بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليس كالحرية عروسا صداقها الحياة
نشر في الحوار نت يوم 13 - 08 - 2014

الذي أعتقده إعتقادا أن تراثنا في جزء كبير منه مسؤول مسؤولية مباشرة عن حاضرنا إذ الحاضر صنيعة الماضي دون ريب ولا جدال. في تراثنا تنكر غير يسير للحرية لا كلمة فحسب ولكن قيمة كذلك. الذي أعتقده إعتقادا هو أن العرب بما هم أند شكائم الخليقة عن التوافق لأي نداء إلا نداء السيف البتار نجحوا في جزء غير يسير في إدارة الإنقلاب ضد الإرث الإسلامي الأول أي في جزء مهم بل هو الجزء الأهم منه وهو الجزء المتعلق بالحرية. والشورى هي ترجمة الحرية والحرية هي مناط التكليف إذ لا تكليف إلا من بعد تحرر ولذلك فات الحمقى اليوم أن أول أعمال الإسلام هي قطعا
تحرير العبيد وما ذلك سوى لتؤول إليهم كلمة الفصل في هذا الدين الجديد هل يقبلونه أم يرفضونه. لو لم يتوافر العرب على أكبر خلقين ضروريين للدين أي الكرم والشجاعة لما تشرفوا بوحي يكون بلسانهم ولا حتى برسول يكون منهم ولكن الحياة مثلث ملؤه الدين والكرم والشجاعة فأنت حي بقدر ما عندك من ذلك وأنت ميت بمثل ما تفقد من ذلك.
الذي أعتقده إعتقادا أن الإنقلابات الأموية خاصة والعربية عامة في مناسبات دموية من مثل الجمل وصفين والنهراوين وغير ذلك هي المسؤولة الأولى عن حاضرنا إذ خوارج العصر هم صنيعة تلك الأيام السوداء التي داهمت الإسلام وهو يتأهب لإستئناف المسارين النبوي والراشدي. الذي أعتقده إعتقادا أن العقابيل التي تفتك اليوم بمحاولات النهوض الجديدة إنما هي من صنع تلك الإنقلابات الأولى. ولم ألف خيرا من العلامة إبن خلدون توصيفا للخليقة العربية الموغلة في الكبر والتيه والعجب والخيلاء. كيف لا والدين نفسه بالكاد يجمع لهم شملا. بل كيف لا وقد نجحوا نجاحات كبيرة معتبرة في الإنقلاب ضد الإرث الإسلامي فتفرق شملهم.
الذي أعتقده إعتقادا هو أن مبنى الكتاب العزيز الخالد ومقصده الأسنى إنما هو حصرا وقصرا : تحرير الإنسان من نفسه أولا ثم من محاولات إسترقاقه من حوله ثانيا. الذي أعتقده إعتقادا أن الكتاب العزيز الخالد ما إمتلأ حتى ثلثه بل أزيد بالقصة وهي القصة التي تدور تسعة أعشار منها أي تسعة أعشار ثلث الكتاب العزيز الخالد على الحدث الجاري بين موسى عليه السلام وفرعون رمز المؤسسة السياسية المهيمنة بقوة الشعر أي الإعلام والسحر أي السلطان الإجتماعي بله القوى الهامانية والقارونية عسكرا ومالا ... الذي أعتقده إعتقادا أن ذلك لم يكن منه إمتلاء
إلا ليوثق لنا رسالة مفادها : الطريق إلى دينكم وإسلامكم وإيمانكم وسؤددكم وذكركم وشهادتكم على الناس بله صفكم الواحد المرصوص والحديد الحافظ لكرامتكم وكرامة المستضعفين من حولكم .. الطريق إلى ذلك كله إنما هو طريق التحرر من الطغيان السياسي تماما بمثل ما فعل موسى عليه السلام الذي يعتقد البلهى والحمقى اليوم فينا أنه بعث إلى بني إسرائيل نبيا هاديا في المقام الأول وإنما هو بعث إليهم مخلصا محررا من السلطان الفرعوني الهاماني القاروني السحري الشعري في المقام الأول إذ لا دين منزوع الدسم التحرري ولا تحرر بغير التدين.
