ذاع يوم الاثنين 29 أغسطس 2016 نبأ إغلاق أكادمية الملك فهد ببون في موفَى السنة الميلادية الجارية 2016 بعد عشرين سنة من احتضان عدد من أبناء العرب المقيمين في بون وما حولها وفّق عدد منهم في التخرج من الأكادمية بعد امتحان الباكالوريا والالتحاق بالجامعات الألمانية.كان الاتحاق بالجامعة مشروطا بدراسة سنة في معاهد التاهيل للالتحاق بالجامعة لأن شهادة الباكالوريا لم يكن معترفا بها بشكل آلي . المدرسة كانت تدرس كل المواد باللغة العربية إلى جانب التربية الإسلامية واللغات الأجنبية كاللغة الانجليزية واللغة الألمانية بمستوى هزيل لا يرقى لاحتياجات التلميذ المقيم بألمانيا بحيث يجد التلاميذ المنتقلون إلى المدارس الألمانية صعوبة كبيرة في مواصلة مشوارهم الدراسي. والمنهاج التعليمي المعتمد هو منهاج المملكة العربية السعودية الذي يدرّس للتلاميذ داخل المملكة بحذافيره تقريبا.
ورغم ذلك كان افتتاح المدرسة العربية ببون سنة 1995 بشرى سارة لكل الأسر المهتمة باللغة العربية وبتربية أبنائها في إطار يضمن تعليما جيدا وترسيخا لهوية الأبناء. فانهالت على المدرسة طلبات التسجيل بشكل غير متوقع رغم ارتفاع تكاليف التسجيل نسبيا خاصة بالنسبة إلى الأسر ضعيفة الدخل التي لها عدد كبير من الأطفال. وكان الأطفال المترشحين للالتحاق بالمدرسة لا يُقبلون إلا بعد إجراء مقابلة معهم فيقبل بعدها من يقبل ويُردّ من يُردّ. التلاميذ المقيمون في ألمانيا الحاصل عدد كبير منهم على الجنسية الألمانية يدرسون تاريخ الممكلة السعودية وجغرافيتها وسهولها وجبالها وأوديتها ويحفظ الصغار منهم أناشيد من قبيل "علم بلادي علم أخضر فيه شهادة حق تذكر فيه السيف رمز القوة ......". كما يدرسون عن مدن مثل الدمام وأبها وغيرها ولا يدرسون شيئا عن ألمانيا وتاريخها وجغرافيتها، وعلى ذلك فقس في بقية المواد. ورغم كل الهنات الملحوظة في المنهاج التعليمي وفي التسيير الإداري بالأكادمية كان الأولياء يتجشمون الصعاب ويتحملون المشاق من اجل إرسال أبنائهم لهذه المدرسة يدفعهم لذلك حرصهم ان ينشا أبناؤهم في بيئة مدرسية " نقية " من الإباحية والتحرر بالمفهوم الغربي. وأن يحافظوا على هويتهم الثقافية التي يعتبر عنصرا الدين الإسلامي واللغة العربية من أبرز عناصرها. كما كان يحدوهم الأمل في أن تتطور المدرسة شيئا فشيئا مع الزمن حتى تصبح أكثر استحابة لمتطلبات الطالب الأوروبي المنحدر من أصول عربية وإسلامية، لكن هذا لم يحدث بل كان بعض المسؤولين في المدرسة يصرحون أن المدرسة أسست بالأساس استجابة لحاجة السعوديين والخليجيين ثم الدبلوماسيين العرب حتى يتابع أبناؤهم الدراسة أثناء أداء مهامهم الدبلوماسية بألمانيا لا أكثر. وأعرضت إدارة المدرسة عن التفاعل مع كل نقد أو اقتراحات من ذوي الإختصاص من أبناء الجالية العربية. ففوتت المملكة السعودية على نفسها فرصة الريادة في إنشاء معلم ثقافي بارز يُعرّف بالثقافة العربية الإسلامية وينشر اللغة