لقاء رئيس الجمهورية بوزيرة المالية ومحافظ البنك المركزي    رئيس الجمهورية :على الإدارة العمل على تبسيط الإجراءات لا افتعال العقبات    الحرس الوطني: اخبار وجود مسيرة استهدفت احدى البواخر الراسية بسيدي بوسعيد لا أساس لها من الصحة    ولاية بنزرت سجلت الى موفي اوت 2025 قرابة 91 الف ليلة مقضاة في ظل سعي متواصل لمزيد الاهتمام بالبنية التحتية واستقبال الوافدين    1100 مليون دينار اجمالي حجم صادرات المؤسسات العاملة داخل فضاء الأنشطة الاقتصادية ببنزرت خلال سنة 2024    الداخلية: ما تم تداوله حول سقوط مسيرة على إحدى السفن الراسية بميناء سيدي بوسعيد لا أساس له من الصحة    العميد حسام الدين الجبابلي: "ننفي رصد أي مسيّرة في ميناء سيدي بوسعيد.. والتحقيقات متواصلة"    حريق على متن باخرة راسية بميناء سيدي بوسعيد: الادارة العامة للحرس الوطني توضّح    إخلاء مبنى ركاب بمطار هيثروبلندن وفرق الطوارئ تستجيب لحادث    مدرب المنتخب الوطني لأقل من 17 سنة : "وجدنا صعوبات على المستوى البدني و مازالت التحضيرات متواصلة" (فيديو)    وزير النقل: تطوير ميناء رادس أولوية وطنية لتحقيق الأمن الغذائي    صفاقس تحتفي بيوم العلم: إشراقة تميّز وتفوّق متجدد    أخبار النادي الصفاقسي..الجمهور يَشحن اللاعبين وخماخم في البال    قفصة: تنظيم الملتقى الجهوي الأول للذكاء الاصطناعي    ابداعات تلمذية..حصل على الجائزة الوطنية.. التلميذ محمد حسان جربي يصنع «روبوتًا» لانقاذ الغرقى    مدرستنا بين آفة الدروس الخصوصية وضياع البوصلة الأخلاقية والمجتمعية...مقارنات دولية من أجل إصلاح جذري    البنك الدولي يؤكّد إلتزامه بتعزيز الشراكة مع تونس.. #خبر_عاجل    تصفيات كاس العالم 2026 : التعادل 2-2 يحسم مباراة المالاوي وليبيريا    بسبب الكسكسي: رئيس بلدية مرسيليا يتلقّى تهديدات بالقتل!!    بطولة افريقيا لكرة اليد للوسطيات: المنتخب التونسي يحقق فوزه الثالث على التوالي    منح الصبغة الجامعية لعدد من الأقسام    سيدي بوزيد: بداية من سنة 2027 ستدخل الطريق السيارة تونس جلمة حيز الاستغلال    الليلة: أمطار بهذه الولايات مع إمكانية تساقط البرد    عاجل/ افتتاح مصنع صيني لصناعة مكونات السيارات ببن عروس    دوخة كي تاقف؟ هاذي أبرز الأسباب والنصائح باش تتجنبها    استعد! جداول أوقات التلاميذ للسنة الدراسية 2025/2026 متاحة الآن عبر هذا الرابط وبداية من هذا التاريخ    عاجل/ القبض على الإبن المُعتدي على والدته في بنزرت    عاجل/ بمناسبة العودة المدرسية: مساعدات مالية للتلاميذ والطلبة.. وهذه قيمتها    الترجي الجرجيسي يفوز وديا على إتحاد تطاوين    مؤشر الأسعار الدولية للمنتجات الغذائية دون تغيير يُذكر خلال شهر أوت 2025    سوسيوس كليبيست: تنظيف المدارج والساحة ومحيط المسرح الأثري بأوذنة (صور)    "الفنون والاعاقة ... من العلاج الى الابداع" عنوان الملتقى العلمي الدولي ال22 الذي ينظمه الاتحاد التونسي لاعانة الاشخاص القاصرين ذهنيا    فرنسا على وقع أزمة سياسية جديدة مع احتمال سقوط حكومة بايرو    عاجل: منحة جديدة ب100 دينار لكل صغير و120 للطلبة قبل العودة المدرسية... التفاصيل    من بينها تونس: بداية قوية لفصل الخريف وأمطار غزيرة في عدة دول عربية    أسعار الكراس المدعم لهذا العام..#خبر_عاجل    عاجل/ عدد المشاركين أسطول الصمود العالمي لكسر الحصار عن غزة..وآخر الاستعدادات..    الهيئة الوطنية للمحامين تتولى قضية وفاة التونسي الذيبي في مرسيليا    حادثة مروعة: كهل يعنف والدته ويعتدي عليها بطريقة بشعة..