نظرة سريعة لإيقاع البلاتوهات السياسية في قنواتنا التلفزية على مدى الحملة الانتخابية الرئاسية يمكن ان تختزل لك الأجندات وتصفية الحسابات باعتبار ان لكل قناة مرشحيها و"خيوطها الخفية" مهما حاول المشرفون عليها ادعاء الاستقلالية والحيادية وإضفاء مسحة من الموضوعية. وفي ثنايا هذا الواقع تحول المشهد الاعلامي الى "جبهات" تستخدم فيها مختلف الأسلحة وحتى "المحظورة" في خرق واضح لمبادئ المهنية وعدم احترام للمعايير والضوابط القانونية .فلا يخفى على احد ان لكل قناة الأسماء التي تساندها وتراهن عليها في هذه المعركة الانتخابية دون مراعاة مبدإ الحيادية والمعايير الأخلاقية . أجندات وحسابات وإذا كانت مساندة قناة "نسمة" للباجي قائد السبسي بدرجة أولى ثم حمة الهمامي الذي ساهمت في ارتفاع أسهمه ومساندة قناة "الحوار التونسي" للمرشح سليم الرياحي بصفة واضحة وجلية باعتباره "صاحب الذبذبات" فان القنوات القريبة من النهضة مثل "الزيتونة" و"المتوسط" اختارت "التخندق" مع المرشح المنصف المرزوقي ومناصرته في هذه "الحرب" المصيرية ومعه بعض الأسماء مهما كانت المعطيات والحسابات. وبين هذه الجبهة وتلك كانت البرامج السياسية للتلفزة الوطنية أكثر توازنا رغم الانتقادات التي ترشقها من بعض الأطراف فقد شد برنامج "شكرا على الحضور" الأنظار بفضل حرفية بوبكر بن عكاشة الذي كان على نفس المسافة من كل المترشحين الذين كثيرا ما أحرجهم واستدرجهم بأسلوب فيه الكثير من الحنكة والخبث والدهاء دون انحيازه لهذا الطرف أو ذاك مهما كان وزنه .فقد شاهدناه لما أحرج الباجي قائد السبسي والمنصف المرزوقي وغيرهما من المترشحين دون حسابات أي انه لم "يعصر" هذا ويترك "الفسحة" لذاك .كان هادئا رصينا في مواجهة ضيوفه ,سلاحه الوحيد أسئلته الدقيقة و"مناوراته" التي اثبتت انه اكتسب الكثير من فن المحاورة. أين الحياد؟ وفي حديثه ل"الصباح" شكك سفيان بن فرحات في حيادية البلاتوهات السياسية على خلفية ما اعتبره "انحيازا" وميولات لبعض المترشحين بما يتماشى مع خيارات وتوجهات هذه القناة أو تلك باعتبار ان التيارات السياسية الفاعلة في البلاد تجد مساندة من بعض البرامج السياسية دون مراعاة للمعايير المهنية وبالتالي فان العملية الاعلامية لم تكن بالحياد المطلوب بالنسبة لأغلب القنوات على حد تعبيره. وأضاف "ان ماكينة بعض القنوات تعمل لفائدة "نداء تونس " وأخرى مع مصالح "النهضة" ,قناة "الحوار التونسي" تساند سليم الرياحي الذي ظهر فيها في مختلف البرامج وظهر في اكثر من حوار في وقت قياسي وقناة "الزيتونة" تناصر المرزوقي.ونكذب على أنفسنا اذا ادعينا الحيادية والاستقلالية واعتبر بن فرحات ان مسألة الاستقطاب الثنائي أشمل من ان يخلقها توازن المشهد السمعي البصري اذ يمكن ان تعمقها البلاتوهات التلفزية لكن لا يمكن البتة ان تصنعها . وكشف محدثنا ان احد الأحزاب عرض عليه العمل معه في حملته الانتخابية مقابل مبلغ مالي هام بشرط عدم التعرض بالنقد لبعض الأسماء لكنه رفض هذه المساومات. غضب واستياء يبدو ان المترشحين المستقلين كانوا الأقل حضورا في الاعلام حيث لم لم تنصفهم "الماكينات" الاعلامية وكانوا غالبا خارج اهتمامات البلاتوهات السياسية بل ان بعض الأسماء لم تذكر على لسان هذا المحلل أو ذاك إلا على سبيل الانتقاد والتهكم .ومن الطبيعي ان يشعر هؤلاء بالغبن وهم يشاهدون بعض الأسماء تتمتع بحظوة ليس لها مثيل وتفتح لها أبواب هذه القناة أو تلك على مصراعيها و"بالهلالو" فيما يعاملون هم بالتجاهل واللامبالاة في خرق واضح لمعايير الموضوعية والمهنية ومبدأ تكافؤ الفرص. وبدا الصافي سعيد مستاء من الاعلام وأكد في حديثه ل"الصباح" ان "الماكينات الاعلامية ومنها الكثير الفاسد يتكلمون باسم استقلالية وحياد الاعلام وهم منحازون ..