الرابطة الأولى: النادي الصفاقسي يطالب بصافرة أجنبية في الكلاسيكو    استعمال'' الدرون'' في تونس : وزارة الدفاع تكشف مستجدات المشروع الجديد    مدنين: قريبا تركيز وحدة الاساليب الحسية لتذوق حليب الابل بمعهد المناطق القاحلة    الهند: ارتفاع حصيلة انفجار السيارة إلى 12 قتيلا    أطباء بلا حدود تكشف: الأوضاع الإنسانية بغزة ما تزال مروعة..    نواب ينتقدون مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026: "استنساخ للسابقة واعتماد مفرط على الجباية"    الترجي الرياضي: توغاي يعود إلى تونس.. ورحة بأيام ل"بن سعيد"    لا تفوتوا مباراة تونس وموريتانيا اليوم..تفاصيل البث التلفزي..#خبر_عاجل    محاولة سطو ثانية على لاعب تشلسي... واللاعب وأطفاله ينجون بأعجوبة    عاجل : مداخيل'' البروموسبور'' تحقق قفزة وقانون جديد على قريب    عاجل: هزة أرضية بقوة 5.36 ريختر تُحسّ بها عاصمة بلد عربي    ائتلاف السوداني يحقق "فوزاً كبيراً" في الانتخابات التشريعية العراقية    فنزويلا: مادورو يوقّع قانون الدفاع الشامل عن الوطن    انطلاق معرض الموبيليا بمركز المعارض بالشرقية الجمعة 14 نوفمبر 2025    يوم مفتوح لتقصي مرض الانسداد الرئوي المزمن يوم الجمعة 14 نوفمبر بمركز الوسيط المطار بصفاقس    وزارة المالية: أكثر من 1770 انتدابا جديدا ضمن ميزانية 2026    قفصة: وفاة مساعد سائق في حادث جنوح قطار لنقل الفسفاط بالمتلوي    النجم الساحلي: زبير بية يكشف عن أسباب الإستقالة.. ويتوجه برسالة إلى الأحباء    تونس تشارك في بطولة العالم للكاراتي بمصر من 27 الى 30 نوفمبر بخمسة عناصر    تعاون ثقافي جديد بين المملكة المتحدة وتونس في شنني    أحمد بن ركاض العامري : برنامج العامين المقبلين جاهز ومعرض الشارقة للكتاب أثر في مسيرة بعض صناع المحتوى    "ضعي روحك على يدك وامشي" فيلم وثائقي للمخرجة زبيدة فارسي يفتتح الدورة العاشرة للمهرجان الدولي لأفلام حقوق الإنسان بتونس    ليوما الفجر.. قمر التربيع الأخير ضوي السما!...شوفوا حكايتوا    تحطم طائرة شحن تركية يودي بحياة 20 جندياً...شنيا الحكاية؟    معهد باستور بتونس العاصمة ينظم يوما علميا تحسيسيا حول مرض السكري يوم الجمعة 14 نوفمبر 2025    تحب تسهّل معاملاتك مع الديوانة؟ شوف الحل    سباق التسّلح يعود مجددًا: العالم على أعتاب حرب عالمية اقتصادية نووية..    عاجل/ هذه حقيقة الأرقام المتداولة حول نسبة الزيادة في الأجور…    اسباب ''الشرقة'' المتكررة..حاجات ماكش باش تتوقعها    خطير: تقارير تكشف عن آثار جانبية لهذا العصير..يضر النساء    الجبل الأحمر: 8 سنوات سجن وغرامة ب10 آلاف دينار لفتاة روّجت المخدرات بالوسط المدرسي    حادث مؤلم أمام مدرسة.. تلميذ يفارق الحياة في لحظة    عاجل/ بعد وفاة مساعد السائق: فتح تحقيق في حادث انقلاب قطار تابع لفسفاط قفصة..    أحكام بالسجن والإعدام في قضية الهجوم الإرهابي بأكودة استشهد خلالها عون حرس    بش تغيّر العمليات الديوانية: شنوّا هي منظومة ''سندة2''    تحذير عاجل: الولايات المتحدة تسحب حليب أطفال بعد رصد بكتيريا خطيرة في المنتج    عاجل: امكانية وقوع أزمة في القهوة في تونس..