وهذه التفاصيل..    قطر تخفّض أسعار 1019 دواء    تقدم ساقية الداير: سنتمسك بحظوظنا رغم وجودنا في مجموعة تضم فرقا كلاسيكية في البطولة    من التراث الشعبي للتغيرات المناخية: ماذا تعرف عن ''غسّالة النوادر''؟    وزارة التجارة تُخزّن 12 ألف طن من البطاطا استعدادا للفجوة الخريفية    تغييرات منتظرة في تشكيلة المنتخب أمام غينيا الاستوائية؟    استراليا: علماء يكتشفون فيروسا خطيرا جديدا    كيف الوقاية من أمراض العودة إلى المدارس؟    ألكاراز يهزم سينر ويحرز لقبه الثاني في بطولة أمريكا المفتوحة    جبل الجلود: إيقاف مجرم خطير محل 20 منشور تفتيش    أحد عشر عاما على اختفاء الصحفيين الشورابي والقطاري في ليبيا .. والأمل لم ينقطع في كشف مصيرهما    غار الملح تستعيد بريقها الثقافي بعودة اللقاءات الدولية للصورة    عاجل/ هذه الدولة تقر إجراءات جديدة نصرة لغزة..    شهدت إقبالا جماهيريا كبيرا: اختتام فعاليات تظاهرة 'سينما الحنايا' بباردو    الدورة 69 من مهرجان لندن السينمائي: 'صوت هند رجب' و'سماء موعودة' ضمن القائمة    الخسوف الكلي يبدأ عند 18:35... إليك التفاصيل    ''الخسوف الدموي'' للقمر يعود بعد سنوات...شوف شنيا أصلو في مخيلة التونسي    توقعات الأبراج لليوم: بين الأمل والحذر.. اكتشف ماذا يخبئ لك الأحد    الأحد: خلايا رعدية مصحوبة بأمطار بهذه المناطق    خسوف كلي للقمر في معظم الدول العربية بداية من ليلة الأحد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطبة الوداع أو معالم الدستور الأعظم الجزء الأول
نشر في الحوار نت يوم 15 - 09 - 2015

قصتي مع هذا الدستور عجيبة . حفظته عن ظهر قلب منذ سنوات بل عقود. لم ألف شيئا ورثناه تولى بيان المرجعية الدستورية العظمى ( القرآن الكريم ) مثل هذا : إنها خطبة حجة الوداع من في أعظم ولد آدم وفي أعظم يوم في الحياة ( يوم عرفة ) وعلى أديم مشعر من مشاعر الحرم المكي الأعظم ( جبل عرفة ). كتبت عنه في مثل هذه الأيام سنين طويلات وفي كل عام جديد أعاهد نفسي ألا أكتب ولكن يغلبني حبه والشوق إليه . ما ألفيت شيئا قرأته فغمرني بعد النص المقدس الأول بشآبيب الرحمة مثل هذا الدستور. هودستور الإنسانية بحق لما جمع إليه من بنود سبعة كفيلة بإختصار المشهد الإسلامي كله برمته في بعدها الجماعي العام. كيف لا وصاحبه أوتي جوامع الكلم. بل كيف لا وصاحبه يرتجله بين يدي عشرات الآلاف من الحجاج هم أصحابه ولسان الحال يقول : صاحبكم يودعكم فعوا عنه وبلغوا " ورب مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ". الناصح الأمين لقومه والبشرية جمعاء قاطبة هي قومه ومثله الرائد الذي لا يكذب أهله ومثلهما الأب الحنون والأم الرؤوم .. كل أولئك يلقون الحكمة وفصل الخطاب عندما يهمون بتوديع من عليه كانوا يحدبون. أحببت محمدا عليه السلام بمثل ما يحب المؤمن وأزيد عليه بتعلقي بهذا البيان الدستوري الباهر معنى والساحر نظما. هذا وطني.هذا أملي أن تفيئ إليه الإنسانية يوما فيئة قريبة. لا أمل للداعية إلى سواء الصراط المستقيم سوى أن يشيد في تلك الفيئة لبنة. سر ولعي بل ولهي به هو أن هذا البيان الدستوري ينقلك من ضيق الأنا إلى سعة الجماعة ومن ضيق الحركة إلى سعة البلاد ومن ضيق التدين إلى سعة الفطرة ومن ضيق الأمة إلى سعة الآدمية. يخترمني نزع جذاب بقوة إلى بسط فرش الرحمة بين أيدي الناس كلهم أجمعين فما نأى من نأى منهم إلا لما رآه منا من غلظة وجفاء وتعسير وتنفير وإلا فما هم سوى أكباد حرى مجبولة على الخير. أم تتوهم أن شطارتك ساقتك إليه سبحانه.