الذي أعتقده إعتقادا أن قراءة جديدة لرسالة الكتاب العزيز الخالد آن أوانها فهي القراءة الجديدة الكفيلة بضبط المنهاج الأصولي الفقهي الجامع موضوعا ومقصدا أن نتيه كما تاه كثير ممن قبلنا في التفاصيل والجزئيات والفروع. هي قراءة جديدة بالمعنى النسبي وإلا فهي القراءة الوحيدة الكفيلة بالنسج على منوال الخلافة الراشدة المهدية الأولى. سمّها إن شئت قراءة تجديدية فهو أحرى وأدق. قراءة لحمتها الموضوعية وليس الموضعية وسداها المقاصدية وليست الجزئية.
لو كان موسى عليه السلام نبيا هاديا في المقام الأول لبني إسرائيل لما كان خطابه الأول لفرعون : أرسل معنا بني إسرائيل. أي فك أسرهم منك نحررهم. ولو كان ذلك كذلك لما قال بعضهم له وهم في سيناء : إجعل لنا إلها كما لهم آلهة. أي أنهم مشركون. كيف يحررهم من فرعون وهم مشركون؟ دعني أقول لك ما هو أخطر وأعجب مما سمعته مني آنفا. كثير من التفاسير ربما أكثرها ولكن دعني أكن مقتصدا إنما جنت علينا من حيث لا ندري. التفسير عندي إن كان الكتاب الذي وصف نفسه بالبيان واليسر يحتاج إلى تفسير أصلا ولكن نحتاج نحن اليوم إلى تفسير لفرط هجانة اللسان فينا وعجمته
هو التفسير الذي يدرسه الدارس فيقول من بعد ذلك مباشرة : هذا الكتاب رسالته الحرية للإنسان ونداؤه تحرير الإنسان والحرية هي مناط التكليف فيه والإسلام والحرية صنوان لا يفترقان. فإن لم يقل دارسه ذاك لأول وهلة فلا تفسير ولا فقه ولا فهم بل هو كذب مكذوب.
تلك هي الخلاصة الأولى من هذه الكلمة المرتجلة. فإذا كان ذلك كذلك وهو كذلك عندي قطعا لا ريب فيه فإن الخلاصة الثانية هي أن الحرية عروس غالية المهر جدا بل صداقها الحياة ومعنى ذلك هو أن الحرية تلد الحياة بمثل ما تلد الأم وليدها ولذلك كما أنف ذكره أحيى الله بالعتق عبيدا في مكة ثم عرض عليهم رسوله الإسلام وكان يمكن له أن يعرض عليهم الإسلام وهم رق مسترق قائلا : هم بشر مثلكم يأكلون ويشربون ويتكلمون ويصرخون فلم نحررهم قبل كل شيء.
الحرية إذن تلد الحياة وعلى حد قول المناطقة : ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.. فلا حياة إذن إلا بحرية والحرية طريقها محفوف بالموت وتلك هي فلسفة الإسلام بالتمام والكمال أي أن الموت تهب الحياة وليس العكس. ولذلك يعد الشهيد حيا يرزق حقا وصدقا وعدلا لا مجاز فيه. وإنما يدخل الشهيد حياة جديدة لتولد أجيال جديدة يكون طريق الحياة لها أي طريق الحرية محفوفا بالورود وليس بالأشواك.