هذه الأسباب    فريق تونسي آخر يحتج رسميًا على التحكيم ويطالب بفتح تحقيق عاجل    طقس الاربعاء كيفاش باش يكون؟    تقديرا لإسهاماته في تطوير البحث العلمي العربي : تكريم المؤرخ التونسي عبد الجليل التميمي في الإمارات بحضور كوكبة من أهل الفكر والثقافة    محمد علي النفطي يوضّح التوجهات الكبرى لسياسة تونس الخارجية: دبلوماسية اقتصادية وانفتاح متعدد المحاور    الديوانة تُحبط محاولتين لتهريب العملة بأكثر من 5 ملايين دينار    عاجل/ الرصد الجوي يصدر نشرة استثنائية..    الكتاب تحت وطأة العشوائية والإقصاء    الحمامات وجهة السياحة البديلة ... موسم استثنائي ونموّ في المؤشرات ب5 %    3 آلاف قضية    وزارة الثقافة تنعى الأديب والمفكر الشاذلي الساكر    عاجل/ غلق هذه الطريق بالعاصمة لمدّة 6 أشهر    عاجل/ تونس تُبرم إتفاقا جديدا مع البنك الدولي (تفاصيل)    فريق من المعهد الوطني للتراث يستكشف مسار "الكابل البحري للاتصالات ميدوزا"    تصريحات صادمة لمؤثرة عربية حول زواجها بداعية مصري    عاجل/ وزارة الصناعة والمناجم والطاقة تنتدب..    مؤلم: وفاة توأم يبلغان 34 سنة في حادث مرور    عاجل/ وزير الداخلية يفجرها ويكشف عن عملية أمنية هامة..    الدكتور صالح باجية (نفطة) .. باحث ومفكر حمل مشعل الفكر والمعرفة    صدور العدد الجديد لنشرية "فتاوي تونسية" عن ديوان الإفتاء    شنيا الحاجات الي لازمك تعملهم بعد ال 40    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حملة فكر التغلب: تلمذة فقهية خائبة
نشر في الحوار نت يوم 27 - 12 - 2014


قبل التجلية ينثال السؤال
في البداءة لم يكن هناك بد في إطار المناولة النقدية للمسار الفقهي المدموغ بسلطان الغلبة وغلبة السلطان،من أن يكون هذا الحضور لنهمة السؤال محفزا لإنثيال مصوغات تعبيرية ممسوسة بوجع أنفس أرهقتها أزمنة سلطانية نبدت المسلم في عراء سياسي مقفر،لتكون محاولة الإقتراب مسكونة بشغف الإستقصاء والإستكشاف،وباعثا حثيثا يرتجي تفكيك الحالة المأزومة التي أوقعتنا فيها هذه المدرسة المتأبطة ماشذت فيه زمرة من السلف عن المنهاج،والتي رسخت لمفاهيم وجذرت لأساليب في الممارسة الحكمية لم تلتزم الخط الرسالي النبوي والراشدي،بوصفهما براديجما مؤسسا وحاكما لكل اللواحق التي تروم سبيل الإستهداء والإستمداد مسلكا تحقق التجربة عبره ثراءها ونماءها.فهل ولاية أمر المسلمين ينشؤها التعاقد أم هي إصطفاء رباني أوكل الله فيه أمر عباده إلى من يحكمون بنظرية الحق الإلهي؟هل تعاقد الأمة مع الحاكم هو على التأبيد أم على التحديد؟أليس عيبا وعارا أن نرمي بلادا ينعم فيها الإنسان بكرامته وحريته وإنسانيته بالكفر بينما نحن الذين يقطر الإيمان منا ونحمل من ألقاب التدين والتقوى كذبا ماتنهد له الجبال لم يعد لنا من حقيقة الإنسان ومعانيه إلا صور باهتة وأطلال درستها تعاقبات زمن سلطاني معمم؟ كيف يدفع الباطل عن وجه الأرض ويعبد العباد للحق من لم يثبت أمام جور طاغيته المحلي الأقرب وأذعن للعسف والظلم وجعل ذلته للخلق سبيلا لورود الحوض والتنعم بنعيم الجنان ولم يدري أن الجنة تعاش في ديننا على الأرض قبل أن تكون موعودا مؤجلا في السماء،وبأن الله لايرضى لعباده العيش في كنف الظلم،وبأن النفوس الدنية لا تشرف بأن تحمل رسالة الله سبحانه؟ كيف يعدل بين الخلق من جعل شرعته حق القوة لا قوة الحق؟كيف يرفع الظلم عن العباد ومن بينهم من جعل الظلم قاعدة تأسيسية لحكمه؟كيف لأمة ترضى أن يسوسها بالسوط حاكمها الإدعاء الأجوف أنها صاحبة رسالة تدعو إلى تحرير الإنسان،بينما هي نفسها مستعبدة؟هل طاعة كل متحكم حتى وإن أعمل السوط في الظهور،وأوغل في أكل أموال الناس متوجبة بتزكية نبوية خالصة حقا؟
في الحالة وسقام الأفهام
لم تستطع التجربة السياسية الإسلامية النبوية المعروفة بدولة المدينة ومن بعدها دولة الخلافة الإستمرار لأكثر من ردح زمني هو في عمر التجارب التاريخية يعتبر قصيرا،إذ ماكادت تستوي الحالة السياسية المسلمة على قدرها المشيد على أسس النبوة وماتلاها من خلافة بماهي منهج رشد مبارك حتى كانت ولادة هذا الفقه المشكوك في مجانبتها لسفاح فكري دمغ الوليد بسوء المنبت،فكان الإنحراف عن خط سيرها المستهدي بآيات الكتاب وتقريرات الوحي بما هي إستبصارات تهب للمسلم ضمانات الخطو السليم السوي.لذا فإن من إبتدعوا هذا المسلك البغيض في ولاية شؤون الحكم قد ارتكبوا جناية عظمى في حق الأمة،والتي كان من أسوء فوادحها التنصيص على طرفية الأمة وهامشيتها داخل بنية السلطة والحكم، هذه الطرفية القصية التي تمت موضعة الأمة داخل جدرانها المسيجة كانت مبتغى الحاكم ومسعاه.فهم بفعلهم هذا قد عملوا على شرعنة الغصب والسطو من أجل افتكاك سلط من أصحابها الشرعيين،وعملوا على سن مسار بائس حرف الأمة عن القيام بدورها الرسالي بما هي أمة حق وصلاح،لتتناسل من رحم فقه البغي هذا مهالك جمة وترت علاقة الحاكم بالمحكوم.فهؤلاء الذين عملوا على وضع الأمة على هذه السكة قد حرفوها عن مسار الرشد وسنوا فيها سنة سيئة يبوؤون هم بإثمها وإثم من امتثل لتدبيجاتها السقيمة.من هنا يتوجب على الذهنية المسلمة المؤمنة بقدرها المميز كأمة يلزمها مبدأ الشهود والشهادة تأدية هذا الإستحقاق من أجل فض وفك هذا الإشتباك بين تأسيسية تجربة الحكم في الفترة النبوية،على نبالتها ووضاءتها،بماهي التجلي المستنير لمشرعات الوحي الرباني/النبوي داخل بنية الأنموذج وبين رغائب التحويل والتحوير الساكنة أنفسا درجت في منشطها على نسخ التجربة بمنأى عن أصولها ومنابتها ومقاصدها وعملت على مسخها في تصاريفها وتخريجاتها.هذا الإشتباك المسكون بهاجس السؤال لتفكيك حالة اللاسواء وغيبة الوعي السليم وتغييب النموذج والمرجع عن ساحات التداول من أجل فك مغالق ماأنسد من مسارب فكر كانت قمينة في البدء بتحرير إنساننا من الوقوع تحت ثقل الوطأة المفاهيمية المحرفة لصحف الحقيقة المسطرة بوهج المؤسسين الأول لنموذج تدبيري في الحكم كانت أعلامه خفاقة وضاءة في العالمين.
