دعا وزير العدل التونسي وهو صاحب حقيبة سيادية عالية إلى إلغاء الفصل القانوني الذي لا يبيح اللواط وبذلك يمكن لك بيسر أن تتهم هذه الحكومة برمتها أنها والغة حتى الثمالة في خطة تجفيف المنابع التي نحتها بورقيبة بمشروعه التغريبي الإلحاقي فلما أدركه الخرف إنقلب عليه المخلوع بن علي لإنفاذ بورقيبة من بورقيبة كما قيل يومها 1987 ليواصل المشروع نفسه ولكن بجرعة دسمة من العصا الغليظة. عبثا ظننا أن " الثورة " التونسية قد نجت من الهجوم الصاروخي الحاد الذي صنعته الأيدي الغربية بالتعاون مع الأيدي " العربية " من ورثة النظام القديم وتحالفاته اليسارية موظفين لذلك كثيرا من الأذرع " السلفية " الإرهابية من مثل داعش وغيرها. ظننا أن " ثورتنا " خرجت بجروح ثخينة تجبرها على لزوم الإنعاش مدة ثم ينجلي غبار معركة غير متكافئة ولا يضيرني أبدا البتة أن أقول أننا نحن أبناء الشعوب والمجتمعات العربية قد ساهمنا في خذلان " ثورتنا " إما بأوهام سياسية أو بغلبة الإنتظارية السلبية علينا أو بنبذ المقاومة التي هي ضربة لازب على كل حي إستبقاء لحياته. صحيح أن مثل هذه التصريحات الجوفاء من لدن وزير سيادي في حكومة إئتلافية تصارع الأمواج .. لا تغير من مسار المقاومة السلبية شيئا أن تنفلت الأوضاع إلى مصير مجهول لتكون البلاد مسرحا للفوضى الخلاقة كما هو حال سوريا وغيرها. صحيح أنه يمكن العمل بالقاعدة الشهيرة الصحيحة ( لو إشتبكت مع كل كلب في الطريق لما بلغت مأربك ). ذلك صحيح ولكنها مهمة ندعها لأصحابها الذين يرحبون بأي عمل مدني أهلي يرفع أرصدتهم في سوق المعركة المحتدمة بين ثورة يقاوم أهلها لأجل تعافيها وبين " ثورة " أخرى يريد أهلها إستيعاب صدمة 14 جانفي 2011 للخروج في المشهد التونسي بمظهر جديد. ولكن الأصح من ذلك كله هو أنه عندما تظل المعركة الضارية بين الفريقين في المستوى السياسي والإعلامي والقضائي والإداري تظل معركة شبه متكافئة أو مقدورا عليها أو هي معركة طبيعية .. ولكن عندما تنهال علينا التصريحات والأعمال التي تعيد الأذهان إلى الحرب المعلنة ضد الإسلام في شعائره وشرائعه ورموزه ومحكماته ومعلومه من الدين بالضرورة بمثل ما كان عليه الحال قبل صدمة 14 جانفي .. أي عندما يضرب الإسلام في الصميم من لدن وزير سيادي ومن قبل ذلك تصريحات وأعمال لا تقل دناءة وحقارة .. عندها لنا أن نطرح هذا السؤال الكبير : هل نحن في وارد خسران الثورة أم في وارد وضع هويتنا الإسلامية في الميزان من جديد؟ ليس هناك شيء يقض مضجعي والله أكثر من شعور داخلي حاد يخبرني أننا يمكن أن نثور وننتفض ونموت لأجل لقمة عيش ولقمة العيش من صميم الإسلام أيضا إذ هي عنوان الكرامة والحرية ولكن لا نفعل مثل ذلك لأجل لقمة قيمة أو جرعة دين عندما يكون الأمر مضادا للإسلام في أمه وليس في شيء ظني أو مختلف فيه أو يمكن تأخيره أو يكون قابلا لأي تأويل. ولا يزال كثير من التونسيين بل ربما أكثرهم يظنون أن مثل هذا يخص حركة النهضة أو اللفيف المنسوب إلى الدين بصفة عامة ليظلوا هم متفرجين على المعركة ودمائها. وعندما يكون هذا صحيحا فإن حركة النهضة حتى وهي حزب سياسي ديمقراطي معاصر ما ينبغي لها أن تتأخر عن ذلك. فإن قيل لي كيف ؟ قلت : كيف وقد قيل؟ أي عندما تكون في عيون قومك في هذا المقام فلا تتأخر عنه عند الداعيات حتى لو لم تكن تلك هي وظيفتك الأولى. تلك هي الشهامة وتلك هي الكرامة وذلك هو الوفاء والرائد لا يكذب أهله كما قيل قديما. ولكن الوظيفة الأولى هنا هي لنا نحن أهل المجتمع المدني والأهلي أفرادا ومؤسسات وجمعيات ومنظمات وطواقم دينية رسمية وشعبية ولفائف الدعوة وبث العلم. ذلك هو الوضع الطبيعي ونحن إليه آيلون. ذلك هو الذي يحمي المجتمع ويحصن فعاليته أن تلتقمه الدولة النهمة دوما إلى الهيمنة بالضرورة لقمة سائغة. كيف لا تحرك الدعوى قضائيا ضد هذا الوزير السيادي بتهمة مخالفة الدستور الذي غالينا في تقديسه حتى ظن بعضنا أنه سفينة نوح المنجية وليس هو سوى كلمات سرعان ما يلفى لها المستكبرون ألف تأويل وتأويل فاسد؟ كيف لا تنظم التجمعات المتحضرة السلمية أمام مكتبه لينقل الذي إقترفه للناس في الداخل والخارج على الأقل أي ليعلم الناس سعر الفضيحة.؟ كيف لا نطالب بإقالته وهو يتحدى ديننا وقيمنا ودستورنا؟ هؤلاء يقدمون لنا ساحات مقاومة خصبة وثرية فهل إستثمرناها أم نظل نعالج الغليان في صدورنا حتى ينفجر ذات يوم إنفجارات عنيفة غير محسوبة وعندها ننقلب من أصحاب حق إلى مطالبين للعدالة ونحاكم بتهمة الإرهاب. كل الناس فوق الأرض يعلمون أن اللواط ومثله السحاق ليس شيئا إنفرد الدين أي دين بتحريمه ولم يأت به الإسلام أبدا وإنما أقر الدين كل الدين ما أمرت به الفطرة البشرية هنا أي المج والإستقذار. الفطرة أسبق من الدين وهي التي تمج اللواط والسحاق ولم يأت الدين إلا موافقا للفطرة. ذلك يعني أن العدوان على الفطرة هو أشد من العدوان على الدين إذ هو عدوان مضاعف وتشترك فيه البشرية جمعاء قاطبة وليس هو خاصا بالمسلمين ولا بالمتدينين من الدين الآخر وللكنيسة نفسها هنا مواقف " سياسية دينية " إيجابية ومعروفة. فكيف تتأخر المساجد وأئمتها عن مثل هذا؟ ألا ترى أننا أخطأنا عندما قلنا أن المعركة الثقافية في تونس بالثورة أو بحصائل إنتخابات 23 أكتوبر 2011 قد أوشكت على النهاية أو أن الهوية الإسلامية في تونس لم تعد ملفا يتطلب المعالجة أو كلاما مثل هذا ؟ الشيء الذي تنفرد به تونس دون زهاء ستين دولة إسلامية منها 22 عربية هو الغلواء الشديدة جدا لنخبتها المادية الشيوعية العالمانية. هذا أمر قليلا ما يضعه أهل السياسة في الإعتبار. هذا أمر لا يلغي الإئتلاف السياسي بل يدعمه ولكنه لا يؤخر المعالجة الثقافية بل يعجل بها. والشيء الآخر الذي ورثناه بورقيبة بصفة خاصة هو أن التونسي بصفة عامة وليس هذا ينطبق على كل واحد منا هو أكثر الناس قابلية للتكييف والإندماج والتعايش. هذه قيمة لها وجه إيجابي ولكن لها وجه سلبي كذلك. كثيرا ما ينحني التونسي للضغط الآخر. أي لضغط الآخر. والآخر هنا ومنذ قرون هو الآخر الغربي المعادي بالقوة وبالفعل وبالضرورة للخيار الإسلامي. إذا كانت للسياسة إكراهاتها التي نفهمها ولا نقطع معها تحملا للأدنى ودفعا للأقصى فإن الثقافة لها موازين أخرى والثقافة هنا هي الدين في محكماته التي لا تقبل القسمة أو التفاوض أو المقايضة. لا يظن ظان أنه بإلغاء منع اللواط سينخرط التونسيون والتونسيات في هذه الفاحشة المستقذرة فطريا. أبدا. ولكن الصمت عن مثل هذا وهو آت من لدن وزير سيادي يعني عودتنا إلى المعركة الثقافية الأولى في العهدين البورقيبي وعهد المخلوع بن علي وذلك يعني أيضا إعلان المناخات الجديدة للحرب على الإسلام في معلوماته بالضرورة وذلك بدوره يوجه قارب السياسة وتوازناتها. الرأي عندي أن هناك خطا أحمر لا يقبل طروء الإكراهات السياسية عليه لا من لدن السياسيين ولا من لدن غيرهم بالأحرى وهو : المساس بمحكمات الإسلام والمستند دستوري بالأساس الأول وإلا فلا معنى للإشادة بدستور يقبل الوطء من لدن وزير سيادي ومداده مازال حيا نابضا. الرأي عندي أن " الثورة " من هنا تنقذ. فإن أجهضت " الثورة " من هنا فقد تيسر لأعدائها إحهاضها من هناك ثم من هنالك ثم تنشأ المناخات لمواصلة تجفيف المنابع ثم عودة الإستبداد وضمور المجتمع وموت الأمل ... الرأي عندي يدور على قوله سبحانه الذي هو هنا معلم من معالم التغيير ( إن تنصروا الله ينصركم ). نصر الله يعني نصر شريعته المحكمة لا الظنية عندما تكون معرضة للإغتيال من لدن وزير سيادي في حكومة منبثقة من إرادة شعبية. ودليل الخطاب مخالفة بالتعبير الأصولي يقول : من يخذل الإسلام هنا يخذل ثم يستبدل. المعركة طويلة وشرسة وطاحنة وهي محتدمة إحتداما شنيعا في تونس ولكن بأسلحة غير تقليدية فلا يبصرها غير البصير وهذه أخطر معركة لأنها تتدثر بدثار الثعالب.