العاب التضامن الاسلامي (الرياض 2025): التونسية اريج عقاب تحرز برونزية منافسات الجيدو    الليلة: أمطار متفرقة ورعود بأقصى الشمال الغربي والسواحل الشمالية    أيام قرطاج المسرحية 2025: تنظيم منتدى مسرحي دولي لمناقشة "الفنان المسرحي: زمنه وأعماله"    كاس العالم لاقل من 17 سنة:المنتخب المغربي يحقق أكبر انتصار في تاريخ المسابقة    بنزرت: ماراطون "تحدي الرمال" بمنزل جميل يكسب الرهان بمشاركة حوالي من 3000 رياضي ورياضية    الانتدابات فى قطاع الصحة لن تمكن من تجاوز اشكالية نقص مهنيي الصحة بتونس ويجب توفر استراتيجية واضحة للقطاع (امين عام التنسيقية الوطنية لاطارات واعوان الصحة)    رئيس الجمهورية: "ستكون تونس في كل شبر منها خضراء من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب"    نهاية دربي العاصمة بالتعادل السلبي    عاجل: أولى الساقطات الثلجية لهذا الموسم في هذه الدولة العربية    الجولة 14 من الرابطة الأولى: الترجي يحافظ على الصدارة والهزيمة الأولى للبقلاوة    شنيا يصير كان توقفت عن ''الترميش'' لدقيقة؟    عاجل: دولة أوروبية تعلن حظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال دون 15 عامًا    احباط تهريب مبلغ من العملة الاجنبية يعادل 3 ملايين دينار..#خبر_عاجل    من صفاقس إلى منوبة: تفاصيل صادمة عن مواد غذائية ملوّثة تم حجزها    حجز أكثر من 14 طنا من المواد الفاسدة بعدد من ولايات الجمهورية    عاجل : فرنسا تُعلّق منصة ''شي إن''    جندوبة: الحماية المدنية تصدر بلاغا تحذيريا بسبب التقلّبات المناخية    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    تونس تطلق أول دليل الممارسات الطبية حول طيف التوحد للأطفال والمراهقين    تونس ستطلق مشروع''الحزام الأخضر..شنيا هو؟''    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    حريق بحافلة تقل مشجعي النادي الإفريقي قبل الدربي    أعلاها 60 مم: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    الديربي التونسي اليوم: البث المباشر على هذه القنوات    ظافر العابدين في الشارقة للكتاب: يجب أن نحس بالآخرين وأن نكتب حكايات قادرة على تجاوز المحلية والظرفية لتحلق عاليا في أقصى بلدان العالم    خطير: النوم بعد الحادية عشرة ليلاََ يزيد خطر النوبات القلبية بنسبة 60٪    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    هام: مرض خطير يصيب القطط...ما يجب معرفته للحفاظ على صحة صغار القطط    تحذير من تسونامي في اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجة    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    الجزائر.. الجيش يحذر من "مخططات خبيثة" تستهدف أمن واستقرار البلاد    الأربعاء المقبل / إطلاق تحدّي " تحدّ ذكاءك الاصطناعي" بالمدرسة العليا للتجارة    النواب يناقشو مهمة رئاسة الحكومة: مشاريع معطّلة، إصلاح إداري، ومكافحة الفساد    التشكيلات المحتملة للدربي المنتظر اليوم    شوف وين تتفرّج: الدربي ومواجهات الجولة 14 اليوم    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    مالي: اختطاف 3 مصريين .. ومطلوب فدية 5 ملايين دولار    