إن كل هذه المسيرة التاريخية المضمخة بدم المقتولين بسيف الغدر والغصب والتغلب ماكانت لتطول حتى تملأ هذا الفضاء الزمني المديد من عمر أمتنا لو أن من أذعنوا بادئ غصب ماقبلوا بفرية التغلب المجيزة للنفوس التساكن مع واقع الأمر،وماكان لمصائرنا لتكون محايثة لواقع القهر،وماكان ليحفز كل نزق أوعزت له سوء طويته وتملك بعضا من أسباب القوة والنفوذ على أن يخرج ساعيا من أجل مقاعد وثيرة جملها ريش السلطة على حين غفلة من أهلها المؤيدون بشرعة الحق ورضى من برضاهم يكون للأمر عقد أو رد.أما وقد زكت فئة ممن ولوا شأن الدجل النصوصي المؤول عمل البغي هذا فلنتبوأ مقاعدنا بين من يكشف الله عنهم ستره ويرفع عنهم منزلة الخيرية التي منحهم إياها لأنهم لم يلتزموا شروطها ولم يدفعوا لله حقها.أما وقد أصبح الغصب والقهر والتغلب مفاهيم تتم شرعنتها والإتكاء عليها كمنهج لإدارة الشأن السياسي،ومسلكا مقبولا لتولي أخطر مهمة ووظيفة سياسية في نظام الحكم،فماالذي يتبقى إذن لبقية المجتمع من قيم ومثل وأخلاق تدعو إلى مناصرة الحق ورفض الظلم والعدوان والبغي؟وإذا كان السطو على السلطة عملا متقبلا تسنده نصوص شرعية مدعاة يجازى صاحبه بتقديم قرابين الولاء والطاعة من لدن المحكومين،فكيف نعاقب صغار المغتصبين وسارقي لقمة العيش التي حرموها في ظل المغتصبين الكبار،فنجرم أفعالهم تلك رغم أنهم ماسلكوا طريقهم ذاك إلا إضطرارا أحوجهم المتسلطنون إلى سلوكه؟
إن الله سبحانه وتعالى تعبدنا بإقامة العدل إذ أننا نجد أمره مبثوثا عبر نصوص قرآنية: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان"."ولايجرمنكم شنآن قوم على ألاتعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى"."ياداوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالعدل" ولم يتعبدنا بإقامة الدولة إلا إن كانت مستأمنة على إقامة الشرع وتطبيق الشريعة التي بها ومن خلالها يتحقق العدل المنشود والموصى به من رب العباد العادل.وإن أي جنوح عن إقامة العدل من خلال بنيان الدولة السياسي كحكم وإدارة يقدح في مشروعية القائمين بأمر الحكم،ويسقط شرعيتهم من الأساس.ففقه مثل هذا عمل ولازال يعمل على شرعنة دولة الباطل إذ يمدها بنسغ البقاء والإستمرار حاكمة بالبغي والجور،حتى صار وجود الحاكم وبقاؤه هو النعمة المهداة من رب العباد،وهو الخير العميم المنزل من فوق سبع سماوات،ويغدو الدين وشرائعه وأحكامه الفضلى ومقاصده العليا في تراتبية الفقيه السلطاني في قاع السلم،فانظر إلى المدونات الفقهية السلطانية ومادبجته من فواجع مثل وجوب الطاعة للحاكم رغم ماقد يتأتى منه من ظلم وجور في حق العباد والبلاد،وحتى إن شرب الخمر وأتى من الفسوق أهوالا،وحتى إن استحوذ على أموال الأمة وحرم مستحقيها وجعلها بين زبانيته وأعوانه مشاعا محرمة على غيرهم الإقتراب منها.فطاعة حاكم متغلب مغتصب هي طاعة لطاغوت يبغي في الأرض الفساد،بينما نجد الله في قرآنه يأمرنا أن نكفر بالطاغوت.فالطاغوت هو كل ما/من جاوز الحد ومال عن الحق والعدل.فهل يدري هؤلاء المنتجون لهذا الفكر أن مفاعيل الإرتداد والسلبية التي دمغت تاريخ الأمة الحديث بالتخلف والسقوط الحضاري كانت نتاجا مباشرا لشيوع مثل هذه المنظومات الفقهية المحبطة،فهي قد قتلت في الإنسان رغبته في النهوض بأعباء الأنتماء والشهود الحضاري،حينما عملت على سحقه أمام طغيان كل ذي سلطان،إذ تحول الأفراد المنتمون إلى هذا الفضاء الجغرافي والمرسمون بصيغ الإنتماء المجالي إلى نفوس معطوبة،ميسمها الأبرز الحقارة والإهانة،و من ذوات يؤطرها الفعل والتفاعل إلى موضوع وحقل لممارسة الفعل السلطوي الجانح.لذا تصير مفرزات هذا الفكر خطيرة على الإنسان ومدمرة لنفسيته السوية ومربكة لإتزانه وسوائه،إذ تتناسل من رحم هذا الفكر ويلات مفاهيمية وسلوكية معطلة لتحقق النموذج الإنساني الرباني الحق،الذي تحفه الكرامة،وتتبرعم في فضاءات روحه الحرية،وترتفع فوق هامته منارات الحق.
