مشروع تهييئة المدخل الجنوبي للعاصمة ستنتهي اشغاله في اواخر شهر ديسمبر 2025    تونس تتلقى دعوة للمشاركة في قمة "استثمر في باوتشي" خلال شهر جويلية 2025    قضية التآمر 2: 21 متهما..هذه قائمة الموقوفين والمحلين بحالة فرار..    رسمي: ''الويفي'' مجّاني في هذه المطارات التونسية    تونس: أسعار ''علّوش'' العيد بين 800 و مليون و200 دينار    عاجل/ عشرات القتلى والجرحى بقصف متبادل وباكستان تعلن إسقاط 5 مقاتلات هندية..    مصر وقطر في بيان مشترك: "جهودنا في وساطة غزة مستمرة ومنسقة"..    هدف فراتيسي يحسم تأهل إنتر لنهائي رابطة الأبطال بفوز مثير على برشلونة    بطولة الكويت : طه ياسين الخنيسي هداف مع نادي الكويت امام العربي    باريس سان جيرمان وأرسنال..موعد المباراة والقنوات الناقلة    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    يهم أولياء تلاميذ المدارس الابتدائية: تعرفوا على روزنامة الامتحانات المتبقية    قفصة: أفاعي سامة تهدد التونسيين في الصيف    يقطع الكهرباء ويجدول الديون.. القبض على شخص ينتحل صفة عون ستاغ..    سامي المقدم: معرض تونس للكتاب 39... متاهة تنظيمية حقيقية    نفوق الأبقار: فلاحو بنزرت يستغثون    تعليق الرحلات بمطار صنعاء عقب هجوم إسرائيلي    الإصابة تنهي موسم المهاجم الدولي إلياس سعد    المهدية: تحيّل باسم ''الستاغ'' وسلب أموال المواطنين    وزارة الصحة: احمي سَمعِك قبل ما تندم... الصوت العالي ما يرحمش    رسالة من البابا فرنسيس في مقابلة لم تنشر في حياته    باكستان تتهم الهند بشن هجوم على محطة الطاقة الكهرومائية    مصطفى عبد الكبير: لا زيادات جمركية على الواردات التونسية نحو ليبيا والحركة التجارية طبيعية    الصين: روبوت يخرج عن السيطرة و'يهاجم' مبرمجيه!    واشنطن تعلن تهريب خمسة معارضين فنزويليين من داخل كاراكاس    الترفيع في نسق نقل الفسفاط عبر السكك الحديدية بداية من جوان 2025    كوريا الشمالية.. الزعيم يرفع إنتاج الذخائر لمستوى قياسي ويعلن الجاهزية القصوى    المهدية: اختتام مهرجان الوثائقي الجوّال في نسخته الرابعة: الفيلم المصري «راقودة» يفوز بالجائزة الأولى    في تعاون ثقافي قطري تونسي ... ماسح الأحذية» في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للمونودراما    تنصيب الأعضاء بمباركة الوزارة...تعاونية الرياضيين مكسب كبير    ر م ع ديوان الحبوب: جاهزون للموسم الفلاحي    أخبار فلاحية.. أهم الاستعدادات لعيد الإضحى وتأمين أضاحي سليمة    أقر اجراءات استثنائية.. مجلس وزاري مضيق حول تحسين جودة قطاع النقل    البرلمان يصادق على قرض من البنك الإفريقي للتنمية قيمته 270 مليون دينار    كاس العالم للاندية 2025: مباراة فاصلة بين لوس انجلس ونادي امريكا لتعويض ليون المكسيكي    ديناميكية التحويلات: مساهمة حيوية للمغتربين في دعم الاقتصاد التونسي    زغوان: امتلاء سدود وبحيرات الجهة بنسبة تتجاوز 43 بالمائة    افتتاح مقر جديد بتونس للشركة السويسرية "روش فارما" بتونس وليبيا    مجموعة شعرية جديدة للشاعرة التونسية وداد الحبيب    قبل أن تحج: تعرف على أخطر المحرمات التي قد تُفسد مناسك حجك بالكامل!    