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    الدورة 44 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب: 10أجنحة تمثل قطاع النشر التونسي    من كلمات الجليدي العويني وألحان منير الغضاب: «خطوات» فيديو كليب جديد للمطربة عفيفة العويني    عماد الأمن الغذائي والمنظومة الإنتاجية .. الدعم لإنعاش الفلاّح وإنقاذ الفلاحة    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    البنك المركزي: نشاط القطاع المصرفي يتركز على البنوك المقيمة    "اللص النائم".. أغرب ضيف ينتظر سيدة في منزلها    الدورة الاولى لمهرجان بذرتنا يومي 22 و23 نوفمبر بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    الطقس اليوم..أمطار مؤقتا رعدية بهذه المناطق..#خبر_عاجل    بايدن يوجه انتقادا حادا لترامب وحاشيته: "لا ملوك في الديمقراطية"    جلسة عمل بوزارة الصحة لتقييم مدى تقدم الخطة الوطنية لمقاومة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجوائز الأدبيّة.. بين التمدّد والتعدّد والقبول والرفض
نشر في الحوار نت يوم 10 - 04 - 2016

لئن تأخّرت مرحلة انتقال الحضارة العربيّة الإسلاميّة من ثقافة المشافهة إلى ثقافة التدوين، فإنّ ذلك لم يمنعها قطّ من أن تكون متميّزة حدّ التفرّد ومبدعة لا تجاريها أيّ من الحضارات الأخرى في مجال الإبداع الأدبي. ولذلك فإنّها قدّمت مساهمتها الثريّة في الحضارة الإنسانية في هذا المضمار بشهادة كبار أدباء الغرب من مثل، "فون غوته"* (Von Goethe) أمير الشعراء الألمان، وأحد أكبر أدباء الإنسانية المنفتحين على الثقافة العربية الإسلامية وعلى مُنجزها الأدبي بصفة مخصوصة، و " "ألكسندر بوشكين" ** (Alexandre Pouchkine) أكبر شعراء روسيا في القرن التّاسع عشر. أمّا اليوم، فالحال غير الحال.
فقد تراجعت، لا بل تهاوت حضارتنا العربيّة على كلّ الصعد وبلغت أدنى مستوياتها. إذ، ومنذ سنوات عديدة، لم يعد يذكر للعرب إبداع ذو قيمة عالميّة في مجال الآدب والثقافة والفنون إلّا في حالات نادرة بل ونادرة جدّا. إنّه توصيف مرير للواقع العربي الرّاهن، إنّه واقع بنكهة العلقم، بل إنّه واقع مؤلم حدّ الوجع لمن له صلة قريبة بمجال الإبداع أدبا وثقافة وفنّا. اللّافت في هذا الصدد أنّ العالم الغربي رغم تفوّقه إبداعيّا اليوم، في عالم الآداب و الفنون، فإنّه يسعى مع ذلك -ومنذ بواكير القرن الماضي- إلى تحفيز المبدعين لمزيد الخلق والإبداع. فيحتفي بهم وبإبداعاتهم عبر منح مجموعة من الجوائز الأدبيّة القيّمة لمن يستحقّها من المتميّزين منهم تقديرا لأعمالهم ذات الألق الإبداعي والتفرّد الواضح في أيّ من مجالات الإبداع الادبي كالرواية والشعر بصنوفه والمسرحيّة و القصّة والأقصوصة وحتّى المقالة الصحفيّة ونحوها. لذلك تعدّدت الجوائز على امتداد المجتمعات الغربية حيث اشتهرت منها على وجه مخصوص جائزة بوليتزر (Pulitzer Prize)في الولايات المتحدة وجائزة البوكر ( (Man Booker Prize) في بريطانيا وجائزة غونكور ((Prix Goncourt في فرنسا وجائزة كومبيللو ((Prix Campiello في إيطاليا وجائزة جورج بوشنر ( Georg-Büchner-Preis) في ألمانيا وجائزة سيرفانتس Prix ( (Cervantes في إسبانيا.
