تونس الصباح: يضم سوق الخردة مختلف الطبقات الاجتماعية، الفقيرة منها والمتوسطة، وحتى الثرية تتوافد على هذا المكان المترامي الأطراف لاقتناء أشياء نادرة وقديمة من قطع غيار مستعملة الومنيوم وحديد رصاص ونحاس ،أجهزة كهربائية و رياضية أحذية ولعب أطفال وأجهزة راديو وتلفزيون وفيديو ومراوح وثلاجات وغسالات وملابس وأثاث منزلي وديكورات، ومفاتيح وغيرها من السلع المستعملة، تباع بأثمان بخسة وأحيانا اقل من ثمنها الحقيقي أسواق ينشطها الفقراء ويرتادها الأثرياء من أين يتم جلب سلعها؟ وكيف يتم التزود بها؟ كتب قيمة وطبعات نادرة لمؤلفات مهمة تعرض بأسعار لا تقاوم أواني مستعملة خاصة بالمنزل وهواتف نقالة وقارة بعضها في حالة جيدة وبعضها معطب. سوق الخردة ميناء تلتقي مصالح جميع الأطراف فيه من جامعي الخردة وتجارها وزبائنها، كل يبحث عن مصلحته، فقناصوا الخردة يبحثون عن التجار لتصريف بضاعتهم، والتجار يبحثون عن الزبائن لبيع الخردوات التي تراكمت في محلاتهم، والزبائن يتسابقون لشراء التحف النادرة التي لا تتوفر إلا في هذا الفضاء. "أمضيت خمسين سنة متجولا بين أسواق الخردة اقتنص الفرص لشراء ما يمكن أن يفيد زبائني الذين يتوافدون على السوق من كل صوب وحدب. فالسوق مليء بالات وأجهزة نستعملها في حياتنا اليومية ونستغني عنها لاحقا أحيانا تكون في حالة جيدة وأحيانا تكون تالفة فنعيد صيانتها ونبيعها" هكذا انطلق الحاج الصادق في حديثه عن السوق مفيدا انه أفنى شبابه وسط أكوام الخردة ينبش اكوامها التي طالما كانت مصدر رزق له ولعائلته ويقول "إن الصفقات المربحة للخردة تنشط موسميا، مثل الأعياد والعودة إلى المدارس وفصل الصيف، حيث ان بعض الأسر تلجأ إلى بيع مستلزمات البيت المهترئة أو الزائدة عن حاجتها، وحتى الجيدة لفك أزمتها المالية، حينها نحصل نحن التجار على بضائع جيدة تدر علينا أرباحا كما يقبل علينا نوع آخر من الحرفاء وهم من الطبقة الراقية احيانا يتصلون بي عن طريق الهاتف فاتنقل على عين المكان اشتري منهم البضاعة واغادر وفي اغلب الاوقات ترى هذه النوعية من الزبائن تتجول في ارجاء السوق علهم يقتنصون فرصة ثمينة ويصادفهم الحظ في الحصول على قطعة فريدة وذات قيمة كبيرة". تحدث الشيخ بكل تلقائية وكان بين الفينة والاخرى يلثم سجارته ممسكا اياها باصابعه المرتعشة مشيرا الى احدى الزبائن وهي سيدة في مقتبل العمر تختفي وراء نظارة شمسية سوداء تحمل بيدها" ثرية " من النوع الرفيع في حاجة الى بعض الصيانة والعناية وبعدها تكون قادرة لاضائة اجمل القصور توجهنا نحوها وبجهد كبير استطعنا ان نقنعها بالحديث وباقتضاب اجابت هذه ليست المرة الاولى التي اقتني فيها اشياء ثمينة من السوق وهذه الثرية مثلا من الكريستال والنحاس اقتنيتها ب 35 دينارا في حين ان سعرها الحقيقي مرتفع جدا كما اجد احيانا في اكداس الخردة مفاتيح تصلح لصيانة السيارات وقطع غيار مستعملة تفيد في استعمالات متعددة السيد المنجي الطويلي تاجر خردة 55 سنة يقول"أن أهم منتجات الخردة تتواجد في أماكن جمع النفايات فهي تحتوي على أغراض تالفة أو غير مكتملة التركيب من الأدوات الإلكترونية التي لا يحتاج بعضها سوى تصليح بسيط، ويصبح صالحا للاستعمال". ويشير إلى أنه يبيع ويشتري التحف واللوحات القديمة وأجهزة الراديو والغرامافون القديمة، وآلات الطبخ النحاسية وغيرها من الأدوات الأخرى قائلا "أحيانا تصادفنا آلات وأدوات كثيرة قد لا نعرف قيمتها الحقيقية يضطر أصحابها إلى بيعها لسداد ديونهم أو لقضاء حوائجهم بعضهم يتحصل على هذه الأشياء على غرار الثريات والتحف والأواني من الفخار والنحاس كهدية ولا يدرك ثمنها فيبيعها لينتفع بثمنها وبعضهم مل من وجودها لديه فخير استبدالها بأخرى جديدة يبيعنا إياها لنعرضها نحن في السوق يشتريها الحرفاء وأحيانا بعض الأثرياء بأسعار مغرية يلمعونها ويعرضونها في منازلهم وبعدها يدمنون على ارتياد أسواقنا". عن ذكرياته