بقلم: الاستاذ مختار الحجلاوي ( المحامي لدى التعقيب) إلى أعزائي.. وإخوتي في تونس ومصر وكل أقطار الوطن العربي، وأصقاع الدنيا كلّها، نساءً ورجالاً، شيباً وشباباً.. من الذين استفاقوا ينتحبون على شيء تذكّروا أنّ اسمه: شرعية. وصمّوا آذاننا بعويلهم: لبيك يا مرسي.. أنت الرئيس المنتخب. ولم يكفّوا عن لوك عبارةٍ لو سمعها وليد لمَّا يمر على استنشاقه الهواء بضع هنيهات لصاح بصوت يعلو صوت الانفجار الكوني الأّول أن أعيدوني إلى بطن أمّي الآن... فهناك لا نفاق ولا كذب ولا استخفاف بالعقول.. إنها ادعاء انقلاب الجيش في مصر الحبيبة، الأبيّة، أرض الكنانة، على الرئيس الشرعي المنتخب. أوّجه رسالتى عساهم لها يقرؤون.. وما فيها يفقهون.. ويعقلون، فيستريحون.. وعنّي وإخوتي أبناء أعظم شعب في الدنيا يُخلّون.. فيا ليتهم لذلك هم فاعلون.. ففيها لهم حبّ كبير.. وللوطن الكبير أكبر: أحبّتي، أيها الملأ الكريم.. أفتوني فيما حصل في مصر عقب هبّة شعبنا فيها يوم الخامس والعشرين من يناير (جانفي) السنة الحادية عشرة بعد الألفين.. ألم ينعقد إجماعنا كلّنا على أنها ثورة دكّت قلاعاً عشّش فيها الاستبداد.. وكسرت للظلم والفرعنة والعسف القيود.. وفتحت للحرية أملا لا يعرف الحدود؟.. وأفتوني في موقف الجيش ساعتئذ.. ألم ينضم لصفوف الجماهير الهادرة الغاضبة.. وتخلّى عن حاكمه.. وفي غياهب السجن رماه.. ألم نهلل جميعاً لموقف الجيش البطولي.. وكنتم أكثر الناس حماسة.. وأكثر المتحمّسين تمجيداً.. فمالي أراكم اليوم على أعقابكم تنتكصون..ألهذه الدرجة تضعف الذاكرة لديكم.. أم أنّكم تظنون أنّ ذاكرة التاريخ يغشاها النسيان.. هيهات هيهات.. لقد سجّل التاريخ نفاقكم.. بعد إذ لاحظ صدأ مقولاتكم، ولا ريب أنه لذلك حفيظ.. وبه يشي لأبنائكم من بعدكم والأحفاد.. أتنكرون خروج الجموع بالملايين، تجوب الشوارع والساحات كالموج الهادر، لا تعرف للخوف اسماً أو وصفاً، وتهتف بالصوت الواحد: إرحل.. وفي أعماق عمق كل نفس من كل واحد منهم عزم وإصرار على اقتلاع الجماعة التي جثمت على صدورهم، وكتمت أنفاسهم، وراحت في الغنيمة تقسيما.. كل مصري صار متحقّقاً أن الجماعة حتماً للبلاد راموا أخونة، وبالإسلام يتشدّقون، وهم في الحقيقة لا إخوان ولا مسلمون.. وإنّما بين العباد يفرّقون.. فعندهم هذا قبطي نصراني حرام أن تردّ عليه السلام أو تشاركه فرحة العيد.. وهذا شيعي رافضي للموت والسحل هو مخلوق.. وذاك علماني يكره الدين فلا تستطعموا طعامه، ولا تحلّ لكم فتياته، حتى يكتب الله لهم التمكين.. فبأولائك يفتكون، ومتاعَهم يغنمون، ونساءَهم وبناتِهم يسترقّون.. لم يرض المصري العربيّ المسلم الأبّي أن ينعقد على أرض اللاءات الثلاث ( لا صلح لا اعتراف لا تفاوض) مؤتمر ينظّمه من انتحلوا صفة أئمة المسلمين وفقهائهم وعلمائهم وهم في الحقيقة أشباه ذلك، بل أبعد عن مدلول الأسماء بُعد الحق عن الباطل، وبتزكية من الجماعة وتحريض من الأمير الشرعي جداً، وفيه يعلنون الجهاد على الصهاينة في فلسطين، عفوا.. يعلنون الجهاد على إخوانهم في العروبة والإسلام أهل سوريا.. ورئيسُهم، مرسيُّهم، عاشقُ الشرعية (فلقد ردّدها في الخطاب الأخير زهاء ثلاثين مرة ) بالأمس القريب يبرق ل«عزيزه وصديقه العظيم صاحب الفخامة السيد شمعون بيريز متمنياً له شديد الرغبة في دعم علاقات المحبة التي تربط لحسن الحظ لديه البلدين، ومقرّاً بما يتمناه لشخصه من السعادة ولبلاده من الرغد، ويختم برقية العار بإمضاء: صديقكم الوفي الرئيس محمّد مرسي( منقول عن البرقية حرفياً) .. ويأمر يومها بقطع العلاقات مع سوريا.. وبذلك صار التطبيع مع الكيان الصهيوني لديه وجماعته أمراً مباحاً، ولعلّه مما يُرغَّب فيه في دينهم الذي صنعوه ، وباسم الإسلام زوراً وبهتاناً سمّوه وركبوا صهوته وبه يُبشّرون.. ومِن تجارته يغنمون، كما غنموا قبل ذلك من قطر مال قارون، ومن الأمريكان ما لا تعدّون.. وصار جفاء الشقيق وقطع صلة الرحم عملاً