ليس هذا فقط، بل إنّ بعضا من هذه البلدان، صنّفت جوائزها وفق اختصاصات عديدة، فتخصّصت مثلا ، ضمن الجوائز الفرنسيّة، جائزة فيمينا (Femina (لتشجيع الأدب المناصر لقضية المرأة، كردّ فعل على جائزة غونكور ذات الكراهية الضمنيّة للنساء. فيما اهتمّت جائزة ميدسيس (Médicis) بتشجيع الابداع التجريبي المتّسم بالتجديد . كما أنّ هناك بعض الجوائز المخصّصة لتشجيع الخيال العلمي، والإبداع في الشعر وفي النقد و في أدب الطفل وغير ذلك من فروع الثقافة . وهو ما جعل دولة أوروبيّة وحيدة هي فرنسا، التي تعتبر أكثر الدول في العالم تشجيعا للإبداع الأدبي، لها من الجوائز ما يفوق 0020 جائزة سنويّاً، ما حدا باحد الفرنسيين إلى القول "مثلما أنّ الفرنسيين عموما شغفون بالمساواة، فهم أيضا شغفون بالامتيازات التي تشملهم عن طريق الجوائز والأوسمة". ولعلّ اشهر الجوائز الفرنسية إنّما هي جائزة "غونكور" و جائزة "الأكاديمية الفرنسية الكبرى للرواية" وجائزة " أنترألليي " (Interallié) ذات الطّابع التشريفي فقط ودون مقابل مادّي مهما كان ضئيلا. ولعلّه من نافل القول التاكيد على أنّ هذه الجوائز وغيرها تسهم قطعا وبفاعليّة في تنشيط الحياة الثقافيّة الفرنسيّة على امتداد كامل السنة، وذلك بصرف النظر عن القيمة الماديّة التي ترصد لها. فعلى سبيل المثال فإنّ جائزة "غونكور" التي أسّسها المؤلف والناشر الناجح إدمون دو غونكور (Edmond de Goncourt) سنة1892، وهي أهمّ جائزة أدبيّة فرنسيّة على الإطلاق لأنّها ذات صيت عالمي- رغم محلّيتها- وتمنح سنوياً منذ 1903 "للعمل النثري- الرواية عموما- الأفضل والأخصب خيالاً في العام" ولا تتجاوز قيمتها عشرة يورو. وهو مبلغ رمزي يضاف له فقط، يوميّا و لمدة سنة كاملة، كأسا من النبيذ الأبيض*. لكنّ من يفوز بها (أي الجائزة) يضمن لنفسه، فضلا عن دخوله دائرة الضوء و الخلود مع المبدعين الكبار، ترويج وتوزيع وبيع ما بين مائتي ألف وثلاث مائة ألف نسخة من عمله الإبداعي الفائز. وهو ما يوفّر له عائدات ماليّة مهمّة جدّا بل لعلّها فلكيّة، فضلا كذلك- وهو الأهمّ- عن الإنتشار الواسع محليّا ودوليّا. ما يثري الساحة الثقافية بمجالاتها المتنوعة الأدبية والفنية، ويبعث فيها حراكا يستنهضها وينشّط الدورة الإقتصاديّة، فلا يستفيد عندئذ المبدع المتوّج فحسب بل يستفيد معه أيضا - بعد أن يزداد الطلب على الرواية الفائزة- كلّ من الناشر وأصحاب المكتبات والقرّاء والوسط الثقافي لا بل والدورة الإقتصادية عبر ما يسمّى في الغرب بالصناعة الثقافية ومنها صناعة الكتاب.