هب أن إمرءا كان على الكفرثم هداه الله فأسلم وهو ينتمي وطنا ومقاما إلى غير بلاد المسلمين ترى لمن يقدم بيعته ومن هو الخليفة أو الحاكم المسلم الشرعي الذي تتوجب عليه طاعته،أهم الحاكمون المتأمرون بغلبة الدبابة ودجل أرباع الفقهاء،أم يبقي بيعته لحاكمه في قومه غير المسلم والذي هو إختاره كبقية من يعايشهم وفق نظام تعاقدي واضح الأسس والمعالم والمحدد للحقوق والواجبات المانع من الزيغ والشطط ؟وهل ياتراه وهو الفرد الحامل لكل معاني المواطنة في قومه وبلدته المتنعم بالحرية والكرامة وبكل الضمانات الإجتماعية التي تكفل إنسانيته يهجر كل ذاك،ويلتحق ببلاد الخلفاء وأمراء المؤمنين وخدام المقامات الدينيةليحيا الضنك والشدة والضيق في معاشه،أم تراه يؤوب إلى رشده فيهجر بلادا رفعت يافطة الدين خرقا رثة وعملت على التفلت من مستوجباته،ليحيا إسلامه مع أهل "الكفر" حرية وتحررا،ولا يعيش مع المتمسحين بالأعتاب،القاطعين الرقاب.فالغرب حتى بالشرعية الأخلاقية غير المؤطرة بمرجعية الوحي عنده-بماأنه عمل على فصل الأخلاق عن كل مرجع مجاوز للعقل-يقيم ويقوم حكامه ويعمل على ضبط منظومتهم السلوكية الشخصية على أن تكون موافقة في نهجها لذلك الإطار الأخلاقي الحاكم،بينما نحن المصابون بإسهال الطاعة الحاد لانرعوي عن وهبها لكل فاجر وكل ظالم بكل سلاسة ودونما وازع من دين ولا وخز من ضمير.
في الماهية والتوصيف
فقه التغلب هو فقه تبريري يسوغ الإنحراف التاريخي رغم فداحته،هو موادة للقوة ولو كانت تلبس رداء الباطل،ومشاقة للحق وأهله،هو تأسيس لإحتراب سياسي يتقمص لبوس الدين،هوشرعة جاهلية تسقط بنيان النظام السياسي وتمكن لنفسها،لتقيم مشروعها المؤسس على السطو والسلب كآليات لتقحم ميدان السلطة والحكم،هو إنحراف يمكن لإنحرافات أخطر وأعوص،في امتداده يتسع الخرق وتنفرج زاوية المباعدة عن منطلقات الشرع والحق،هو إفراز مقيت لمخيال سياسي معطوب لم يقوى على إجتراح نظرية سياسية تخرجه من محنته لطول ماتمرغ في وحل فكر أمعنت البلاهة فيه على قتل النباهة،هو شطب للوجود السياسي للأمة وتعطيل لقدرتها على الفعل التاريخي،هو نكث للأيمان ونقض للعهود،ونحر للمبدإ بدعوى الواقع،فنحن اليوم مع القائم إذ هو الشرعي،وضد مناوئه إذ هو الخارجي الباغي الفتنة في الأرض،ولكن هذا لا يمنع في غد قريب أن نخلع على من تغلب وقهر قميص الشرع والشرعية،ونخلع لباس الطاعة من أعناقنا لمن كنا نهتف له بالحب وطول البقاء.فقه التغلب رؤية سياسية تريد إنهاء السياسة من أن تكون ميدان التدافع والتشارك. هكذا يصير التغلب حدثا تاريخيا تنكب حاملوه عن مسالك الشرع في تبوء منازل الحكم،إذ لايعقل أن تكون كل أمم الأرض على إختلاف الملل والنحل والأيديولوجيات قد إستطاعت أن ترفع إنسانها إلى مدارج الرشد العقلي والنفسي كي تختار من يسير شؤونها ضمن علاقة تعاقدية،بينما ترسف هذه الأمة في دياجير فكر متخلف يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يجعل جماهير هذه الأمة قطيعا يساق من ثلة من الفاقدين للدين وللشرف وللمروءة.