ثورة في عالم الموضة: أول حقيبة يد مصنوعة من ''جلد ديناصور''    تظاهرة ثقافية في باجة احتفالا بشهر التراث    اختتام الدورة العاشرة لمهرجان "سيكا جاز"    قابس: وفاة شخصين وإصابة 8 آخرين في حادث مرور    دليلك الكامل لمناسك الحج خطوة بخطوة: من الإحرام إلى طواف الوداع    انطلاق محاكمة المتهمين في قضية "التآمر على أمن الدولة 2"    هام/ تطوّرات الوضع الجوي خلال الأيام القادمة..    منزل بوزلفة: الاحتفاظ بتلميذ من أجل إضرام النار بمؤسسة تربوية    بعد نقصها وارتفاع أسعارها: بشرى سارة بخصوص مادة البطاطا..    الدورة الثامنة لتظاهرة 'الايام الرومانية بالجم - تيتدروس' يومي 10 و11 ماي بمدينة الجم    حملات أمنية على مروّجي المخدرات وحجز كميات متفاوتة من مخدّري القنب الهندي والكوكايين    كل ما تريد معرفته عن حفلة ''Met Gala 2025''    المنتخب التونسي في ثلاث مواجهات ودية استعداداً لتصفيات مونديال 2026    خبراء يحذّرون و يدقون ناقوس الخطر: ''فلاتر التجميل'' أدوات قاتلة    سعيد: تونس تحملت الكثير من الأعباء ولا مجال ان تكون معبرا أو مقرّا للمهاجرين غير النّظاميّين    بطولة روما للتنس :انس جابر تستهل مشوارها بملاقاة التشيكية كفيتوفا والرومانية بيغو    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حملة فكر التغلب: تلمذة فقهية خائبة
نشر في الحوار نت يوم 27 - 12 - 2014


قبل التجلية ينثال السؤال
في البداءة لم يكن هناك بد في إطار المناولة النقدية للمسار الفقهي المدموغ بسلطان الغلبة وغلبة السلطان،من أن يكون هذا الحضور لنهمة السؤال محفزا لإنثيال مصوغات تعبيرية ممسوسة بوجع أنفس أرهقتها أزمنة سلطانية نبدت المسلم في عراء سياسي مقفر،لتكون محاولة الإقتراب مسكونة بشغف الإستقصاء والإستكشاف،وباعثا حثيثا يرتجي تفكيك الحالة المأزومة التي أوقعتنا فيها هذه المدرسة المتأبطة ماشذت فيه زمرة من السلف عن المنهاج،والتي رسخت لمفاهيم وجذرت لأساليب في الممارسة الحكمية لم تلتزم الخط الرسالي النبوي والراشدي،بوصفهما براديجما مؤسسا وحاكما لكل اللواحق التي تروم سبيل الإستهداء والإستمداد مسلكا تحقق التجربة عبره ثراءها ونماءها.فهل ولاية أمر المسلمين ينشؤها التعاقد أم هي إصطفاء رباني أوكل الله فيه أمر عباده إلى من يحكمون بنظرية الحق الإلهي؟هل تعاقد الأمة مع الحاكم هو على التأبيد أم على التحديد؟أليس عيبا وعارا أن نرمي بلادا ينعم فيها الإنسان بكرامته وحريته وإنسانيته بالكفر بينما نحن الذين يقطر الإيمان منا ونحمل من ألقاب التدين والتقوى كذبا ماتنهد له الجبال لم يعد لنا من حقيقة الإنسان ومعانيه إلا صور باهتة وأطلال درستها تعاقبات زمن سلطاني معمم؟ كيف يدفع الباطل عن وجه الأرض ويعبد العباد للحق من لم يثبت أمام جور طاغيته المحلي الأقرب وأذعن للعسف والظلم وجعل ذلته للخلق سبيلا لورود الحوض والتنعم بنعيم الجنان ولم يدري أن الجنة تعاش في ديننا على الأرض قبل أن تكون موعودا مؤجلا في السماء،وبأن الله لايرضى لعباده العيش في كنف الظلم،وبأن النفوس الدنية لا تشرف بأن تحمل رسالة الله سبحانه؟ كيف يعدل بين الخلق من جعل شرعته حق القوة لا قوة الحق؟كيف يرفع الظلم عن العباد ومن بينهم من جعل الظلم قاعدة تأسيسية لحكمه؟كيف لأمة ترضى أن يسوسها بالسوط حاكمها الإدعاء الأجوف أنها صاحبة رسالة تدعو إلى تحرير الإنسان،بينما هي نفسها مستعبدة؟هل طاعة كل متحكم حتى وإن أعمل السوط في الظهور،وأوغل في أكل أموال الناس متوجبة بتزكية نبوية خالصة حقا؟
في الحالة وسقام الأفهام
لم تستطع التجربة السياسية الإسلامية النبوية المعروفة بدولة المدينة ومن بعدها دولة الخلافة الإستمرار لأكثر من ردح زمني هو في عمر التجارب التاريخية يعتبر قصيرا،إذ ماكادت تستوي الحالة السياسية المسلمة على قدرها المشيد على أسس النبوة وماتلاها من خلافة بماهي منهج رشد مبارك حتى كانت ولادة هذا الفقه المشكوك في مجانبتها لسفاح فكري دمغ الوليد بسوء المنبت،فكان الإنحراف عن خط سيرها المستهدي بآيات الكتاب وتقريرات الوحي بما هي إستبصارات تهب للمسلم ضمانات الخطو السليم السوي.لذا فإن من إبتدعوا هذا المسلك البغيض في ولاية شؤون الحكم قد ارتكبوا جناية عظمى في حق الأمة،والتي كان من أسوء فوادحها التنصيص على طرفية الأمة وهامشيتها داخل بنية السلطة والحكم، هذه الطرفية القصية التي تمت موضعة الأمة داخل جدرانها المسيجة كانت مبتغى الحاكم ومسعاه.فهم بفعلهم هذا قد عملوا على شرعنة الغصب والسطو من أجل افتكاك سلط من أصحابها الشرعيين،وعملوا على سن مسار بائس حرف الأمة عن القيام بدورها الرسالي بما هي أمة حق وصلاح،لتتناسل من رحم فقه البغي هذا مهالك جمة وترت علاقة الحاكم بالمحكوم.فهؤلاء الذين عملوا على وضع الأمة على هذه السكة قد حرفوها عن مسار الرشد وسنوا فيها سنة سيئة يبوؤون هم بإثمها وإثم من امتثل لتدبيجاتها السقيمة.من هنا يتوجب على الذهنية المسلمة المؤمنة بقدرها المميز كأمة يلزمها مبدأ الشهود والشهادة تأدية هذا الإستحقاق من أجل فض وفك هذا الإشتباك بين تأسيسية تجربة الحكم في الفترة النبوية،على نبالتها ووضاءتها،بماهي التجلي المستنير لمشرعات الوحي الرباني/النبوي داخل بنية الأنموذج وبين رغائب التحويل والتحوير الساكنة أنفسا درجت في منشطها على نسخ التجربة بمنأى عن أصولها ومنابتها ومقاصدها وعملت على مسخها في تصاريفها وتخريجاتها.هذا الإشتباك المسكون بهاجس السؤال لتفكيك حالة اللاسواء وغيبة الوعي السليم وتغييب النموذج والمرجع عن ساحات التداول من أجل فك مغالق ماأنسد من مسارب فكر كانت قمينة في البدء بتحرير إنساننا من الوقوع تحت ثقل الوطأة المفاهيمية المحرفة لصحف الحقيقة المسطرة بوهج المؤسسين الأول لنموذج تدبيري في الحكم كانت أعلامه خفاقة وضاءة في العالمين.