أمّا على مستوى العالم العربي، فلا بدّ من الإشارة إلى أنّ الجوائز الأدبية والثقافية التي ينفق عليها العرب ما يفوق 3 ملايين دولار، قد استحدثت ، بداية، في عدد محدود من الدول العربية منذ عهد قريب لا يتعدّى تاريخيّا بضعة من العقود، ثمّ تمدّدت أخيرا لتشمل كامل الوطن العربي تقريبا. وهي لا تعدو أن تكون مجرّد واجهة قد بعثت ليس بغرض تشجيع الأدباء كما يتوهّم البعض ، بل من باب النسج على منوال الغرب ومجاراته في تقاليده الثقافيّة، فضلا عن أن تكون مناسبة ثمينة للحديث عن السلطة التي بعثت الجائزة. فالعرب على أمتداد تاريخهم الطويل، كانوا ولا يزالون في تقديري، تعوزهم ثقافة التحفيز والتشجيع، وهم مبدعون متميّزون وبارعون فقط، في ثقافة التحبيط والتقزيم والتحقير والإستخفاف بالآخر مهما عظم شأنه. وفي هذا المعنى يقول العالم المصري الشهير الدكتور أحمد زويل، وهو محقّ في ذلك "الغرب يدعم الفاشل حتي ينجح .. ونحن نحارب الناجح حتي يفشل". هذا بالإضافة إلى انّ العرب اليوم هم دون شكّ في أضعف حالاتهم في كلّ مناحي الإنتاج العلمي والأدبي والفنّي. ولكن، وبصرف النظر عن هذا المعطى، فإنّ الجوائز الأدبية العربية بصيغتها الراهنة، بالنظر إلى الضعف في التنظيم وفي الحملات الإعلامية التي ترافقها، ووفق معايير إختيار أعضاء لجان التحكيم ومعايير إختيار الفائز بالجائزة، لا يمكن لها أن تشكّل دافعا قويّا للإرتقاء بمستوى الأدب والثقافة العربيّة لتشكّل ثقلا ثقافيّا يتيح لها أن تتبوّأ المراتب المتقدّمة فضلا عن المراتب الأولى ضمن صفوف الآداب والثقافات الأخرى. ولذلك فإنّ المشاركين غير الفائزين والذين كانوا يتوقّعون الفوز ببعض الجوائز العربيّة، كثيرا ما يشكّكون في نتائج أعمال اللجان المانحة لهذه الجوائز التي يغلب عليها الطابع الرسمي مع استثناءات قليلة جدّا. ومعلوم أن كلّ ما هو رسمي قد تحوم حوله الشبهات في علاقة بالولاءات والمحسوبيّة في مجتمع عربي بنية عقله الجمعي لا تزال بدويّة تسودها أغلال وعقليّة القبيلة بما هي بنية مضادّة للتفكير الحضاري المتحرّر من التخندق القبلي. لكن بالرغم من ذلك فإنّ الهرولة إلى الترشّح للظفر بهذه الجوائز لا تزال في الأغلب الأعمّ محمومة وعلى أشدّها، ممّا يغلّب الكمّ على الكيف والكثرة على حساب الجودة. بما ينتج عنه في المحصّلة تكرار ذات المواضيع بذات الأسلوب في التناول والطرح عموما. ولعلّ ذلك ما لا يجعل هذه الجوائز ذات أهمّية عند الرأي العام العربي، رغم أن كلّ دولة عربيّة تقريبا تسند سنويّا بعض الجوائز الأدبيّة الرسميّة والخاصة. فالمواطن العربي له علم جيّد بمجريات وحيثيات جائزة نوبل للآداب ومن يحصل عليها سنويّا. وكذلك الشأن بالنسبة لجائزة غونكور الفرنسية التي لها جاذبيّتها بالنسبة على الأقل لمن يتوفّر على ثقافة فرانكفونيّة، حتّى وإن كانت غير عميقة. ولكنّه لا علم له بالجوائز العربيّة ولا بمن يحصل عليها سنويّا باستثناء الجائزة العالمية للرواية العربيّة التي باتت تعرف ب"البوكر العربيّة "(لأنّها فرع من البوكر الإنجليزية ذائعة الصيت). يحدث هذا الجهل والتجاهل رغم كثرة هذه الجوائز العربيّة و تعدّدها وتنوّعها، والتي نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر: جائزة نجيب محفوظ للرواية العربية في مصر، وجائزة الإبداع العراقي وجائزة سلطان العويس في الإمارات العربية، وجائزة كومار في تونس وجائزة البابطين في الكويت المخصصة للشعر العمودي الكلاسيكي والدراسات الأدبية حوله، وجائزة الملك فيصل العالمية في السعودية والتي من بين فروعها اللغة العربية وآدابها، وجائزة “أفرابيا” للعلوم و الآداب بالسودان وجوائز وزارة الثقافة للإبداع الأردنيّ وجائزة "كتارا" للرواية العربية في قطر، ونحو ذلك من الجوائز، في دول عربية أخرى لا يسمح المجال بتعدادها.