الفصل الأول : الإنسان محرم مقدس نفسا ومالا وعرضا وعقلا.
قال عليه السلام :" أيها الناس إن دماءكم و أموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ". ألا هل بلغت اللهم فأشهد. أعرف أنك ستنشد إلى " مقدس " ليشغلنك ذاك ويستولي عليك. دعها ومرّ. دعها عقيدة لي أن الإنسان مقدس بسبب حرمة نفسه وماله وعرضه وبسبب منّه عليه سبحانه بالتكريم والتفضيل حتى على الملك المسبح والتقديس معناه الرفعة أن يوطأ. أنى لك أن تقبل أن المسجد الأقصى مقدس ولذلك سمي قدسا وهو كومة أحجار مثله مثل الحجر الأسود وما فعل به الفاروق و الإنسان الذي فضله باريه سبحانه على الكعبة المشرفة العظيمة ليس كذلك؟ كيف لا يقدس بناء الرحمان سبحانه؟ كيف لا يقدس من يساوي دمه دم البشرية جمعاء قاطبة " أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ". لذلك ظل حبر الأمة يفتي معارضا الصحابة بعدم توبة قاتل النفس ظلما مستنبطا فقهه منه عليه السلام :" مازال المرء في سعة من دينه ما لم يصب دما حراما ". لأجل الإنسان حرم ثلث الزمان وكثير من المكان. ولأجل الإنسان شرعت الحدود " القاسية وغير المتناسبة مع حقوق الإنسان " من مثل قطع يد السارق وجلد الزاني والقصاص الذي لنا فيه " حياة " وبذا وردت نكرة لتستغرق الحياة كلها ومن بديع لسانك تعريف النكرة بسياق المعنى. ألم يكن فقهاء الأصول الأوائل على حق مطلق عندما جعلوا على عرش الثلاثية المقاصدية الغزالية ( ضرورات وحاجيات وتحسينيات ) خمس محرمات عظمى بل خمس مقدسات كبرى هي مفتاح الحياة بمنوالها البشري لا بمنزعها البهيمي ( النفس أي الحياة + الدين + العقل أي الحرية + المال + العرض أوالنسل وهما يلتقيان في جذر ما ). لم قام عليه السلام لجنازة يهودي؟ لو كان اليهودي محاربا هل كان سيقوم له؟ لم كانت أول فريضة ( إقرأ) وليس أسجد. لم جاءت ثاني سورة تحمل إسم القلم وليس السيف. لم علم سبحانه آدم أولا ليعلم هذا الملك المسبح ليل نهار صباح مساء لا يفتر ولا يسأم. بل لم أسجده له؟ لم غضب عليه السلام على خالد يوم قتل في معركة مشركين نطقوا بكلمة التوحيد وسيفه قاب طرفة عين أو أدنى من رقابهم؟ قرائن الحال كلها بلغة القضاء توحي بأنهم ما قالوها إلا ضنا بأنفسهم على الموت. هل تظن أنه عليه السلام وهو الأحصف عقلا قبل النبوة وبعد النبوة لم يستقرئ تلك القرائن؟ كل ذلك يمكن أن يجد عليه الشاغبون شغبا لكن بالله عليك راجعني في هذه فحسب : لم نفي الإكراه عن الإنسان وليس نهيا فحسب بسبب دخول أداة النهي على إسم وليس على فعل والنفي أقوى من النهي والعقوبة على منتهك النفي أشد من العقوبة على منتهك النهي حتى عندما يدعى إلى ما يحييه في الآجلة والعاجلة؟ يعني أن الصحابة الذين عجزوا عن هداية فلذات أكبادهم المتنصرين لم ينهوا عن إكراههم فحسب بل نفي الإكراه عنهم نفيا ليكون أبلغ من مجرد النهي الذي قد يعصى. يعني أنه سبحانه يقذفك في النار لو أخرجت من النار البشرية جمعاء قاطبة بسيف الإكراه والعنف والإرهاب وليس ترغيبا بالحسنى. من لم يتدبر هذا الموضع في الإسلام ما فقه منه حبة خردل . ومن نفى الحرية عن الإسلام وعن الإنسان بعد تدبر هذا فلا حظ له في ميزان الحياة قطميرا .
