تغطيس الرأس في البانو. إطفاء أعقاب السجائر في الجسد. بعضٌ من الممارسات التي كانت تعود على من يقوم بها بالأجور والمنح والترقيات والتشجيعات والحماية من المساءلة أو المعاقبة. كان يقوم بها خبراء في التعذيب وكفاءات دولة الاستبداد ضد من يصل إلى أيديهم من المعارضين سواء في الزمن البورقيبي أو الزمن النوفمبري. وكان الناطقون باسم النظام يبررونها بكونها تجاوزات فردية وليست ممارسات منهجية. هذه الممارسات وغيرها أشنع وأفظع تكلم عنها الحقوقيون والفاعلون السياسيون والمنظمات الحقوقية الدولية ونشرت قائمة الجلادين بأسمائهم وصفاتهم وحتى أفعالهم، إلا أن أحدا لم يتتبعهم بعد 14 جانفي، ولم يجرجروا أمام العدالة. فقط كتب عن أفعالهم روائيون وشعراء وإعلاميون وحقوقيون وسياسيون وبعض من الضحايا، وأفرد أعضاء المجلس الوطني التأسيسي في الدستور الجميل الفصل 23 الذي يقول نصه "تحمي الدولة كرامة الذات البشرية وحرمة الجسد، وتمنع التعذيب المعنوي والمادي، ولا تسقط جريمة التعذيب بالتقادم". ثم ترك الأمر لهيئة الحقيقة والكرامة التي نعرف العراقيل التي أمامها. ورغم ذلك النص الجميل وقبل أن تجرد تلك الهيئة من صلوحياتها، ها هو التعذيب مرة أخرى. وما الغرابة في ذلك والجلادون ما برحوا مواقعهم وهناك من أعيد إلى موقعه القديم حتى يقوم بذلك الشيء تحديدا. ولم يتسن لهم أن يتلقوا دروسا في غيره، ولم يستخلصوا بأنفسهم درسا من التاريخ. وها نحن نسمع عن عودة الممارسات القديمة نفسها. البانو، السجائر، الأماكن الحساسة، الدم... وقد تكلم عن هذا محامون وحقوقيون وإعلاميون وبرلمانيون، إلا وزير الداخلية الذي لم يتعرض للأمر ببنت شفة ولم يقل حتى بأنها تجاوزات فردية. ومع ذلك فهو نفسه لا يستطيع أن يحمي الجلادين وممارسي التعذيب الذين لا يمكنهم أن يغتروا بقول البعض بأن المشبوهين بالإرهاب دون البشر، أو يحق انتهاك حرماتهم الجسدية أو هناك استثناءات لممارسة التعذيب أو توجد جرائم يسمح فيها بممارسته على المشبوهين. الفصل الثالث والعشرون واضح لا لبس فيه ولا يحتمل التأويل: التعذيب جريمة، وهذه الجريمة لا تسقط بالتقادم. مسألة التعذيب يجب أن تعتبر خطا أحمر، لا يوجد رابحون في الموضوع وإنما الخسارة للجميع، ليس فقط الضحايا وإنما أيضا المنظومة القديمة والجلادون أنفسهم الذين لا يأمنون أن تنقلب الأوضاع عليهم وتقع التضحية بهم. وبالتالي فالموقف منه يجب أن يكون خارج أية جغرافيا إيديولوجية، المسألة تتعلق ببناء الدولة التي نريد والتي أرادها الشهداء وقبلهم أجيال من المقاومين ممن تصدوا للاستعمار وآخرون من بعدهم تصدوا لدولة الاستبداد، وجميعهم من أجل الحرية والكرامة والاستقلال. وهذه ليست للتأجيل أو التعليق ولا يمكن أن تعرض على طاولة التوافقات. التعذيب والكرامة لا يلتقيان تحت نفس السماء. ولا يمكن الحديث عن الحرية وفي ركن من الوطن يمارس التعذيب والحط من الكرامة الإنسانية. وعندما يحدث هذا يصبح الوطن بلا معنى. محمد ضيف الله 5 أوت 2015