بُشرى لأهالي جندوبة: عودة قوية لقسم طب العيون بالمستشفى الجهوي    51% من قتلى الحوادث أعمارهم بين 18 و44 سنة    عاجل: التاكسي الفردي يلوّح بالإضراب بعد تجاهل المطالب    كشف هوية أول مشتبه به في هجوم سيدني    الإطار الطبي للمنتخب يتابع الحالة الصحية لنعيم السيتي للمشاركة في كأس إفريقيا    الريال يواجه ألافيس ومان سيتي أمام كريستال بالاس ضمن الدوريات الأوروبية    عاجل: شنيا حكاية ضبط كميات كبيرة من الكبدة المنتهية صلوحيتها كانت متجهة نحو الجزائر؟    حادث مرور يسفر عن وفاة اب وإبنته بتطاوين    مهرجان بدائل للفنون بالكاف يمنح جائزته التقديرية للممثل البحري الرحالي    شنيا حكاية المادة المضافة للبلاستك الي تقاوم الحرائق؟    تعرف على الغدة الدرقية وأهميتها لجسمك وشنيا الي يعمل اضطرابات؟    في افتتاح الدورة 36 لأيام قرطاج السينمائية :فيلم"فلسطين 36": المقاومة شعلة لا تنطفئ    إنشاء مجمع صناعي متكامل لإنتاج العطور ومستحضرات التجميل ببوسالم    الرياض تستضيف المنتدى العالمي ال 11 للحضارات بدعم غوتيريش و130 دولة    ماتشوات نصف نهائي كأس العرب: شوف الوقت شكون ضدّ شكون والقنوات الناقلة    أزمة وطنية: أكثر من 1500 مريض ينتظرون زرع الكلى    تطورات قضية مصرع مغنية تركية.. صديقة ابنتها تدلي باعترافات صادمة    السوق المركزي في المغرب شعلت فيه النار... خسائر كبيرة    شنيا يصير وقت شرب ال Chocolat Chaud في ال Grippe؟    جون سينا يقول باي باي للمصارعة بعد 23 عام مجد    الألواح الشمسية وقانون المالية 2026: جدل حول الجباية بين تسريع الانتقال الطاقي وحماية التصنيع المحلي    اريانة: مندوب الفلاحة بالجهة يؤكد اهمية مشاركة مجامع التنمية الفلاحية بالصالون الدولي "افريكا فود"    محرز الغنوشي يُبشّر: ''إمكانية تسجيل بعض الزخّات المطرية الضعيفة والمحلية بالشمال الشرقي''    معز حديدان: تونس تدفع ثمن ضعف الإنتاج وارتفاع كلفة الطاقة    اعتقال سوري ومصري و3 مغاربة في ألمانيا بتهمة التخطيط لهجوم إرهابي على سوق عيد الميلاد    مقتل شخصين على الأقل في إطلاق نار قرب جامعة براون الأمريكية    السعودية.. السماح للأجانب بتملك العقار وتطبيق النظام المحدث ينطلق قريبا    كأس القارات للأندية: فلامينغو البرازيلي يتاهل الى الدور النهائي بالفوز على بيراميدز المصري 2 - 0    سوسة.. العثور على جثة مسن روسي الجنسية في حديقة المكتبة الجهوية    كرة اليد.. النتائج الكاملة لمواجهات الجولة 18 لبطولة النخبة والترتيب    ترامب يكشف حالة الشرع بعد مقتل جنود أمريكيين في تدمر ويتوعد بردود فعل خطيرة جدا    حادث مرور قاتل بهذه الجهة..#خبر_عاجل    رئيسة الحكومة تشرف على جلسة عمل وزارية..وهذا فحواها..