اللّافت، في هذا السياق، أنّ كلّ هذه الجوائز العربيّة مجتمعة، لا تقَارَنُ ولا ترتقي، في قيمتها الأدبيّة وجاذبيّتها وذيوع صيتها، إلى مستوى جائزة غربيّة واحدة من مثل "جائزة غونكور" أو "جائزة البوكر الإنجليزيّة"، فضلا عن عدم جواز مقارنتها ب"جائزة نوبل في الأدب" التي تعتبر، قطعا، أبلغ تكريم أدبي يمكن أن يحلم به أو يحصل عليه أديب أو شاعر أو مفكّر، مهما كانت سعة شهرته محليّا. تأسيسا على ذلك فليس مستغرب أن تكون فرنسا هي أوّل دولة تفوز بجائزة نوبل في الأدب سنة 1901 بفضل الشاعر رينه سولي برودوم ( René Sully Prudhomme) . وهي تعدّ اليوم أكثر دولة فازت بهذه الجائزة . حيث انّها حازت عليها 15مرة. كما فازت بها بريطانيا 10مرّات، فيما لم يفز بها العرب بدولهم ال22 مجتمعة، إلّا مرّة واحدة في تاريخهم من خلال دولة مصر وأديبها الكبير نجيب محفوظ. لا بل إنّ بعض العرب أنفسهم يشكّكون في سبب منحها لنجيب محفوظ دون غيره ويعتبرونها -أي الجائزة- أسندت له على خلفيّة موقفه السياسي المؤيد لاتفاق "كامب ديفيد" وليس تقديرا للقيمة الفنيّة لمجمل أعماله الأدبية ذات الطابع المغرق في المحلّيّة. وفي كلّ الأحوال، فمثلما ترى الفلسفة الماديّة أن الإنسان إنّما هو نتاج لبيئته ولمحيطه(L'homme est le produit de son milieu et de son environnement) فإنّي أرى أن مستوى الأديب العربي، عموما، إنّما هو نتاج حتميّ لبيئته ولمحيطه المتميّزين بالرداءة و التحبيط ونكران عطاء الآخرين، في ظلّ أنظمة مستبدّة لا تعير الثقافة أيّ وزن ولا اهتمام، ولا تحدث الجوائز الأدبيّة إلّا رغبة منها في تبييض وتلميع صورتها القبيحة جدّا ليس أكثر، خلافا لما يروّجه مثقّفو السلطة البائسون من فاسدين، ووصوليين و متسلّقين يتودّدون للحاكم بمذلّة ومهانة.
في المقابل، وبصرف النظر عمّا تحدثه الجوائز الأدبيّة من حركيّة في الوسط الثقافي، وعن تحفيزها للقارئ على مطالعة الأعمال الفائزة، فضلا عن إغرائها المادّي للأدباء عموما، فإنّ الأدباء الأصيلين والمفكّرين العظماء، وهم المثقّفون الأحرار المتمسّكون شديد التمسّك بحريّتهم و بإستقلاليّة مواقفهم التي لا يقايضونها بالمال ولا بالمناصب، لا ينضوون تحت لواء ومظلّة السلطة مطلقا. وبالنتيجة فإنّهم، لا فقط لا ينخرطون في تلميع صورتها، بل إنّهم يرفضون أيضا كلّ ما تمنحه لهم من جوائز وأوسمة مهما كانت قيمتها الماديّة والرمزيّة. وفي هذا الإطار يمكن أن نذكر بكلّ إجلال وتقدير، على المستوى العربي، إستقالة عبّاس محمود العقّاد، صاحب الإرث الفكري والشعري والأدبي العظيم، من وظيفته الحكومية مؤكّدا بالمناسبة : « إنّ نفوري من الوظيفة الحكومية (...) كان من السوابق التي أغتبط بها وأحمد الله عليها.. فلا أنسى حتى اليوم أنني تلقّيت خبر قبولي في الوظيفة الأولى التي أكرهتني الظروف على طلبها كأنني أتلقى خبر