الجميلة. رأيناهم ينوعون ويبتكرون في الاشكال من لاش فاليزا في بولونيا إلى مسيرات الخضر في فرنسا(جوزي بوفيه) التي كانت ترمي فوائض الانتاج في الطرقات الى مظاهرات عارضات الازياء في كندا المحتجات بالعري الكامل على ذبح ذوات الفرو من الفقمات و اسود البحر. كانت الحسرة والألم يأكلنا على اوطان نراها تسرق منها ولا نستطيع فعل شيء ولكن ابدا لم ار اضرابا مس من الحياة التعليمية و وضع مستقبل الناشئة كورقة تفاوض من نوع الاضراب الاداري الذي صار تقليدا عندنا ..كل شيء يمكن التفاوض به الا مستقبل الأولاد المدرسة مقدسة عندهم ثابت وطني فوق التفاوض .(ذكروني بحالة ان نسيت) هنا والآن يقوم المستأمنون على حياة الناشئة بوضع مستقبل اولادنا على طاولة التفاوض مقابل مطلب مادي مهما كان مشروعا لا يمكن ان يخرب ما تبقى من سمعة المدرسة والتكوين البيداغوجي و الشهادة العلمية. وفي نفس الوقت الذي يزدهر الخطاب حول ثروتنا البشرية تقوم النقابات بجر رجال التعليم الى تخريب المدرسة ويغيب بشكل كلي عن مطالبها الاصلاح الجذري للتعليم الذي يشمل ضرورة تحسين الوضع المادي لرجاله بما يليق بكرامتهم كأشخاص وكمربين. فيفرز المطلب المادي (الرواتب ) عن بقية المطالب الملحة ليظل الاصلاح عند النقابات اصلاحا جزئيا (سكتاريا) وها هم يدمغون كل اعتراض على مبدئية احترام المدرسة بأنه يستهين بالمعلم ورجل التعليم. ما يجري الان ليس تفاوضا انه تخريب منهجي ذي خلفية سياسية غير اخلاقية اصنفها في الخيانة الوطنية. التعليم التونسي منهار وهذه نقطة يجمع حولها الجميع ولكن زيادة راتب المعلم (الضعيف المهان نعم) ليست الا حلا جزئيا. ان الاضراب الاداري اهانة للمهنة ولا يؤمن دعاته بالدولة ولا بالمشروع الوطني الا بوصفهما غنيمة للنهب. د.نورالدين العلوي - أستاذ في علم الإجتماع