بعيدا عن الحسابات السياسية ومواقف "البلاتوات" الحوارية أعتقد أن فوز "التجمع" في تونس بعد "الثورة" هو جريمة شديدة الإحكام خطط لها بعناية ومكر، فوق الأرض وتحت الأرض داخل الوطن وخارجه، وهي جريمة لا تقل عن جرائم الإغتيال السياسي، ولا تختلف كثيرا في المقصد أو طريقة الإعداد لجريمة قتل شكري بلعيد ومحمد البراهمي كما ستشترك معها في المآل لأن "مهندسها" واحد وستسجل ضدّ مجهول! وجاء الآن دور إعلام بن عليّ ليشيد بنزاهة العملية واكتمال المسار ويتقصى "التصريحات" التي مفادها أن العملية شفافة ونزيهة بعناية شديدة وليبين أن الشعب التونسي فرح بطيّ صفحة "الترويكا"! وفي الآن ذاته يتظاهر "التجمعيون" الفائزون بتواضع كاذب مخالف لماضيهم الأسود وطباعهم الاستئصالية العنيفة! حتى يمرّ مكرهم دون عواصف تعارضه وتفضحه!
لو أنهم فازوا بالتنافس النزيه لكان يجدر بنا جميعا تهنئتهم دون غضاضة أوحرجا، واحترام إرادة الشعب حتى وإن خالفت هوانا أو أيقظت في الذاكرة مشاهد لم تختف بعد! ... ولكنّا رأينا بأعيننا وسمعنا بآذاننا ما يقدح في نزاهة هذه الانتخابات قدحا كبيرا أو صغيرا وجب من أهل الاختصاص النظر فيه وتحديد مستوياته وفداحته!
يجب هنا استحضار مشهد قريب جدا من الذاكرة ولم يمّح بعد وهوفضيحة تزوير تزكيات مرشّحهم للرئاسة قبل هذه الانتخابات بأيام وتقديم أرقام وصور بطاقات هوية دون علم أصحابها! وإذا علمنا أن بعض الناخبين تمكنوا من حقهم في الانتخاب دون أن ينتخبوا في الانتخابات الماضية أو يسجلوا لهذه أو تلك، فالأكيد أن هناك من سجّلهم دون علمهم، وإذا كان هذا لا يعدّ إشكالا كبيرا فإن ما أشار له القيادي بالجبهة الشعبية رياض بن فضل من أن بعض الناس ذهبوا للانتخاب فتمّ ردّهم بدعوى أنهم انتخبوا، وهناك من وقّع بدلا منه في جدول الناخبين يعدّ أمرا في حاجة إلى نظر وتحقيق! في المقابل رُدّت جموع كبيرة من الناخبين سجلت للانتخابات الماضية وهذه ومع ذلك سقطت أسماؤهم "سهوا"!! وأصرّت الهيأة العليا المستقلة للانتخابات على حرمانهم من حقهم وعدم اتخاذ قرار جريء بشأنهم! ... إصرار يثير التساؤل ويحتمل سوء النية، وقد توقّعنا ما سيحصل، وطالبنا وطالب غيرنا قبل الانتخابات بأيام من تمكين كل مواطن من حقه في الانتخاب كما حصل في الانتخابات الماضية، دون تفاعل يذكر من الهيأة!
على الهيأة وعلى صحافة "الاستقصاء" أن تراجع سجلات الذين انتخبوا للتأكد، هل كل من انتخب على قيد الحياة؟ ... ألا يوجد من بين أسماء الذين انتخبوا من هو نزيل سجن أو مستشفى؟ أو من المقاتلين مع "داعش" وغيرها أو من الذين يحرّمون الانتخابات ويطرقون الأبواب للتحذير من "عصيان" الله بالتوجه للصندوق، وغير ذلك كثير! ... أسئلة أطرحها لتوجيه البحث والتدقيق ولفت الأنظار!
وإذا تبيّن بعد ذلك أن المخالفات والتزوير لم تتجاوز التأثير على الناخبين في خرق الصمت الانتخابي، أو دفع الأموال لشراء الأصوات، فهنيئا "للتجمع" الذي وجد من يبيع نفسه! وقناعتي أن الأيام ستبدي لنا أو لمن يأتي بعدنا محتويات كثير من الصناديق السوداء! من ملأها وبماذا ملئت وأين!!