إن كل هذه المسيرة التاريخية المضمخة بدم المقتولين بسيف الغدر والغصب والتغلب ماكانت لتطول حتى تملأ هذا الفضاء الزمني المديد من عمر أمتنا لو أن من أذعنوا بادئ غصب ماقبلوا بفرية التغلب المجيزة للنفوس التساكن مع واقع الأمر،وماكان لمصائرنا لتكون محايثة لواقع القهر،وماكان ليحفز كل نزق أوعزت له سوء طويته وتملك بعضا من أسباب القوة والنفوذ على أن يخرج ساعيا من أجل مقاعد وثيرة جملها ريش السلطة على حين غفلة من أهلها المؤيدون بشرعة الحق ورضى من برضاهم يكون للأمر عقد أو رد.أما وقد زكت فئة ممن ولوا شأن الدجل النصوصي المؤول عمل البغي هذا فلنتبوأ مقاعدنا بين من يكشف الله عنهم ستره ويرفع عنهم منزلة الخيرية التي منحهم إياها لأنهم لم يلتزموا شروطها ولم يدفعوا لله حقها.أما وقد أصبح الغصب والقهر والتغلب مفاهيم تتم شرعنتها والإتكاء عليها كمنهج لإدارة الشأن السياسي،ومسلكا مقبولا لتولي أخطر مهمة ووظيفة سياسية في نظام الحكم،فماالذي يتبقى إذن لبقية المجتمع من قيم ومثل وأخلاق تدعو إلى مناصرة الحق ورفض الظلم والعدوان والبغي؟وإذا كان السطو على السلطة عملا متقبلا تسنده نصوص شرعية مدعاة يجازى صاحبه بتقديم قرابين الولاء والطاعة من لدن المحكومين،فكيف نعاقب صغار المغتصبين وسارقي لقمة العيش التي حرموها في ظل المغتصبين الكبار،فنجرم أفعالهم تلك رغم أنهم ماسلكوا طريقهم ذاك إلا إضطرارا أحوجهم المتسلطنون إلى سلوكه؟
إن الله سبحانه وتعالى تعبدنا بإقامة العدل إذ أننا نجد أمره مبثوثا عبر نصوص قرآنية: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان"."ولايجرمنكم شنآن قوم على ألاتعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى"."ياداوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالعدل" ولم يتعبدنا بإقامة الدولة إلا إن كانت مستأمنة على إقامة الشرع وتطبيق الشريعة التي بها ومن خلالها يتحقق العدل المنشود والموصى به من رب العباد العادل.وإن أي جنوح عن إقامة العدل من خلال بنيان الدولة السياسي كحكم وإدارة يقدح في مشروعية القائمين بأمر الحكم،ويسقط شرعيتهم من الأساس.ففقه مثل هذا عمل ولازال يعمل على شرعنة دولة الباطل إذ يمدها بنسغ البقاء والإستمرار حاكمة بالبغي والجور،حتى صار وجود الحاكم وبقاؤه هو النعمة المهداة من رب العباد،وهو الخير العميم المنزل من فوق سبع سماوات،ويغدو الدين وشرائعه وأحكامه الفضلى ومقاصده العليا في تراتبية الفقيه السلطاني في قاع السلم،فانظر إلى المدونات الفقهية السلطانية ومادبجته من فواجع مثل وجوب الطاعة للحاكم رغم ماقد يتأتى منه من ظلم وجور في حق العباد والبلاد،وحتى إن شرب الخمر وأتى من الفسوق أهوالا،وحتى إن استحوذ على أموال الأمة وحرم مستحقيها وجعلها بين زبانيته وأعوانه مشاعا محرمة على غيرهم الإقتراب منها.فطاعة حاكم متغلب مغتصب هي طاعة لطاغوت يبغي في الأرض الفساد،بينما نجد الله في قرآنه يأمرنا أن نكفر بالطاغوت.فالطاغوت هو كل ما/من جاوز الحد ومال عن الحق والعدل.فهل يدري هؤلاء المنتجون لهذا الفكر أن مفاعيل الإرتداد والسلبية التي دمغت تاريخ الأمة الحديث بالتخلف والسقوط الحضاري كانت نتاجا مباشرا لشيوع مثل هذه المنظومات الفقهية المحبطة،فهي قد قتلت في الإنسان رغبته في النهوض بأعباء الأنتماء والشهود الحضاري،حينما عملت على سحقه أمام طغيان كل ذي سلطان،إذ تحول الأفراد المنتمون إلى هذا الفضاء الجغرافي والمرسمون بصيغ الإنتماء المجالي إلى نفوس معطوبة،ميسمها الأبرز الحقارة والإهانة،و من ذوات يؤطرها الفعل والتفاعل إلى موضوع وحقل لممارسة الفعل السلطوي الجانح.لذا تصير مفرزات هذا الفكر خطيرة على الإنسان ومدمرة لنفسيته السوية ومربكة لإتزانه وسوائه،إذ تتناسل من رحم هذا الفكر ويلات مفاهيمية وسلوكية معطلة لتحقق النموذج الإنساني الرباني الحق،الذي تحفه الكرامة،وتتبرعم في فضاءات روحه الحرية،وترتفع فوق هامته منارات الحق.
