منذ اول انتخابات حرة وصعود حكومة منتخبة ثم توافقية لم يهنأ للتونسي بال فوجدنا انفسنا ، وربما عقابا لنا على الاختيار الحر ، بين مطرقة الارهاب بكل اشكالة بدأ بالاضرابات العشوائية مرورا بالمواجهات في الشوارع واثارة الفوضى ووصولا الى العمليات المسلحة ،وبين سندان الضرائب المثقّلة( برفع الميم) فلم تكد تمضى ايام معدودات على الصدمة التي تلقاها الشعب التونسي بمقتل وجرح ثلة من جنودنا بجبل ورغة من ولاية الكاف على اثر انفجار الغام ارضية زرعتها كتائب القتل العشوائي تحت عناوين واسماء الفاتحين او الخلفاء الراشدين او الصحابة المبشرين،حتى لو كان منفذوها او مهندسوها تجمعيون فاسدون او يساريون متطرفون ، او جهات استخباراتية فيها خليط اقليمي وخليجي ودولي ، لم تمض ايام ، حتى تلقى صدمة اخرى لا تقل ايلاما عن الأولي زادت من انينه الدائم تحت وطأة الضريبة المجحفة التى تخرق اهم مبدأ من مبادىء الضريبة المتعارف عليه كونيا وهو مبدا العدالة الضريبية ، اذ لا تفرق هاته الضرائب الموظفة بمقتضى قانون المالية التكميلي (في عمومها ) بين ميسور ومعسور و بين مترف ومستضعف وسوت بينهم في الاداء .دون ان نلمس اي برنامج او مشروع لتغطية حاجة الضعفاء سيما في المناطق المحرومة طيلة حكم بورقيبة وبن علي . ولعل ضريبة الزواج التى اصبحت مثار تندر الكثير حتى بدا ان المهر الذي تاخذه الفتاة لزواجها اقل ثلاثين مرة من المهر الذي تاخذه الدولة لتلك الزيجة وكأن العريس يتزوج الدولة لا الحبيبة ، فمعروف ان مهر الزوجة دينار ، وسيصبح مهر الدولة ثلاثين دينار لا ندري من يدفعها هل العروس ام العريس ام انصافا بينهما يدفعانها معا مهرا او " باروكا " للدولة ، دون الاخذ بعين الاعتبار ان طبقة هائلة من الفقراء والمهمشين سواء في المناطق غير المحظوظة في الداخل او في الاحياء الحزامية والارياف داخل المدن الكبرى سيفكر مرات ومرات في هاته الضريبة ومثيلاتها الكثر في قانون المالية التكميلي ، وستثقل صدره وكاهله ، ان الدولة التى تبني دخلها على الاجحاف الضريبي دون التفكير في اقامة العدالة في التوظيف ، لتغطية الاحتياجات العامة من بنية تحية وتغطية اجتماعية ومتشفيات ومدارس ونفقات الادارة وغيرها هي لا شك دولة مهددة في استقرارها تهديدا جديا قد لا يقل خطورة عن التهديد الارهابي فكلها تهديدات توصل الى نفس النتائج من الاضطرابات والفوضى وعدم الاستقرار وتهديد كيان الدولة ، ان هذا النظام الجبائي الموروث عن الدولة البورقيبية التى بنت اقتصادها على قطاعات هشة تقوم على الخدمات بحثا عن الربح السريع والمريح وغير المرهق متخلية عن البناء الاقتصادي الذي يقوم على الانتاج ، انه نفس النظام الذي اوصلنا الى ثورة شعبية ، ما يزال يواصل نشاطه بنفس الفكر ونفس المنطق وربما نفس الاشخاص ايضا ، ولا توجد اية محاولة جدية في تجاوز هذا النمط الضريبي المرتبط جدليا بالنمط الاقتصادي المختار ، فتركيز الدولة البورقيبية على استثمار الشواطىء والرمال الدافئة ، وضخ اموال الدولة التونسية والشعب التونسي منذ الاستقلال الى اليوم في بناء النزل السياحية وتهميش مناطق الانتاج الداخلية حيث التربة الخصبة والمياه العذبة والمناخ الملائم للانتاج واليد العاملة الرخيصة نسبيا جعل من اقتصادنا اقتصادا رخوا وهشا ولا يصمد امام الهزات والاضطرابات مهما كانت متوسطة الحجم فضلا عما حدث من ثورة شعبية عارمة وتركة نظام دكتاتوري افقر الارض والشعب ، فسرعان ما وجدت خزينة الدولة فارغة تكاد تعجز عن الوفاء بالتزاماتها من جميع النواحي بدا بالناحية الاجتماعية ووصولا الى التهديد بعدم صرف رواتب موظفي الدولة وهو ما يهدد كيانها اصلا ،وينذر بافلاسها وتوقفها عن الدفع ولعل الحل الاسهل بالنسبة لكل المسؤولين الذين تداولوا على السلطة حتى الآن لمواجهة هذا العجز ، والذي لا يحتاج الى جهد في اعمال الفكر والبحث عن حلول ، هو اما الاقتراض او توظيف الضرائب على الناس ، ولما كنا في وضع انتقالي تتردد فيه الجهات المانحة او المقرضة في صرف السيولة اللازمة للدولة التونسية والتى تظل تنتظر الوضع الدائم لتطمئن على اموالها ، فان الملجأ الوحيد المتبقى هو توظيف الضريبة على اوسع قطاع ممكن من الناس وبالضرورة ستمس الفئات الضعيفة بنفس الدرجة مع الفئات الغنية خاصة اذا لم تميز بين دافعي الضريبة من اغنياء وفقراء وتوظف عليهم نفس المعلوم بمساواة ظالمة لا تتفق مع مبدأ العدالة الضريبية ، ان اثقال كاهل المواطن البسيط بكم هائل من التوظيف الضريبي لتصرف في رواتب القوى غير المنتجة عموما او في قطاعات تنتج جزءا يسيرا جدا مما هو مطلوب منها انتاجه هو امر منذر بالخراب على الدولة التونسية الجديدة بعد الثورة ان تبحث عن حلول وطنية تونسية لمنوال تنمية وموازنة جديدة مختلفة عن الموروث الذي دمر اقتصاد الوطن ومقدرة المواطن وزاده فقرا وعجزا عن دفع ابسط المعاليم الضريبية ، لا ان تنساق في نفس النمط القديم الذي اثبت فشله ، ان اثقال كاهل الدولة بنفقات كانت في غنى عنها كالزيادات المجحفة في الاجور يدفعها الى توظيف ضرائب مجحفة على العامة ، ونتذكر جيدا كيف انفجر الوضع ضد الترويكا لما وضفت نوعا من الضرائب على الناس ولما كان الشركاء الاجتمعايون سيما النقابات تبحث عن اسقاط الحكومة ، الوضع اليوم يمر بصمت القبور وكأن هاته الضرائب الجديدة لا تعني شريحة واسعة من المجتمع ولاتعني اغلبيته الضعيفة التى هي غير قادرة اصلا على الاداء وهي اكبر المتضررين من الزيادة في كثير من انواع التامبر الجبائي او المحروقات او من رفع الدعم ، علينا ان نقف وقفة تامل عميقة لما يحدث ، فضربات الارهاب واجحاف الضرائب لن تساهم في الاستقرار المنشود قبل اجراء العملية الانتخابية ، ونامل الا تكون هاته الاجراءات الضريبية والضربات الارهابية ذات الاهداف الواحدة ،يضاف لها التصريحات السياسية النارية الهادفة الى التشكيك في موعد اجراء الانتخابات ، نامل الا يكون لها ارتباط تنظيمي وان تكون ارتبطت ببعضها البعض وتشابهت في الاهداف وتزامنت فقط بصفة موضوعية ، فوحدة الهدف وهو تعطيل العملية الديمقراطية تثير الكثير من الشكوك ، ان المراهنة على طيبة التونسي في شهر رمضان المتزامن مع العطلة المدرسية وانهماك الناس في شؤونهم الصيفية والرمضانية وتحييد المؤسسات النقابية ، لتمرير هاته الحزمة الضريبية لا يمكن ان يمضى بسهولة ، فالضريبة ورفع الدعم لن يمر على التونسي المفقر والمهمش والعاجز اصلا عن دفع احتياجاته اليومية فضلا عن ضرائب مستحدثة مكلفة ومرهقة ، ان ثقل الضريبة وتكاثرها يؤدي حتما الى الامتناع عن الدفع ومزيد تأزم الوضع الاقتصادي ، فيما التقليل منها باب من ابواب الازدهار والرخاء ، ولعل سبب قوة الامم الكبرى هي مسالة العدالة الضريبية فيتنافس المتنافسون في الانتخابات الامريكية مثلا بما يقدموه من تخفيظات ضريبية على المواطنين وما يبشرون به من مشاريع اجتماعية تنهض بضعفاء الحال وكان الامر كذالك خلال اوج الحضارة الاسلامية فكانت الضرائب معلومة وواضحة وقليلة وغير مجحفة ، الزكاة للمسلمين عشر او نصف العشر من الانتاج الصافي والجزية لغير المسمين ومن كل حسب مدى يسره ، والخراج على الارض لا اكثر ولا اقل ، وكان الجميع يدفع وعندما تكفي الحاجة ويوجد في بيت المال ما يكفى لتسديد نفقات العسكر والدولة وضعفاء المجتمع من ماكل وملبس وماوى يتوقفون عن جمع الضرائب. ان تغول الضريبة منذر باندثار الدولة وخراب العمران بحسب العلامة ابن خلدون الذي يستشهد به كبارساسة القرن كالرئيس الامريكي الاسبق رونالد ريغان عندما كان يقنع الكنجرس بالتخفيض في الضريبة لتجاوز الازمة الاقتصادية التى خلفها سلفه كارتر فقال انه كلما خفضت الضريبة زادت ايرادات الدولة لأن خفضها يحفزعلى الانتاج ويزيده وتحصل الخزينة العامة على مبالغ اكبر عملا بمقولة ابن خلدون نفسه (ان القليل في الكثير كثير والكثير في القليل قليل) فبقدر يسر الضريبة وعدالتها بقدر الاقدام على دفعها ، وبقدر تضخمها على المواطن بقدر تهربه من دفعها ، فلنحذر غضبة المواطنين فاكبر الهزات التى عاشتها تونس كانت بسبب الضريبة او رفع الدعم ، واحداث الخبز وضحاياها لعام 1983 ما زالت حية في الذاكرة .، فحذار ان تستعمل الضريبة والارهاب لافشال المسار الانتخابي والديمقراطي في تونس . ان الألغام التى يضعها اعداء الديمقراطية تحت اقدامنا ليست فقط تلك التى تنفجر تحت اقدام جنودها في جبل الشعانبي بالقصرين وجبل ورغة بالكاف ولكن التصريح السياسي المشكك في اجراء الانتخابات في موعدها لغم ، والتقرير الصحفي الباث للرعب في صوفوف التونسيين لغم ، والاجحاف الضريبي لغم ايضا ، ورفع الدعم بصفة غير مدروسة ولا تحمي الضعفاء هو اللغم الأكبر ، الذي قد يفجر الوضع الاجتماعي ويكون ذريعة للقطع النهائي مع المسار الديمقراطي . بقلم الأستاذعمر الرواني المحامي