أحدهم أصر عليّ حتّى أرافقه لسوق الخردة، قلت: "وما يفعل شابّ مثلك بالخردة، والأجهزة التي ترك عليها الزمن آثارا وخدودا، فمعظمها قديم صدئ، ولو كان فيها خير ما تخلى عنها أصحابها أو ورثتهم! لم يعد في هذا الزمان من يعرف لما صنعت وكيف تستعمل وأغلب أصحابها قد قضوا منذعقود عديدة! ... ألا ترى أن أغلب زوّار السوق من تجار التحف والآثارالذين يشترون تلك الأشياء لقيمتها التاريخية فحسب"! قال: "يا عمّ أنت قد غيّر طول الغربة أسلوب تفكيرك وتعاملك مع الأشياء! ... أنا قادم لتوّي من البلاد وقد ندمت بعد مار أيت من تكالب الناس على ما تسمّيه خردة أنني لم آخذ منها معي ما أبيعه لمن يقدّره قدره وما يدرّ علي أموال أعوض بها نفقاتي! ... يا عمّ لا يغرّك ما ترى من صدأ، فتحت الصّدأ صلابة وغلظة! ... خذ مثلا مفتاحا من هذه المفاتيح الصدئة وضعه على رأس "بولونة" ثم افتح ... لن يفلتها إلا بعد أن يفتحها أو يكسر عنقها! ... ثم جرّب مفتاحا جديدا نظيفا ستجده ليّنا طيّعا، يعجز عن فتح أي "بولونة" صدئة بل قد يصل به العجز ليحاورها ويطلب منها أن تساعده فتنفتح دون إكراه"!! قلت: " كلامك صحيح إن كانت المفاتيح الجديدة سلعة تايوانية مغشوشة"! قال: "في كل الأحوال وبعد ما رأيت ما على الخردة من إقبال، نويت أن أملأ السيارة وأضرب في الأرض وأشق الجبال بمرافقة أم العيال، وعند القمارق أدفع ما تيسّر من مال لأعبر من غير حرج أو جدال، وفي السوق تقبل على بضاعتي كل الأجيال"! وبينما مرافقي يجمع الخردة ويختار، كنت شاردا بفكري ومحتارا في شعب يحن للخردة ويفضلها على الآلات الحديثة التي تنجز أعمالها بطرق نظيفة وجهود خفيفة! وإذ بعيناي تقع على مقصلتين لقطع شرائح الخبز وما شابهه ، فقلت في نفسي أضعها على ذمة مواطنيّ في الداخل والخارج الذين غمسوا أصابعهم في الحبر ووقعوا فيما حبك ضدّهم بكل عناية ودهاء، لأنني أتوقع أنهم سيحتاجون هاتين المقصلتين ليقطعوا بها أنامل أوردتهم القهر والمهالك! وسيكون حالهم كالذئاب التي إن وقعت في الفخ قطعت أرجلها لتنجو! وإن غدا لناظره لقريب! صابر التونسي 31 أكتوبر 2014