ما لِهذه الأخطاء الإملائية لا تكاد تفارق طلابنا؟! وظلت تصحبهم طويلا حتى تخرّجوا من صفوف الدراسة وعادوا إليها أساتذة ومعلمين! حتى الأقلام الفخمة والغالية جدا، التي يشتريها بعض المسؤولين، فيها ذات المعضلة؛ فهي لا تكتب دون أن تتعثر في همزة متوسطة أو متطرفة! ولن تجد في أقلام الناس إلا القليل اليسير ممن يحسن أن يفرق بين أحوال الهمزات، ويفرق بين التاء المربوطة والمفتوحة، والألف الممدودة والمقصورة. ودائما نعود باللائمة على هذا الطالب المسكين، ونحمّله التبعية والمسؤولية باعتباره الجدار القصير الذي نعلق عليه خيباتنا. ولا أنكر أنه يتحمل قسطا من ذلك.. ولكن أين البقية؟! أين المناهج التي ظلت تُغيّر في ألوانها وأشكالها دون أن تُحدِث تطويرا حقيقيا؟! أين المجامع اللغوية وأهل الاجتهاد الذين يمدّون هذه المناهج باجتهاد جديد يسهم في حل المعضلات والأخطاء المزمنات؟! تخيل وأنت تشرح لتلميذ في الصف السادس قاعدة الهمزات المتوسطة، وكيف تتعامل معها حين تكون مضمومة، بينما لها تعامل آخر حين تكون مضمومة وما قبلها مكسور، إلى آخر هذه القواعد. حين يخطئ الطالب بعد ذلك لا ينبغي أن نفتح أعيننا على قصوره، ثم نغمض جفوننا عن تقصير أهل الاجتهاد في هذا الباب. الذين ظل اجتهادهم ضعيفا لا يقوى على واو (عمرو) المزيدة، ولا يقوى على ألف (مائة) المزيدة. وظلوا عاجزين عن حق (هذا) وَ(أولئك) في أَلِفَيهما! يكفي لوما لهذا الطالب المقصر، وعلينا أن نفتح المساءلات لتقصير أهل الاجتهاد. نعم، هناك جهود ومحاولات مشكورة في مجامع اللغة وأقطابها، لكنها بقيت قاصرة عن التطبيق، ومحبوسة في أوساطٍ خاصة محل الرأي والمداولة. هل نصدق أن فئاما من المشتغلين بالعلم ما زالوا بحاجة لمن يقنعهم بأن (الاجتهاد العلمي) في حالة ضعيفة وهو ينتظر من يفتح بابه، ويهيئ أسبابه؟! إننا نتألم ونستشعر خطأ (الطالب) ولا نتألم ونتذكر تقصير (المجتهد). إن كل خطأ في الإملاء هو صوت جديد يذكرنا بتقصيرنا في واجب الاجتهاد وحركة التطوير. لقد طور الأوائل الكتابة، وابتكروا النقاط، وأبدعوا التشكيل، وأضافوا علامات الترقيم.. ثم توقف الاجتهاد في العلم، وتراجعت الأمة عن صدارتها، حتى أصبح نصيبها من العلم الحفظ والتلقين، وملاحظة الطلاب في أخطائهم. وهو نوع من الاستهلاك في العلم يشبه استهلاكهم لمنتجات الحضارة المعاصرة. إننا كما نستورد (القلم) من الخارج، نستورد (العلم) من التاريخ، وليس لنا دور في صناعة هذا القلم، أو الإضافة في هذا العلم! إن الاجتهاد العلمي حركةٌ وحياة عقلية، إذا نشطت وجدتَ التطوير في كل مناحي الحياة، فإذا انطفأ وتراجع وجدت الحياة خاوية على عروشها، وكل شيء على حاله السابق حتى علوم الاصطلاح المبنية على التوافق والاختيار. إن الاجتهاد روح، إذا نُفخت في العلم نشط العلم، والمعلم، والمدارس والجامعات، ونشطت أدوات التدريس وطرائقها، وتطورت المناهج ومضامينها، وتنافس العلماء في الإضافة العلمية، وشرعت الأمة في الخروج من عالمها الثالث المستهلِك، واتجهت نحو الصدارة تسترد أمجادها وذكرياتها، وتصنع وتنتج وتؤثر وتملك قرارها ومصيرها. عبدالله القرشي