هب أن إمرءا كان على الكفرثم هداه الله فأسلم وهو ينتمي وطنا ومقاما إلى غير بلاد المسلمين ترى لمن يقدم بيعته ومن هو الخليفة أو الحاكم المسلم الشرعي الذي تتوجب عليه طاعته،أهم الحاكمون المتأمرون بغلبة الدبابة ودجل أرباع الفقهاء،أم يبقي بيعته لحاكمه في قومه غير المسلم والذي هو إختاره كبقية من يعايشهم وفق نظام تعاقدي واضح الأسس والمعالم والمحدد للحقوق والواجبات المانع من الزيغ والشطط ؟وهل ياتراه وهو الفرد الحامل لكل معاني المواطنة في قومه وبلدته المتنعم بالحرية والكرامة وبكل الضمانات الإجتماعية التي تكفل إنسانيته يهجر كل ذاك،ويلتحق ببلاد الخلفاء وأمراء المؤمنين وخدام المقامات الدينيةليحيا الضنك والشدة والضيق في معاشه،أم تراه يؤوب إلى رشده فيهجر بلادا رفعت يافطة الدين خرقا رثة وعملت على التفلت من مستوجباته،ليحيا إسلامه مع أهل "الكفر" حرية وتحررا،ولا يعيش مع المتمسحين بالأعتاب،القاطعين الرقاب.فالغرب حتى بالشرعية الأخلاقية غير المؤطرة بمرجعية الوحي عنده-بماأنه عمل على فصل الأخلاق عن كل مرجع مجاوز للعقل-يقيم ويقوم حكامه ويعمل على ضبط منظومتهم السلوكية الشخصية على أن تكون موافقة في نهجها لذلك الإطار الأخلاقي الحاكم،بينما نحن المصابون بإسهال الطاعة الحاد لانرعوي عن وهبها لكل فاجر وكل ظالم بكل سلاسة ودونما وازع من دين ولا وخز من ضمير.
في الماهية والتوصيف
فقه التغلب هو فقه تبريري يسوغ الإنحراف التاريخي رغم فداحته،هو موادة للقوة ولو كانت تلبس رداء الباطل،ومشاقة للحق وأهله،هو تأسيس لإحتراب سياسي يتقمص لبوس الدين،هوشرعة جاهلية تسقط بنيان النظام السياسي وتمكن لنفسها،لتقيم مشروعها المؤسس على السطو والسلب كآليات لتقحم ميدان السلطة والحكم،هو إنحراف يمكن لإنحرافات أخطر وأعوص،في امتداده يتسع الخرق وتنفرج زاوية المباعدة عن منطلقات الشرع والحق،هو إفراز مقيت لمخيال سياسي معطوب لم يقوى على إجتراح نظرية سياسية تخرجه من محنته لطول ماتمرغ في وحل فكر أمعنت البلاهة فيه على قتل النباهة،هو شطب للوجود السياسي للأمة وتعطيل لقدرتها على الفعل التاريخي،هو نكث للأيمان ونقض للعهود،ونحر للمبدإ بدعوى الواقع،فنحن اليوم مع القائم إذ هو الشرعي،وضد مناوئه إذ هو الخارجي الباغي الفتنة في الأرض،ولكن هذا لا يمنع في غد قريب أن نخلع على من تغلب وقهر قميص الشرع والشرعية،ونخلع لباس الطاعة من أعناقنا لمن كنا نهتف له بالحب وطول البقاء.فقه التغلب رؤية سياسية تريد إنهاء السياسة من أن تكون ميدان التدافع والتشارك. هكذا يصير التغلب حدثا تاريخيا تنكب حاملوه عن مسالك الشرع في تبوء منازل الحكم،إذ لايعقل أن تكون كل أمم الأرض على إختلاف الملل والنحل والأيديولوجيات قد إستطاعت أن ترفع إنسانها إلى مدارج الرشد العقلي والنفسي كي تختار من يسير شؤونها ضمن علاقة تعاقدية،بينما ترسف هذه الأمة في دياجير فكر متخلف يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يجعل جماهير هذه الأمة قطيعا يساق من ثلة من الفاقدين للدين وللشرف وللمروءة.