الفصل الثاني : الماضي مرآة عكسية للإعتبار وليس مسرحا للتفاخر والتنابذ.
قال عليه السلام :" أيها الناس إن مآثر الجاهلية موضوعة إلا السدانة والسقاية ". لعلك تظن أن هذا الفصل كان أحرى بهم يومئذ إذ كانوا حديثي عهد بعكاظ وأسواق التآثر. أبدا. هذا الفصل يحمل هذا المعنى لنا نحن اليوم : وقع بينكم الذي وقع في سالف الأيام سواء بسبب خلافات مذهبية ( سنة وشيعة ) أو كلامية ( تأشعر وتصوف ) أو فكرية ( سلفية وغيرهم) أو حزبية أو قبلية أو جغرافية ( مشرق ومغرب وشمال وجنوب ) أو عرقية عنصرية ( عرب وعجم ) أو لونية خلقية ( بياض وسواد ) أو جنسية ( ذكورة وأنوثة ) وكان ذلك سببا مباشرا في إنخرام صفكم وذهاب ريحكم بل كان سببا في العيش من لدنكم في الماضي محبوسين مساجين ولسان الحال يقول : كان أبي. الماضي بقصصه القرآني والنبوي مثله مثل المرآة العكسية في السيارة : يحتاج إليها السائق لتعديل سيره فحسب فإن ظل مشغولا بها يحدجها حدج الوله فهو قاتل نفسه لا محالة وزاهق لما تيسر من أرواح بريئة. هي مآثر منبوذة لدى من يؤمن بقوله :" تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم " حتى لو كانت مآثر فضلى وهي محل فخر وإعتزاز فما بالك إذا كانت مآثر جاهلية حيث يكون النسب هو فيصل الرفعة وليس التقوى. شيدت حضارات على جنبات العرب يمينا وشمالا وظل العرب يصنعون الكلمة صنعا عجيبا لأجل تحقير بعضهم بعضا ومن أغراض الشعر الخمسة : الهجاء. ولكن إختارهم سبحانه لحمل رسالته لنقاء الفطرة التي لم تتلوث بأدران تلك الحضارات ورجل الجبلة أدعى إلى نبذ الكبر ومن نبذ الكبر هدي بحوله سبحانه. تلك هي عبرة نبذ المآثر الماضية حتى لو كانت فضلى : إجتناب أسباب الكبر كلها لأن الكبر يفرق الصف وينشئ الحقد ويغري الذئب الجاسر بالحمل المشغول بنفسه أبهة. لا يهم هنا أمر السدانة والسقاية كثيرا إلا للعلم إذ ولى أمرهما والعبرة بهما هي : الإسلام ليس دبابة إسرائيلية تحطم الذي أمامها أبدا بل هو دعوة تبقي على الطيب وتجهز على الخبيث وكم في الفترة الجاهلية العربية من طيبات أقرها الإسلام وفي ذلك درس بليغ قوامه : أيدي التصالح أكثر من أيدي الخصام وفرة وعظمة والمسافة التي بيننا يمكن لنا تقديرها أي تخفيضها ومساحة الحياة تتسع لنا ولكم جميعا وحتى إن أبيتم فهناك مجال للتعايش وفق (لكم دينكم ولي دين). الإسلام دين الوفاء والوفاء سيد الخلق العظيم الكريم الطيب. أي وفاء أوفى من وفاء نبي فاتح منتصر يدخل الكعبة ليصلي فيها ثم يعيد مفتاحها لصاحبه المشرك محذرا المسلمين أن يكونوا ظلمة ينتزعون مفتاح كعبتهم التي حولها يطوفون وفيها يعتكفون من صاحبه المشرك. دعني أختم هذا الفصل بهذه الكلمة : من أراد النصر حقا فلينتصف من نفسه ونفوس " إخوانه " لخلق الوفاء حتى لو كان الموفى له مشركا كافرا يسجد للعزى أو ينسب إلى الرحمان ولدا سبحانه. ذاك طريق النصر ولا طريق سواه.
وحتى ألقاك في الجزء الثاني أستودعك دستورك.
الهادي بريك مدنين تونس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.