بطولياً، دينهم يُحلله، وهم على هديه سائرون.. ولأنّ هذا المصري العربيّ مسلماً كان أو نصرانياً، حاملٌ لجينات أحمد عرابي وسعد زغلول وجمال عبد الناصر ومحمد فوزي وسعد الدين الشاذلي وغيرهم مما أنجبت مصر الولاّدة، ومُتيّمٌ بأشعار أمل دنقل وعبد الرحمن الأبنودي وأحمد فؤاد نجم وهشام الجخ.. وبأغنيات أم كلثوم ومحمّد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وسيد مكّاوي والشيخ إمام .. والقائمة تطول، وسِمِّيعٌ لأعذب تلاوات القرآن الكريم تصدع بها حناجر عبد الباسط عبد الصمد ومحمود صدّيق المنشاوي ومحمد محمود الطبلاوي.. أدركَ مبكراً أن مرسي «الحائز على جائزة أفضل شرعية في العالم» وجماعته لا يلوون غير التمكّن من الحكم دونما مشروع يحقق أهداف ثورته في «العِيش» والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، ولا عيب من أجل ذلك في الرضوخ لإرادة المشروع الصهيوأمريكي والانخراط مع بعض مشيخات النفط في الخليج وتركيا لتنفيذه عبر تدمير القدرات المادية والبشرية، وتخريب النسيج الاجتماعي لسوريا الدولة والمجتمع، حتى تنعم إسرائيل بالأمن والهدوء والسكينة، وهم يجهلون ( وقد يكونون على علم) أن الدور على مصر بعد سوريا، فكيان إسرائيل لا يهنأ له بال حتى يرى مصر مفتتة يقاتل مسلمها نصرانيها، ويسحل السنّي فيها الشيعي.. ويَشيعُ القتل بالشبهة وعلى الهوية، كما جرى في العراق ومايزال يجري.. فيُخرَّب السدّ العالي، وتعشش العناكب في مصانع الغزل والصلب، ويُسرق أبو الهول، وتُدمّر الأهرامات، وتُصبح قناة السويس إسرائيلية، وتحيا إسرائيل منيعة يعمّها الرغد.. فكذلك تمنى لها مولانا صاحب الشرعية. أحبّتي وإخوتي.. أما آن الأوان لتحتشموا بعد إذ تعريتم، وتجارتكم بالدين بارت، وكراهيتكم المقيتة للآخر تجلّت.. فما الحبيب عندكم إلاّ مَنْ كان مِنَ الجماعة.. من عداه فمواطن من درجة ثانية.. فهل أنتم منتهون.. وعن العنف مقلعون.. أم أنتم للدماء سافكون.. لماذا ترضون لأنفسكم الإقصاء في الوقت الذي تعالت فيه الأصوات في مراكز القرار وفي الميادين ألاّ إقصاء.. حتى لمن لغيره كان يُقصي؟.. دعاة الشرعية.. أنسيتم أن الشرعية ما كانت تفويضاً مطلقاً من الجمهور للحاكم تخوّله صنع ما شاء ومع من شاء وكيفما شاء.. فالشرعية شرعيات: فهناك شرعية اعتلاء وهناك شرعية أداء، والأولى لا تُغني عن الثانية.. بل لعلّ الثانية أهمّ؟ أم تريدون إقناع أنفسكم بخلاف أن الشعب صاحب الشرعية الأوحد يسندها لمن يشاء وينزعها ممن يشاء، فكذلك قال الله تبارك وتعالى:«إنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ»، لا يُنازعه في تملّكها أحدٌ ولو كان مرسي، ولو كانت جماعة الإخوان المتشدّقين بالدين، وما أتت خلال فترة حكمها إلاّ بما يضر بالدين.. وبالشعب المسكين. وفي الختام.. إسمعوا منّي ما يتراءى لكم هذيان.. ستفشل كل محاولاتكم في زرع الفرقة والعنف والفتنة، ليس في مصر فقط، ولكن في كل البلدان.. وسيزيد كره الناس لكم، وسيأتي يوم نراكم لأناملكم تقضمون حسرةً على ما جنت عليكم أوهامكم وأفكاركم واليدان.. وإن أردتم حسن عاقبة الأمور، لكم وللشعوب التي تنتمون، فثوبوا إلى رشدكم.. وإن كنتم في الغلبة تعتقدون.. والأكثرية تحوزون.. وللوطن الخيرَ تحبّون.. فإلى جموع الشعب عودوا، وفي المحطات الانتخابية القادمة شاركوا.. وبالله استعينوا فلن تُغني عنكم أمريكا أو إسرائيل أو قطر أو غيرها شيئًا.. وإلى قائدنا، في تونس، المظفّر الهمام، صاحب الأفكار المبدع المقدام، لا يفوتني أن أعبّر لك عن عمق ندمي وشديد حسرتي عن كل لحظة، مذ أن كنتُ شاباً أقرأ لك في ثمانينات القرن الماضي « لماذا ستطأ الأقدام العربية أرض المرّيخ»، ظننتك فيها ثائراً حاملاً هموم المعذّبين والمقهورين.. ثاقب النظرة لا تَلين.. اليوم أدركتُ أنّ الكرسي ملعون.. حفظ الله مصر.. وتونس.. وغداً نلتقي جميعاً نقطف أزهار ربيعنا لا ربيع الآخرين.. ونرقب حلم أبنائنا يكبر ويكبر...