لذا تصبح كل بنية سياسية تدبيرية تعتمد على مفهومات علائقية تنسج ارتباطات المنتمين إليها،والمؤسسين لمجال إشتغالها على أسس من هذا القبيل تكون عاملة على خلق مجتمع من الأتباع والرعايا بما هو كتلة مفرغة القيمة والقدرة والفعل،على خلاف حاد مع كل المدونات الأخلاقية الدينية المسطورة ومع تجليات الجبلة الساكنة آفاق الروح وتشكلات الجسد.إن هذا الفكر لايمكن أن يكون إلا تسويغا لواقع عمل حاملوه على نأسيس منظومة حاملة منبتة عن أسس وأطر الشرع،إذ لايمكن توصيفه إلا بأنه رؤية سياسية تلبست الدين تحصينا لنفسها من محاولة النقد والنقض،فهو فكر إرتدادي بائس يحن إلى القيم الجاهلية ويستحضرها ضمن واقع سياسي مغاير كان القطع مع هذه القيم المؤسسة على القوة والغصب هو مايتوجب العمل على التمكين له،ففكر التغلب لم يكن إلا الترجمة الفعلية للنفس الجاهلي الذي لم يزل مستحكما مغلقا على العقول مداراته،ومن ثم فإن هذه العقول وهي تعيد إنتاج تمثلاتها التاريخية تصوغ وتصيغ في حقيقة الأمرتحقيباتها المتخيلة ضمن مقولات تقسر التاريخ على سير لولبي مستكره وترفض له أن يحقق منجزه للأمة وبها.لكل هذا كانت ولاتزال المحاولات تترى من أجل إلباس هذا الفكر لبوس الدين على الرغم من نشوئه على هامش النص الشرعي المؤسس لتجربة الحكم والسلطة في الإسلام كطفيليات فكرية أسست لحكم البغي،فنحتت لنفسها نظرية سياسية بشرية رفعتها إلى مرتبة القداسة،وذلك من خلال إخراجها المتقصد من مبحث فقهي يحكمه نفس الإجتهاد والرؤية المصلحية الدائرة وفق تحديدات الشرع وشروط الحياة وأفهام العباد،إلى مبحث عقدي يطبعه التسليم والخضوع لمقررات إيمانية ملزمة.الأمر الذي أدى إلى هذا الإنزياح الفادح عن الأصول المرعية المؤسسة لتولي الحكم وممارسة السلطة ماأوقع الأمة في منحدر التراجعات والإخفاق الحضاري الشامل،فهذا الفقه في تطبيقاته كان الحائل دون التطور الطبيعي لمشروع إسلامي في الحكم كانت المقومات الرئيسية متوافرة لإنطلاقته من طور الجنينية كقيم كبرى مثل:محورية الأمة في الإختيار ومركزيتها في الوهب والسلب للرضى والتفويض...إقامة العدل كمرتز أصيل يحوط بنيان المدينة الإسلامية المتخيلة...الرؤية التحررية كناظم للفكر وللسلوك لدى المسلم ومن ثم طرحها كتصور للحياة بما هو وشيجة تنسج للكينونة علائق تنطلق من رحابة الوجود نحو إنفتاحات الغاية.
في المصفى وجمع ماإنتثر
إن عصمة الأمة و حفظها من الزلل والخلل والشلل لم يكن مرتبطا منذ تشكل نواتها الأولى بقدسية السلطة وبقائها،بقدر ماكانت هذه العصمة مرتبطة بإقامة أمر الله في نفوس الأفراد وداخل بنى المجتمع،بماهو في المحصلة سبيكة لتلك الأخلاط المتنافرة الطباع الموحدة الوجهة سعيا صوب ربها.فالسلطة في رشادها ونبالتها ماكانت حيازتها وتملكها كآلية للإشتغال والممارسة الحصيفة لتشكل في حد ذاتها بغية المسلم،بل ماتؤدي إليه وماتستشرفه من فتح لعوالم تكون حقولا للبدار الفكري والمعرفي السليم هو المطمح والمبتغى.
فهل يركن العقل المسلم إلى رؤية سياسية عمل أهلوها المحدثون على إجترار فقه إرتكاسي ونكوصي؟ولم يستمر حملة أسفار فقه التغلب ممعنين في حمل أثقال تاريخ سلطاني مخضب بالتزوير؟وكيف يمكن إستئناف العمل التاريخي الواصل بين وهج النهج ومفصلية الراهن المأزوم؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.