هم حولوها الى استقطاب واعتبروها معركة لغة وصيد في المياه العكرة". استقطاب مرفوض وفي وقت انتقد محرز بوصيان الاعلام قائلا " استهدفوني لاني الرئيس المقبل لتونس ومن غير المعقول تغييبي عن البلاتوهات التلفزية دون مبررات " استنكر حمودة بن سلامة توجه البلاتوهات التلفزية نحو استقطاب الوجوه السياسية المعروفة للترويج لحملاتها الانتخابية وتهميش الوجوه الجديدة على حد تعبيره. ومن جهته اكد علي الشورابي ان بعض القنوات التلفزية انحازت بصفة مفضوحة لبعض المترشحين مما يعكس خدمة اجندات سياسية و حزبية وهو مالا يتماشى مع أدنى معايير الموضوعية .وكشف ان هذه القنوات تجاهلته لعدم انخراطه في أي أجندا حزبية أو سياسية وعدم قدرته على تقديم الهدايا لبعض وسائل الاعلام على حسب قوله. "اعلام العار" "اعلام العار" هي العبارة الشهيرة التي رددها المنصف المرزوقي وهو يهاجم الاعلاميين ويكيل لهم الاتهامات ويرشقهم بالانتقادات ,لكن وان ترددت اليوم على لسان كل مناصريه في مختلف محطاته الانتخابية فإنها لم تكن بعيدة عن قاموس الاتجاه المقابل لتتحول هذه العملية الى شيطنة مرفوضة من هذا الطرف وذاك . ومهما اختلفت الحسابات فان الاعلام مطالب في هذا الظرف الحساس التزام الحيادية والمعايير المهنية وعدم الدخول في دائرة "الممنوع" و"المحظور" لترك الكلمة لصندوق الاقتراع لان محاولات تغليب هذا الطرف أو ذاك قد تؤثر في النهاية على نزاهة وشفافية الانتخابات في محطة مصيرية تشهدها تونس لأول مرة في تاريخها. خطايا ولفت نظر وفي ظل هذا الصراع أثبتت عمليات رصد التعددية السياسية ومدى التزام التغطية الاعلامية للحملة الانتخابية الرئاسية للقنوات التلفزية والإذاعية بمبادئ الحياد والمساواة بين المترشحين تسجيل عديد التجاوزات التي انجرت عنها عقوبات مختلفة. وسلطت "الهايكا " خطية مالية على "قناة الزيتونة" في شخص ممثلها القانوني قدرها 20 الف دينارلمخالفتها احكام الفصل 70 من القانون الاساسي لسنة 2014 بعد ان عاين مجلس الهيئة ان القناة بثت يوم 7 نوفمبر برنامج "من غرفة الأخبار الذي تضمن اشارة الى نتائج سبر الآراء بخصوص المترشحين للانتخابات الرئاسية . كما قرر مجلس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري تسليط خطية مالية على قناة "نسمة" في شخص ممثلها القانوني قدرها 20 الف دينار لمخالفتها احكام الفصل الفصل 70 من القانون الاساسي لسنة 2014 بعد ان عاين مجلس الهيئة ان القناة بثت يوم 1 نوفمبر اعادة لنشرة الاخبار لليوم السابق تضمنت اشارة الى نتائج سبر الاراء بخصوص احد المترشحين للانتخابات الرئاسية. كما سلطت "الهايكا" خطية مالية على اذاعة "اكسبراس اف-ام" في شخص ممثلها القانوني قدرها 20 الف دينار لمخالفتها احكام الفصل 70 بعد ان عاين مجلس الهيئة ان الاذاعة بثت يوم 6 نوفمبر في برنامج "لاكسبراس" اشارة الى نتائج سبر الاراء بخصوص احد المترشحين للرئاسة. وسلطت "الهايكا" خطية مالية على الاذاعة الوطنية في شخص ممثلها القانوني قدرها 20 الف دينار لمخالفتها احكام الفصل 70 من القانون الاساسي عدد 16 بعد ان عاين مجلس الهيئة ان برنامج "يوم سعيد " الذي بث يوم 11 نوفمبر اشارة الى نتائج سبر آراء بخصوص المترشحين للانتخابات الرئاسية . كما وجهت الهايكا لفت نظر لقناتي "نسمة" و"المتوسط" على خلفية بعض التجاوزات.