لست هنا من المرضى بدعاء الشهادات النقلية عسافا وجزافا وما ذلك سوى لأن العقل أسبق إلى هذا من النقل ذاته. والعقل هو مبنى النقل كما قال بحق أهل الأصول من الفقه الإسلامي. هي كلمات تجاهلناها وهي كفيلة بخط طريق الحياة إلينا من جديد فمنها : العقل مبنى النقل أي أن النقل لا يفقه فقها صحيحا حسنا جامعا إلا بالعقل. ومنها أن العقل مناط التكليف والترجمة المعاصرة لذلك هي : الحرية مناط التكليف ذلك أنهم زهدوا في هذه الكلمة التي تصنع فينا اليوم ولنا الحياة من جديد.
العقل البشري إذن كفيل بتعليمنا أن الحرية معركة شرسة طاحنة ضارية من أجل الحياة ولذا يستشهد في سبيلها الذين يؤمنون والذين لا يؤمنون سواء بسواء. هل تظن أن غير المؤمن وهو يموت دون حريته وكرامته وحياة بلده وأهله يفعل ذلك ليلقى جزاء من بعد موته أو أنه يموت ليدخل حياة أخرى جديدة هو فيها حي يرزق. طبعا لا. إنما يموت لأن الحرية فيه غريزة بل هي جبلة وفطرة بل هي أقوى من غرائز أخرى فينا وجبلات وفطر. الحرية فينا هي أقوى الغرائز الروحية. يشترك في ذلك المؤمن مع الكافر والأبيض مع الأسود والذكر مع الأنثى.
ألا ترى كيف بنيت الحرية هنا في أروبا. هل كان الدين مبناها. ألم يكن الدين يقف على منبر المغرق أي على كرسي الوكالة بإسم الحق العام أي بإسم الدولة القيصرية متحالفة مع الكنيسة المسيحية. لم يكن الدين مبناها ولكنها إنتصرت لأن الغريزة مبناها والجبلة مبناها والفطرة مبناها. ما لم نعلم أن الفطرة أقوى من الدين وأسبق وأن الجبلة كذلك والغريزة كذلك .. ما لم نعلم ذلك فلا دين ولا تدين إنما هو عبث معبوث. ذلك شرف للدين نفسه وليس هو هون له كما يظن الحمقى والسذج. ألم يتشرف الدين بالنسبة إلى الفطرة :" فطرة الله التي فطر الناس عليها ".
وعندما نشترك اليوم في معركة الحرية مع المستضعفين في الأرض والمقهورين فيها شعوبا ومجتمعات وأناسي كثيرا .. عندما نفعل ذلك لا نفعل ذلك خديعة دينية أو " تكتيكا " سياسيا كما يقول الحمقى والغفل الهمل بل نفعل ذلك لأننا نشترك في الآدمية البشرية الإنسانية المفطورة على التوقان إلى التحرر تدفع في سبيل ذلك المهج والأفئدة.
ذلك ضرب من ضروب التعاون على البر والتقوى. ألم يكن قائد الهجرة مشركا سوى أنه أمين. غلبت الأمانة هنا الدين. لم؟ لأن الحقل هو حقل المعاملات وليس حقل العبادات. الذي يفوت شباب اليوم في جملتهم الغالبة حماقة وطيشا وحدة وغفلة عن الدين والدنيا معا هو أن الإسلام متعدد الموازين بل مزدوج الموازين أي أنه يتوافر على موازين مختلفة يستخدمها كلا في حقله المناسب. أكثر المسلمين اليوم لا يعرفون من تلك الموازين غير ميزان الكفر والإيمان وهو الميزان الذي يكون أغلب حقله يوم القيامة وليس اليوم وما ذلك سوى بسبب أنه ميزان ألصق بالقلوب ولا تدل عليه الحركات إلا قليلا.
ميزان الدنيا التي مازلنا في حقلها هو ميزان العدل والجور. ذلك الميزان اليوم فينا مقبور مقبور مقبور. مقبور ويحرس قبره رجال دين في أيديهم أسياف بتارة وفي أفواههم مثلها تكفيرا وتفجيرا وعبثا بكسوب الإنسانية وتراث البشرية.