#خبر_عاجل    افتتاح الدورة السادسة والثلاثين لأيام قرطاج السينمائية بحضور عربي وإفريقي ودولي واسع    الجريصة.. اطلاق اسم الفنان عيسى حراث على دار الثقافة    تاكلسة.. قافلة صحية لطبّ العيون تؤمّن فحوصات لفائدة 150 منتفعًا    8 أبراج تحصل على فرصة العمر في عام 2026    سوسة: "24 ساعة متواصلة من الشعر"    محافظ البنك المركزي: تونس يعوزها الاستثمار المنتج والتمويل الموجه نحو الاقتصاد الحقيقي    بطولة انقلترا: محمد صلاح بديلا في تشكيلة ليفربول أمام برايتون    توزر: تنظيم الشباك الموحد لإتمام إجراءات السفر لموسم الحج 2026    مجموعة ووهان يانغلو الصينية تؤكّد رغبتها في إقامة استثمارات بمقاييس عالمية في تونس    المؤسسة المالية الدولية تؤكد مواصلة دعم تونس في مجال الطاقات المتجددة    عاجل/ اسرائيل تغتال الرجل الثاني في "حماس"    موعد الشروع في ترميم معلم الكنيسة بقابس    وهبي الخزري يعلن اعتزاله كرة القدم    عاجل/ قرار جديد بخصوص ترويج زيت الزيتون في السوق الداخلية    انقطاع التيار الكهربائي بالمنطقة السياحية بالمهدية غدا الاحد    تونس: بطاقة إيداع بالسجن لشاب قتل خاله دهسًا بسيارته    اليوم: إنطلاق الدورة 36 لأيام قرطاج السينمائية    الأمم المتحدة تعتمد قرارا يُلزم الاحتلال بعدم تهجير وتجويع أهالي غزّة    صدور قانون المالية 2026 بالرائد الرسمي    طقس اليوم: ضباب صباحا وارتفاع في درجات الحرارة    شنوّا حكاية ''البلّوطة'' للرجال؟    تنبيه لكلّ حاجّ: التصوير ممنوع    حملة صحية مجانية للتقصي المبكر لسرطان القولون بجهة باردو..    خطبة الجمعة.. أعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك    بدأ العد التنازلي لرمضان: هذا موعد غرة شهر رجب فلكياً..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المواطن التونسي بين الغام الكتائب ونيران الضرائب
نشر في الحوار نت يوم 20 - 07 - 2014

منذ اول انتخابات حرة وصعود حكومة منتخبة ثم توافقية لم يهنأ للتونسي بال فوجدنا انفسنا ، وربما عقابا لنا على الاختيار الحر ، بين مطرقة الارهاب بكل اشكالة بدأ بالاضرابات العشوائية مرورا بالمواجهات في الشوارع واثارة الفوضى ووصولا الى العمليات المسلحة ،وبين سندان الضرائب المثقّلة( برفع الميم)
فلم تكد تمضى ايام معدودات على الصدمة التي تلقاها الشعب التونسي بمقتل وجرح ثلة من جنودنا بجبل ورغة من ولاية الكاف على اثر انفجار الغام ارضية زرعتها كتائب القتل العشوائي تحت عناوين واسماء الفاتحين او الخلفاء الراشدين او الصحابة المبشرين،حتى لو كان منفذوها او مهندسوها تجمعيون فاسدون او يساريون متطرفون ، او جهات استخباراتية فيها خليط اقليمي وخليجي ودولي ،
لم تمض ايام ، حتى تلقى صدمة اخرى لا تقل ايلاما عن الأولي زادت من انينه الدائم تحت وطأة الضريبة المجحفة التى تخرق اهم مبدأ من مبادىء الضريبة المتعارف عليه كونيا وهو مبدا العدالة الضريبية ، اذ لا تفرق هاته الضرائب الموظفة بمقتضى قانون المالية التكميلي (في عمومها ) بين ميسور ومعسور و بين مترف ومستضعف وسوت بينهم في الاداء .دون ان نلمس اي برنامج او مشروع لتغطية حاجة الضعفاء سيما في المناطق المحرومة طيلة حكم بورقيبة وبن علي .