في أسواق الخردة تحدث المنجي قائلا "أسرار كبيرة ضمها هذا السوق وطرائف كبيرة عشتها خلال الثلاثين سنة التي أمضيتها متجولا اذكر ذات يوم أني وجدت رسالة حب كتبها احدهم لصديقته معلما إياها انه سيغادر التراب بعد كتابة هذه الأسطر مباشرة وفي نهاية الرسالة كتب اسمها بقطرات من دمه ودموعه التي أتلفت بعض اسطر الورقة لقد كانت هذه الرسالة مختفية بين صفحات كتاب قديم وصلني عبر إحدى تجار الخردة أما أهم ذكرياتي فقد تزوجت من أخت احد أصدقائي المقربين وهو تاجر خردة". ويضيف "هذا النوع من التجارة يسهم بفعالية في تنشيط الحركة التجارية، وكذا تشغيل الأيادي العاملة فقد أطلق سوق الخردة رجال أعمال من اكبر تجار المنطقة انطلقوا من تجارة النفايات فهي تجارة رابحة جدا ولا تتطلب رأس مال كبير يكفي بعض الوقت والتجول بين انهج وأزقة الأحياء الشعبية لتنطلق في تجارة رابحة" ويضيف الطويلي "لقد امتهنت هذه التجارة ولم أتخل عنها إطلاقا اذ تمكنت من خلالها من العيش آمنا زوجت أبنائي الاثنين واشتريت منزلا وتمكنت من كسب زبائن من مستوى راقي جدا ساعدوني كثيرا في حياتي على جميع المستويات المالية منها والعملية اذكر على سبيل المثال إن احد زبائني رجل أعمال في مجال التجارة ساعدني في إيجاد وظيفة لابني بعد تخرجه مباشرة وزوجته ساعدتني في إنهاء مراسم زفاف ابنتي فالسوق يضم أشكال متعددة من الحرفاء بعضهم من الفئات البسيطة التي اضطر أحيانا إلى إعطائهم البضاعة مجانا رأفة بأحوالهم السيئة جدا وبعضهم يدفعون بدل العشرة عشرات من الدنانير مع ابتسامة كبيرة ووعد بالرجوع هذه هي أحوالنا نعيش بين طبقتين مختلفتين". هكذا ختم الطويلي حديثه مبتسما ابتسامة تفهم من خلالها معاني متنوعة مفادها أن الحياة تستمر رغم كل العناء سوق الخردة يصنع أسماء في الأوساط الراقية كان بلخير يتجول بين أركان السوق مازحا بين الفينة والأخرى مع بقية التجار وبعض الحرفاء مطلقا عليهم ألقابا متنوعة ك"الباشا والمدير والدكتور..." وغيرها من التسميات الأخرى التي يرغب من ورائها في كسب رضا المتسوقين مقنعا إياهم بضرورة زيارة "نصبته" التي تضم إشكالا متنوعة من المعروضات التي لا يتصور احدهم أن يجدها تعرض هنا في هذا السوق وحتى من جاء وبرأسه فكرة واحدة فان بالخير يصطاد ه ويقنعه بغيرها حتى وان لم يجد ضالته هناك فانه سيشترى بأي شكل من الإشكال ما عرض لديه من أشياء متنوعة يقول إن تجارته من أرقى أنواع المهن لم يخلق ليكون طبيبا أو محاميا ولا ليكون متحيلا بل خلق ليكون تاجرا وتاجر خردة دون سواها حيث يقول لقد جربت كل أنواع التجارة من القماش إلى الملابس الجاهزة إلى مواد البناء والسيراميك ولم أجد راحتي إلا في هذه التجارة المميزة والتي لا تتطلب رأس مال كبير ولكنها مربحة جدا يكفي أن تبيع مرة واحدة قطعة نادرة أو بعض الأواني النحاسية التي استغنى عنها أصحابها حتى تضمن زبائن من نوع خاص يشترون منك ويصنعون لك اسما في السوق بين الأوساط الراقية فالسوق لا يضمه فقط الفقراء وأصحاب الدخل المحدود فقط بل أيضا الأثرياء من أصحاب هوايات الأثاث والأشياء القديمة". يقول بلخير "نحن تجار شرفاء نمتاز بالسمعة الطيبة والأصل المتين اشتهرنا على مرور الزمن بالثقة ودماثة الأخلاق ندخل البيوت في العديد من الأحياء الشعبية ممن يتصل بنا أصحابها للتخلص من أشياء قديمة باتت تعيقهم مقابل نقود قليلة ولكن للأسف اليوم أصبحت بعض الأسواق تغزوها مسروقات كثيرة ضمن البضائع المعروضة ويقول إن بعض التجار يعتمدون على اللصوص والنشالين لتزويدهم بالبضائع، بدلا من البحث عن خردوات قديمة قد يستغني عنها مستخدموها ويبيعونها رغم كل مساعي السلط الأمنية التي تتواصل جاهدة للحد دون تسرب هذه السلع لكن وجودها لا ينقطع بالأسواق. بالإضافة إلى إن السوق أصبح ملاذا للعاطلين عن العمل، حيث إنهم وجدوا فرصا لكسب رزقهم من خلال العمل كمساعدين لتجار الخردة أو وسطاء في عمليات البيع".