لذا تصبح كل بنية سياسية تدبيرية تعتمد على مفهومات علائقية تنسج ارتباطات المنتمين إليها،والمؤسسين لمجال إشتغالها على أسس من هذا القبيل تكون عاملة على خلق مجتمع من الأتباع والرعايا بما هو كتلة مفرغة القيمة والقدرة والفعل،على خلاف حاد مع كل المدونات الأخلاقية الدينية المسطورة ومع تجليات الجبلة الساكنة آفاق الروح وتشكلات الجسد.إن هذا الفكر لايمكن أن يكون إلا تسويغا لواقع عمل حاملوه على نأسيس منظومة حاملة منبتة عن أسس وأطر الشرع،إذ لايمكن توصيفه إلا بأنه رؤية سياسية تلبست الدين تحصينا لنفسها من محاولة النقد والنقض،فهو فكر إرتدادي بائس يحن إلى القيم الجاهلية ويستحضرها ضمن واقع سياسي مغاير كان القطع مع هذه القيم المؤسسة على القوة والغصب هو مايتوجب العمل على التمكين له،ففكر التغلب لم يكن إلا الترجمة الفعلية للنفس الجاهلي الذي لم يزل مستحكما مغلقا على العقول مداراته،ومن ثم فإن هذه العقول وهي تعيد إنتاج تمثلاتها التاريخية تصوغ وتصيغ في حقيقة الأمرتحقيباتها المتخيلة ضمن مقولات تقسر التاريخ على سير لولبي مستكره وترفض له أن يحقق منجزه للأمة وبها.لكل هذا كانت ولاتزال المحاولات تترى من أجل إلباس هذا الفكر لبوس الدين على الرغم من نشوئه على هامش النص الشرعي المؤسس لتجربة الحكم والسلطة في الإسلام كطفيليات فكرية أسست لحكم البغي،فنحتت لنفسها نظرية سياسية بشرية رفعتها إلى مرتبة القداسة،وذلك من خلال إخراجها المتقصد من مبحث فقهي يحكمه نفس الإجتهاد والرؤية المصلحية الدائرة وفق تحديدات الشرع وشروط الحياة وأفهام العباد،إلى مبحث عقدي يطبعه التسليم والخضوع لمقررات إيمانية ملزمة.الأمر الذي أدى إلى هذا الإنزياح الفادح عن الأصول المرعية المؤسسة لتولي الحكم وممارسة السلطة ماأوقع الأمة في منحدر التراجعات والإخفاق الحضاري الشامل،فهذا الفقه في تطبيقاته كان الحائل دون التطور الطبيعي لمشروع إسلامي في الحكم كانت المقومات الرئيسية متوافرة لإنطلاقته من طور الجنينية كقيم كبرى مثل:محورية الأمة في الإختيار ومركزيتها في الوهب والسلب للرضى والتفويض...إقامة العدل كمرتز أصيل يحوط بنيان المدينة الإسلامية المتخيلة...الرؤية التحررية كناظم للفكر وللسلوك لدى المسلم ومن ثم طرحها كتصور للحياة بما هو وشيجة تنسج للكينونة علائق تنطلق من رحابة الوجود نحو إنفتاحات الغاية.
في المصفى وجمع ماإنتثر
إن عصمة الأمة و حفظها من الزلل والخلل والشلل لم يكن مرتبطا منذ تشكل نواتها الأولى بقدسية السلطة وبقائها،بقدر ماكانت هذه العصمة مرتبطة بإقامة أمر الله في نفوس الأفراد وداخل بنى المجتمع،بماهو في المحصلة سبيكة لتلك الأخلاط المتنافرة الطباع الموحدة الوجهة سعيا صوب ربها.فالسلطة في رشادها ونبالتها ماكانت حيازتها وتملكها كآلية للإشتغال والممارسة الحصيفة لتشكل في حد ذاتها بغية المسلم،بل ماتؤدي إليه وماتستشرفه من فتح لعوالم تكون حقولا للبدار الفكري والمعرفي السليم هو المطمح والمبتغى.
فهل يركن العقل المسلم إلى رؤية سياسية عمل أهلوها المحدثون على إجترار فقه إرتكاسي ونكوصي؟ولم يستمر حملة أسفار فقه التغلب ممعنين في حمل أثقال تاريخ سلطاني مخضب بالتزوير؟وكيف يمكن إستئناف العمل التاريخي الواصل بين وهج النهج ومفصلية الراهن المأزوم؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.