متى بدأت لعبة "داعش"؛ نتذكر جميعا أبو غريب وغيره من السجون الأمريكية في العراق، ونتذكر ما أثير حولها من أحداث وإجراءات سرية للغاية وأحياناً افراجات جماعية في أوقات يكتنفها التوتر والغموض، حيث كانت تلك المعتقلات تستعمل في حينه كمراكز تجنيد داعش والقاعدة وأخواتها، وهنا نقف أمام مشهد فرار جزء من القيادات العراقية العسكرية والسياسية إلى دول الخليج والأردن وبلاد الغرب قبل وبعد احتلال بغداد عام 2003م ونحلله، خاصة أنه ما زال الغموض يكتنف أماكن وجود هذه القيادات الوسيطة ومصادر تمويلها. منذ ذلك التاريخ تحديداً تم وضع خطط بديلة للمنطقة في حال عدم نجاح الخطة الأمريكية في العراق، وفي حينه كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية تعتمد على إيران ونفوذها المذهبي في العراق لضبط الأوضاع، خاصة أنها هي البديل القوي والمتاح والذي يمتلك إمكانيات، وتم ذلك مقابل امتيازات تحصل عليها النخب الليبرالية العراقية الموالية للولايات المتحدةالأمريكية "الجلبي وعلاوي وغيرهما" على أمل الحفاظ على مصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية في السنوات المقبلة، وتم توزيع هذه الامتيازات على شكل مناصب حكومية عليا في الدولة العراقية بعد إنهاء حكم صدام حسين وحزب البعث، ولم تنسحب الولاياتالأمريكية الأمريكية من العراق إلا بعد ترتيب مراكز القوى والنفوذ في الحكومة والجيش والدوائر المدنية. وفي خضم هذا المشهد وشيئاً فشيئاً اختلف حلفاء الأمس، حيث تخلص رئيس الحكومة العراقية الحالي "نوري المالكي" رجل إيران في العراق من مجمل حلفاء الأمس، خاصة رموز الكتل البرلمانية السنية وبعض الليبراليين، وتم ذلك بعد انسحاب الولاياتالمتحدةالأمريكية من العراق، وتوالت الخلافات بعد أحداث سوريا، حيث تمت ملاحقة نائب رئيس الجمهورية الدكتور طارق الهاشمي وذلك لأسباب تتعلق بوقفه الداعم للثورة السورية والحراك العشائري في محافظات الرمادي وديالى والموصل وبسبب علاقاته القوية مع تركيا منافس إيران في المنطقة، ولذلك ترك "الهاشمي" بغداد وغادرها ليمكث في تركيا بعد حكم قضائي يقضي بسجنه، وما سبق ذلك من اعتداء عليه ومقتل بعض طاقم حراساته، وفي هذه الأجواء من التخاصم والخلافات الداخلية العراقية استشعرت الولاياتالمتحدةالأمريكية بان امتيازات أزلامها مهددة، وأن إيران قد سيطرت على مجمل ثروات العراق لوحدها، وهنا أيقنت بأنها خسرت الكثير من مكانتها في المنطقة، وتفاقم العداء تجاه الولاياتالمتحدةالأمريكية من الشعوب والحكومات العربية، ولأن مصالحها في إيرانوسوريا ذهبت لصالح إيران وتمددها في المنطقة، وهذا ما حدث أيضاً في أفغانستان، ولذلك عملت الولاياتالمتحدة على تحريك أدواتها في العراقوسوريا مستغلة الحراك الشعبي والمطالب الشعبية المحقة. وهنا نستذكر شيئاً من الماضي بهدف تحليل ما جرى في أبو غريب وغيره من مراكز تجنيد العملاء خاصة في سفارات دول الخليج، وهنا نقف قليلاً لنفهم الوضع في حينه، حيث قامت القوات الأمريكية بحل الجيش العراقي وتسريح عناصره، هنا بدأت