ولعل ضريبة الزواج التى اصبحت مثار تندر الكثير حتى بدا ان المهر الذي تاخذه الفتاة لزواجها اقل ثلاثين مرة من المهر الذي تاخذه الدولة لتلك الزيجة وكأن العريس يتزوج الدولة لا الحبيبة ، فمعروف ان مهر الزوجة دينار ، وسيصبح مهر الدولة ثلاثين دينار لا ندري من يدفعها هل العروس ام العريس ام انصافا بينهما يدفعانها معا مهرا او " باروكا " للدولة ، دون الاخذ بعين الاعتبار ان طبقة هائلة من الفقراء والمهمشين سواء في المناطق غير المحظوظة في الداخل او في الاحياء الحزامية والارياف داخل المدن الكبرى سيفكر مرات ومرات في هاته الضريبة ومثيلاتها الكثر في قانون المالية التكميلي ، وستثقل صدره وكاهله ،
ان الدولة التى تبني دخلها على الاجحاف الضريبي دون التفكير في اقامة العدالة في التوظيف ، لتغطية الاحتياجات العامة من بنية تحية وتغطية اجتماعية ومتشفيات ومدارس ونفقات الادارة وغيرها هي لا شك دولة مهددة في استقرارها تهديدا جديا قد لا يقل خطورة عن التهديد الارهابي فكلها تهديدات توصل الى نفس النتائج من الاضطرابات والفوضى وعدم الاستقرار وتهديد كيان الدولة ،
ان هذا النظام الجبائي الموروث عن الدولة البورقيبية التى بنت اقتصادها على قطاعات هشة تقوم على الخدمات بحثا عن الربح السريع والمريح وغير المرهق متخلية عن البناء الاقتصادي الذي يقوم على الانتاج ،
انه نفس النظام الذي اوصلنا الى ثورة شعبية ، ما يزال يواصل نشاطه بنفس الفكر ونفس المنطق وربما نفس الاشخاص ايضا ، ولا توجد اية محاولة جدية في تجاوز هذا النمط الضريبي المرتبط جدليا بالنمط الاقتصادي المختار ،
فتركيز الدولة البورقيبية على استثمار الشواطىء والرمال الدافئة ، وضخ اموال الدولة التونسية والشعب التونسي منذ الاستقلال الى اليوم في بناء النزل السياحية وتهميش مناطق الانتاج الداخلية حيث التربة الخصبة والمياه العذبة والمناخ الملائم للانتاج واليد العاملة الرخيصة نسبيا جعل من اقتصادنا اقتصادا رخوا وهشا ولا يصمد امام الهزات والاضطرابات مهما كانت متوسطة الحجم فضلا عما حدث من ثورة شعبية عارمة وتركة نظام دكتاتوري افقر الارض والشعب ،
فسرعان ما وجدت خزينة الدولة فارغة تكاد تعجز عن الوفاء بالتزاماتها من جميع النواحي بدا بالناحية الاجتماعية ووصولا الى التهديد بعدم صرف رواتب موظفي الدولة وهو ما يهدد كيانها اصلا ،وينذر بافلاسها وتوقفها عن الدفع
ولعل الحل الاسهل بالنسبة لكل المسؤولين الذين تداولوا على السلطة حتى الآن لمواجهة هذا العجز ، والذي لا يحتاج الى جهد في اعمال الفكر والبحث عن حلول ، هو اما الاقتراض او توظيف الضرائب على الناس ،
ولما كنا في وضع انتقالي تتردد فيه الجهات المانحة او المقرضة في صرف السيولة اللازمة للدولة التونسية والتى تظل تنتظر الوضع الدائم لتطمئن على اموالها ، فان الملجأ الوحيد المتبقى هو توظيف الضريبة على اوسع قطاع ممكن من الناس وبالضرورة ستمس الفئات الضعيفة بنفس الدرجة مع الفئات الغنية خاصة اذا لم تميز بين دافعي الضريبة من اغنياء وفقراء وتوظف عليهم نفس المعلوم بمساواة ظالمة لا تتفق مع مبدأ العدالة الضريبية ،
ان اثقال كاهل المواطن البسيط بكم هائل من التوظيف الضريبي لتصرف في رواتب القوى غير المنتجة عموما او في قطاعات تنتج جزءا يسيرا جدا مما هو مطلوب منها انتاجه هو امر منذر بالخراب
على الدولة التونسية الجديدة بعد الثورة ان تبحث عن حلول وطنية تونسية لمنوال تنمية وموازنة جديدة مختلفة عن الموروث الذي دمر اقتصاد الوطن ومقدرة المواطن وزاده فقرا وعجزا عن دفع ابسط المعاليم الضريبية ، لا ان تنساق في نفس النمط القديم الذي اثبت فشله ،