ألم يكن مؤوي الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام مشركا سوى أنه أمين وكريم. كان ذلك لما تعاونت على نبذه قريش وثقيف معا. الرسول يخاف؟ أجل. يخاف. بل خاف الناس وأمن نفسه بلجوء في ظل مشرك. يخاف لأنه بشر وحرص الله سبحانه على عدم تكرار الحماقة الإسرائيلية التي جعلت من عيسى عليه السلام إلها .. هو حرص عظيم وكبير. حرص يحرص دوما على حضور الرسول البشر. إنما سجل القرآن من ذلك كثيرا من الخلافات العائلية النبوية وغيرها من العتب عليه لرسالة واحدة هي : هذا نبي مرسل بل هو خاتمهم وأحب خلقي إلي ولكنه بشر مثلكم يأكل الطعام ويمشي في الأسواق. إنما كان ذلك لأجل تحرير الإنسان من عقدة الإلهية البشرية كما فعل بعيسى عليه السلام.
الرسالة هي إذن دوما رسالة تحريرية وفي كل زاوية من زوايا الدين. أجل. ورب الكعبة العظمى أينما حللت وإرتحلت إلا ألفيت أن الحرية هي المقصد الأسنى لهذا الذكر الحكيم.
تلك هي خلاصة الكلمة.
ما خلقنا إلا لنحيا وليس لنعيش أحرارا. فقهها الفاروق فصرخ في الكون صرخة مازالت ولن تزال مدوية بل هي صرخة أدب بها أميره إبن العاص في مصر. بل هي صرخة أعدها وثيقة أساسية من وثائق هذ الدين.
ما خلقنا إلا لنحيا أحرارا مكرمين أعزة إذ مهمات الخلافة والعبادة والعمارة وإقامة العدل بين الناس لا تتم إلا بذاك. وفاقد الشي لا يعطيه. إنما خلقنا لنساهم في تلك المهمات وزودنا لأجل ذلك بمثل ما يزود به كل تاجر نفسه أو يزود به من لدن غيره أي رساميل. ورساميلنا هي الحرية والإرادة وليس غير ذلك حبة خردل.
زودنا لأجل ذلك بالعقل والعقل هو مناط التكليف والعقل هو رمز الحرية ومحرار التحرر وربان الحياة الذي يقودنا وما كلماتنا وحركاتنا إلا صدى للعقل. كما زودنا من بعد ذلك بالكتاب والرسول والتجربة البشرية الثرة الخصبة لنفيد منها ميزانا يقيم الحياة على منهاج الإسلام.
الحرية هي إذن طريقنا الوحيد الى الحياة وليس إلى العيش لأن العيش للحيوانات العجماوات البكماوات. الحرية هي طريقنا إلى الحياة والحياة هي قاربنا إلى الحياة السرمدية الخالدة أي حياة الجنة التي منها أخرجنا إبليس رمز الرق والعبودية حائلا بين عقولنا وبين أهوائنا إبتلاء أن تنتصر تلك على هذه. الحرية التي هي مقصد الحياة هي عروس غالية المهر جدا وباهظة الصداق حقا. لذلك يتنافس المؤمنون وغير المؤمنين عليها هذا يدفع حياته ثمنا لها لأنه يعتقد أن الحياة بعدها أجمل وأن عمله لا بد منه لحياة من بعده وذاك يفعل مثله غريزة وجبلة وفطرة فالحرية إذن فطرة وغريزة وجبلة ولولا ذاك ما مات دونها غير مؤمن.