العربية في أرجاء ألمانيا لفائدة المنحدرين من أصول عربية وغيرهم. وينتصب معمارا شامخا يحدث ناظريه بما يسكن خلف جدرانه من ثقافة ودين. وهو ما يميز مبنى الأكادمية الذي شيد على نمط معماري جميل يمزج بين العمارة الإسلامية الأصيلة والمسحة العصرية الأنيقة. واليوم يدور النقاش في الصحافة الألمانية للأسف الشديد بعد صدور قرار غلق المدرسة حول مصير هذا المبنى وكيف يمكن الانتفاع به بعد إغلاق المدرسة رسميا في موفى هذه السنة. خاصة أن المدرسة شُيّدت على أرض لا تملكها ولا يحق لها الانتفاع بها بعد الإغلاق. هذا من استتباعات التفكير الارتجالي الذي لايفكر في عواقب الامور التي تحملها الأيام المقبلة مثل هذا اليوم. كما صرح المسؤول السعودي للصحافة الألمانية عن سبب إغلاق المدرسة أن النظام التعليمي في ألمانيا نظام متطور وجيد ولم تعد هناك حاجة للإبقاء على هذه المدرسة. وكأن المسؤولين السعوديين لم يكتشفوا جودة النظام التعليمي الألماني وتطوره إلا اليوم ولم يكونوا على علم بذلك يوم أسست المدرسة قبل عشرين عاما. حدث مهم لا يمكن إغفاله في سياق الحديث عن تاريخ أكادمية الملك فهد ببون وهوما تعرضت له في سنة 2003 من حملة إعلامية مسعورة أجج نيرانها رؤوس الإسلاموفوبيا، وقادتها وسائل إعلام معادية للإسلام على صفحات جرائدها ومختلف إذاعاتها وشاشاتها. كان ذلك من تداعيات هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 وما تلاها من حملة ضد الأسلام والمسلمين وجدت مرتكزا لها في بعض التصريحات الساذجة التي يطلقها بعض المنتسبين للإسلام وفي بتر بعض التصريحات من سياقها ونشرها في الإعلام لتأجيج العداء ضد الإسلام. وكنتيجة مباشرة للحملة الإعلامية قررت المصالح الألمانية المختصة بشؤون التربية والتعليم أن يُفصل من أكادمية الملك فهد كل الأطفال المقيمين إقامة دائمة في ألمانيا أو الحاصلين منهم على الجنسية الألمانية. وأن يلتحقوا فورا بالمدارس الألمانية. ولا يسمح بالدراسة في هذه المدرسة إلا لمن كان يقيم في ألمانيا إقامة مؤقتة من أبناء الدبلوماسيين وغيرهم. فشلت محاولات القائمين على الأكاديمية في التأقم مع الوضع الجديد بعد انخفاض عدد التلاميذ وتسريح عدد من المعلمين وانحسار دورها كمدرسة عادية. كان من الممكن الإبقاء عليها بأي شكل يضمن استمرار تعليم اللغة العربية للكبار والصغار وتنظيم دورات للتعريف بالثقافة العربية الإسلامية، وتبقى معلما ثقافيا على غرار معاهد " جوتا " المنتشرة في العالم لنشر الثقافة واللغة الألمانية، وعلى غرار المدارس الإسبانية والفرنسية وغيرها المنتشرة في ألمانيا. لكن الأمور تسير على عكس ما نرغب ونتلقى الأنباء المحزنة بدنو أجل هذه المؤسسة التعليمية العربية اليتيمة في ألمانيا، في الوقت الذي يعلن فيه عن افتتاح مدرسة جديدة للتعليم باللغة العِبْرِية في مدينة كولونيا. فهل نصعد يوما من مستنقع التشرذم السياسي والانحدار الحضاري؟ كوثر الزروي 30 أغسطس 2016