القصة، تخيل هذا العدد من الجنود والضباط ممن يبلغ تعدادهم بنحو أربع ملايين مقاتل منظم ومدرب تم تسريحهم بدون رواتب وبدون مكافئة نهاية خدمة، حيث تم دفعهم في العراء، حيث عاشوا حياة صعبة جداً لا يعلمها إلا الله، وهذه تمثل اكبر جريمة بحق الإنسانية، حيث أن لكل مجند منهم بيت وزوجة وأطفال. ففي هذا المشهد تحديداً لعبت أموال الخليج وسفاراتها ومراكز تجنيد العملاء دوراً في شراء ولاء بعض القادة خاصة من أصحاب الرتب الوسيطة، حيث لعبوا دوراً في تشكيل جماعات مثل داعش وغيرها...، وهذا ما يبرر وجود عشرة من قيادات الصف الأول في "داعش" من عناصر حزب "البعث" ممن عملوا في الجيش العراقي السابق، وهذا ما يفسر ضخامة عدد وحجم ونفوذ "داعش" في العراقوسوريا، حيث يصعب على تنظيم عسكري "ارهابي" أو "ثوري" أن يتمتع بمثل هذا الحجم من الوسائل والأدوات ومراكز القوى والتحرك والنفوذ إلا في حال وجود حواضن اجتماعية أصيلة أو تم اصطناعها، وهذا ما يفسر السلوك الإجرامي والعنيف لداعش في سوريا وربما الأقل عنفاً في العراق، وذلك لأن محافظاتالعراق السنية هي الحاضنة الطبيعة لداعش، أما محافظاتسوريا فهي حواضن مصطنعة لا تدرك داعش طوابعها ومزاجاتها لذلك لم تتقبلهم، واعتقد بان "داعش" وفي حال انتهاء الغرض "الأمريكي الخليجي" من وجودها سوف تذهب مثل "فص ملح وذاب"، ولن تتحدث عنها وسائل إعلام أنظمة الاستبداد لأن الهدف من داعش مؤقت، لكن سوف تعاني بلدان المنطقة من عناصر داعش بعد إنهاء مهام قيادات هذا التنظيم، خاصة بعد عودة بعضهم إلى بلدانهم. وأهم أهداف تأسيس "داعش" إرهاب عوام شرائح المجتمعات الشرقية خاصة الأقليات المتنوعة والمتعددة من تنامي البديل الإسلامي المنافس للأنظمة القومية والتقليدية، ويهدف من وراء تأسيس "داعش " في سوريا منع وصول بديل إسلامي ينتمي للبيئة الاجتماعية الطبيعة والمعاشة في سوريا وعموم الشام، ولذلك تستخدم "داعش" صمام أمام للغرب وبلدان ممالك النفط في شبه جزيرة العرب. وفي هذه الأجواء المربكة والمحبطة يم استغفال البسطاء من العوام عبر وسائل الإعلام والمال المشبوه وقوة "عسكر خان" بهدف الدفع بشخصية "المنقذ". ففي مصر فشلوا في الدفع بشخصية موالية وليبرالية ومدنية مثل "محمد البرادعي"، ولذلك مارسوا اللعبة بامتياز من خلال أدواتهم وخرجوا لنا بشخصية السوبر مان "عبد الفتاح السيسي"، ويراد للعراق أن تحكم بواسطة شخصيات يرضى عنها الغرب والولاياتالمتحدة، ومن هذه الشخصيات قد يتم الترويج ل"الجلبي وعلاوي" بعد إشغال وإرباك حكومة المالكي والقوى الثورية المعارضة للمالكي، وفي سوريا ربما يتم بعد عام أو أقل الدفع ب"برهان غليون أو أحمد الجربا" في خضم مزيد من الضغط على الثوار والقوى الإسلامية الاجتماعية الأصيلة، وفي ليبيا تم تثر الأوراق من جديد بعد فرار رموز سياسية ليبرالية محسوبة على الغرب "محمود جبريل وعلي زيدان" إلى دولة الإمارات، لذلك استخرجت الولاياتالمتحدةالأمريكية ورقة جديدة من خلال الترويج لشخصية "الجنرال" المنقذ والسوبر مان اللواء المتقاعد "خليفة حفتر".