لَم يَنسَ التّاريخ ال 27 من شهر نوفمبر عام 1832 م؛ يوم مُبايَعة الأَمير عبد القادر تحت شجرة الدّردارة بمدينة غريس؛ ولَن يَنسَ التّاريخ أيضًا شجاعة الأمير الفارس وجهاده ضدّ المُستدمِر من أجل حرّيّة وطنه واستقلاله... ولا تَزال بعض من حياة الأمير ومَناقبه خفيّة حتّى الآن؛ وما كُتب يَحتاج لتنقيح من مُتخصّصين. كان ابن القيطنة بمعسكر ذا ثقافة عربيّة إسلاميّة واسعة؛ كان ذا بصر وبصيرة؛ اتّخذ القلم والسّيف سلاحيْن؛ امتاز بصفات المُروءة والشّهامة وحبّ الخير للنّاس كُلّ النّاس ونُصرة المَظلوم؛ حتّى لُقّب ب "المُنصف" وهو الشّريف ابن الشّريف؛ ذاع صيته بعد نفيه إلى فرنسا ثُمّ تركيا وأخيرًا سوريّة رغم أنّ المكان المتّفق عليه كان عَكّا في فلسطين أو الإسكندريّة في مصر!.
أثناء وجوده في فرنسا زار مَشفى في باريس عام 1852 م واطمأنّ على حياة مَرضى وجَرحى حرب؛ وزار بعض الكنائس فيها... أبهر الفرنسيّين بجميل صنيعه حتى قال عنه أحد قادة فرنسا يومًا: "لا يوجد الآن أَحد في العالَم يَستحقّ أن يُلقّب بالأكبر إلّا ثلاثة أشخاص كُلّهم مسلمون؛ الأمير عبد القادر؛ ومُحمّد عليّ باشا؛ والشّيخ شامل صقر القوقاز"؛ وقد كان الأمير يُوصف من طرف جنرالات فرنسا ب:"عدوّ كريم الأخلاق" لحسن مُعامَلة الأَسرى؛ ويَكره أن تُؤسر امرأة أو طفل أو يُمثَّل بجنود العدوّ بعد قتلهم؛ ولا يدعو الأَسرى من النّصارى لاعتناق الإسلام دون رضاهم !... وهي من أخلاق الإسلام. لقد سطع نجم الأمير في الشّام مِثل ما سطع نجمه في الجزائر؛ اجتمع حوله العلماء والوُجهاء؛ ونشر المَعارف؛ وغرس القيَم الإنسانيّة النّبيلة في نفوس النّاس؛ غرس المَحبّة والإخاء والتّسامح والرّأفة والسّلام؛ والعيش مع الآخر دون إقصاء بغضّ النّظر عن دِين أو فِكر أو عِرق أو لون أو مَوطن؛ كان يُجيد فنّ التّواصل في عصره؛ يَتفاعل مع الأحداث بذكاء ورَويّة حتّى أنّه أَخمد نار الفتنة الطّائفيّة في الشّام شهر جويلية 1860 م حماية للنّصارى؛ لأنّ منطق الحضارة لا يُقصي أيّ مُكوّن ثقافيّ؛ وبذلك وبغيره ارتفع رصيد الأمير لدى النّاس إنْ في الشّرق وإنْ في الغرب... ليتَ الأمير يَعود يومًا ليطفئ ما أوقده المُتربّصون بالبشريّة!. الإنسانيّة عند الأمير عبد القادر تَعني الحقّ في الحياة؛ والحقّ في الحرّيّة؛ والحقّ في العدالة، الإنسانيّة عند الأمير تَعني التّعارف والتّسامح والتّكامل والتّكافل والتّضامن والتّعاون؛ وتَعني التّعايش السّلميّ بكُلّ أبعاده وروافده. جميلة هي فكرة إنشاء "جائزة الأمير عبد القادر الدّوليّة للعيش معًا"؛ والأجمل أن تُمنح لمُستحقّيها دون مُجامَلة أو مُحاباة... عظيم أنتَ يا مُلهِم الشّعب الجزائريّ؛ عظيم أنتَ يا أَميرنا فقدْ أَرسيتَ قواعد أوّل دولة جزائريّة بحكمتك وحنكتك؛ عظيم أنتَ يا سفيرنا فقدْ أخمدتَ فتنة الشّام؛ لو لَم تَكن أميرًا أيّها الأمير لكنتَ أميرًا؛ إنْ يكن هذا تكريم لكَ فأنتَ جدير به لأنّك القائد الرّائد... هذه هي الإمارة؛ وهذا هو الأمير. أرجو العناية –كُلّ العناية- ب"جائزة العيش معًا" كي تليق بالجزائر وبمقام الأمير؛ وأرجو أن تُمنح الجائزة للأفراد والمؤسّسات مُناصفة كُلّ عام بين اثنيْن من إثنيّات العالَم المختلفة مِمّن ناضلوا بصدق عن مبدأ "التّعايش معًا" لِمَا فيه من مُشارَكة طرفيْن بإرادة ورضا وليس مُجرّد "عيش معًا" مفروض؛ لذلك أَودّ أن يَصير مُسمّاها "جائزة الأمير عبد القادر الدّوليّة للتّعايش معًا"؛ وهو شرف جمّ للإنسانيّة جَمعاء.