الحكم بالسجن ». كما نذكر بإعجاب رفض هذا الأديب العملاق ، تسلّم "جائزة الدولة التقديرية في الآداب"، التي منحها له الرئيس المصري جمال عبد الناصر، فبرهن بذلك أنّه كان حقّا أكبر من الجائزة، ورفضه كذلك قبول "الدكتوراه الفخرية" من جامعة القاهرة، رغم عصاميّته وشهائده العلميّة القليلة التي لا تتعدّى الشهادة الإبتدائيّة، فبرهن مجدّدا على انّه أكبر من الدكتوراء ولا سيّما إن كانت فخريّة. أمّا على المستوى الغربي والعالمي، فإنّ المهتمّين بالأدب والفكر قد علموا، في الأغلب الأعمّ، برفض الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر لتسلّم جائزة نوبل في الأدب لسنة1964. وهو رفض أحدث ضجّة كبرى وأثار جدلا واسعا في حينه ولا يزال، ويأتي في إتّساق تام مع الفكر الوجودي الذي أشتهر به، والمرتكز على نقد كل أشكال المؤسسات التي يرى أنها “مميتة” للمثقّف.
وقد عبّر سارتر عن رفضه للجائزة بالقول: «أنا أرفض صكوك الغفران الجديدة التى تمنحها جائزة نوبل» وقال أيضا:« إنّ حكم الآخرين علينا، ما هو الّا محاولة لتحويلنا الى موضوع وتشييئنا، بدل النظر الينا كذوات انسانيّة» كما أنّه اعتبر الجائزة بمثابة“قبلة الموت”. وهذا غير مستغرب من جان بول سارتر لأنّه سبق وأن رفض قبول كلّ الجوائز الفرنسية ومنها جائزة "جوقة الشرف ". لا بل سبق وأن راسل الأكاديمية السويدية معبّرا لها عن رفضه للجائزة : « أتمنى ألا أكون ماثلا على قائمة المرشحين للجائزة، وأنا لا أستطيع ولا أرغب، لا الآن ولا في المستقبل، أن أقبل هذه الجائزة». علما، في هذا الصدد، وأنّه لم يسبق سارتر إلى رفض جائزة نوبل، سوى الكاتب الايرلندي الساخر جورج برنارد شو سنة 1925، وذلك بعد 40 سنة من الكتابة الإبداعيّة. و قد قال في ذلك: «هذه الجائزة أشبه بطوقِ نجاة يلقى به إلى شخص وصل بر الأمان ولم يعد هناك خوف عليه من خطر ». كما قال برنارد شو، في سخريّة من مؤسّس الجائزة: « إنّنى أغفر لنوبل أنه اخترع الديناميت ولكنّنى لا أغفر له أنّه أنشأ جائزة نوبل.. إنّى أكتب لمن يقرأ لا لأنال جائزة».
الهواهش:

* أنظر كتاب "غوته " الديوان الغربي والشرقي" والذي ظهر فيه متأثرا بالفكر العربي والإسلامي والفارسي ، مجسداً لقيم التسامح بين الحضارتين .وأنظر قصيدته الرائعة التي مدح فيها طويلا الرسول محمّد (صلعم) و أشاد فيها بالقرآن الكريم.
**يذكر " ألكسندر بوشكين" أنّ"هناك عاملان كان لهما تأثير حاسم على روح الشّعر الأوربي هما : غزو العرب، والحروب الصليبيّة. فقد أوحى العرب إلى الشّعر بالنشوة الروحيّة ورقة الحبّ، والولع بالرائع والبلاغة الفخمة للشرق…هكذا كانت البداية الرقيقة للشعر الرومنطيقي."
***فكأنّما الفائز بالجائزة قد فاز بالدخول إلى الجنّة فقد قال تعالى عن خمر الجنة: ( بيضاء لذّة للشاربين)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.