ان اثقال كاهل الدولة بنفقات كانت في غنى عنها كالزيادات المجحفة في الاجور يدفعها الى توظيف ضرائب مجحفة على العامة ، ونتذكر جيدا كيف انفجر الوضع ضد الترويكا لما وضفت نوعا من الضرائب على الناس ولما كان الشركاء الاجتمعايون سيما النقابات تبحث عن اسقاط الحكومة ،
الوضع اليوم يمر بصمت القبور وكأن هاته الضرائب الجديدة لا تعني شريحة واسعة من المجتمع ولاتعني اغلبيته الضعيفة التى هي غير قادرة اصلا على الاداء وهي اكبر المتضررين من الزيادة في كثير من انواع التامبر الجبائي او المحروقات او من رفع الدعم ،
علينا ان نقف وقفة تامل عميقة لما يحدث ، فضربات الارهاب واجحاف الضرائب لن تساهم في الاستقرار المنشود قبل اجراء العملية الانتخابية ، ونامل الا تكون هاته الاجراءات الضريبية والضربات الارهابية ذات الاهداف الواحدة ،يضاف لها التصريحات السياسية النارية الهادفة الى التشكيك في موعد اجراء الانتخابات ، نامل الا يكون لها ارتباط تنظيمي وان تكون ارتبطت ببعضها البعض وتشابهت في الاهداف وتزامنت فقط بصفة موضوعية ،
فوحدة الهدف وهو تعطيل العملية الديمقراطية تثير الكثير من الشكوك ،
ان المراهنة على طيبة التونسي في شهر رمضان المتزامن مع العطلة المدرسية وانهماك الناس في شؤونهم الصيفية والرمضانية وتحييد المؤسسات النقابية ، لتمرير هاته الحزمة الضريبية لا يمكن ان يمضى بسهولة ، فالضريبة ورفع الدعم لن يمر على التونسي المفقر والمهمش والعاجز اصلا عن دفع احتياجاته اليومية فضلا عن ضرائب مستحدثة مكلفة ومرهقة ،
ان ثقل الضريبة وتكاثرها يؤدي حتما الى الامتناع عن الدفع ومزيد تأزم الوضع الاقتصادي ، فيما التقليل منها باب من ابواب الازدهار والرخاء ، ولعل سبب قوة الامم الكبرى هي مسالة العدالة الضريبية فيتنافس المتنافسون في الانتخابات الامريكية مثلا بما يقدموه من تخفيظات ضريبية على المواطنين وما يبشرون به من مشاريع اجتماعية تنهض بضعفاء الحال
وكان الامر كذالك خلال اوج الحضارة الاسلامية فكانت الضرائب معلومة وواضحة وقليلة وغير مجحفة ، الزكاة للمسلمين عشر او نصف العشر من الانتاج الصافي والجزية لغير المسمين ومن كل حسب مدى يسره ، والخراج على الارض لا اكثر ولا اقل ، وكان الجميع يدفع وعندما تكفي الحاجة ويوجد في بيت المال ما يكفى لتسديد نفقات العسكر والدولة وضعفاء المجتمع من ماكل وملبس وماوى يتوقفون عن جمع الضرائب.
ان تغول الضريبة منذر باندثار الدولة وخراب العمران بحسب العلامة ابن خلدون الذي يستشهد به كبارساسة القرن كالرئيس الامريكي الاسبق رونالد ريغان عندما كان يقنع الكنجرس بالتخفيض في الضريبة لتجاوز الازمة الاقتصادية التى خلفها سلفه كارتر فقال انه كلما خفضت الضريبة زادت ايرادات الدولة لأن خفضها يحفزعلى الانتاج ويزيده وتحصل الخزينة العامة على مبالغ اكبر عملا بمقولة ابن خلدون نفسه (ان القليل في الكثير كثير والكثير في القليل قليل)
فبقدر يسر الضريبة وعدالتها بقدر الاقدام على دفعها ، وبقدر تضخمها على المواطن بقدر تهربه من دفعها ، فلنحذر غضبة المواطنين فاكبر الهزات التى عاشتها تونس كانت بسبب الضريبة او رفع الدعم ، واحداث الخبز وضحاياها لعام 1983 ما زالت حية في الذاكرة .،
فحذار ان تستعمل الضريبة والارهاب لافشال المسار الانتخابي والديمقراطي في تونس .
ان الألغام التى يضعها اعداء الديمقراطية تحت اقدامنا ليست فقط تلك التى تنفجر تحت اقدام جنودها في جبل الشعانبي بالقصرين وجبل ورغة بالكاف
ولكن التصريح السياسي المشكك في اجراء الانتخابات في موعدها لغم ،
والتقرير الصحفي الباث للرعب في صوفوف التونسيين لغم ،
والاجحاف الضريبي لغم ايضا ،
ورفع الدعم بصفة غير مدروسة ولا تحمي الضعفاء هو اللغم الأكبر ،
الذي قد يفجر الوضع الاجتماعي ويكون ذريعة للقطع النهائي مع المسار الديمقراطي .
بقلم الأستاذعمر الرواني المحامي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.