لذلك نحن مدينون لرباط الولاء الأول وهو الولاء للإنسان صنيعة الرحمان سبحانه والولاءات في المعيار القيمي الإسلامي لا تتقابل بل تتكافل ولذلك نجد الولاء الإسلامي ولاء من الولاءات هو الأعظم والأكبر ولكنه ليس هو الأول. الولاءات بناء لولبي الصورة إن شئت شيدته عمودا أو أفقا. لولب تتركب حلقاته متسلسلة لتتعانق وتتكافل وتتعاون وليس لتتضاد أو تتلاغى أو تتنافى. ولاؤنا الأول للإنسان وليس للإسلام لأن الإنسان أسبق من الإسلام إذ خلق آدم ثم حرر ثم دعي إلى الهداية فمن شاء قلب السلم إنقلب به السلم فأرداه أحمق غافلا. لم لا نهرع إلى غير المسلمين نقتلهم؟ لأن سلم الولاءات يحول دوننا ودون ذلك. الولاء للدين هو أغلظ الولاءات وأهمها ولكنه ليس الولاء الوحيد الأوحد ولا هو الولاء الأول. لو كان الولاء للدين هو الولاء الأول الذي يضحى لأجله بكل شيء لما طلب الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام إجارة من مشرك ولا سلم قيادة الهجرة وهي حركة سرية بالغة الخطورة جدا إلى مشرك ولا صاهر مشركا كذلك ولا كتابيا ولا أوصى بهم خيرا ماداموا مسالمين آمنين.
الحرية عروس دونها مهور وصدق. فمن كان يطمع في عروس بالمجان فليبحث له عن خرقة عروس لا تغني من جوع ولا تسمن فلا هي سكن له ولا منها مودة ولا رحمة ولا هي ولود بل عقور. أنى لهم أن يمهروا عروسهم الحرية من خير الصدق وهم لا يؤمنون بحياة بعد الموت ولكن يفعلون ذلك لأجل مستقبل ولدهم ثم نض نحن على عروسنا بعشر معشار ذلك ونحن نزعم إيمانا بالحياة من بعد الممات. الإيمان دعوى كغيرها من الدعوى فإن ند عنها الدليل فلا إيمان ولكنه العبث المعبوث والكذب المكذوب.
خذ إليك هذه على عجل إن لم يكن تواضعك مع الآنف كبيرا : الله خلقنا فلم يستشر واحدا منا ثم حررنا فلم يستشر كذلك واحدا منا ثم دعانا إليه مستشيرا أن طالبا رأينا فإن قبلنا فبها ونعمت وما قبولنا إلا تواضعا منا على سنن الفطرة وقوانين الجبلة ونداءات الغريزة وإن كان الأخرى أي كفرا مكفورا فنحن أحرار في ذلك غير مسلوبي الإرادة. سجل ذلك مشيئة لنا لم ينسبها في غير هذا لسواه :" وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". كل المشيئات والإرادات منسوبة له وحده إلا هذه المشيئة وتلك الإرادة مشيئة الكفر أو الإيمان أو إرادة الكفر أو الإيمان
فهي منسوبة لك أنت. هل بعد هذا البيان من بيان. خلقك وحررك فما إستشارك فلما أراد هدايته إليك إستشارك بل منحك حرية الإيمان بمثل ما منحك حرية الكفر سواء بسواء. لذلك أقول معتقدا : التحرير أسبق إلينا من التعبيد لأن التعبيد القسري لا يقبل. إنما بكاؤك اليوم بدموع الفؤاد ودماء الأمشاج هو على رجلين : أحدهما لم يفقه من رسالة التحرر الإسلامية قلامة ظفر وخير مثال لهؤلاء أولئك الذين يخرجون المسيحيين من أهل الموصل من ديارهم فلم يعلموا أن الإخراج من الديار إنما عده القرآن الكريم قتلا أي قتلا روحيا والقتل الروحي أشنع من القتل البدني ألف مرة ومرة وأفظع.
والآخر منهما يأبى إلا أن يظل عبدا مسترقا يباع ويشترى في أسواق النخاسة بالصبح والعشي والجبلة فيه تدعوه مع مطلع كل فجر جديد إلى الإسلام ليسلم من براثن الرق ونير الإستعباد.
والله أعلم
الهادي بريك ألمانيا
01775605628
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.